المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في رواية "في سبيل التاج



سامية الحربي
27-01-2012, 07:27 AM
قراءة في رواية "في سبيل التاج: للشاعر الفرنسي فرانسوا كوبيه
كان الشاعر فرانسوا كوبيه شاعراً يلقب ب " معزي المنكودين والبائسين وشاعر الضعفاء والمحزونين" وذلك أن القاريء لأشعارهِ ورواياته لا يستطيع إلا أن يرسل دموعا حارة إشفاقاً على من تخطتهم السعادة .
لم تكن بدايات كتاباته محل إهتمام واعجاب القراء والنقاد ممن سمعوها لكنه لم ييئس فأدرك أن بداخله شاعر مفطور على تجسيد المشاعر والبطولات فعاد لنظم القصائد وقد وفق لكتابة أحد الروايات ونشرهه بين الناس فصادفت رواجاً حتى أن بعض ما كتب كان يتلى على المسارح وفي الحفلات.
الف فرانسوا العديد من الكتب الشعرية أهمها (اعتصاب الحدادين) و (المتواضعون) و (المودات) و ألف أيضاً قصص نثرية منها (المجرم) و (شيونيه) .كما برع في الروايات التمثيلية مثل سيفير ونوريلي وفي سبيل التاج.

تعد رواية في سبيل التاج مأساة شعرية تمثيلية وهي رواية أخلاقية بطلها فتى تتعارض نفسه مع عاطفتان قويتان حب الأسرة وحب الوطن فضحى بالأولى فداءً للثانية ثم ضحى حياته فداءً لأسرته .
قام الأديب الكبير مصطفى المنفلوطي بتعريبها ونقلها في قالب عربي ماتع سكب فيها أرق و أجزل الألفاظ . وتعد الرواية كما يقول الأستاذ حسن الشريف (كتاب الوطنية الخالدة)
تدور أحداث الرواية في القرن الرابع عشر بين الدولة العثمانية والشعوب البلقانية حينما كانت الدولة العثمانية في أوج قوتها واستطاعت أن تسقط الدولة البلقانية وتدخلها تحت حكمها ولكن لم يمضي وقت طويل حتى إستنهض الأسقف "أتين " همم الشعب البلقاني وأخذ يجوب البلاد طولاً وعرضاً محرضاً الشعب البلقاني على التمرد والحرية وخاطب الملك البلقاني بألا يدفع الجزية والأتاوة ويخلع عنه طاعته للحكم العثماني و مازال به حتى أذعن لرأية فتمرد وكان أن أرسلت الدولة العثمانية الجيوش لتعاقبه وبسبب جهود وتحريض الأسقف أتين للشعب لم يستطع الأتراك هزيمتهم فقرروا أن يستخدموا الحيلة للإستيلاء على البلقان.
ومن هنا تبدأ الأحداث ويبرز أسم الرواية " في سبيل التاج"
القائد برانكومير تغير كثيرا بعد وفاته زوجته الأولى المخلصة وزواجه من بازيليد الطامحة والطامعة في العرش إثر نبؤة سمعتها في طفولتها .
أنجب برانكومير من زوجته الأولى أبنه "قسطنطين " هو بطل الرواية الذي ورث الأخلاق الحميدة من والدته والشجاعة والإقدام من و الده .
شخصية قسطنطين مزيج من البسالة حتى التهور والكرم الأخلاقي النبيل محباً مخلصاً لوطنه و للمستضعفين يذود عنهم ويحميهم .
بازيليد وهي زوجة القائد برانكومير مدفوعةً بطمعها للسلطة تضع يدها في يد جاسوس عثماني وعدها بالعرش. وأفضل ما يوضح ذكاء بازيليد هو الحوار الذي دار بينها وبين الجاسوس العثماني قبيل الخيانة العظمى التي ستحرض زوجها ليرتكبها. في هذا الحوار يتجلى قدرة الشاعر فرانسوا على إيصال مفهوم السلطة والعرش التي يغتر بها الكثر مع علمهم انها ملك زائل ولا تساوي شيء إذا ما تم مقايضتها بالحرية والكرامة. وعلى لسان بازيليد ايضا تَفند كل المبرارات التي عادة ما يسوقها المحتل ليحتل وطنا ماً ورغم علمها بكل ذلك إلا أن بريق التاج كان أقوى من صوت العقل الذي جادلت به الجاسوس .
تحرض بازيليد زوجها القائد على أن لا يشعل النيران ليحذر الجيش البلقاني بينما عدوهم يقف على الأبواب وبالفعل يذهب للتل وهناك يجري أهم مشهد في الرواية وهو الصراع بين العاطفتين حب الوطن وحب الأسرة .
يلحق قسطنطين بأبيه القائد بعد أن أخبرته خادمته المخلصة "ميلتزا" بما سمعت بين زوجة أبيه والجاسوس ويجد أبوه ذلك القائد العظيم الذي طالما التصقت البطولات بإسمه على وشك أن يقوم بأكبر خيانة في حق بلده. يدور حوار بين الأب والأبن يعبر فيه قسطنطين عن ضميره و مشاعره النبيلة نحو وطنه وشعبه وتاريخ أمته ولكن يأبى الأب ألا أن ينفذ طلب زوجته التي أغرته بالسلطة والتمكين أن هو مكن للمحتل , فيضحي الأبن بأبيه من أجل الوطن . ويتهم الأبن بأنه قاتل أبوه القائد العظيم ولا أحد يعلم ماذا كان ينوي الأب عمله غير بازيليد وخادمته ميلتزا.
يختار الأبن أن يضحي بسمعته وحياته حتى لا تتلوث سمعت والده الذي ينظر إليه الجميع على أنه قائد عظيم مات من أجل الوطن وينصب تمثال تذكاري تخليداً لذكراه بينما يساق الأبن وسره معه للموت .
وبما أن الرواية تعد كما يُقال "كتاب الوطنية الخالدة" تبرز عدة عوامل مهمة لابد من ذكرها:
1- دور العامل الديني في إستنهاض الشعوب ويتجسد ذلك في شخصية الأسقف "أتين" الذي طاف البلاد سنوات طوال ليستنهض شعبه تارة بإسم الوطنية تارة بإسم الدين.
2- تقدير الناس و أحترامهم لمن يقدم حياته وجهد للوطن بإخلاص ولو بعد حين . كما في حديثهم عن الأسقف في معسكراتهم وكما فعلوا لتخليد برانكومير .
3- دور المرأة في تغيير شخصية السياسين و القادة أما سلباً كما فعلت بازيليد او إيجاباً كما فعلت زوجة القائد الأولى ووالدة قسطنطين و الخادمة المخلصة ميلتزا .
4- أن الحرية والكرامة لا تجتمع مع تسلط دولة أخرى وتدخلها فيها مهما كانت المبرارات والإغراءات وحوار بازيليد مع الجاسوس يوضح ذلك.
5- أنه من أجل التاج ينسى الكثير أولوياتهم وشعوبهم و يتخلون عن كثير من أخلاقهم.

كتبته :غصن الحربي

صفاء الزرقان
28-01-2012, 01:27 AM
قراءة جميلة و موفقة

و النقاط التي تم ايرادها بإيجاز في الخاتمة نقاط مفصلية مهمة هناك الكثير مما يقال بشأنها

العامل الديني مهم جدا في حشد همم الناس لانه رابط قوي يجمع عدداً كبيراً من الناس و لهذا دوما

كان دور رجال الدين في الثورات مفصلياً سواء كانوا مع السلطان او ضده لما لهم من قدرة على تعبئة الحشود

تحت اسم الدين و حثهم على تبني فكر معين .

تقدير الناس لمن يقدم حياته للوطن نابع من احترامهم لتضحيته الكبيرة هم يتمنون ان ينالوا وهج الشهرة و الاحترام التي نالها

فهو بتقديم روحه يتحول من شخص عادي الى اسطورة وحكاية فموته كان سبب تألقه , يحترمونه لان هناك الكثير منا ممن يخافون الموت و

التصحية بأرواحهم اما هو فقد تغلب على خوفه و قهره فكان اهلا للاحترام .

دور المرأة في الحياة السياسية دور مهم و لها تأثير كبير على مر الازمنة كما قال نابليون "اليد التي تهز المهد بيمينها تهز العالم بيسارها".

الحرية و القهر و الاحتلال متضادات لا تلتقي و الحل هو ان تلغي احداهما الاخرى , التاج اعمى السلاطين و جعلهم يستغرقون في غيهم حفاظاً عليه .

قراءة قيمة

تحيتي وتقديري

ربيع بن المدني السملالي
28-01-2012, 01:38 AM
شكراً لك أختي الفاضلة ( غصن الحربي ) على هذه القراءة الطّيبة لهذه الرّواية القيّمة والتي قرأتها منذ مدّة بتعريب المنفلوطي يرحمه الله ، والآن بعد قراءتي لقراءتك المتميّزة لها سأخرجها الآن من بين كتبي لإعادة مطالعتها ، وسيكون ذلك أفضل بكثير من القراءة الأولى
بُوركتِ أيتها الكريمة
تحيتي الخالصة مع فائق الاحترام

ربيحة الرفاعي
29-01-2012, 01:32 AM
فالبطل في الرواية إذا كان من رعايا الدول البلقانية والعدو الذي واجهه وضحى بحبه لأسرته في مقاومته هو الدولة العثمانية
والدولة العثمانية في ما نعرف تمثل للغرب الاسلام، وكانت فتوحاتها تعني انتشاره

أعتقد بعد قراءتك القيمة للرواية أني بحاجة لقراءتها طمعا بالوصول لمرامي الكاتب

شكرا ايتها الرائعة للقراءة المتأنية

تحيتي

كاملة بدارنه
29-01-2012, 10:06 AM
تدور أحداث الرواية في القرن الرابع عشر بين الدولة العثمانية والشعوب البلقانية حينما كانت الدولة العثمانية في أوج قوتها واستطاعت أن تسقط الدولة البلقانية وتدخلها تحت حكمها ولكن لم يمضي وقت طويل حتى إستنهض الأسقف "أتين " همم الشعب البلقاني وأخذ يجوب البلاد طولاً وعرضاً محرضاً الشعب البلقاني على التمرد والحرية وخاطب الملك البلقاني بألا يدفع الجزية والأتاوة ويخلع عنه طاعته للحكم العثماني و مازال به حتى أذعن لرأية فتمرد
يبدو من خلال القراءة للأحداث أنّ الرّواية تحريضيّة وضد الدّولة العثمانيّة وسلاطينها ودينها...
-
دور العامل الديني في إستنهاض الشعوب ويتجسد ذلك في شخصية الأسقف "أتين" الذي طاف البلاد سنوات طوال ليستنهض شعبه تارة بإسم الوطنية تارة بإسم الدين.
ذكّرتني هذه الجملة بالحملة الصّليبيّة على القدس، حيث كانت تحت لواء ديني... ولكن ماذا كانت النّتيجة؟!
شكرا لك على قراءتك أخت غصن
حبّذا لو تمهّلت وراجعت الكلمات قيل النّشر للتّخلّص من بعض الأخطاء التي وردت
تقديري وتحيّتي

سامية الحربي
29-01-2012, 12:31 PM
الأستاذة العزيزة صفاء الزرقان تحية طيبة لك وشكرا للتعقيب .
الأستاذ الفاضل ربيع حفظك الله ورعاك .
الأستاذات الكريمات ربيعة الرفاعي كاملة بدارنه نعم الرواية وان كانت تصور الحدث بين الدولة العثمانية المسلمة و بلاد البلقان النصرانية وقد ترددت في إيراد بعض اجزاء الرواية التي تعتبر تحريضية إلا ان التركيز فيها على ماذا خلف التاج والتضحيات التي تقدم لأجله و تبقى تجربة إنسانية تتكرر أياً كان الطرفين . ولذا قام الأديب الكبير المنفلوطي بحذف أجزاء من الرواية واضافة أشياء أخرى .
تحيتي وتقديري للجميع.

ربيحة الرفاعي
29-01-2012, 05:12 PM
نعم الرواية وان كانت تصور الحدث بين الدولة العثمانية المسلمة و بلاد البلقان النصرانية
وقد ترددت في إيراد بعض اجزاء الرواية التي تعتبر تحريضية
إلا ان التركيز فيها على ماذا خلف التاج والتضحيات التي تقدم لأجله و تبقى تجربة إنسانية تتكرر أياً كان الطرفين .
ولذا قام الأديب الكبير المنفلوطي بحذف أجزاء من الرواية واضافة أشياء أخرى .

أشعر بالفخر حين أقرأ الوعي واليقظة لدى أعضاء واحتنا وشباب أمتنا في تعاملهم مع ما يقرأون ويرون، وقد اسعدني أن التردد لم ينته باديبتنا الكريمة غصن الحربي للامتناع عن إيراد الأجزاء التي تكشف البعد التحريضي للرواية، فيما يشير بوضوح لوعيها وعمق تعاطيها مع مقروئها ومحاميله

أما التركيز في الرواية الأصلية على ما "خلف التاج والتضحيات التي تقدم لأجله" وكونها "تبقى تجربة إنسانية" فالأصل في العمل الأدبي الذي يحمل رسالة يهدف منها لإحداث أثر أو تغيير لدى المتلقي أن يمررها بسلاسة وهدوء، محمولة على أجنحة أحداث لا تشير إليها بأي شكل، وإلا فقدت بمباشرتها تأثيرها

وقد كان أديبنا الكبير مصطفى لطفي المنفلوطي موفقا تماما بحذفه الأجزاء التحريضية في النسخة المعربة من الرواية واستبدالها بأخرى لتجنيب عمله الوقوع في مطب حمل رسالة النص الأصلي

أكرر شكري لجهدك الكريم وقراءتك اليقظة

تحيتي

سامية الحربي
25-12-2012, 09:13 AM
أشعر بالفخر حين أقرأ الوعي واليقظة لدى أعضاء واحتنا وشباب أمتنا في تعاملهم مع ما يقرأون ويرون، وقد اسعدني أن التردد لم ينته باديبتنا الكريمة غصن الحربي للامتناع عن إيراد الأجزاء التي تكشف البعد التحريضي للرواية، فيما يشير بوضوح لوعيها وعمق تعاطيها مع مقروئها ومحاميله

أما التركيز في الرواية الأصلية على ما "خلف التاج والتضحيات التي تقدم لأجله" وكونها "تبقى تجربة إنسانية" فالأصل في العمل الأدبي الذي يحمل رسالة يهدف منها لإحداث أثر أو تغيير لدى المتلقي أن يمررها بسلاسة وهدوء، محمولة على أجنحة أحداث لا تشير إليها بأي شكل، وإلا فقدت بمباشرتها تأثيرها

وقد كان أديبنا الكبير مصطفى لطفي المنفلوطي موفقا تماما بحذفه الأجزاء التحريضية في النسخة المعربة من الرواية واستبدالها بأخرى لتجنيب عمله الوقوع في مطب حمل رسالة النص الأصلي

أكرر شكري لجهدك الكريم وقراءتك اليقظة

تحيتي

و أنا أيضًا أكرر شكري للرائعة القديرة ربيحة الرفاعي كوني بخير . تحياتي ومودتي.

كريمة سعيد
25-12-2012, 10:53 PM
قراءة واعية وماتعة أحييك عليها
بوركت أيتهات الراقية

سامية الحربي
14-03-2013, 07:12 PM
قراءة واعية وماتعة أحييك عليها
بوركت أيتهات الراقية

حياك الله أختي الأديبة كريمة سعيد شرفت بك دمتِ في حفظ الله ورعايته.مودتي.