تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : قط في الشارع..........محمد محضار



محمد محضار
12-01-2012, 01:23 AM
قصة ، من : محمد محضار

قط في الشارع

كان الجو باردا, والغيوم تطارد الشمس وتحجب دفئها , ونذف الثلج الاولى , قد بدأت بالسقوط , خلف زجاج النافذة المضبب كنت أقف , ملقيا بأنظاري الى الشارع المقفر, إلامن بعض السيارات المنسابة كالسهام .كان المنظر كئيبا , يفرز فيضا متدفقا من الحزن داخل النفس, ويبعث على الإشمئزاز.. أحسست انه يكبس علي, ويستشري أثره في جوارحي . أشياء غريبة بدت لي عبر إسفلت الشارع , رأيت الزمن يتحول إلى فوارة ماء نتن يندلق في مختلف الإتجاهات وينساب بسرعة جارفا معه كل شئ, أما المكان فقد لاح لي خاليا من أي أشكال او أبعاد , ودراته شاردة لم يتحدد لها مدار. وبين الزمن والمكان بدت لي جملة من المتناقضات المقنعة بحجاب توافق وهمي و لم يفلح ذهني في استيعابه, فارتددت عائدا الى نفسي , وزغت بنظراتي جهة الرصيف , كان هناك قط رمادي الفروة يتوارى خلف صندوق قمامة , وهو يرسل مواءً خافتا , وقد لاحت عليه آثار الهزال والضعف , انتابتني شحنة متواترة من الرحمة نحوه , شعرت انه ضحية لتناقضات الزمن والمكان , وأ ثر لزلة من زلات الحياة الكثيرة..
وعلى حين غرة احسست بيدين دافئتين تطوقان خصري , ورأس يتماوج شعره يميل على كتفي ..كانت زوجتي , وجاءني صوتها هامسا
-أين تراك وصلت في تأملاتك ؟؟
اشرت بيدي الى القط المسكين وقلت :
-أتأسف لحالة هذا المخلوق ..يبدو عاجزا امام قوة الطبيعة
- كلنا عاجزون , يا زوجي العزيز أمام جبروت الطبيعة وتقلباتها
- أشعر برغبة قوية في العناية به..سأنزل لإحضاره..
- لا تكن غبيا مثل هذه الحيوانات كثيرا ما تكون مريضة..أو تستوطن بزغبها بعض الحشرات الطفيلية..
- لكنه سيموت من البرد ..وأنا أرفض حكم الحياة الجائر عليه..
- إن موته خير من حياته , مادام عاجزا على البقاء......
لم أعلق على كلامها, وأسرعت نازلا الى الشارع . كان القط مايزال في مكانه , اقتربت منه., ثم قرفصت , وحملته بين يدي . كانت قوائمه تبدو متجمدة , وما عتمت ان عدت به الى البيت ,وضعته قرب المدفأة الحطبية , فجلس على مؤخرته ومضى يلحس فروته وقد بدأ يشعر بالدفء . قلت لزوجتي :
- أرجوك هيئي له شيئا من الحليب ..
ترددت لحظة , لكنها ما لبثت ان غابت هنيهة في المطبخ , ثم عادت تحمل اناءً وضعته امامه , وقالت :
- يبدو ان صداقة جديدة ستنشأ بينك وبين هذا القط اللئيم...
- ولما لا كلانا كائن حي..وكلانا ضحية لتناقضات الزمن والمكان
- أرجو ان تهبط للأرض بعض الشيء ..وتبتعد عن التجريد فانا لا أفهمك.
- طبيعي أنك لن تفهميني , لإنك لم تحسي نحو هذا المسكين بما أحس به, ونظرتك له لم تتجاوز نظرة الإنسان السطحية لباقي الكائنات الحية.
لم ترد علي , واقتربت من الأريكة التي كنت أجلس عليها , وقعدت على حافتها مطوقة عنقي بذراعها..
دنا القط مني , وقد انتهى من لعق اناء الحليب , ومضى يحك رأسه الى قدمي ..قرأت في عينيه المستديرتين آيات الامتنان , فحملته بحنو , ووضعته على فخدي , تكور على نفسه وغاب في غفوة نوم..
قالت زوجتي:
- اتنوي الاحتفاظ بهذا الملعون
- بالطبع يا عزيزتي ..لقد أصبح جزءً من حياتنا ..وأنت مدعوة للعناية به
القت بنظرة على ساعتها وقالت:
- لقد هل موعد ذهابنا عند أمي ..
-أمك!!
- انسيت اننا مدعوان للغذاء عندها
- يمكنك الذهاب ..أما أنا فسأبقى مع هذا القط المسكين حتى يألف البيت
- لا تتدله الى هذه الدرجة ياحبيبي بقطك الملعون..لكن قل لي لماذا لا تصحبه معك ونذهب...؟؟
- فكرة حسنة ..اظن ان فضلات مائدة امك ستشبع نهمه...........
محمد محضار 8/1/1986

