تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : من ذاكرة الطفولة والشباب



بن عمر غاني
19-09-2004, 10:16 PM
العجوز الداعية(01)

***
بينما كنت اقضي بعض أشغالي بالمدينة أذن المؤذن لصلاة العصر فقصدت اقرب مسجد لي لألحق بصلاة الجماعة....وعند دخولي لذلك المسجد تذكرت قصة بناءه ..وبدأ شريط الأحداث يمر أمامي كأنه يحدث في هذه اللحظة.
لقد حدث ذلك مند زمن بعيد عندما كنت شاب ادرس وكنت يومها أحب داعية مشهور في المدينة .. أتتبع خطواته حيثما حل في التجمعات الخيرية والدعوية التي كان يقوم بها .
بعد الانتهاء من صلاة العصر لهذا اليوم.....تذكرت عندما انتهينا من صلاة العصر لذلك اليوم الذي مر عليه أربعة وعشرون سنة خلت .

فوقف الإمام الداعية يخطب في جموع المصلين الذين قدموا تلبية لدعوة اللجنة الدينية للمسجد والتي أرادت من خلال هذا اللقاء أن تجمع ما تيسر من أموال المحسنين لمواصلة أشغال البناء.

مسجد توقفت الأشغال به عند هذه الأرضية التي نجلس عليها في العراء.

انه مسجد يقع وسط مدينة تلمسان وسيكون له شان كبير عند الانتهاء منه.. لذا يجب تشييده على نمط الفن المعمارى الأندلسي ويتطابق بالتالي مع الموروث الحضاري للمنطقة.

ومن هنا كان يلزمه الكثير من الأموال لإتمامه ويكون معلما حضاريا شامخا في هذه المدينة العريقة والضاربة جذورها في التاريخ.

قررت اللجنة الدينية استدعاء هذا الداعية الخطيب الفصيح والذي يشهد له الجميع بذلك على أمل أن ترق القلوب وتنفق بسخاء مما رزقها الله.
لان سكان هذا الحي كلهم تقريبا من الأغنياء وأصحاب ثروات طائلة.

تفنن الداعية الماهر بكل جدارة في أساليب الوعد والوعيد والترغيب والترهيب إن هم تصدقوا من فائض أموالهم وان الله يجازي كل مسلم شيد بيت لله ببيت له في الجنة إلى آخره...... فكانت خطبته في المستوى المطلوب .. وإن من البيان لحكمة.

تصدق الأغنياء أخيرا ...فجاءت صداقتهم شحيحة وليس في المستوى المطلوب لا بالنسبة لثرواتهم الطائلة و لا بالنسبة لمسجد كهذا.
بينما انتهت اللجنة من جمع الأموال.. طلع علينا طفل صغير يحمل بين يديه كيس كبير قال بالحرف الواحد:
إنها حلي من الذهب الخالص من عجوز كبيرة في السن وهبتها لبناء بيت الله ابتغاء منها لمرضاته سبحانه وتعالى وأرسلتها معي كي لا يعرف احد باسمها .... ثم انصرف.
عندما باعت اللجنة الدينية محتوى ذلك الكيس الكبير حصلت على مبلغ من المال معتبر... وقدره قدرأضعاف مضاعفة لما جمعه الفقراء والأثرياء جميعهم.

عند صباح اليوم الموالي.. كانت تلك العجوز الطاهرة قد التحقت بالرفيق الأعلى وعندها فقط عرف الناس من تكون صاحبة الكيس.
انتشر خبر قصتها في كل الأحياء المجاورة بسرعة فائقة فهب جميع سكان المدينة يحضر جنازتها التي كانت بالنسبة لها عرس بهيج لو نطقت.
بعد العودة من المقبرة تسابق أغنياء ذلك الحي وكل الأحياء المجاورة في المدينة
يتنافسون في التبرع بخالص أموالهم التي لم تكن محتشمة هذه المرة والتي كانت في مستوى ذلك المسجد العظيم الذي هو اليوم يقف شامخا بصومعته وفنه المعماري العريق وشاهد على قصة عجوز
تذكرنا بمقولة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه.
( أصابت العجوز واخطأ عمر)
ونحن نقول:
(نجحت العجوز حيث اخفق الداعية)

****
توضأت..... وصلت وقتها
شكرت.......ودعت ربها
طلبت لها بيت في الجنة
يسبق موتها
***
جمعت كل حليها
حزمت كيس من الذهب الخالص
أمرت طفلها
اذهب يا بني لذاك الجمع الكريم وقل لهم:
هذا من امرأة عجوز
ابتغاء مرضات الله
وهبت رزقها
واشترت بيتها
وان سألوك من تكون
لا تفشي سرها
***
توضأت..... وصلت وقتها
دعت ربها في السر
أن يقبض روحها
نامت ...وفي النوم توفت نفسها
أذاع الموت اسمها.....وأفشى سرها
هب الجميع يحضر موتها
بل عرسها
***
ودعوا جسما طاهرا
وعاد إبليس مهموما خاسرا
كان يعدهم من قبل بالفقر
وهاهم الآن ينفقون وينفقون
تبا لإبليس اللعين
كم كان بهم ماكرا.

