المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ( الحبُّ في زمن الحرمان )



محمد محمود محمد شعبان
31-01-2012, 01:20 PM
( الحبُّ في زمن الحرمان )


وقفتْ أمام المرآة تنظر لوجهها الذي يسكن فيه الجمال بكل معانيه ، من منبت شعر رأسها وحتى أسفل ذقنها ومقدمة نحرها ،....ولكنّ نظرات الحزن التي تبدو في عينيها قد غيبت هذا الجمال عن يقظته وحيوته ونشاطه وحولته إلى جمال ذابل وحزين .
ـــ : فتلك الهالات السوداء أسفل عينيّ لم تكن موجودة من قبل ، وتلك التجاعيد التي تظهر بخدي لم تكن موجودة من قبل ، كيف ذلك ؟؟ أنا ما زلت في عشرينيتي ، ويظهر أني الآن في أواخر الأربعين .
تناولت علبة الدهن ( الكريم ) وأخذت منها على أصبعها ، وبدأت تضعه على أماكن التجاعيد والهالات السوداء .
ويداعب فكرَها الآن بعضُ المواقف الحميمية معه.... ، وقبل سفره الأخير ، والحياة مليئة بالحب ولا شئ غير الحب
ـ : في وقت لم أحرم من أي شئ .... في آخر مرة كان فيها هنا بجانبي ، وهو الذي وضع الكريم على وجهي وقال لي : إنه يحب أن أهتم دائما بجمالي حتى لا يذبل ... كم كانت يداه ناعمتين كيد طفل تسافر في كل مكان من وجهي ، وتستقر فيه ، وتعيش معه .
تنظر الآن إلى خزانة الملابس ( الدولاب ) ، وهوظاهر خلفها في المرآة تلتفت وتسير إليه بخطوات هادئة ....إنها تتذكره الآن وهو يعطّرها ويضع ( البرفان ) التي تحبه على صدرها ، ـ : كان دائما يحضره لي عندما يعود من السفر .... ،ومنذ رحلته الأخيرة ، وأنا أنتظره يدخل عليّ ببذلته .. بذلة الطيار الأنيقة التي يبدو بها كنسرٍ قوي البنيان شامخا ، أبيض كبدر السماء ، أسود الشعر كسكينة وطمأنينة السَّحر ..... وطــلـَّته عند رجوعه تشعرني بالأمان وكأنني غريبة مسافرة في مكاني ، وعندما أراه ...يعود قلبي لوطنه الذي تغرب عنه وقتا طويلا ..... ما زلت أذكر صوته الناعم منذ لقاءنا الأخير ، وهو يقترب من وجهي ويلامسه ويداعبه بشفتيه السميكتين النديتين ، و يهمس بأذني : وحشششششتيييييني أوي ..... يا رووووح قلبي ) .. يكون عندها كالطفل الذي يرى لعبته التي غاب عنها وقتا طويلا .. فهو يحملها ويقبلها ويرفعها ، ويخفضها .... ما أجمل أوقات الحب معك يا حبيبي !! وما أقصرها ــ أيضا ــ !! ... كل هذا الطيف الجميل يهدهدني بل يزلزلني يا حبيبي الغائب .. أبدا .. أبدا لن أنساك .. فأنت كهفي الذي آوي إليه ، وأنسى فيه متاعبي ، وأنت مغتسلي البارد الذي أتتطهر فيه من أوجاعي ومتاعبي .
وصلت إلى ( الدولاب ) فتحته .. الفساتين المرصوصة بدقة وعناية ، وكثير منها ما زال مغلَّفا ولم يلبس .. وكلها تفوح منها رائحة الذكريات الجميلة ، وكلها هدية
من حبيبيها ( هشام )
ــ : هذا أحضره لي من رحلته إلى الهند ، و... هذه ( العباية ) من ( خان
الخليلي ) عندما كنا نتجول معا عاشقين ملأ الفرح حياتهما ... غرَّين غير عابئين بمشاكل الحياة وهمومها ، .. أما هذا القميص الأحمر الشفاف فهو من ( فرنسا ) بلد النور والجمال ... ذوقك جميل يا هشام تُحسن اختيار الألوان دائما تعلم ما أريد وتقرأ خواطري وتشم رغباتي وتلمس أحاسيسي ، أنت تعيش بداخلي وتتجول في عقلي ، وأقوم معك برحلاتطويلة وجميلة ...... كل ذلك وأكثر لم أجده في غيرك يا حبيبي .. يا من ملكت أمري ، وتحكمت في كل تصرفاتي ... بحبي لك ، وكأنني دمية تحركها خيوط المحبة والعطف وهي تتحرك كما يريدها صاحبها ... لقد أطلت الغيبة هذه المرة ـ يا حبيبي ـ ما عدت قادرة على الانتظار ... الانتظار كائن مرعب يهدد كياني ، ويخترق أوصالي ،و يعبث برغباتي .. أنت حقا متميز .... ومتفرد ، ولا أعرف السبب .. أهو لأنك حبي الأول ؟.. أم لأنك توصلت إلى أزرار عقلي فأنا بين يديك كالكمبيوتر تغذيه بما تحب وتريد ... ، ويعطيك هو ما تحب وتريد .
وما زلت أبحث عنك في الوجوه الطائرة حولى كالحدءات تحاول أن تنهشني ، بل هي تفترسني الآن ... الآن يا حبيبي .. أمد إليك يدي فانتشلني وانقذ ما تبقى من بعضي .
المكان يعج بالضيوف ، والرجال هنا أكثر من النساء ، والنساء يخطبن ود الرجال ، وحول كل واحد خمسة أو أكثر ، ... وتسألني أمي :
ــ إيه رأيك في احمد ابن طنت ( شاهي ) ؟
ــ هوفين ده ؟
ـ أهو قدامك جنب (صافي ) .. شوفي البت ها تكلو بعنيها ازاي .
ـ آآه .. ما بيعجبنيش ( وتلفت نظرها عنه ويبدو أنها تتفرس بعض الوجوه )
ـ طب إيه رأيك في المهندس ( وسام ) ؟ .. طيِّب وابن حلال .
ــ أنا عارفه عنه حاجات أكتر من اللي تعرفيها انتي يا ماما !!
ـ طب ........( لم تستطع أمها أن تكمل .. حيث قاطعتها )
ـ يا ماما يا حبيبتي أنا عارفاهم كلهم ، وأحسن واحد فيهم ما يستهلش إنك تجيبي اسمه ـ حتي ـ على لسانك .. كلهم زبالة ... صدقيني !!
أعود لبيتي ومرآتي الحبيبة والتي يطل منها وجهك الجميل يا حبيبي ، وأنت تقف بجانبي وتنثر شعري ، وتختار ما تحب أن ألبسه لك ، ليتك لم تسافر ـ يا حبيبي ـ هذه المرة !! ليتك لم تسافر يا حبيبي هذه المرة !!
ـ : إنني أنتظره الآن ... لقد همس في أذني أثناء الحفلة ، وقال : هجيلك الليلة دي ... استانيني الساعه اتناشر .
تر ى هل سيحضر ؟ ترى هل سيتأخر كعادة الآخرين ؟ أنا الآن أشتاق لمعرفته وأشتاق إلى اكتشاف أسراره .. ترى هل سيكون مميزا ؟ .. أم سيكون كغيره ممن عرفتهم ... بعد سفرك وغيابك الطويل بعد رحلتك الأخيرة المشئومة ... ـ يا حبيبي ـ ... نعم أنت حبيبي ، وما زلت حبيبي ، ولن يعوض حرماني منك أحد غيرك .

"" أنا الآن كشجرة التوت في أيام الشتاء . ""

انتهت بحمد الله

بقلم / محمد محمود شعبان ( حمادة )
مصر ـ الزقازيق ـ محافظة الشرقية ـ

مازن لبابيدي
01-02-2012, 02:54 PM
أسرتني هذه القصة فلم أملك لنفسي هروبا أو توقفا .
أقل ما يقال أنها رائعة
براعة الكاتب في الوصف والسرد والاستدعاء والحوار ظاهرة ومتميزة .
لا أحبذ استعمال العامية وخلطها بالفصيح - دون ضرورة تخدم القصة نفسها - وكان من الممكن لكاتب متمكن مثلك أن يجد العبارات الفصيحة المناسبة لتحل محلها .
تسلسل وتصاعد الحدث موفق إلى حد كبير .
الخاتمة مدهشة وتفتح المجال لتآويل متعددة .
المبدع حمادة الشاعر ، سأقرأ دائما إن شاء الله .
لك التحية والتقدير

محمد محمود محمد شعبان
01-02-2012, 08:30 PM
الشكر لك أخي مازن ، وأشكر عشقك الكبير للغتنا العربية ، وسوف أراعي ذلك فيما بعد إن شاء الله قدر إمكاني .. تحياتي وسعيد بمرورك الكريم .. دمت أخي

آمال المصري
01-02-2012, 09:45 PM
قرأته بالأمس وكان ماتعا وراقت لي الفكرة والمضمون وطريقة السرد
ولكن كما ذكر د. مازن استوقفني كثير استخدام ألفاظ غير فصحى بالنص
دمت أديبنا الفاضل بألق وبهاء
تحاياي

رشدي مصطفى الصاري
01-02-2012, 09:55 PM
من يرى بعين المحب ويرصد دقات قلبه
لابد من أنه يملك إحساس الأديب ورومانسية الأدب
أعجبني تجوالك في روح هذه العاشقة المخلصة..
والتي أبت روحها المقارنة، ومفارقة الزمن لمن كان له النظرة الأولى..
تقبل اعجابي وودي

محمد محمود محمد شعبان
02-02-2012, 12:30 AM
من يرى بعين المحب ويرصد دقات قلبه
لابد من أنه يملك إحساس الأديب ورومانسية الأدب
أعجبني تجوالك في روح هذه العاشقة المخلصة..
والتي أبت روحها المقارنة، ومفارقة الزمن لمن كان له النظرة الأولى..
تقبل اعجابي وودي

الشكر كله لك أخي رشدي على مرورك الراقي وذوقك الرفيع

محمد ذيب سليمان
02-02-2012, 01:51 PM
قصة رائعة ..
حينما تحب المرأة لا ترى الا من تحب
فهي اصدق من الرجل في حبها

شكرا للجمال والمتعة

محمد محمود محمد شعبان
02-02-2012, 05:30 PM
قصة رائعة ..
حينما تحب المرأة لا ترى الا من تحب
فهي اصدق من الرجل في حبها

شكرا للجمال والمتعة

الشكر كله لك أخي محمد ولمرورك الكريم .. نتعلم منك الكثير

مؤيد عبدالله الشايب
04-02-2012, 07:03 PM
فكرة رائعة استطعت صياغتها بمهارة .. سرد أخاذ يأخذك حتى النهاية أو اللانهاية .... سلمت

محمد محمود محمد شعبان
05-02-2012, 01:09 PM
شكرتك أخي مؤيد حتى أعجزت الشكر .. فحضورك الدائم يشرفني ويأسرني .. دمت أخا عزيزا .. وناصحا أمينا

محمد محمود محمد شعبان
20-02-2012, 08:46 PM
من يرى بعين المحب ويرصد دقات قلبه
لابد من أنه يملك إحساس الأديب ورومانسية الأدب
أعجبني تجوالك في روح هذه العاشقة المخلصة..
والتي أبت روحها المقارنة، ومفارقة الزمن لمن كان له النظرة الأولى..
تقبل اعجابي وودي

================================================== =====================================

أشكرك أخي الأديب رشدي مصطفى .. مرورك أسعدني سعادة باغة .. مودتي :noc:

محمد محمود محمد شعبان
02-03-2012, 02:17 AM
أسرتني هذه القصة فلم أملك لنفسي هروبا أو توقفا .
أقل ما يقال أنها رائعة
براعة الكاتب في الوصف والسرد والاستدعاء والحوار ظاهرة ومتميزة .
لا أحبذ استعمال العامية وخلطها بالفصيح - دون ضرورة تخدم القصة نفسها - وكان من الممكن لكاتب متمكن مثلك أن يجد العبارات الفصيحة المناسبة لتحل محلها .
تسلسل وتصاعد الحدث موفق إلى حد كبير .
الخاتمة مدهشة وتفتح المجال لتآويل متعددة .
المبدع حمادة الشاعر ، سأقرأ دائما إن شاء الله .
لك التحية والتقدير

================================================== ============================
كلامك أخي الأديب / مازن .. جدا مشجع .. ولسوف أعمل بكل نصائحك ـ إن شاء الله ـ .. بوركت أيها الحبيب .

ربيحة الرفاعي
03-03-2012, 04:03 AM
دخول موفق حملنا لسرد مشوق متناغم التتابع في بناء قصي محكم
وموضوع عاطفي ياسر انتباه القارىء متفاعلا مع البطلة ومعايشا لانفعالها حتى الخاتمة المشرعة الأبواب لتصورات متعددة

أبدعت أديبنا

تحيتي

عايد راشد احمد
04-03-2012, 12:04 PM
السلام عليكم ورحمة الله

شاعرنا واديبنا واخي حمادة

ابحرت بقاربي اجوب أرجاء بحر قصتك

كلما اتجول يزداد عشقي للابحار فيها

هذه هي حواء لا وسطية عندها متطرفة دوما اما اقصي اليمين او اقصي اليسار

فهو حب بلا شح او انتقاموكره قح كما يقولها اخواننا المغاربة

سرد وتسلسل سرقني ووصلت بقاربي للنهاية دون ان اشعر

راقني واسعدني ان اكون هنا

تقبل مروري وتحيتي

محمد محمود محمد شعبان
13-03-2012, 11:12 PM
السلام عليكم ورحمة الله

شاعرنا واديبنا واخي حمادة

ابحرت بقاربي اجوب أرجاء بحر قصتك

كلما اتجول يزداد عشقي للابحار فيها

هذه هي حواء لا وسطية عندها متطرفة دوما اما اقصي اليمين او اقصي اليسار

فهو حب بلا شح او انتقاموكره قح كما يقولها اخواننا المغاربة

سرد وتسلسل سرقني ووصلت بقاربي للنهاية دون ان اشعر

راقني واسعدني ان اكون هنا

تقبل مروري وتحيتي


والله ـ ما يروق لي إلا مرورك أيها الحبيب الأديب / عايد راشد أحمد .. جزاك الله خيرا .. ولا حرمني الله مرورك الطيب .. مودتي لك .

وليد عارف الرشيد
14-03-2012, 05:56 AM
مع أنه لا يروق لك إلا مرور الحبيب الرائع عايد ... فإني سأمر مهنئًا بنصٍ رائعٍ وقصة موفقة
رائعٌ انت أيها المبدع
مرحبًا بك دائمًا وبإبداعتك
مودتي كما يليق وتقديري

الطنطاوي الحسيني
14-03-2012, 10:50 AM
انت دائما رائع
يا اخي حمادة
قصة قفلتها تنم عن تطور لديك مهاري رائع
دمت بروعتك
فعلا اثرت في

محمد محمود محمد شعبان
14-03-2012, 09:37 PM
مع أنه لا يروق لك إلا مرور الحبيب الرائع عايد ... فإني سأمر مهنئًا بنصٍ رائعٍ وقصة موفقة
رائعٌ انت أيها المبدع
مرحبًا بك دائمًا وبإبداعتك
مودتي كما يليق وتقديري

هكذا دائما أنت أيها الأديب الكبير / وليد عارف الرشيد .. ذو تواضع جم .. ووالله الذي لا إله غيره لأن أرى وجهك الوسيم الطيب يتألق على صفحتي لهو كل الشرف لمثلي أيها الحبيب .. شكرا لك ، بل ألف ، يا ذا القلب الطيب .

د. سمير العمري
03-10-2013, 05:15 PM
نص بدا لي كتلخيص لفيلم مصري قديم شابه الترهل في إسهاب الوصف وفقد بلاغة الإيجاز ناهيك كثرة استخدام اللهجة العامية.
القصة القصيرة تحتاج تكثيفا وبلاغة وفكرة محددة وإبداع في الطرح وفي المضمون.

تقديري

محمد محمود محمد شعبان
06-10-2013, 07:24 AM
انت دائما رائع
يا اخي حمادة
قصة قفلتها تنم عن تطور لديك مهاري رائع
دمت بروعتك
فعلا اثرت في

سلمت ودام لي تألق الحضور أخي الطنطاوي الأديب الرائع
لا حرمنا مرورك الطيب أيها الحبيب الذي يعطيني دفعات ودفعات للاستمرار
خالص التحايا
حمادة الشاعر

نداء غريب صبري
16-01-2014, 10:16 PM
العاشقة تتلاشى في محبوبها
لا تشعر بغيره ولا ترى غيره

قصة جميلة

شكرا لك

بوركت

ناديه محمد الجابي
27-07-2020, 06:40 PM
قاص متميز تكتب قصصك بعبير إنساني من مسرح الحياة
نص بديع في صياغته ووصفه ، وشاعرية الروح التي نسجت الفكرة
حرف ووصفا وسردا.
وفاجأتني النهاية التي قد تثير الإبتسام أو التساؤل
قفلة مباغتة بسخريتها.
دمت ودام إبداعك.
:sm::v1::001: