المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ملكة الياسمين / منتظر السوادي



مُنتظر السوادي
03-01-2012, 10:50 AM
الجزء الثاني من قصة " رحلة "

https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=53346

" ملكة الياسمين "

عصفور المحبّة يكركرُ معلناً انطلاقة يوم جديد .. تتفتق عتمة الليل وتولد أَعمدة الضياء المكلل بالحياء ، يتناثر العطر بين أَوتار النخيل ، فيعزف النهر أُغرودة الصباح ، الأزهار بندى الفجر ترفع رؤوسها مستبشرة ، فتهيج أمواج الاشتياق في نفسه .. منزوياً جنب جذع شجرة ، ينظر إِلى حبيبته المتوارية خلف سحب المجهول ، يتخذ قراره .. سأرحل باحثا عنها ، أجوب الوديان ولو كلفني ذلك عمري !.
عاد هائماً تائهاً لأمه ، فلَاذَ بالسكوت وسكّ عليه باب غرفته. ينادي الأب زوجته بكلمات متكسرة :
- " تحطمت أحلامي !!" .
- " ما الأمر ؟!"
الصمتُ يطبقُ ويتسيّد المكان ، الظلّ تسمّر على الأَرض ، ازدادت حيرته ، وارتفعت أَمواج التساؤل ، يطلق نظرات روحه في كل الأرجاء ..
-" ولدك! .. خرج باحثاً عن "ملكة الياسمين"!
ارتسمت على وجهها غيوم ملبدة بالأكدار، "... وأين يجدها في زحمة العشاق ؟ "
يرفع رأسه :
- " لا عليك سيرجعه الليل والجوع ، وما " ملكة الياسمين " إلا حلم الأولين والآخرين من الهائمين !!"
خرج .. يهمهم مع النسمات ، ويحاكي النجوم ، يرسم الدروب في قلبه ، يدخل غابة ، علّه يجد دليلاً يوصله إليها ! ..
أشعة الشمس تخلخل كثافة الأشجار ، يصغي لهمسٍ فؤاده ، ثم يعرج ليسير مع الشعاع ، كإكليل ملكةٍ ضوء الشمس يتلألأ على وجه الماء ، يبدو له لؤلؤاً منثوراً ، ينزل المنحدر ، يصل إِلى نهرٍ بعذب الماء يسري .. بلحن الحياة يغنّي ، حوله الطيور والفراشات تطير ، الأسماك ترسم خرائط الزمن على وجه الماء ، يأخذ حفنة بيديه ، يشمه ويبكي ، وكأنه شرب من نهر الحزن حتى اشتد عظمه .
أرهقه البكاء والتجول ، فارتسمت أمارات التعب عليه ، توسّد حجرة واستظلَّ بشجرةٍ ، يلقي ببصره على صفحات الماء المتماوجة ..
يدنو ... تمتدُّ يداه ، يرفع شالها بخجلٍ ويمشط شعرها الحريري بهدوءٍ ، ويرسم من خصلاتها حكاية عشقِه الطفوليّ .. يهمس لها بلطفٍ ، ويداعب أناملها بعطفٍ ، يأخذ بيدها إِلى الشاطئ ، يتجولان .. حتى يحلو العناق .
على السفح يهرولان ، تتقافز بعض الأَسماك الذهبية فتلمع أجسادها البلورية ، يهمسان لبعضهما ..ما أَحلى صمت الليل وتلألأ السماء والماء !! .. يجلسان وتتساقط أضواء البدر على ثغريهما ، تشده إِلى الماء ترمي به على الشاطئ ، يرشّها بقطرات الحياة النابضة بالحُبِّ ، تتبعه لترشّه بما يمتزج بذيل فستانها من قطرات لؤلؤية .. يستلقيان على الرمال ويخلعان أثواباً من العناء ، يمدان رجليهما لتتفتق الموجة تلو الموجة .
تبادره بحكايتها : " انتظرتك في الصباح بعدما أعلنت العصافير نزول الندى على ضفاف الأُفق ، فهل لضوء الشمس طعمٌ دون همس الحبيب !" .
تضع يدها تحت رأسه ، وشعرها اللين على جبهته .." أتعرف ! .. الظلام واليأس طوقني وخنق كلّ حلمٍ حلمته ؟! ، فبدا لي كلّ حبٍّ حكاية شهرزادية ، لكنك قلبت الموازين ، وصنعت العشق بدمائك البريئة مع كلّ صباح .. كأَنَّك تغرس قدميك في نهر الطفولة ! ".
يخفي دموعه بقطرات الموج ، يعاوده الارتجاف .. أطبق أنفاسه وحاول إخفاء ما بداخله .
بغتة يشحب نور وجهها ، تنكس رأسها ، ولا تتحرك إلا خصلات شعرها مع نسمات الهواء العليل .
يا هدية الرحمن " ما بك ؟!"