وليد عارف الرشيد
12-01-2012, 04:18 AM
تابعت قصتك سيدي بشغفٍ ومتعةٍ ... والتي مرَّرْتَ من خلالها العديد من القيم الكبيرة الراقية فشكرًا لك
تقبل مروري الهزيل كقطك قبل الرعاية ... وتقديري كما يليق

كاملة بدارنه
12-01-2012, 10:36 AM
قصّة جميلة هادفة أخ محمّد
الرّفق بالحيوان واجب لكن، أرى أنّه يحظى باهتمام أكثر من الإنسان الذي يذبح في وطنه، إضافة لتكالب الأغراب على التّخلّص منه، واحتلال أرضه وخيراتها!
شكرا لك
تقديري وتحيّتي

( حبّذا لو راجعت النّصّ قبل النّشر، ورسمت الهمزة على بعض الكلمات، إضافة إلى بعض أخطاء
ندف الثّلج - الاشمئزاز - شيء - مداراته - ولمَ لا - جزءًا )

آمال المصري
12-01-2012, 08:25 PM
قرأت هذا القط طفل من أطفال الشوارع والذين لايحظون بأي نوع من الرعاية والحماية الأسرية لنتائج مختلفة كالفقر والتفكك الأسري وغيرها والذي لو تكفلت كل أسرة قادرة بطفل من هؤلاء لغابت تلك الظاهرة
نص هادف أديبنا الفاضل
تحيتي الخالصة

ربيع بن المدني السملالي
13-01-2012, 12:12 AM
نصّ هادف ، ورائع ، وبطريقة سردية جميلة ، وفقك الله أستاذ محمد
وكما قالت الأستاذة كاملة النّص يحتاج لعناية قبل النّشر ، فقد اعترته بعض الهنات اليسيرة ..
تحيتي الخالصة لك أخي

فايدة حسن
13-01-2012, 10:07 AM
من خلال معاملة القطة بهذه الرحمة عشت مع القصة معان رقراقة حانية وتذكرت اللمسات الرقيقة المحمدية النبوية حين اخبرنا قصة المرأة التي دخلت الجنة لانها سقت كلب كان يلهث من العطش

ربيحة الرفاعي
14-01-2012, 01:34 AM
نص طيب المضمون للقطة فيه دلالات تبدأ من الرفق بالحيوان في أقربها لمباشر المعنى، ولا تنتهي عند الفقراء والمعذبين والتائهين والمهجرين

نداءات إنسانية سامية قرأت هنا أديبنا الكريم

أهلا بك في واحتك

تحيتي

محمد محضار
22-05-2012, 01:44 PM
تابعت قصتك سيدي بشغفٍ ومتعةٍ ... والتي مرَّرْتَ من خلالها العديد من القيم الكبيرة الراقية فشكرًا لك
تقبل مروري الهزيل كقطك قبل الرعاية ... وتقديري كما يليق

شكرا لكم أستاذي الجليل على المرور الطيب والكلمات الراقية التي أدخلت السعادة على قلبي

