المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عنك يا رسول الله



عبد الله راتب نفاخ
05-02-2012, 01:48 PM
عنك يا رسول الله

إذا ما سئلت عمن أراه قد طأطأ رخ العظمة رأسه و خنع بجناحيه لتحيته من بني البشر ، فما أحسب إجابتي ستكون سوى : ذلكم رسول الله محمد صلى الله عليه و على آله و سلم .
و ما أصدر في هذا عن تعصب أو هوى ديني ، بل عن قناعة و تقدير لما قرأته و ما زلت أقرؤه ، و عرفته و ما زلت أعرفه ، من جوانب عظمة ذلك الإنسان الذي تضع الإنسانية أجنحتها السماوية له تقديراً و إجلالاً .
جليبيب ... اسم له قصة في سيرة النبي الكريم ، يعرفها كثيرون ، و يجهلها كثيرون .
وقعت عليها كاملة في تفسير ابن كثير ، ذلك السفر الذي يكاد لا يفسر القرآن إلا بمثله أو بكلام سيد الخلق أو بعض صحابته .
جليبيب .. واحد من صحابة محمد صلى الله عليه و سلم ، خامل الذكر ، وضيع الشأن بين الناس ، لكنه ليس كذلك لدى سيد الإنسانية رسول رب العالمين .
قصته في أغلب المراجع تبدأ مذ خطب رسول الله إلى قوم لهم شأن و غنى ، فقبلوا دون أن يستأنوا لظنهم أن الخطبة للخاطب نفسه ، لكنه يصعقهم حين ينبئهم أنها ليست له ، بل لجليبيب .
و تأخذ سورة الغيظ بالأم فتردد : ( أجليبيب ابنه ؟ أجليبيب ابنه ؟ ) ثم تعطف : ( لا لعمر الله لا نزوجه )
و يجد الأب نفسه عاجزاً أمام خيبة أمله ، و انفعال زوجه ، فيقوم ليرد الخطبة على رسول الله صلى الله عليه و سلم .
عندئذ تخرج إليه ابنته صاحبة الشأن لائمة مقرِّعة : أتردون خطبة رسول الله ؟ أنستأمنه على خبر السماء ثم لا نستأمنه على زيجة ؟ أتحسبونه يضيعنا ؟
و تؤوب الذكرى إلى الوالدين المؤمنين ، فيسترجعان بعد غفلة ، و إن يكن تبقى في الصدر شيء من غضاضة ، لكنه التسليم لأمر الله و أمر رسوله .
و تنزل الآية الكريمة حسب قول بعض العلماء ( و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم )
و يتم الزواج ..
و بعد أمد ليس بالبعيد تدق طبول الحرب ، و يفزع أهل المدينة ، و يقوم منادي الجهاد في الناس .
و ينهض القوم و فيهم جليبيب .
ثم ينقشع غبار المعركة عن مقتلة عظيمة ، و تضع الحرب أوزارها .
و يجلس المسلمون بين يدي رسول الله يحصون ما كان لهم ، و ما كان عليهم .
و يسأل عليه الصلاة و السلام و قد خامر فؤاده شيء من قلق ، لُمِح في عينيه أثر منه : هل تفقدون من أحد ؟
و يأخذ الصحابة في النظر يميناً و شمالاً ، فيذكرون فلاناً و فلاناً و فلاناً ، ممن لهم بهم قرابة أو معرفة .
و يعيد عليه السلام السؤال نفسه و قد ظهرت في صوته رنة أسى اخترق سهمها فؤاده الكريم : هل تفقدون من أحد ؟
قد ذكروا من يهمهم و يشغل بالهم أمرهم ، و ما عاد في الذهن اسم أحد ، فقالوا : لا .
عندها قال عليه الصلاة و السلام يعمر صوتَه حب و حنان أبويان : لكنني أفقد جليبيباً .
و يتابع و قد غسلت دموع القلب صوته الملكي : فاطلبوه في القتلى .
فيطلبونه بين تلال الجثث و سيول الدماء ليلقوه بين سبعة جندلهم بسيفه ثم تمكنوا منه .
و يقوم رسول الله على جثمان صحابيِّه المنسي بين الناس ، المذكور عند الله ، ليقول و دمعتان تهملان على وجنتيه بصوت خاشع فيه تهدج أنين : قتل سبعة ثم قتلوه .. هذا مني و أنا منه ، قتل سبعة ثم قتلوه .. هذا مني و أنا منه .
ثم يعمد إلى جثمانه فيحمله بين راحتيه الطاهرتين بكل حنان وحب و حزن ، و يقف على حيث سيدفن .
و يعمل الحافرون على خرق الأرض ليخلد إليها جليبيب ، و جثمانه لا سرير له إلا أحضان النبي الكريم حتى يفرغوا .
و ينزله رسول الله بيديه في مثواه ، و يهال عليه التراب و عينا رسول الله ترمقانه مودعتين .
رسولَ الله ..
عبراتي انسكبت و أنا أخط ساعة من حياتك ، تلك الحياة التي جددت البشرية لأنها جددت قلوب أبنائها ، و غسلتها بمطر الحياة .
ساعة من ساعات الأب الذي تجلى لؤلؤةَ حقو حب و حنان ما تزال تنبع في صدورنا لتصب في أرواحنا بعد كل تلك القرون التي تفصل زماننا عن زمانك .
رسولَ الله ..
كلما مررت بسيرتك ما وجدت كلاماً يفي حقك سوى ..
صلى رب العزة عليك و على آلك و سلم .

ربيع بن المدني السملالي
05-02-2012, 02:40 PM
أحسنتَ أحسن الله إليك أيها الأديب الأريب الحبيب ( عبد الله النفاخ ) ، لفتة رائعة ، ممتازة ، فيها كثير من الفوائد ، أولها :
التعريف بهذا الصّحابي الذي لا يعرفه الكثير من المسلمين
ثانيها : تفقد النبي صلّى الله عليه وسلم لأصحابه
ثالثها : تواضعه صلّى الله عليه وسلم ، ومحبته للفقراء والاهتمام بشؤونهم الخاصة
رابعها : احترام رسول رب العالمين وعدم رد قوله ، كما فعلت تلك الفتاة رضي الله عنها
وهناك فوائد أخرى ليس من الحكمة استقصاؤها في هذه العجالة
شكراً لك
تحيتي التي لا تشيخ

زهراء المقدسية
05-02-2012, 03:02 PM
تذكير رائع بقصة صحابي جليل
قرأت أنه عندما قال له الرسول صلوات الله ربي عليه أنه سيزوجه
قال له جليبيب : إذا ستجدني كاسدا
فأجابه الرسول الكريم : غير أنك عند الله لست بكاسد

عبرة لمن يجد نفسه أفضل الناس و أعزهم
وهو عند الله أوضعهم

بوركت أستاذ عبد الله

عايدة عبد الله
05-02-2012, 05:24 PM
الأستاذ عبد الله راتب نفاخ
بارك الله فيك
و جزاك كل خير
تحياتي و احترامي

لطيفة أسير
05-02-2012, 07:13 PM
ما مثل حبيبي رسول الله أحد
أكرم به خلقا وخلقا
جزاكم الله خير الجزاء أستاذي الكريم عبد الله راتب نفاخ
تحيتي وتقديري

عبد الرحيم صادقي
05-02-2012, 09:13 PM
صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين
جزيت وكفيت أخي عبد الله

أماني عواد
06-02-2012, 09:06 PM
الاستاذ عبد الله نفاخ


كيف لا يكون الرسول هكذا وهو المصطفى من الله
نص رائع
سلمت وسلم مدادك

ربيحة الرفاعي
26-06-2015, 12:49 AM
اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله واصحابه أجمعين

قلت فوفقت ، ونسال الله لك الأجر


تحيتي

ناديه محمد الجابي
19-10-2015, 01:30 PM
«اللهمَّ صلِّ على محمَّد وأزواجه وذُريَّته، كما صليتَ على آل إبراهيم
، وبارِك على محمَّد وأزواجه وذُريَّته، كما باركتَ على آل إبراهيم؛ إنَّك حميدٌ مجيد».
عشت معك في نصك لحظات إيمانية جميلة حملتني إلى غيمة أبعد من عالم البشر
فعشنا معه صل الله عليه وسلم سيد البشر.
بوركت وبورك الفكر والقلم. :001: