المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شيء من الأدب ... والدين !



ياسر سالم
20-01-2012, 03:53 PM
أُكْرِهت على ذكر بعض ما معي من شهادات ، حين دمغني أحدهم بسيماء المتخلف المنفصم عن واقعه فلا يدري بما تدور الحياة من حوله وتمور ، وماكنت لأذكر ذلك ولا أحبه ...

لقد كان أستاذي ومعلمي يحثنا على أن نملأ أيدينا من هذه الشهادات ما وسعنا ، حتى يُثمّن الناس أقوالنا ، ويقنعون شيئا ما بما نريده من نصح لهم ، فالناس - من أسف - قد دأبوا على المفاضلة بين الخلق على أساس هذه الأوراق الصماء التي لا تعكس في أحايين كثيرة حقيقةَ عقل من تشير إليه وتعنيه ..

* * *

المرء بأصغريه قلبه ولسانه.. هكذا يقولون ..
ويقولون أيضا :

لسان الفتى نصف ونصف فؤاده .:. فلم تبق الا صورة اللحم والدم

وأذكر أيام الجامعة (قبل عشرين سنة تقريبا ) أنني تجولت في معرض أدبي (راق ) باحدى الكليات الراقية .. وكنت وقتها أخبط في الحياة على غير غاية..
جعلت اتقلب في نواحي هذا المعرض الأدبي ، وأصعد النظر فيما يحوي ، فما وجدت إلا عبارات لا تستقيم على وزن ، ونثرا لا يمشي على ساق ، وقوافـي سمجة مهترئة ، صاخبة بالقبلات والآهات وكؤوس الهوى ، الا من النـزر اليسير
و مع تسليمي بأن الغزل الجميل الواعي لا بأس به ؛ إلا أنني قلت - بعفوية - لأحدهم ما معناه : ما ينبغي أن تكون هذه قيمتنا في قابل الأيام ، لأن من يريد أن يتعرف إلى أمة فاء إلى أدبها ..وهذا (أدب) مكشوف لا نعرفه ولا يعرفنا ولا يمثلنا ..

وكان وجه لومي هو اعتراضي على التداعي الحسي في حمأة الهوى بين شباب وشابات بهم من النزق والفورة ما لا يحسنون معه من أمر قلوبهم إلا اجتراح الحب ونوازعه ودواعيه ، وإن لم يكن من سبيل لترشيد مسعاهم في تلك المرحلة العمرية الحرجة ؛ فلا أقل من أن نمسك عن مسايرة ما تمور به صدورهم من نوازع ضارة مهلكة ، تُودي بهم وبمجتمعهم الذي يحملون مشاعله ..
كانت هذه ردة فعلي على ما يمكن أن أسميه تجاوزا ( جنوحا أدبيا ) يثلم المروءة ، ويخدش الوقار ، ويثير الرغائب .. فكيف إذا كانت البلوى من الشعراء في صلب الدين والعقيدة وتراث الأجداد ؟!

* * *

إننا أمة لها موروث تعجب منه غيرنا ، ولنا علوم كانت وما زالت أعجوبة الدهر ، بشهادة بعض فقهاء القوانين الفرنسيين .. وحري بمن ينتصب مرتديا ثوب هذه الأمة ، ومتجلببا ببُردها أن يدرك خصائصها ، ويدري هويتها ، حتى لا يتنكب صراطها ، ولا يستدبر قبلتها ، ولا يركل بقدم باردة كل تراثها ، أدبا وفقها وعلما ونورا ؛ لينتصر لفكرة جزئية ، لن يبلغ حرصه عليها - مهما بلغ - حرص ديننا الحنيف..
قرأت الكثير من الشعر ، وأدركت أن الشعر كثير ، والشعراء كُثُر ، ولكنهم في هذا المضمار كإبل مائة ، قلما وجدت فيها راحلة ..

