المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معِ ابن كثِيْر في العَصْر الحدِيْثِ يّصِفُ الرَّبَيْع العربي



احمد حمود الغنام
04-01-2012, 08:32 AM
من بريدي استمتعت بها فأحببت أن تشاركوني متعتها ..

مع ابن كثير العصر الحديث "ثم دخلتْ سنةُ ثنتين وثلاثين وأربعمئةٍ وألفٍ ! وفيها كانتِ الحوادثُ العظامُ، والأحداثُ الجسامُ، وانتظمَ فيها من جليل الوقائع ما لم ينتظمْ في سواها، وشهدتْ فيها أمةُ العرب من زوالِ الملكِ، وتحوُّلِ الأحوالِ، وتبدُّلِ التصاريفِ مالايكون مثلُهُ إلا في المدد المتطاولةِ، والأزمنةِ المنفسحةِ. وما...علمنا في التاريخِ قطّ أن ملوكاً ثلاثةً كباراً زالَ ملكُهُم في عامٍ واحدٍ إلا ماكان في هذه السنةِ العجيبة! ففيها فرَّ طاغيةٌ ظالمٌ كان يحكمُ أرض القيروانِ، يُقال له: ابن عليّ! وقد ذكروا أنَّه ماترك سبيلاً يُحاربُ به الدين إلا سلكه! ولاهداه شيطانُهُ إلى شيءٍ فيهم نقصةٌ للإسلامِ ورجالِهِ وتضييقٌ عليهم إلا أخذ به! فسجَنَ وعذَّبَ وقتلَ، ثم لم يرضَ حتى حوَّلَ بلادَ القيروانِ من عاصمةٍ شامخةٍ من عواصمِ الإسلام، وقلعةٍ منيعة من قلاع العلم، إلى حانةٍ كبيرةٍ، يتسلى فيها الفرنجةُ بكشفِ عوراتِهم،وإتيانِ رذائلهم، وقد بلغني فيما يرويه الثقاتُ أنَّ المسلمة العفيفةَ ماكانتْ تسطيع أن تلبسَ حجابَها، وأنَّ جلاوزةَ هذا الظالم ربما نزعوه عنها في الطرقاتِ وأماكنِ العمل! فالحمدُ لله الذي عجَّل بهلاكِهِ. والعجيبُ أنَّ الله قد جعل مبدأ هلاكِهِ على يدِ فتى فقيرٍ كان يبيعُ ثمارَ الأرضِ يتعففُ بذلك عن السؤال، فلمّا استبدَّ به الفقرُ، وغاظَهُ أن تمتدَّ إليه يدُ ذاتِ سوارٍ تلطمُهُ، أحرق – غفر الله لنا وله – نفسه، فلم يلبثْ أن هاجَ الناسُ ففرَّ (بائعُ البلادِ ) بفعلةِ ( بائع الخضار ) ! ولله الأمر من قبل ومن بعدُ . وفيها أُسِرَ فرعونٌ كان يحكمُ أرضَ مصر، جعل عاليها سافلها، واتخذ له من سِفْلةِ الناس أعواناً وأنصاراً، فكان منهم الوزير والمدير والخفيرُ والساعي بالفساد والمغتصبُ لحقوق الناس والمشيعُ للفاحشةِ. وقد ذكروا أنّ شرَّ خصاله أنّه كان ردءاً لليهودِ يظاهرهم على بني دينه من أبناء فلسطين، ولقد سمعنا عن حصارِ القلاعِ، والمدنِ، ولكنّنا ماسمعنا قطُّ أن حاكماً مسلماً يحاصرُ شعباً مسلماً بأكمله سنين متطاولة، لايبالي بموتِ من ماتَ، ولابهلاك من هلك، ولا بجوع من جاع، ولا بمرض من مرض! ولم أر فيما رأيتُ من تواريخِ الأمم والملوك والطغاة والظالمين حصاراً يكون تحتَالأرض كما يكون فوقها! فقد ذكروا أنّه لم يرضَ بغلقِ المنافذِ ونصبِ العسكرِ على الحدود حتى شقَّ في الأرض شقاً عميقاً ثم دلّى فيه من ألوانِ الحديدِ وغيره ماصنع به جداراً يَعْيا الحاذقُ بنقْبِهِ، وأعجبُ من هذا أنَّه جعل فيه شيئاً لا يُدرى ماهو يجعلُ المرءَ إذا لمسه ينتفضُ فيموتُ! ثم هو بعد ذلك يبسطُ لليهود بيمينه ما قبضه عن الفلسطينيين بشماله، ولقد جعل الحر عبداً، والعبدَ حراً، حتى لَمصرُ في عهدِهِ أحقّ بقول أبي الطيب : نامتْ نواطير مصرٍ عن ثعالبِها ... فالحرُّ مستعبدٌ والعبدُ معبودُ فلم يلبثِ المصريون الأحرارُ أن ذَكَروا به الحاكم بأمر الله .. فهاجوا عليه كما هاجوا من قبلُ على الحاكمِ على أنّهم أسروه ولم يقتلوه. وقيل: إنّه احتشد في أرضٍ يقال لها التحريرُ ( ثمانية ألفِ ألفِ إنسان) فيهم الرجل والمرأة، والصغير والكبير، والمسلمُ وغير المسلم، فمازالوا ثَمّ يهتفون ويصرخونمارفعوا سلاحاً ولا آذوا إنساناً، ولا تلطخوا بجريرة، وظلوا لا يبرحون حتّى تنحّى ذلك الحاكمُ وأُخِذ أسيراً. وقيل: إنه بكى طويلاً لما زاره صديق قديم! ولله في خلقه شؤون ! وفيها قُتِلَ طاغوتٌ من طواغيتِ الأرضِ عزّ نظيرُهُ. قتلَهُ من قتلَهُ بعد أن أُخذَ أسيراً من سَرَبٍ كان قد اختبأ فيه ذليلاً بعد عزة،قليلاً بعد كثرة. قالوا: وكان هذا الرجلُ ولي أمر طرابلس وماحولها أربعين عاماً، ماترك قتلاً ولاظلماً ولا نهباً ولا جنوناً ولاحماقةً إلا أتى بها! وبلغَ من حمقِهِ أنّه كان يلتقطُ المزقَ من الأقمشةِ فيجعل منها ثوباً! وأنّه كان يقف بين ملوك الأرضِ فيسخر ويهزأ ويتمخرقُ ويمزق الأوراق ويلقي بها فيوجوه الناس! وأنّه جعل لنفسِهِ لقباً عجيباً ماعرف الناسُ أطولَ منه! وأنّه كانت له خيمةٌ يطوف بها الأرض، يضربُ أوتادها حيثُ حلَّ، ثم تكون هي مجلسَه ومضافتَهُ، وربما نصبها بجوار القصر الكبير الفخمِ، ثم يأتيه الرئيسُ أو الملك فلايُجلسُهُ إلا فيها! وأنّه لم يرض أن يؤرخ بتاريخ المسلمين ولا بتاريخ غيرهم ! فابتدع لنفسه تاريخا ابتدأ من وفاةِ نبيّنا صلى الله عليه وسلم! ثم ألقى بأسماء الأشهر التي عرفها العربُ والعجمُ وسمى شهوره : أين النار! والماء! والتمور! والطير! وهلمّ جراً. وبلغَ من حمقه كذلك أن صنّف كتاباً سماه ( الأخضر ) ادّعى أن فيه صلاح العالمين،وخلاص الأرضِ من فقرِها وعنائها، وأنَّه دستورُ العصرِ سياسةً واقتصاداً ! وفي الجملة فإن غرائبه لا تحصى. ومن وقائع هذه السنة كذلك ما فعله حاكمُ الشام لما تنادى أهلها بطلبِ حقوقهم وحريتهم، فلم يلبث أن سلط عليهم جلاوزتَه، ونفراً كانوا يُسمونهم ( الشَّبِّيْحة)،واحدُهم (شَبِّيْح)، وهو الرجلُ من غير العسكرِ يُعطى السلاحَ فيفعل به مايشاءُ. وفعل الرجلُ في أهل الشام مالو وجده إبليسُ في صحائفِهِ لأخزاهُ واستحيا منه! ومثلُ ذلك فعلُهُ رجلٌ ظلَّ يحكم اليمن ثلاثين عاماً، فلما ملّه الناسُ، وآذنوهب الرحيل، عاجلهم قصفاً وقنصاً وقتلاً وجرحاً، فكان ماكان مما لستُ أذكره! ثم انقضت هذه السنة ودخلت سنةُ ثلاث وثلاثين وأربعئمة وألف .. وفيها .. " . اهـ . هذا ماتصورتُ أنَّ المؤرخ الكبير الإمام ابن كثير سيكتُبُهُ لو قُدِّر له أن تكون هذه السنةُ العجيبةُ ضمنَ ما أرَّخ له في كتابِهِ الفذّ (البداية والنهاية). ؟
نُقل عن البرفسور محمود نديم النحاس الحلبي مولدا .. الحجازي سكنا وموطنا .

عايد راشد احمد
04-01-2012, 02:05 PM
السلام عليكم ورحمة الله

استاذنا واديبنا الفاضل احمد حمود

دوام الحال من المحال

لكن للاسف حكامنا لا يتعلمون ولا يأخذون درسا من التاريخ

فالطغاة طغاة ويحسبون انفسهم مخلدون

اللهم فك اسر اخوتنا في سوريا واليمن واصلح حال الامة

تقبل مروري وتحياتي

احمد حمود الغنام
05-01-2012, 12:26 AM
السلام عليكم ورحمة الله

استاذنا واديبنا الفاضل احمد حمود

دوام الحال من المحال

لكن للاسف حكامنا لا يتعلمون ولا يأخذون درسا من التاريخ

فالطغاة طغاة ويحسبون انفسهم مخلدون

اللهم فك اسر اخوتنا في سوريا واليمن واصلح حال الامة

تقبل مروري وتحياتي


جزاك الله خيرا أخي المفضال عايد راشد أحمد .. مرور بطعم السخاء .. فرج الله الأحوال وكشف الأهوال .
تحيتي لك معطرة ،

سامية الحربي
05-01-2012, 01:05 AM
إستمعت بقرأة هذه السطور وكم أتسائل ماذا سيخط التأريخ عن حقبتنا هذه . جزاك الله خيراً.

د. مختار محرم
05-01-2012, 01:57 AM
يا لروعة هذا النسج الرائع
أسلوب بديع
شكرا على هذه الهدية الرائعة أستاذنا الحبيب أحمد الغنام ....
مودتي

ربيحة الرفاعي
06-01-2012, 02:32 AM
اليوم، وبينما تتسرب ألون دخيلة عجيبة لا تعرف معا مالذي يريد الكاتب قولة، فانه لمما يسر الخاطر ويبهج النفس أن تجد في الأمة أقلاما تغوص بعزم نحو أعمق أعماق الأصالة لتأتينا بدرر الصياغة الفنية لنصوص اعتدناها في أمهات الكتب ولم نأمل برؤيتها تنسج بحروف جيل يستميتون في محاولات تغريبه

نص أسعدني بلغته وصياغته

شكر للنقل أيها الكريم
تحيتي

ربيع بن المدني السملالي
06-01-2012, 11:26 AM
رائع جدّاً هذا النّص ، الذي كُتبَ بذكاء ، ومن سبق له وطالع كتاب البداية والنّهاية لابن كثير ( رحمه الله ) علم أنّ الكاتب قد كتب بطريقته ..
جزى الله الكاتب والنّاقل
أمتعتنا أخي ( أحمد ) بارك الله في سعيك
تحيتي

احمد حمود الغنام
06-01-2012, 01:53 PM
إستمعت بقرأة هذه السطور وكم أتسائل ماذا سيخط التأريخ عن حقبتنا هذه . جزاك الله خيراً.


آنسك الباري غصن الحربي ، مرور بهيّ منك .
مع عاطر تحيتي ،

احمد حمود الغنام
06-01-2012, 01:55 PM
يا لروعة هذا النسج الرائع
أسلوب بديع
شكرا على هذه الهدية الرائعة أستاذنا الحبيب أحمد الغنام ....
مودتي

ومرورك هو الرائع دكتورنا الحبيب ، أسعدك ربي وفرج عنا وعنكم ..
وملحوظة على أن كاتب النص غير من نُقل عنه .. للتوضيح فقط !!
لك عاطر تحياتي ،

احمد حمود الغنام
06-01-2012, 01:56 PM
اليوم، وبينما تتسرب ألون دخيلة عجيبة لا تعرف معا مالذي يريد الكاتب قولة، فانه لمما يسر الخاطر ويبهج النفس أن تجد في الأمة أقلاما تغوص بعزم نحو أعمق أعماق الأصالة لتأتينا بدرر الصياغة الفنية لنصوص اعتدناها في أمهات الكتب ولم نأمل برؤيتها تنسج بحروف جيل يستميتون في محاولات تغريبه

نص أسعدني بلغته وصياغته

شكر للنقل أيها الكريم
تحيتي


والشكر موصول لك أديبتنا القديرة ربيحة الرفاعي ، جزاك الله خيرا على المرور المثري .
تقبلي عاطر تحيتي ،

احمد حمود الغنام
06-01-2012, 01:57 PM
رائع جدّاً هذا النّص ، الذي كُتبَ بذكاء ، ومن سبق له وطالع كتاب البداية والنّهاية لابن كثير ( رحمه الله ) علم أنّ الكاتب قد كتب بطريقته ..
جزى الله الكاتب والنّاقل
أمتعتنا أخي ( أحمد ) بارك الله في سعيك
تحيتي


أسعدني مرور النديّ أديبنا الراقي أخي السملالي
لك نحيةي معطرة مني ،

نداء غريب صبري
19-02-2013, 04:43 PM
نص أصالي جميل جدا
امتعتني قراءته

شكرا لك أخي