بن عمر غاني
19-09-2004, 10:21 PM
سذاجة الأطفال(02)

***
هي قصة وقعت لي في طفولتي مع حمار كانت تملكه
عائلتي..وكنت يومها لا أتعدى العاشرة من عمري.

كثيرا ما كنت أشفق على هذا الحمار بحكم انه دابة مقهورة...تحمل الأثقال...تحرث الأرض وتقوم بكل المهام التي تقوم بها السيارة في يومنا الحاضر.
أتفقده ليلا ونهارا....انقل له الحشيش وشتى أنواع الثمار...وأتصيد له أماكن الظل تحت الأشجار في فصل الصيف.
اذهب به كل يوم إلى بئر القرية و أناوله ماء نقيا باردا ثم بعد ذلك اغسله بمشط أعددته خصيصا لذلك.

بعقلية الطفل الساذجة كنت اعتقد انه يقدر لي هذه الحفاوة في الخدمة والجميل ولا يمكن له بأية حال من الأحوال أن يأذيني في يوم من الأيام.
وفي إحدى المرات أردت أن اذهب به كعادتي إلى تلك البئر القريبة من القرية ولم أجد اللجام الذي كنت أتحكم به في جنوحه جيدا.
ركبت ظهره بدون لجام وانطلقت في طريقي وأنا اعتقد انه لن يغامر بأية محاولة طائشة ويخسر صديقا كثيرا ما كان يحسن إليه.

وصلت به البئر..أسقيته ماء بارد...غسلته بالمشط كالمعتاد...ثم ركبت ظهره وقفلت راجعا إلى البيت.
و بطريق العودة كانت هناك شجرة كبيرة متوحشة نمت أغصانها حتى تدلت واقتربت من الأرض وأصبحت لا تسمح بمرور الإنسان واقفا تحتها إلا إذا انحنى
عندما اقتربت به من تلك الشجرة الملعونة خرج الحمار بي عن الطريق المعلوم وانطلق بسرعة البرق متجه نحوها
بدأت اصرخ مرة وأناشده بالتوقف مرة أخرى لكن دون جدوى لقد تخلص منك يا بن عمار وانتهى الأمر.
وجدت نفسي بعد ذلك مرمي على الأرض وقد مشطت أغصان تلك الشجرة جسمي ومزقت ثيابي وكشفت عورتي.

وصل الحمار لوحده إلى البيت..وفهمت العائلة الرسالة بسرعة فانطلقوا للبحث عني والاطمئنان على حالتي التي كانت يرثى لها

وقعت طريح الفراش لبعض الوقت ثم استعدت عافيتي والحمد لله

فكنت بعقلية الطفل وأنا على الفراش الفاجعة احلف بغلاض الأيمان وأتوعد تلك الدابة المسكينة بشر انتقام ورد الصاع بصاعين

فخطرت لي أفكار كثيرة في هذا المجال وكان أمكرها:
هي أن استدرجه نحو شفا حفرة كبيرة كانت هناك بجنب الواد ثم اعصب بصره وادفعه دفعة واحدة فيهوي نحو الأسفل ثم انفض يد وأعود وقد شفيت غليلي منه.
تفطن الوالد رحمة الله عيله للأمر وسألني:
أراك يابني لا تتفقد كثيرا حمارك كما كنت من قبل.
سكت ولم اخبره بما انوي القيام به من مكيدة جهنمية.
ثم أضاف دون أن ينتظر جوابي.
إن هذه الدواب يا ولدي سخرها الله سبحانه وتعالى لنا ولم يعطها نعمة العقل
ورفع عنها التكليف وليس حالها كحال الإنسان الذي هو محاسب على كل صغيرة وكبيرة.
وكان عليك مند البداية أن لا تنتظر رد الجميل من حيوان في يوم من الأيام وتامن مكره.
لقد امرنا رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام بالرحمة بها والشفقة عليها تقربا إلى الله لا غير .
نزلت كلمات الوالد الكريم علي صدري مثلما ينزل الماء على النار الملتهبة.
لعنت الشيطان الرجيم واستغفرت الله الواحد القهار
ثم استأنفت الاهتمام به والشفقة عليه أكثر من ذي قبل.