لقد وقف أكثرهم عند حدود الكلمة المهيّجة ، حين تقاصرت هممهم عن تجاوز القول إلى العمل ، وحتى فِعْل أكثرهم ( إن كان ثمة فعل ) لا يَعْدُو أن يكون سعيا قد أُتِي بأفضل منه ممن هو دونهم قافية وثقافة وبهرجا

* * *

ويجدر بي أن أذكر أن للشعر - والشعر لا غيره - تأثيرا عجيبا في النفوس الوثابة إذا لم يزاحم فطرتها ، ويصبغها بكدرته ، واتسق مع مقومات الأمة وحضارتها ، ولم ينفلت من مدار شريعتها ، وليس الشعر الذي يلمع بالـ(لازورد) كبرق خالب ، وتضمخ معاقده بـ (الكولونيا) كعطر مرهف ..

وما أروع قول أبي محجن الذي امتطى الشعر مركبا تتجاسر من فوق متنه همتُه قال لمن غمزته وقد سبق الجيش منقلبا :
إن الكرام على الجياد مقيلهم .: فدعي الحروب لأهلها وتعطري
كان فعله يسبق قوله ، ويلتصق بآلام وآمال امته حقيقة لا ادعاء وزورا
* * *
كانت ثمة حروب طاحنة وأيام فواصل ، كان فيها المجد للسيف ، ليس المجد للكتب ، وما عرفت شعرا هيج المشاعر وأجج الثورات إلا ما كان ممن صاغوا قلوبهم على مقاس رغبة الدين كقصيدة أبي اسحاق الألبيري رحمه الله تعالى لأهل صنهاجة يستوثبهم على حاكم جائر قرب اليهود واتخذ منهم بطانة لا تألوه خبالا وأنزل بني جلدته المنازل الدنيا فأنتجت أبياته وأطفلت في القلوب وأشعلت ثورة مغموسة بنخوة ...

ألا قل لصنهاجة أجمعين .:. بدور الندي وأسد العرين
لقد زل سيدكم زلة .:. تقر بها أعين الشامتين
تخير كاتبه كافرا .:. ولو شاء كان من المسلمين
فعز اليهود به وانتخوا .:. وتاهوا وكانوا من الأرذلين
إلى ان قال ...
وقد نكثوا عهدنا عندهم .:. فكيف تلام على الناكثين
وكيف تكون لهم ذمة .:. ونحن خمول وهم ظاهرون
ونحن الأذلة من بينهم .:. كأنا أسأنا وهم محسنون
فلا ترض فينا بأفعالهم .:. فأنت رهين بما يفعلون
وراقب إلهك في حزبه .:. فحزب الإله هم الغالبون

* * *

لقد كانت المعركة التي راعت اليهود ، ومزقت جلودهم ، معركة اكتوبر ، وكان أبي رحمه ممن أكرمه الله بالعبور بعد أن قتل صديقه الذي كان يعبر معه، ولا ضير ، فقد كان - عليه سحائب الرحمات تترى - أحد عشرة أفذاذ هم أبطال الرماية على مستوى الجيش الثالث الميداني ، وكان يحكي لنا كيف كانت صيحات التكبير دليلهم إلى النصر.. وهذه الصيحات لم تكن لتولد في القلوب بكلمات الشعراء المنمقة مهما طن بها المغنيون والمغنيات ، وقد فعلوا مرارا... بل كانت نتاجا فطريا منسجما مع ما كان يتلوه علماء الأمة على مسامعهم في جبهات القتال من آثار رحمة الله بالأرض ، وسنة الدفع التى خلفت لنا إرثا بطوليا رائدا يعبق به سفر البطولة والرجولة والوفاء ....

* * *

ألا فلا قرت أعين كل شاعر آبق ، ينتحى من ديننا مكانا قصيا ، ويبكى بدمع مستعار على وطن مسلوب ، ويغفل أنه هو وأمثاله هم من سلبوه عزته ، وتسلقوا على معالم دينه وتراثه ، وادعوا محبته ، وتمنوا لو يظل الوطن مسلوبا أبدا ، حتى لايتوقف سيل بكائهم (الأليم ) ...