صوتها نسي عذوبته .. غادرته بداهة الإجابة ، وغار في عجمة الصمت ، لم تبادله بشيءٍ .. خنقتها عبرتها ، فَوَخَزَ قلبه طائفٌ من السوء..
- " ما الأمر يا سرَّ الفؤاد ؟ " ..
يرفع رأسها المتكئ على ركبتيها ، يحدق بعينيها يغطيهما شعرها ، ومغرورقتين بالدماء ... !! ، وجحافل من الأقوال تحكيها ، صمتت شفتاه ، تزلزلَ فؤاده ، اهتز كيانه ، يهوي بين يديها ، ليتلاشى الجسم الشاخص ويلتصق بظلّه . بعد أَن خفت لحنه رويداً رويداً .. يغرقان في حشرجة الأنفاس ، ودقات نبضٍ كأَنَّها نذير من عذابٍ نازل .
يزداد تدافع دمها فتخضب ثوبها ، ترفع رأسه تضعه في حجرها ، وبيديها الناعمتين تمسح وجهه ، تهوي دمعة قلبها على قلبه ، ليفتح عينيه ، يبصر وجهها الملائكي مخضباً بالدماء ، فتدمع روحه .. يهمُّ بالكلام ، لكن لسانه يتلعثم ، وكأَنَّ النطق محالٌ بين الأحباب ، فتهامست عيناهما بلغة الامتزاج والفداء فتحتضنه ويمتدّان على برودة الأرض .
...
إطلاقة نار ، ويسقط طائر قربه ، فتأخذه رعدة ، وينزل رعبٌ في كيانه .. أَين ..... ؟!
أصوات غريبة ، وحركات الأمواج مختلفة ، يلامس وجه الماء ، يحسُّ أن هناك ثمة قارب يدنو منه .
- "من هذا ؟ وما تفعل هنا ؟"
يوجهون البنادق صوبه ، وبحذر شديد يتجه كبيرهم نحوه .
يحاول جاهداً أن يرى ما حوله ؛ لكن البكاء قد أخذ قوة بصره ، وسلب منه صوته الغنَّاء ، واستعار منه الحزن مرونة حراكه .. ينزل الآخرون ويجلسون معه ، يسمعون حديثه الشجي ، يخبره أحدهم سمعت حكاية تقول إِنَّ " ملكة الياسمين " تقطن وادي الورود ، وهو في أعالي هذا النهر .
بشوق عتيد ، وتنهيدة ثقيلة من قعر النفس ، يتأمل عبارة الصياد .. ترقرقت دمعة رقيقة تتأرجح على أهدابه ، وكأنّ عبارة الصياد نسمة حياة أُلقيت في غرفة مهمومة صماء ضوؤها الباهت يشربه الظلام ، نفد عمر شمعتها سوى ما ظلّ حول الذّبالة من دموع ، فها هي ترقص رقصة الوداع مع نغمات أوتار المحيط الجميل .
- "أحقاً ما تقول ؟!!"
ابتسم ابتسامة غريبة ، تومئ بارتياب ، أغلق عينيه بلطف ، يطرق رأسه ببطء " نعم ... "
- " أرجوكم خذوني إِلى هناك ، فلا أستطيع العيش من دونها ."
- "نعم ، لكن .. "
قاطعه .. " أرجوك ، أشفق عليّ أرجوك !!".
- " اسمع أيها الفتى ، " ملكة الياسمين " هي حكاية خرافية ، تحكيها العجائز ، وترويها الكتب ، ليس إلا !" .
- " وما الضير إن نقلتموني إلى هناك ! ؟"
يوصلونه ويتركونه على الشاطئ ، الأرض مفترشة بالعشب ، الدروب محفوفة بالأَشجار ومزخرفة بأَلوان الورود ، يستنشق أريج الجزيرة ، يثمل والقلب يطرب .
يراه أحد حراس الملكة .." قف !! .. من أنت ؟ وما تصنع ؟"
يحدق في اتجاه الصوت ، يرى ظلاً ، يدنو منه الحارس يصرخ بوجه.." ألم تسمع ! .. ما تعمل ؟"
- " أريد الملكة .. أريد الملكة !"
- " وما شأنك والملكة ؟ "
- " سائل!" .
تشفق عليه جارية سمعت الحوار ، تخبره أنَّ الملكة في المشفى ولا يمكن أن يراها أحد ! .. يذهبان إِلى المشفى ، يدخلان قاعة الانتظار ، يخرج الطبيب ".. نحتاج إِلى متبرع بالقلب ..!!"
يجيبه الفتى " لبيك! "
يأخذون جرعة دمه ، وإذا يجدونها متوافقة تماماً ، يدخلونه صالة العمليات ، يطلب قطعة قماش بيضاء ومبضعة ، وبسبابته يخطّ وصيته ، وهو يخفي دموعه بقطرات الماء التي غسلوا بها وجهه ، وحشرجات أنفاسه يموه لها بحركة الكتابة :
" يا قنديل أيامي ، كنت في دياجير الدروب ، أَتعثرُ وأتأمل ، والآن أَبصرت دروب الحقيقة وعرفت طُرقَ السّراب ، فيا أُسطورة أحلامي الآن أموت قرير العين ، لأعيش عطراً ياسمينياً ، وينبض اسمك بين أَغصان قلبي !.... "