وأصبحت من ذلك التاريخ كلما قرأت أو سمعت هذه الحكم والأمثال
التالية تذكرت تلك الواقعة:

(اليد التي تصافحها بحرارة تصفعك بشدة)
(اتق شر من أحسنت إليه)
(يفعل الجاهل بصديقه ملا يفعل العدو بعدوه)
(جزاه جزاء سنيمار
***
هذه قصة حقيقية وقعت لي وليست من وحي الخيال
وحفظنا الله وإياكم من كل سوء.

بن عمر غاني
19-09-2004, 10:59 PM
وللأطفال أمانة(03)
***
من بين القصص الكثيرة والطريفة التي لازلت أتذكرها برفقة ذلك
الحمار الغدار ...قصة أخرى تروي بكل صدق براءة الأطفال وأمانتهم.
بينما كنت اركب حماري في طريقي إلى بئر القرية..رأيت عائلة من المغتربين بالمهجر توشك أن تدخل البيت الذي كان يستضيفهم
هنا بأرض الوطن فعرفت أنهم كانوا بالبئر وانصرفوا قبلي.
في فصل الصيف ووقت الظهيرة تخلو القرية من المارة ونادر ما ترى شخص ما يتحرك هنا أو هناك إلى غاية العصر.
وصلت البئر..ادلوت دلوي ...شربت وشربت دابتي.
وأنا أريد الانصراف وقع نظري على مجموعة لا باس بها من حلي الذهب وبعض ساعات اليد الجميلة فوق حجر هناك
مباشرة تذكرت تلك العائلة المهاجرة التي سبقتني إلى هذا المكان إذ لا يوجد في القرية بأكملها من يملك مثل هذه الأشياء الجميلة
واعتقدت أنهم تركوها هنا نسيان منهم بعدما غسلوا أطرافهم وشربوا.
بجكم تربية الوالدين الكريمين على حب الأمانة..أخذتها وذهبت مباشرة إلى بيت العائلة المستظيفة.
طرقت الباب وأنا فوق حماري بثياب رثة...ومنظري منظر طفل صغير لابن عائلة فقيرة لا أكثر
فتح الباب وخرج احد أفراد العائلة فوجدني احمل رزقهم المنسي هناك بين يدي .
في ذلك الوقت فقط تذكروا متاعهم...شكر لي حسن جميلي واخبرني أنهم كلفوا احد أفراد العائلة بأخذ متاعهم لكنه بدوره نسيها
هناك وانصرف مع المنصرفين ولهذا السبب لم يتفقدوها
انطلقت في طريقي راجع وبعد قليل التفت ورائي فرأيت العائلة بكل أفرادها خرجت لتنظر إلى هذا الطفل الغريب الفقير والذي يلبس ثيابا تستر بعض جسمه فقط ولم يطمع في تلك الأشياء الجميلة التي تسيل لعاب الكبار
عندما رجعت للبيت كنت قد نسيت تلك القصة لذا لم اخبر عائلتي بها.
في المساء ذهبت لألعب مع أصدقائي الصغار كعادتي...وعند عودتي إلى البيت سمعت من بعيد حديث أناس غرباء عن الدار
دخلت...فوجدت بعض أفراد تلك العائلة المهاجرة جاؤوا يشكرون حسن جميلي للواديين الكريمين بعدما سألوا عني بعض الناس وعثروا على الدار أخيرا
أكرموا الوالدة العزيزة ببعض الثياب الجديدة ووعدوني أنهم عند انتهاء العطلة واقتراب عودتهم لأرض المهجر سيتركون لي كل ألبسة أبنائهم الصغار الذين يتقارب سنهم مع سني
وفي السنة المقبلة إن أطال الله في عمرهم سيخصصون لي هدية من ثياب جديدة خاصة بي.
وفوا بوعدهم عند انتهاء عطلتهم وأصبحوا كل سنة عند ما تأتي عطلة الصيف يجلبون لي معم مجموعة لا باس بها من ثياب الصيف والشتاء
فغدوت وأنا ابن العائلة الفقيرة ألبس أحسن الثياب على مر السنة
واذكر جيدا انه كثيرا ما كان يخاصمني أصدقائي من أبناء الأغنياء غيرة من تلك الثياب.

]( يــــــتـــبع)[/size]

د. سمير العمري
22-12-2004, 09:25 PM
أخي الحبيب بن عمر غاني:

دعني أتابع معك هذه القصص المؤثرة قصة فقصة.