عايد راشد احمد
23-01-2012, 07:18 PM
السلام عليكم ورحمة الله

استاذنا الفاضل

ليس كل من كتب شعرا او ابياتا يمكننا ان ننعته بشاعر وليس كل من نظم شعر خليع يتحمله الاخرين من من الشعراء

فليس كل واعظ مشهود له لالصدق والكفاءة لانه بشر متل غيره

فلا يمكننا ان نعمم الحكم عي فئة باكملها بسبب البعض منهم

اقرك ان الادب والاخلاق هي عنوان للشعوب والامم

تقبل مروري وتحيتي

ربيحة الرفاعي
28-01-2012, 11:16 PM
فلا قرت أعين الآبقين شعراء كانوا أو ناثرين أو كتاب قصة مارقين أو ما شاء الله لهم أن يكونوا

أديب كريم وصاحب فكر نبيل ومسلم أبيّ تقطر الحروف من يراعه شمما وسموا
وقد وجدتني في باحة مقالتك استنشق هواء الكرامة الذي تشتاقه الأرواح في زمان أعيانا فيه الهوان

نطمح لرؤية آثار خطوكم في مواضيع بقيّة مفكرّي ومبدعي الواحة أديبنا

أهلا بك في واحتك ومرحبا

تحيتي

ياسر سالم
03-02-2012, 01:16 AM
السلام عليكم ورحمة الله

استاذنا الفاضل

ليس كل من كتب شعرا او ابياتا يمكننا ان ننعته بشاعر وليس كل من نظم شعر خليع يتحمله الاخرين من من الشعراء

فليس كل واعظ مشهود له لالصدق والكفاءة لانه بشر متل غيره

فلا يمكننا ان نعمم الحكم عي فئة باكملها بسبب البعض منهم

اقرك ان الادب والاخلاق هي عنوان للشعوب والامم

تقبل مروري وتحيتي

ا
أخي الكريم
حين كتيت ما كتبت ، لم أكن اقصد الاغمار والناشئين
بل قصدت ما يراهم الناس عمالقة واراهم يتقزمون فكرا وديانة وخلقا
يملاون الأرض من بهرجهم ثم لا يغنون في امر جلل
لا يعتبرون اصلا ولا يحترمون عرفا
فقط النزق الثوري الخاوي
والجنوح الفكري المتداعي ..
والانطراح لكل قطرة آسنة مبهرجة ... تلك سماتهم

ربما في مقال ثان ابين بعضا من خصائصهم

سلمت استاذ على المرور الكريم
لك تحياتي

ياسر سالم
03-02-2012, 01:25 AM
فلا قرت أعين الآبقين شعراء كانوا أو ناثرين أو كتاب قصة مارقين أو ما شاء الله لهم أن يكونوا

أديب كريم وصاحب فكر نبيل ومسلم أبيّ تقطر الحروف من يراعه شمما وسموا
وقد وجدتني في باحة مقالتك استنشق هواء الكرامة الذي تشتاقه الأرواح في زمان أعيانا فيه الهوان

نطمح لرؤية آثار خطوكم في مواضيع بقيّة مفكرّي ومبدعي الواحة أديبنا

أهلا بك في واحتك ومرحبا

تحيتي



عفا الله عنك استاذة ربيحة
ليتني ابلغ بعضا من وصفك الجميل هذا
حقيقة منذ مدة وأن احنط الايام الدقائق واعيش في لحظة بعينها
وكلما ههمت ان اكتب وجدت متاريس لا طاقة لقلمي الصغير بازاحتها

سيجعل الله بعد عسر يسرا

شكرا استاذة على بذل القِرى وكرم الضيافة
عظيم شكري وامتناني

نادية بوغرارة
03-02-2012, 01:40 AM
لا يكتب مثل هذا إلا غيور ، صادق ، ناصح ،

يطمح لأن يجد الإنتاج الأدبي يليق بانتمائنا و مرجعيتنا و أصولنا .

الأخ ياسر سالم ،

شكرا لك .

ياسر سالم
03-02-2012, 02:01 PM
لا يكتب مثل هذا إلا غيور ، صادق ، ناصح ،

يطمح لأن يجد الإنتاج الأدبي يليق بانتمائنا و مرجعيتنا و أصولنا .

الأخ ياسر سالم ،

شكرا لك .


اشكرك شكرا يليق بك
أرجو أن أكون عند ظنك الحسن هذا
سعدت بقراءتك لما كتبت
وأرجو أن تقع كلماتي منك دائما موقع الندى من العشب الأخضر
جزيت الخير .. و تقديري

احمد خلف
03-02-2012, 06:21 PM
الاستاذ ياسر سالم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
موضوع قيم وغيرة مندوبة..
زادك الله حرصاً
أما بعد
أسلافنا ـ رحمهم الله تعالى ـ لم يسموا أدبهم أدباً إسلاميا، وكان دينهم ديناً واضحا بلا واسطة، ومثِّل أدبهمُ القيمَ الإنسانية، المتضمنة لحقيقة الدين، البعيدة عن كل ما يخدش الذوق الإنساني؛ فكل أدب حمل مضموناً إسلامياً، هو أدب إسلامي، حتى لو قاله وكتبه من ليس بمسلم.
إنَّ الذي لا شَكَّ فيه هو أن الصِّلَة بين الأدب والعقيدة صِلَة قديمة حديثة، ولكنَّها أجلى ما تكونُ عليه في الإسلام؛ إذ لم يَعرِف دينٌ من الأديان أو مذهبٌ من المذاهب البشرية - علاقةً وَشِيجة بينه وبين الأدب كما عَرَف ذلك الإسلام؛ ذلك أن معجزة هذا الدين الكُبرَى هي معجزة أدبيَّة، تَمثَّلت في القرآن الكريم، لقد مَضَى الإسلام بعد ذلك في نصَّيْه الأساسَيْن الكبيرَيْن: القرآن والسنَّة، يستخدم نماذج مختلفة للكلمة في التعبير عن رسالته، وفي تبليغ دعوته، وإيصال صوته إلى الأفئدة والضمائر والعقول، استخدَم القرآن الكريم الموعظة، والمَثَل، والحوار، والحكمة، والقصة، والمناظرة، والتاريخ، وغير ذلك، وصاغَ الكلمة في هذه الأنماط جميعها، وفي كثيرٍ غيرِها صِياغَة فنيَّة مؤثِّرة، لم يرقَ إليها - ولا يمكن أن يرقَى - أيُّ أديبٍ في القديم والحديث

ثم كان الشعر العربي - ولا سيَّما القديم منه - عاملاً أساسيًّا في إثبات إعجاز القرآن الكريم وفهمه، حتى أُثِرت المقولة المشهورة: "إذا استعصَى عليكم شيءٌ من كتاب الله فالتَمِسوه في الشِّعر".
ثم خرجت علوم آداب العربية كلها من مشكاة هذا الكتاب العزيز، كانت البلاغة ذات غرض ديني، هو فهم أسرار القرآن الكريم التعبيرية، والوقوف على عَجائبه وطاقاته الأسلوبية؛ لإدراك إعجازه وتميُّزه.
وكان وضع النحو والمعاجم، وجمع شَوارد اللُّغة، ولَمْلَمَة أشعار العرب في دَواوين ومَجامِيع ومُصنَّفات - لهذه الغايَة العقَدِيَّة.
(إن الأدب الإسلامي إذًا أدب عَقَدِيٌّ؛ أي: هو مُرتَبِط بالعقيدة الإسلامية؛ يصدر عنها، ويغترف من نبْعها، والعقيدة الإسلامية مفهوم شامل للكون والحياة والإنسان، تشمل كلَّ صغيرة وكبيرة، وتنعكس على أنشطة الإنسان جميعِها، فهي ليسَتْ مَقصورة على الشعائر الدينية: من صوم، وصلاة، وجهاد، وما شاكَل ذلك، بل هي تصوُّر كامل شامل لكلِّ شأنٍ من شؤون الحياة، وكلِّ أمرٍ من أمور الإنسان، ومن ثَمَ فلا خطر أن تَغتال العقيدة الفن، أو تقصَّ من أجنحته.)
( دكتور وليد قصاب-الأدب والعقيدة-)
إن بعض ضيقي الأفق يرون في الأدب عموماً ترفاً يجب أن يترفَّع عنه المسلمون، وما علموا أنَّ العلاقة بين الأدب والدين علاقة حميمة، أو كما صوَّرها
(هنري برجسون) بأنَّها علاقة نسب، عندما قال:
إنَّ الفنَّ ابن الدين. ونسوا أو تناسوا أنَّ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم كان يستجيد الشعر ويستنشده،
وكان يحثُّ حسّاناً على استخدام شعره في معركته ضد المشركين،
فلقد ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت:
((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان منبرًا في المسجد, فيقوم عليه يهجو من قال في رسول الله ,
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن روح القدس مع حسان ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم))
أخرجه أحمد (6/72), وأبو داود: كتاب الأدب, باب ما جاء في الشعر, رقم(5015)
وصلى الله وبارك على المبعوث هداية للعالمين .

ربيع بن المدني السملالي
13-02-2012, 04:52 PM
شكرا لك أستاذ ياسر على هذه المواضيع الممتازة التي تتحفنا بها جزاك الله خيرا ... والشكر موصول لكل من أدلى بدلوه هنا لله دركم
دمتم بخير
تحياتي

ياسر سالم
10-01-2013, 04:21 AM
الاستاذ ياسر سالم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
موضوع قيم وغيرة مندوبة..
زادك الله حرصاً
أما بعد
أسلافنا ـ رحمهم الله تعالى ـ لم يسموا أدبهم أدباً إسلاميا، وكان دينهم ديناً واضحا بلا واسطة، ومثِّل أدبهمُ القيمَ الإنسانية، المتضمنة لحقيقة الدين، البعيدة عن كل ما يخدش الذوق الإنساني؛ فكل أدب حمل مضموناً إسلامياً، هو أدب إسلامي، حتى لو قاله وكتبه من ليس بمسلم.
إنَّ الذي لا شَكَّ فيه هو أن الصِّلَة بين الأدب والعقيدة صِلَة قديمة حديثة، ولكنَّها أجلى ما تكونُ عليه في الإسلام؛ إذ لم يَعرِف دينٌ من الأديان أو مذهبٌ من المذاهب البشرية - علاقةً وَشِيجة بينه وبين الأدب كما عَرَف ذلك الإسلام؛ ذلك أن معجزة هذا الدين الكُبرَى هي معجزة أدبيَّة، تَمثَّلت في القرآن الكريم، لقد مَضَى الإسلام بعد ذلك في نصَّيْه الأساسَيْن الكبيرَيْن: القرآن والسنَّة، يستخدم نماذج مختلفة للكلمة في التعبير عن رسالته، وفي تبليغ دعوته، وإيصال صوته إلى الأفئدة والضمائر والعقول، استخدَم القرآن الكريم الموعظة، والمَثَل، والحوار، والحكمة، والقصة، والمناظرة، والتاريخ، وغير ذلك، وصاغَ الكلمة في هذه الأنماط جميعها، وفي كثيرٍ غيرِها صِياغَة فنيَّة مؤثِّرة، لم يرقَ إليها - ولا يمكن أن يرقَى - أيُّ أديبٍ في القديم والحديث

ثم كان الشعر العربي - ولا سيَّما القديم منه - عاملاً أساسيًّا في إثبات إعجاز القرآن الكريم وفهمه، حتى أُثِرت المقولة المشهورة: "إذا استعصَى عليكم شيءٌ من كتاب الله فالتَمِسوه في الشِّعر".
ثم خرجت علوم آداب العربية كلها من مشكاة هذا الكتاب العزيز، كانت البلاغة ذات غرض ديني، هو فهم أسرار القرآن الكريم التعبيرية، والوقوف على عَجائبه وطاقاته الأسلوبية؛ لإدراك إعجازه وتميُّزه.
وكان وضع النحو والمعاجم، وجمع شَوارد اللُّغة، ولَمْلَمَة أشعار العرب في دَواوين ومَجامِيع ومُصنَّفات - لهذه الغايَة العقَدِيَّة.
(إن الأدب الإسلامي إذًا أدب عَقَدِيٌّ؛ أي: هو مُرتَبِط بالعقيدة الإسلامية؛ يصدر عنها، ويغترف من نبْعها، والعقيدة الإسلامية مفهوم شامل للكون والحياة والإنسان، تشمل كلَّ صغيرة وكبيرة، وتنعكس على أنشطة الإنسان جميعِها، فهي ليسَتْ مَقصورة على الشعائر الدينية: من صوم، وصلاة، وجهاد، وما شاكَل ذلك، بل هي تصوُّر كامل شامل لكلِّ شأنٍ من شؤون الحياة، وكلِّ أمرٍ من أمور الإنسان، ومن ثَمَ فلا خطر أن تَغتال العقيدة الفن، أو تقصَّ من أجنحته.)
( دكتور وليد قصاب-الأدب والعقيدة-)
إن بعض ضيقي الأفق يرون في الأدب عموماً ترفاً يجب أن يترفَّع عنه المسلمون، وما علموا أنَّ العلاقة بين الأدب والدين علاقة حميمة، أو كما صوَّرها
(هنري برجسون) بأنَّها علاقة نسب، عندما قال:
إنَّ الفنَّ ابن الدين. ونسوا أو تناسوا أنَّ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم كان يستجيد الشعر ويستنشده،
وكان يحثُّ حسّاناً على استخدام شعره في معركته ضد المشركين،
فلقد ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت:
((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان منبرًا في المسجد, فيقوم عليه يهجو من قال في رسول الله ,
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن روح القدس مع حسان ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم))
أخرجه أحمد (6/72), وأبو داود: كتاب الأدب, باب ما جاء في الشعر, رقم(5015)
وصلى الله وبارك على المبعوث هداية للعالمين .



