خالد بناني
15-12-2011, 06:50 PM
عابران في ممر عابر.. والتقينا. وكما لو أن عيوننا لم تألف بعضها قبلا، كما لو أننا لم نتبادل التحايا يوما، كما لو أنني رجل سواي وأنت أنثى سواكِ.. واصلنا المشي غريبين، ثم افترقنا.
لأكثر الأشياء التي تأتينا روعة ووجعا موعد واحد: موعد الغفلة، ومكان واحد: آخر مكان نتوقعه، وطريقة واحدة لإشعارنا بأنها وصلت: كل هذا الكم المخيف من الزلازل التي يشتعل بها القلب.
عابران في ممر عابر لا يتسع إلا لشخصين بالكاد، وليس فيه سوانا أنا وأنتِ. كيف كنا لنتفادى كارثة اصطدامنا بالذكريات؟ لا يصح أبدا أن نحاول تدبر موعد للذاكرة على طاولة محجوزة مسبقا للنسيان، فقد خسرنا معا.. وانتهى الأمر. لا أدري كيف حاولت إقناع نفسي بأننا لن نلتقي صدفة بمكان تعودنا على التواجد فيه كل يوم تقريبا كي نرى بعضنا، ولا كيف حاولت تكذيب حدسي بأن هذا العطر الذي يملأ الزوايا والذي يشبه عطرك.. هو حقا عطرك، ولا كيف كتبت لكِ أنه بإمكاننا أن نظل صديقين حتى بعد أن نفقد بعضنا... لا أدري كيف في الحزن تقصمنا أخطاؤنا، ونواصل الادعاء أننا حقا بخير.. أننا دوما على حق.
عابران في ممر عابر، تلك الطفلة البيضاء، وهذا الأسمر النحيل، وجها لوجه، صمتا لصمت، ثم ها نحن فجأة نلمح بعضنا للحظة قبل أن تواصل العيون هروبها نحو الأرض. لحظة فقط، كتلك التي تكفي لالتقاط صورة بالأبيض والأسود، فقد كانت أحاسيسنا هي ما يمنح الأشياء من حولنا ألوانها. بين اللونين أيقنت تماما أن التي أمامي هي أنتِ، فقد كان لهاتين العينين لونهما الحيادي الخاص، لون اللهفة الخجلى والحنين. يحدث أننا لا نرى من الواقف أمامنا سوى عينيه، ذلك أنهما وحدهما كافيتان لنستدل بهما عليه، كافيتان لنعرف منهما إن كان بخير أو لا. أتراكِ بخير؟
عابران في ممر عابر.. لست أذكر حتى ما الذي كنت ترتدينه ساعتها، الأحمر الذي تفضلينه كثيرا، الرمادي الذي أعشقه جدا، أم غيرهما مما يراه سوانا جميلا بكِ.. جميلا عليكِ. التصقتُ بالحائط حتى تمري قربي وأنا أجاهد كي أصدق أن كل هذا حدث عادي دون أن أنجح. كلا، لا شيء عادي، لا الآن ولا قبلا ولا في أي وقت لاحق، لطالما كنت هدية الله إلي، وحين نفقد هدايا الله تصعب علينا مواصلة الحياة معتبرين أن هذا لم يحدث. خسرنا بعضنا حقا.. فمن ذا الذي قال إن الأمر انتهى؟؟؟
عابران في ممر عابر.. على بعد خطوة مني تباطأ الوقت فجأة، وأمامي توقف تماما وأنا أراكِ تمثالا من بياض بوجه خال من مساحيق التجميل ورموش كحيلة. أكاد أقسم أنني لم أرفع عيني عن الأرض لأتأملك، فكيف صرت أراكِ دون أن أراكِ؟ في آخر الوقت وأنتِ تواصلين العبور قربي، وأنتِ تتمين عبوري لمحتُ حقيبتك الصغيرة تلك. كان لابد أن أراها وقد تعودتِ مسكها بيدك اليسرى.. يدكِ التي لا طلاء يكسو أظافرها للزينة، والتي يزينها الآن خاتم ذهب بفص أحمر. أكان لابد من خاتم زواج أراه كي تعلني أن مشاريع أحلامك التي ظل نصفها معي.. سيكملها رجل آخر؟ أكان لابد من فص أحمر؟
عابران في ممر عابر.. بيننا شيء لا نستطيع كتمانه، وشيء لا نستطيع نسيانه. تلك التفاصيل البسيطة.. تلك التفاصيل كلها.. مكان جلوسنا المفضل.. ساعة معصمك الفضية.. أوراقي المبعثرة.. حكايتنا التي وُلِدت فجأة.. شغفكِ بالمجلات النسائية.. عناد الأطفال الذي يفضحني.. نظرات المارين بنا.. أثر الناي في صوتك.. تكهنات الأصدقاء بأننا قد.. خوفنا من الأحاسيس المعلقة... ثم الرحيل.. هل يسعفنا النسيان في الشفاء؟ هل ثمة نسيان حقا؟ لا.. كل نسيان متعمد، فالذاكرة لا تسقط منا سهوا. النسيان جرحنا السري، وجعنا السري.. هو احتيالنا المكابر على الذاكرة. لا شفاء من الذكريات.. لا شفاء من الحكاية.