أما تلك العجوز فقد حققت أمر الله بأن تكون الدعوة بالفعل قبل العمل وقد كافأها الله في الدنيا قبل الآخرة إذ أحسن إليها وحبب الخلق بها وجعل لها في كل من اعتبر بما فعلت أجراً وثواباً.

إن هذه القصة أخي تقدم العظة الكبيرة في أن ينتهج الخطاب الدعوي الفعل قبل القول وأن لا يكون القول مخالف للفعل ... يقول تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ)

إن ما أردى الأمة لم يكن سوى أننا اكتفينا بالقول دون الفعل وتبارى كل واحد منا في وعظ الأمة ونصحها دون أن يوافق فعله قوله.

اللهم اغفر لتك العجوز الكريمة وأصلح حال الأمة وأصلح ذوات نفوسنا يا كريم يا منان.


تحياتي ومحبتي
:os::tree::os:

بن عمر غاني
30-06-2005, 04:00 PM
وغفر الله لك اخي الكريم وتقبل زيارتك لتلك البقاع الطاهرة
دمت في امان الله وحفظه.

نعيمه الهاشمي
08-07-2005, 02:50 PM
السلام عليكم ورحمة الله

الأخ الكريم بن عمر....امر هنا لالقي عليك التحية

وأعود لهذة الدرر المؤثرة أن شاء الله

وفي انتظار البقية--بكل شوق

دمت على صراط الله وحفظه

حوراء آل بورنو
23-07-2005, 11:13 AM
مازلنا أخي الكريم في انتظار البقية .
بارك الله بك و أحسن إليك و إلى والديك .

تحيتي .

بن عمر غاني
10-08-2005, 11:00 PM
وعيليك سلام ربي ورحمته تعالى وبركاته
اختي الكريمة
ومررت مرور الشريفات الطاهرات
ستاتي البقية ان شاء الله
دمت دخرا للواحة.

إسلام شمس الدين
11-08-2005, 05:34 PM
كاتبنا العزيز بن عمر غاني
جميلة وبسيطة وحكيمة ذكرياتك هنا
استمتعت كثيرا بسردها وفي انتظار استكمالها بمشيئة الله

لك وافر محبتي وتقديري
إسلام شمس الدين

عدنان أحمد البحيصي
13-08-2005, 08:12 AM
أخي الكريم بن عمر غاني

كم أتشوق لسماع المزيد

فإن لي عشقا للجزائر وأهل الخير فيها

كيف لا وقد عشت فيها تسع سنوات




بارك الله فيك


والحق أقول لك سالت دمعة شوق للجزائر من عيني


لا حول ولا قوة إلا بالله

بن عمر غاني
17-08-2005, 09:08 PM
وفيك بركة الاخت حرة...
ولولديك مني الف تحية ان كانوا احياء
والف رحمة ان كانوا غير ذلك.

بن عمر غاني
17-08-2005, 09:21 PM
اخي الكريم............اسلام شمس الدين
هي اول محاولاتي في هذا المجال والتي لا تصل الى مستوىو ابداعكم بالتاكيد
فلا تبخلوا علينا بنصائحكم ايها العزيز على قلوبنا.
وستاتي البقية عن قريب ان شاء الله .
اخوك بن عمر.

بن عمر غاني
17-08-2005, 09:38 PM
اخي الحبيب.....عدنان الاسلام
احبك الذي احببتنا من اجله واقول لك ان الجزائر كذلك تحبك
وهي بلد الاحرار وقبلة الثوار كما تعلم.
لقد مرت بنا سحابة صيف وابشرك اخي انها اليوم بخير ...تزرع الورود وتمسح دموع اليتامى
وتفتح ذراعيها لكل ابنائها كي يعود لاحظان امهم معززين مكرمين كل ذلك يحدث في ظل ابن بار من ابنائها
الاحرار يحاول جاهدا ان يخرج الفلك الى بر الامان وسيصل به ان شاء الله لان الامة عن بكرة ابيها وراءه في هذا المسعى.
اخي الكريم لا شك ان لك ذكريات من ذكريات الطفولة هنا.....فمرحبا في بلدك في اي وقت.
اخوك بن عمر الذي يحبك كثيرا.

عدنان أحمد البحيصي
18-08-2005, 03:39 AM
أخي بن عمر يعلم الله اني ذهب لما يزيد على عشرة دول


فما فاق حب الجزائر حب إلا فلسطين

والجزائر شقيقتها في قلبي



أرجو أن نلتقي هناك في قسنطينة حيث كنت أسكن

أو هنا في قدسنا قدس الصمود


شكرا لك وعذرا لدمعة أنسابت من عيني