بورك عرضكم الطيب وفهمك المتسق الكريم
ولو لم يكن من حسنات ما كتبت الا استدعاؤك هنا بهذه المعاني الجميلة فكفى بها حسنة
أسأل الله تعالى أن يزيدكم علما وفهما وأن ينفع بكم ويبارك فيكم
خالص تحياتي ودعواتي

ياسر سالم
10-01-2013, 04:26 AM
شكرا لك أستاذ ياسر على هذه المواضيع الممتازة التي تتحفنا بها جزاك الله خيرا ... والشكر موصول لكل من أدلى بدلوه هنا لله دركم
دمتم بخير
تحياتي



وشكرا استاذ ربيع على مرورك الكريم
وعلى تشجيعك المتواصل
مع خالص تحياتي ودعواتي

خليل حلاوجي
24-01-2013, 06:42 PM
مشكلتنا : ثقافية ..

والمثقفون - ومنهم الشعراء - صاروا يهرولون خلف الجمهو بدل قيادته .. تحت شعار ( الجمهور عاوز كده ) .

ومن جهة أخرى : تراجع الخطاب التثقيفي النخبوي أسهم في ظهور البديل الركيك .. ولاننسى التغالب التقزيمي للإعلام الذي يشارك في تسطيح الوعي لدى المتلقي ..


المقال الكريم وفيه دعوة لاستنهاض الصوت الابداعي للشعر .. يقف مشخصاً ولكنه لايرشدنا إلى وصف العلاج .


/

تقبلوا مودتي.

ياسر سالم
25-01-2013, 03:53 AM
مشكلتنا : ثقافية ..
والمثقفون - ومنهم الشعراء - صاروا يهرولون خلف الجمهو بدل قيادته .. تحت شعار ( الجمهور عاوز كده ) .
ومن جهة أخرى : تراجع الخطاب التثقيفي النخبوي أسهم في ظهور البديل الركيك .. ولاننسى التغالب التقزيمي للإعلام الذي يشارك في تسطيح الوعي لدى المتلقي ..
المقال الكريم وفيه دعوة لاستنهاض الصوت الابداعي للشعر .. يقف مشخصاً ولكنه لايرشدنا إلى وصف العلاج .

/

تقبلوا مودتي.





ما قلته صحيح أعزك الله وباركك .. فالكل في سباق محموم اقرب الى الهوس منه الى الادب
حتى العناوين.. جاءت تثير الرغائب والعجائب لتلوي الاعناق نحو الكاتب المنزوي الذي لا يكترث الناس له
وأما مقالتي هذه فهي ايماءة صغيرة من كاتب صغير إشارة ونذارة الى داء مستفحل
وكانت أولا ردة فعل على ما قراته في بعض المنتديات من اهتراء وجنون على يد عملاء الغيبوبة ممن يرون أنفسهم شعراء كبار وكتّاب فحول
وكنت قد عزمت على التوسع في نقد هذا الاتجاه المزري قياما بواجب الانتماء لميراث الأمة
ولكن قصرت همتي عن بلوغ ما أردت ، كما أن الأمر يحتاج إلى متخصص له باع ونظر وهذا لا ازعمه لنفسي
شكرا على مداخلتك الجميلة واتمنى فيما كتبت أن أكون قد سددت وقاربت ..
وكلٌ على قدر خطوته يسير ...