عابران في ممر عابر... والتقينا غريبين... ثم افترقنا.
لأكثر الأشياء التي تأتينا روعة ووجعا موعد واحد: موعد الغفلة، ومكان واحد: آخر مكان نتوقعه، وطريقة واحدة لإشعارنا بأنها وصلت: كل هذا الكم المخيف من الزلازل التي يشتعل بها القلب.
عابران في ممر عابر لا يتسع إلا لشخصين بالكاد، وليس فيه سوانا أنا وأنتِ. كيف كنا لنتفادى كارثة اصطدامنا بالذكريات؟ لا يصح أبدا أن نحاول تدبر موعد للذاكرة على طاولة محجوزة مسبقا للنسيان، فقد خسرنا معا.. وانتهى الأمر. لا أدري كيف حاولت إقناع نفسي بأننا لن نلتقي صدفة بمكان تعودنا على التواجد فيه كل يوم تقريبا كي نرى بعضنا، ولا كيف حاولت تكذيب حدسي بأن هذا العطر الذي يملأ الزوايا والذي يشبه عطرك.. هو حقا عطرك، ولا كيف كتبت لكِ أنه بإمكاننا أن نظل صديقين حتى بعد أن نفقد بعضنا... لا أدري كيف في الحزن تقصمنا أخطاؤنا، ونواصل الادعاء أننا حقا بخير.. أننا دوما على حق.
عابران في ممر عابر، تلك الطفلة البيضاء، وهذا الأسمر النحيل، وجها لوجه، صمتا لصمت، ثم ها نحن فجأة نلمح بعضنا للحظة قبل أن تواصل العيون هروبها نحو الأرض. لحظة فقط، كتلك التي تكفي لالتقاط صورة بالأبيض والأسود، فقد كانت أحاسيسنا هي ما يمنح الأشياء من حولنا ألوانها. بين اللونين أيقنت تماما أن التي أمامي هي أنتِ، فقد كان لهاتين العينين لونهما الحيادي الخاص، لون اللهفة الخجلى والحنين. يحدث أننا لا نرى من الواقف أمامنا سوى عينيه، ذلك أنهما وحدهما كافيتان لنستدل بهما عليه، كافيتان لنعرف منهما إن كان بخير أو لا. أتراكِ بخير؟
عابران في ممر عابر.. لست أذكر حتى ما الذي كنت ترتدينه ساعتها، الأحمر الذي تفضلينه كثيرا، الرمادي الذي أعشقه جدا، أم غيرهما مما يراه سوانا جميلا بكِ.. جميلا عليكِ. التصقتُ بالحائط حتى تمري قربي وأنا أجاهد كي أصدق أن كل هذا حدث عادي دون أن أنجح. كلا، لا شيء عادي، لا الآن ولا قبلا ولا في أي وقت لاحق، لطالما كنت هدية الله إلي، وحين نفقد هدايا الله تصعب علينا مواصلة الحياة معتبرين أن هذا لم يحدث. خسرنا بعضنا حقا.. فمن ذا الذي قال إن الأمر انتهى؟؟؟
عابران في ممر عابر.. على بعد خطوة مني تباطأ الوقت فجأة، وأمامي توقف تماما وأنا أراكِ تمثالا من بياض بوجه خال من مساحيق التجميل ورموش كحيلة. أكاد أقسم أنني لم أرفع عيني عن الأرض لأتأملك، فكيف صرت أراكِ دون أن أراكِ؟ في آخر الوقت وأنتِ تواصلين العبور قربي، وأنتِ تتمين عبوري لمحتُ حقيبتك الصغيرة تلك. كان لابد أن أراها وقد تعودتِ مسكها بيدك اليسرى.. يدكِ التي لا طلاء يكسو أظافرها للزينة، والتي يزينها الآن خاتم ذهب بفص أحمر. أكان لابد من خاتم زواج أراه كي تعلني أن مشاريع أحلامك التي ظل نصفها معي.. سيكملها رجل آخر؟ أكان لابد من فص أحمر؟
عابران في ممر عابر.. بيننا شيء لا نستطيع كتمانه، وشيء لا نستطيع نسيانه. تلك التفاصيل البسيطة.. تلك التفاصيل كلها.. مكان جلوسنا المفضل.. ساعة معصمك الفضية.. أوراقي المبعثرة.. حكايتنا التي وُلِدت فجأة.. شغفكِ بالمجلات النسائية.. عناد الأطفال الذي يفضحني.. نظرات المارين بنا.. أثر الناي في صوتك.. تكهنات الأصدقاء بأننا قد.. خوفنا من الأحاسيس المعلقة... ثم الرحيل.. هل يسعفنا النسيان في الشفاء؟ هل ثمة نسيان حقا؟ لا.. كل نسيان متعمد، فالذاكرة لا تسقط منا سهوا. النسيان جرحنا السري، وجعنا السري.. هو احتيالنا المكابر على الذاكرة. لا شفاء من الذكريات.. لا شفاء من الحكاية.
عابران في ممر عابر... والتقينا غريبين... ثم افترقنا.