منتظر السوادي 1/1/ 2012

عايد راشد احمد
03-01-2012, 11:59 AM
السلام عليكم ورحمة الله

استاذنا الفاضل

راقني ما كتبت محتاج ان اعود بقراءة مرة اخري

لي عودة ان شاء الله

تقبل مروري وتحيتي

كاملة بدارنه
03-01-2012, 09:37 PM
تمتلك مقدرة رائعة في الوصف، وبلغة راقية، عالية المستوى

هذا النّفس الطّويل في السّرد يبشّر بإمكانيّة كتابة الرّواية مستقبلا

أحييك أخ منتظر على هذه القصّة بخيالها الواسع

تقديري وتحيّتي

(وتلألؤ _ طوّقاتي وخنقا - هناك أو ثمة قاربا ( لأنّ الكلمتين بنفس المعنى )

صفاء الزرقان
04-01-2012, 12:25 AM
أبدعت
قصة رائعة حقاً و سردٌ عذبٌ رقيق
يستحوذ على القارئ و يسلبه ليدخله في اجواء ذلك السرد
الاسطوري فيعيش القارئ تفاصيل الحكاية و يراها
وصفك للتفاصيل كان رائعاً رسمت بذكاء اجواء حياة اسطورية بديعة
الألفاظ جميلة قوية وقد خدمت النص . أوافق الأستاذة الفاضلة كاملة فيما قالته
بانتظار بقية اجزاء هذه القصة الرائعة
تحيتي و تقديري

ربيع بن المدني السملالي
04-01-2012, 12:35 AM
أبدعتَ كدأبك أخي الكريم شكرا لك ...
تحيتي الخالصة

ربيحة الرفاعي
05-01-2012, 03:11 AM
لغة تشتاق لفيئها النفس وتهيم على مسرح الصور المرسومة بروعتها العيون
وسرد شائق متمكن يشهك بتمكنك من حرفك وأدبك


أبدعت أيها الكريم

تحيتي

وليد عارف الرشيد
05-01-2012, 09:17 PM
حرفية في القص وروعة في اللغة والصورة ... لذا سأدع النقد لأصحاب الشأن وأكتفي بإعلان إعجابي بالنص الأدبي الذي أبهرني
مودتي لك أيها المبدع

