المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النسر



مؤيد عبدالله الشايب
03-02-2012, 08:26 PM


ما زال أهل القرية التي تسكن في سفح "جبل النسر" يتحدثون عن البندقية العابثة التي أودت بحياة نسرهم الجميل الذي ألفوه من سنين طويلة و هو يحلق في سماء قريتهم مشكلاً لوحة تنبض بالزهو و الكبرياء و كان يعيش عالياً في قمة الجبل بعيداً عن أيدي و عيون المتطفلين . كان صاحب البندقية رجلاً قد عاد للتو من غربة طويلة و قد إكتسب هواية جديدة أخذ يمارسها في طيور القرية الوادعة ...... كانت تجلس مع إبنها الصغير في حديقة المنزل الغنية بذكريات أحاديث و همسات و مداعبات زوجها الذي غادرهم شهيداً قبل سنة . تلقت هذا الصباح مكالمة تلفونية من أخٍ لزوجها يعيش في بلد بعيد و سيأتي لزيارتها و إبنها اليوم . كان نعيق بعض الغربان ما زال يُسمع في أنحاء القرية منذ مقتل النسر . يحاول الطفل الذي لم يبلغ السادسة بعد أن يتسلق الشجرة الكبيرة التي تتوسط الحديقة و تفرش جذورها تحت البيت كلّه . عندما وصل أخ الزوج الشهيد كانت ......في إستقباله و فضّل أن يجلس في الحديقة . كان قد أحضر إبنه الصغير معه ليتعرف (كما قال) على إبن عمه . بدأ حديثه عن الكارثة التي حلّت بالعائلة بعد غياب الأخ الأصغر و إستشهاده . و عن إلحاحه على أخيه منذ زمن بعيد أن يترك القرية و يأتي ليعيش معه في ذلك البلد البعيد حيث الحياة هناك تستطيع أن تعطيه الكثير و تنشله من عالم السياسة و ألاعيبها الدنيئة . و بأن أحلامه في تغيير هذا الوطن و تحريره لم تجلب له غير الموت تاركاً خلفه زوجة و إبناً وحيداً و تحدث عن محاولاته العديدة لإرسال المال له و الرفض الدائم من قبل أخيه للمساعدة .
أفاقت و عادت من عالم ذكرياتها و أحاديث الزوج الشهيد عن عالم مليء بالمثل و القيم و الحرية . كانت تراقب إبنها و قد إستطاع تسلق جذع الشجرة و الوصول إلى الأغصان الأقل سماكة من الجذع . تذكرت زوجها عندما كان يحمل الصغير و يساعده على التسلق و يقول له : ذات يوم ستصعد الشجرة لوحدك و عندما تصل لأعلاها ستستطيع أن تحلق مثل نسر قريتنا الجميل .
كان صوت نعيق الغربان يعلو أكثر
عاد الأخ للحديث عن أخيه الشهيد و أخبرها بأنه كان مختلفا عن إخوته و أقرانه و لم يكن يشاركهم إهتماماتهم و لعبهم و إنما يلجأ لعالم آخر صنعه بنفسه و ما كانوا ليفهموا هذا العالم لأنه كما يرى عالم خيالي و رجاله قد أتوا من الأساطير و الخرافات .
توقف عن الحديث عندما رأى إبنه و هو يحاول أن يصعد الشجرة مقلدا إبن عمه . فزجره و نهاه و حذره من أن تتسخ ملابسه أو من الوقوع و إيذاء نفسه و أن لا يقلد إبن عمه المجنون كأبيه .
بين حين و آخر كان يأخذها من ذكرياتها بأسئلته المفاجاة , لكنها لا تلبث أن تعود لها بعد ردّ مقتضب . و عندما قرر المغادرة أمسك بيد إبنه و قال : يجب أن تغادري هذه القرية اللعينة التي تبعث على الكدر و الضيق .
أمسكت بيد رَجُلها الصغير بعد أن نزل من على الشجرة ممنياً النفس بمحاولة أخرى للصعود و الوصول للقمة و من ثم التحليق .
فتحت الأم باب البيت , قال الصغير منزعجاً و هو ينظر للخلف:" نعيق الغربان يملأ المكان يا أمي "
قالت الأم و هي تضع قدمها داخل البيت و ظلال من الذكرى بدأت تعبر الذاكرة :"النسر مات .... سنسمع النعيق كثيرا "
إلتمعت عينا الصغير و قال " إذاً لا بدّ من نسر آخر"