محمد محضار
22-05-2012, 01:54 PM
قط في الشارع

كان الجو باردا, والغيوم تطارد الشمس وتحجب دفئها , وندف الثلج الاولى , قد بدأت بالسقوط , خلف زجاج النافذة المضبب كنت أقف , ملقيا بأنظاري الى الشارع المقفر, إلامن بعض السيارات المنسابة كالسهام .كان المنظر كئيبا , يفرز فيضا متدفقا من الحزن داخل النفس, ويبعث على الاشمئزاز.. أحسست أنه يكبس علي, ويستشري أثره في جوارحي . أشياء غريبة بدت لي عبر إسفلت الشارع , رأيت الزمن يتحول إلى فوارة ماء نتن يندلق في مختلف الإتجاهات وينساب بسرعة جارفا معه كل شيء, أما المكان فقد لاح لي خاليا من أي أشكال او أبعاد , ودراته شاردة لم يتحدد لها مدار. وبين الزمن والمكان بدت لي جملة من المتناقضات المقنعة بحجاب توافق وهمي و لم يفلح ذهني في استيعابه, فارتددت عائدا الى نفسي , وزغت بنظراتي جهة الرصيف , كان هناك قط رمادي الفروة يتوارى خلف صندوق قمامة , وهو يرسل مواءً خافتا , وقد لاحت عليه آثار الهزال والضعف , انتابتني شحنة متواترة من الرحمة نحوه , شعرت أنه ضحية لتناقضات الزمن والمكان , وأ ثر لزلة من زلات الحياة الكثيرة..
وعلى حين غرة أحسست بيدين دافئتين تطوقان خصري , ورأس يتماوج شعره يميل على كتفي ..كانت زوجتي , وجاءني صوتها هامسا
-أين تراك وصلت في تأملاتك ؟؟
اشرت بيدي الى القط المسكين وقلت :
-أتأسف لحالة هذا المخلوق ..يبدو عاجزا أمام قوة الطبيعة
- كلنا عاجزون , يا زوجي العزيز أمام جبروت الطبيعة وتقلباتها
- أشعر برغبة قوية في العناية به..سأنزل لإحضاره..
- لا تكن غبيا مثل هذه الحيوانات كثيرا ما تكون مريضة..أو تستوطن بزغبها بعض الحشرات الطفيلية..
- لكنه سيموت من البرد ..وأنا أرفض حكم الحياة الجائر عليه..
- إن موته خير من حياته , مادام عاجزا على البقاء......
لم أعلق على كلامها, وأسرعت نازلا الى الشارع . كان القط مايزال في مكانه , اقتربت منه., ثم قرفصت , وحملته بين يدي . كانت قوائمه تبدو متجمدة , وما عتمت ان عدت به الى البيت ,وضعته قرب المدفأة الحطبية , فجلس على مؤخرته ومضى يلحس فروته وقد بدأ يشعر بالدفء . قلت لزوجتي :
- أرجوك هيئي له شيئا من الحليب ..
ترددت لحظة , لكنها ما لبثت ان غابت هنيهة في المطبخ , ثم عادت تحمل إناءً وضعته أمامه , وقالت :
- يبدو أن صداقة جديدة ستنشأ بينك وبين هذا القط اللئيم...
- ولم لا كلانا كائن حي..وكلانا ضحية لتناقضات الزمن والمكان
- أرجو ان تهبط للأرض بعض الشيء ..وتبتعد عن التجريد فانا لا أفهمك.
- طبيعي أنك لن تفهميني , لإنك لم تحسي نحو هذا المسكين بما أحس به, ونظرتك له لم تتجاوز نظرة الإنسان السطحية لباقي الكائنات الحية.
لم ترد علي , واقتربت من الأريكة التي كنت أجلس عليها , وقعدت على حافتها مطوقة عنقي بذراعها..
دنا القط مني , وقد انتهى من لعق إناء الحليب , ومضى يحك رأسه الى قدمي ..قرأت في عينيه المستديرتين آيات الامتنان , فحملته بحنو , ووضعته على فخدي , تكور على نفسه وغاب في غفوة نوم..
قالت زوجتي:
- أتنوي الاحتفاظ بهذا الملعون
- بالطبع يا عزيزتي ..لقد أصبح جزءً من حياتنا ..وأنت مدعوة للعناية به
القت بنظرة على ساعتها وقالت:
- لقد هلّ موعد ذهابنا عند أمي ..
-أمك!!
- أنسيت اننا مدعوان للغذاء عندها؟؟
- يمكنك الذهاب ..أما أنا فسأبقى مع هذا القط المسكين حتى يألف البيت
- لا تتدله الى هذه الدرجة ياحبيبي بقطك الملعون..لكن قل لي لماذا لا تصحبه معك ونذهب...؟؟
- فكرة حسنة ..اظن أن فضلات مائدة امك ستشبع نهمه...........
محمد محضار

محمد محضار
22-05-2012, 01:57 PM
قصّة جميلة هادفة أخ محمّد
الرّفق بالحيوان واجب لكن، أرى أنّه يحظى باهتمام أكثر من الإنسان الذي يذبح في وطنه، إضافة لتكالب الأغراب على التّخلّص منه، واحتلال أرضه وخيراتها!
شكرا لك
تقديري وتحيّتي

( حبّذا لو راجعت النّصّ قبل النّشر، ورسمت الهمزة على بعض الكلمات، إضافة إلى بعض أخطاء
ندف الثّلج - الاشمئزاز - شيء - مداراته - ولمَ لا - جزءًا )

شكرا لك على المرور الطيب ، تم تصحيح بعض الهنات التي تعود إلى الرقن شكرا على التنبيه

لانا عبد الستار
27-02-2013, 12:55 PM
القص الذي يحمل قيما هو القص الأجمل
وعندما يكون له تأثير في القارئ يكون عظيما
قصة أعجبتني
أشكرك

ناديه محمد الجابي
27-08-2016, 06:13 PM
عرف المسلمون مفهوم الرّفق بالحيوان وطبّقوه في حياتهم في زمان كانت تنتهك فيه حقوق الإنسان
– فضلاً عن الحيوان – بأنواع شتى من الانتهاكات، كالاستعباد، والقهر، والوأد، وغير ذلك.
نص هادف وأسلوب قصي شيق ومتميز، وسرد أنيق متمكن
دمت بكل خير. :001:

عباس العكري
28-08-2016, 05:35 AM
قط في الشارع


https://1.bp.blogspot.com/-KBm3Oju2Mvo/V8Jbwju9tCI/AAAAAAAAEak/zDf_MGoozEE_1cuX8DnalqjoQ9WZyt4EQCLcB/s1600/%25D9%2582%25D8%25B7%2B%25D9%2581%25D9%258A%2B%25D 8%25A7%25D9%2584%25D8%25B4%25D8%25A7%25D8%25B1%25D 8%25B9.png