مُنتظر السوادي
05-01-2012, 10:28 PM
السلام عليكم ورحمة الله

استاذنا الفاضل

راقني ما كتبت محتاج ان اعود بقراءة مرة اخري

لي عودة ان شاء الله

تقبل مروري وتحيتي


أستاذي الكريم

جزيل الشكر على قراءتك

وانا على جمر الاشتياق لقراءتك المتأنية

تلميذكم
منتظر

مُنتظر السوادي
07-01-2012, 10:54 AM
تمتلك مقدرة رائعة في الوصف، وبلغة راقية، عالية المستوى

هذا النّفس الطّويل في السّرد يبشّر بإمكانيّة كتابة الرّواية مستقبلا

أحييك أخ منتظر على هذه القصّة بخيالها الواسع

تقديري وتحيّتي

(وتلألؤ _ طوّقاتي وخنقا - هناك أو ثمة قاربا ( لأنّ الكلمتين بنفس المعنى )


أستاذتي كاملة

لك تحية

جزيل الشكر على القراءة والتعليق

وعلى التشجيع

لك ثنائي

مُنتظر السوادي
05-02-2012, 09:41 PM
أبدعت
قصة رائعة حقاً و سردٌ عذبٌ رقيق
يستحوذ على القارئ و يسلبه ليدخله في اجواء ذلك السرد
الاسطوري فيعيش القارئ تفاصيل الحكاية و يراها
وصفك للتفاصيل كان رائعاً رسمت بذكاء اجواء حياة اسطورية بديعة
الألفاظ جميلة قوية وقد خدمت النص . أوافق الأستاذة الفاضلة كاملة فيما قالته
بانتظار بقية اجزاء هذه القصة الرائعة
تحيتي و تقديري

أستاذي صفاء

جزيل الشكر على القراءة والتعليق

والله شهادتك أعتز بها

لك تحيتي

مُنتظر السوادي
11-02-2012, 10:00 PM
أبدعتَ كدأبك أخي الكريم شكرا لك ...
تحيتي الخالصة

شكرا لك أستاذي

جزيل الشكر لتعليقك

مُنتظر السوادي
26-02-2012, 09:07 PM
لغة تشتاق لفيئها النفس وتهيم على مسرح الصور المرسومة بروعتها العيون
وسرد شائق متمكن يشهك بتمكنك من حرفك وأدبك


أبدعت أيها الكريم

تحيتي

شكرا جزيلا لك استاذتي ربيحة

بارك الله فيك

أحمد عيسى
26-02-2012, 11:17 PM
لغة راقية وتتفوق على نفسك حتى ..
أحييك أستاذي مع وعد بعودة مفصلة أكثر ..

تقبل ودي

مُنتظر السوادي
03-03-2012, 10:10 PM
حرفية في القص وروعة في اللغة والصورة ... لذا سأدع النقد لأصحاب الشأن وأكتفي بإعلان إعجابي بالنص الأدبي الذي أبهرني
مودتي لك أيها المبدع


استاذي الكريم

شكرا على اعجابك بحروفي

لك تحيتي وسلامي

مُنتظر السوادي
09-03-2012, 08:07 PM
لغة راقية وتتفوق على نفسك حتى ..
أحييك أستاذي مع وعد بعودة مفصلة أكثر ..

تقبل ودي

أُستاذي الطيب
لك اعز واغلى تحية
محبتك تعانق الروح
فكم يودك الفؤاد ... لا أحد يدري



لك محبتي
اشكرك على القراءة لحرفي وانا مدان لك ، وان شاء الله سأفي بديني

آمال المصري
12-05-2013, 02:10 PM
كعادتك أديبنا لك لغة مائزة ونفس طويل وسرد ماتع لايمل أحدنا قراءته مرات عديدة
شكرا لمتعة رافقتني هنا
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

نداء غريب صبري
04-06-2013, 09:10 AM
قصة جميلة أخي منتظر
حظينا فيها بقراءة ماتعة

شكرا لك

بوركت

لانا عبد الستار
21-06-2013, 08:24 AM
قصة بلغة شاعرية ووصف جميل وخيال واسع
أمتعتني قراءتها
أشكرك