د عثمان قدري مكانسي
03-02-2012, 08:40 PM
خاطرة رائعة السبك
وصلت رسالتك يا أخي .. فآخر الخاطرة ( :"النسر مات .... سنسمع النعيق كثيرا "
إلتمعت عينا الصغير و قال " إذاً لا بدّ من نسر آخر") زبدتها الموفقة
بارك الله فيك ..... لقد أحسنت

كاملة بدارنه
03-02-2012, 09:03 PM
قالت الأم و هي تضع قدمها داخل البيت و ظلال من الذكرى بدأت تعبر الذاكرة :"النسر مات .... سنسمع النعيق كثيرا "
إلتمعت عينا الصغير و قال " إذاً لا بدّ من نسر آخر"

قصّة رائعة بسردها ورمزيّتها ونهايتها
بوركت
تقديري وتحيّتي
( حبّذا لو انتبهت لبعض الهنات اللغويّة قبل النّشر)

مؤيد عبدالله الشايب
04-02-2012, 05:46 PM
أشكركم .. أسعدني مروركم كثيرا .. لكم مني باقات محبة و قوافل ورد

ربيحة الرفاعي
10-11-2012, 12:17 AM
‎بين حين و آخر كان يأخذها من ذكرياتها بأسئلته المفاجاة , لكنها لا تلبث أن تعود لها بعد ردّ مقتضب . و عندما قرر المغادرة أمسك بيد إبنه و قال : يجب أن تغادري هذه القرية اللعينة التي تبعث على الكدر و الضيق .
....
قال الصغير منزعجاً و هو ينظر للخلف:" نعيق الغربان يملأ المكان يا أمي "
قالت الأم و هي تضع قدمها داخل البيت و ظلال من الذكرى بدأت تعبر الذاكرة :"النسر مات .... سنسمع النعيق كثيرا "
إلتمعت عينا الصغير و قال " إذاً لا بدّ من نسر آخر"

تكثر الغربان وتستعلي حين تغيب النسور ، وقد كان نعيقا احتملته على مضض وهروب متقطع لذكريات نسرها الراحل
وكان النسر الآخر يخطو مثابرا نحو معارجه في السماء

قصة بديعة الفكرة والمعالجة بسرد شائق وقفلة رائعة

أهلا بك في واحتك أديبنا الكريم

تحاياي

نداء غريب صبري
17-11-2012, 12:41 AM
نعم أخي
مات النسر ومحن الان نسمع جميعا نعيق الغربان

قصة رائعة
شكرا لك

بوركت

د. سمير العمري
17-12-2013, 01:03 PM
كيف ذاك وقد بات القوم أسرع لقتل نسورهم وإطلاق غربانهم من عدوهم؟؟
نص قصصي مميز بفكرة كبيرة وإن كان الأسلوب بحاجة لضبط أكثر في الحبك والتحضير بتكثيف وبتركيز على الحدث المتنامي وصولا لتلك الخاتمة التي قالت معنى كبيرا ومهما.
أحسنت أيها الأديب!

تقديري

خلود محمد جمعة
16-03-2015, 10:10 AM
:"النسر مات .... سنسمع النعيق كثيرا
رمز عميق الدلالة بتكثيف رائع

" إذاً لا بدّ من نسر آخر"نهاية حددت مستقبله
وقصة بسرد سلس وأسلوب شائق الى حبكة عميقة ونهاية رائعة بحرف تمكن من النقش ببراعة بوركت
كل التقدير

د.حسين جاسم
08-04-2015, 12:01 AM
السرد سلس والفكرة قوية وتوظيف الرموز ناجح بجدارة
أحييك

آمال المصري
17-08-2015, 11:37 PM
إذا رحل عن الوطن كل حريص على الحياة ... فمن يحرره ؟
ومهما تعالى نعيق الغربان .. فلابد من نسور جسورة ترفرف فوق سماء العزة والكرامة
نص رائع قوي بسرده وفكرته
دمت رائعا أديبنا
تحاياي

ناديه محمد الجابي
16-09-2019, 05:40 PM
قصة شائقة السرد الذي حمل عمق الفكرة، وتماسك البناء برمزية هادفة
أحسنت تأثيث النص بما يخدم وصول الفكرة برسالتها
أبدعت ـ فشكرا لك.
:hat::nj::hat: