المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما منعك ألاتسجد إذ أمرتك



د عثمان قدري مكانسي
08-02-2012, 03:48 PM
ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك
الدكتور عثمان قدري مكانسي
" ألاّ تسجُد" منصوب بنزع الخافض ، وكأنك تقول : ما منعك من أن تسجد . و " لا " زائدة . وفي سورة ص " ما منعك أن تسجد ".
وقيل : ليست بزائدة ; فإن المنع فيه طرف من القول والدعاء , فكأنه قال : من دعاك إلى ألا تسجد ؟ كما تقول : قد أمرتك ألا تفعل كذا . وقيل : في الكلام حذف , والتقدير : ما منعك من الطاعة وأحوجك إلى ألا تسجد .
قال العلماء : الذي أحوج إبليسَ إلى ترك السجود هو الكبر والحسد ; وكان أضمر ذلك في نفسه إذا أمِر بذلك . وكان الله تعالى قد وصى أهل السماء بالسجود لآدم قبل خلقه ، يقول الله تعالى : " إني خالقٌ بشرا من طين . فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " [ ص : 71 - 72 ] . وقوله إني خالقٌ بشراً غير قوله : إني خالقُ بشرٍ. فمعنى الجملة الاولى انه سيخلق بشراً ومعنى الجملة الثانية أنه خلق وأتم الخلق ، فافهم هذا وتدبّر.
فكأنّ إبليس دخله أمر عظيم من قوله " فقعوا له ساجدين " . فإن في الوقوع توضيعَ الواقع وتشريفاً لمن وقع له ; فأضمر في نفسه ألا يسجد إذا أمره الله بالسجود في ذلك الوقت . فأراد الله تعالى كشفَ خبيئته ليفضحه بين الملائكة ، فلما نفخ فيه الروحَ وقعت الملائكة سُجَّدا , وبقي هو قائما بين أظهرهم ; فأظهر بقيامه وترك السجود ما في ضميره . فقال الله تعالى : " ما منعك ألا تسجد " أي ما منعك من الانقياد لأمري ; فأخرج سر ضميره فقال : " أنا خير منه " .
إذ أمرتك
.ولا ننسَ أن ( إذ) ظرفيةٌ بمعنى حين. فقد أمره الله تعالى مرتين بالسجود : مرة حين أخبره وأخبر الملائكة بضرورة السجود لآدم حين يخلقه ، ومرة حين خلقه وأمر الجميع بالسجود له.فأبى إبليس في ضميره أولاً وأبى في الثانية عملاً.
قال أنا خير منه
وكان رد إبليس – كما يقول القرطبي رحمه الله - : منعني من السجود فضلي عليه ; فهذا من إبليس جواب على المعنى . كما تقول : لمن هذه الدار ؟ فيقول المخاطب : مالكها زيد . فليس هذا عين الجواب , بل هو كلام يرجع إلى معنى الجواب .
خلقتني من نار وخلقته من طين
فرأى أن النار أشرف من الطين ; لعلوها وصعودها وخفتها , ولأنها جوهر مضيء .
قال ابن عباس والحسن وابن سيرين : أول من قاس إبليسُ، فأخطأ القياس . فمن قاس الدين برأيه قُرنَ مع إبليس .
قال ابن سيرين : وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس .
وقالت الحكماء : أخطأ عدو الله من حيث فضل النار على الطين , وإن كانا في درجة واحدة من حيث هما مخلوقان فإن الطين أفضل من النار من وجوه خمسةٍ :
أحدها : أن من جوهر الطين الرزانة والسكون , والوقار والأناة , والحلم , والحياء , والصبر . وذلك هو الداعي لآدم عليه السلام بعد السعادة التي سبقت له إلى التوبة والتواضع والتضرع , فأورثه المغفرة والاجتباء والهداية . ومن جوهر النار الخفة , والطيش , والحدة , والارتفاع , والاضطراب . وذلك هو الداعي لإبليس بعد الشقاوة التي سبقت له إلى الاستكبار والإصرار ; فأورثه الهلاك والعذاب واللعنة والشقاء ; قاله القفال .
الثاني : أن الخبر ناطق بأن تراب الجنة مسك أذفر , ولم ينطق الخبر بأن في الجنة نارا وأن في النار ترابا .
الثالث : أن النار سبب العذاب , وهي عذاب الله لأعدائه ; وليس التراب سببا للعذاب .
الرابع : أن الطين مُستغنٍ عن النار , والنار محتاجة إلى المكان ومكانُها الترابُ .
الخامس , وهو أن التراب مسجد وطهور ; كما جاء في صحيح الحديث . والنار تخويف وعذاب ; كما قال تعالى : " ذلك يخوف الله به عباده " [ الزمر : 16 ] . وقال ابن عباس : كانت الطاعة أولى بإبليس من القياس فعصى ربه , وهو أول من قاس برأيه . والقياس في مخالفة النص مردود .

ربيحة الرفاعي
09-02-2012, 02:03 AM
سبحان الله
قرأتها دائما بفهم آخر لمعنى الآية
فوجود الآية الكريمة "ما منعك أن تسجد" في سورة ص، قادني لتصور أنها مسبوقة بألا " منعك ألا تسجد" جاءت بمعنى آخر لمَنَع يقوع على "أعطاك المنعة" لتكون الآية بفهمي ما الذي أعطاك المنعة لتجرؤ على اقتراف معصية " ألا تسجد" وقد أمرتك

توضيح وتصحيح مشكور

شكرا لجهدك الكريم وما تقدم لنا من علم نفعنا الله وإياك به
ولا حرمك أجره

تحيتي

وليد عارف الرشيد
09-02-2012, 03:34 AM
بارك الله بك وجزاك خيرًا يا دكتور .. جعل الله هذه الدراسة الرائعة في ميزان حسناتك
أتدري يا دكتور إن كثيرًا من الإنس اليوم يتشدقون بذريعة العقل والمنطق ليحاكموا بها النص زاعمين أنها حقٌ موروث ... لذا وجبت العودة للمرجعيات وبمثل هذه الدراسات القيمة نواجه أهواء عقولنا فليس كل ما تمليه عقولنا القاصرة من قياس نصيب به عين الحقيقة .. والمرشد ضرورة حتمية
استمتعت واستفدت من هذا المرور وكان درسًا مهمًا .. فلا حرمنا الله علمك أخي الكريم الفاضل
مودتي وشكري وتقديري كما ينبغي

د عثمان قدري مكانسي
09-02-2012, 06:15 AM
سعدت أخويّ الحبيبين الأستاذ وليد عارف والأستاذة ربيحة
وسعادتي أن العالم يقرأ ويبحث عن العلم وأنه إن رأى فائدة شكر الله ،
ومن شكر الله تعالى زاده علماً ومعرفة ، فإذا شكره الثانية زوده بنعمة أخرى ، فالمؤمن يتقلب دائماً بين شكر ونعمة.
فلكما الاحترام والتقدير
ولعلي أشير إلى القياس قريباً إن شاء الله تعالى إشارة تفي بالغرض

نادية بوغرارة
09-02-2012, 10:45 AM
وقفة مفيدة و ضرورية لفهم صحيح لدستورنا و مرجعيتنا الأولى .

الدكتور عثمان قدري مكانسي ،

لا يكفيك شكر ، و نسأل الله يجازيك خير الجزاء .

د عثمان قدري مكانسي
09-02-2012, 12:02 PM
عسى الله تعالى ينفعنا بما نقرأ ، فالقراءة إذا تبعها عمل يا أختاه كان نوراً
فهل نكون كذلك ؟ نرجو الله ان يهدينا لكل خير
لك كل تحية واحترام

صفاء الزرقان
10-02-2012, 11:46 AM
د.عثمان جهدٌ مبارك و جميل

في تفسير آية كريمة تعرض سبب اعراض ابليس

و عصيانه فهو رأى انه افضل ممن خلق من الطين و كان تقديره العقلي قاصراً.

بورك جهدك و بانتظار عودتك للتوسع في الحديث عن القياس

تحيتي و تقديري

د عثمان قدري مكانسي
10-02-2012, 12:37 PM
شكراً أستاذتي صفاء
موضوع القياس في منتدى الفكر الإسلامي
لك تحياتي

ربيع بن المدني السملالي
10-02-2012, 12:43 PM
بارك الله بك وجزاك خيرًا يا دكتور .. جعل الله هذه الدراسة الرائعة في ميزان حسناتك
أتدري يا دكتور إن كثيرًا من الإنس اليوم يتشدقون بذريعة العقل والمنطق ليحاكموا بها النص زاعمين أنها حقٌ موروث ... لذا وجبت العودة للمرجعيات وبمثل هذه الدراسات القيمة نواجه أهواء عقولنا فليس كل ما تمليه عقولنا القاصرة من قياس نصيب به عين الحقيقة .. والمرشد ضرورة حتمية
استمتعت واستفدت من هذا المرور وكان درسًا مهمًا .. فلا حرمنا الله علمك أخي الكريم الفاضل
مودتي وشكري وتقديري كما ينبغي

صدقتَ أخي الشاعر الكريم وليد :
فهذا الحق ليس به خفاء *** فدعني من بنياتِ الطريق
وجزى الله الدكتور عثمان على ما يجود به من دُرر
لله درّكما

محمد محمود محمد شعبان
24-02-2012, 01:19 AM
نعم هو ما تفضل به الأفاضل الأكارم .. ولا يسعني إلا شكرك يا دكتو ر /عثمان .. كل المودة ..

نداء غريب صبري
24-02-2012, 02:43 AM
قراءة رائعة في آية كريمة لم اكن افهمها بهذا الوضوح

شكرا لك أخي الكريم

بوركت

د عثمان قدري مكانسي
24-02-2012, 06:21 AM
والزنادقة منذ القديم يرون إبليس خيراً من أبيهم آدم لاكثر من سبب
أول الأسباب ضعة نفوسهم وتفاهة عقولهم ، فليس الشر أفضل من الخير.
ثانيها : أنهم بهذا يعبرون عن انسلاخهم من بشريتهم ويتمنون لو كانوا شياطين ... وهم كذلك
ثالثها : أنهم بهذا يسمحون لأنفسهم بالانغماس في الرذيلة والغرق في المفاسد.
ومن المعهود أن المرء يدافع عن نفسه ويرفع من شأنها ولو كان على خطأ،
لكن أمثال هؤلاء يرددون قول زنديقهم بشار بن برد
إبليس خير من أبيكم آدم === فتنبهوا يا معشر الفجار
النار معدنه وآدم طينة === والطين لا يسمو سموّ النار
فأقر أنه وأمثاله ( فُجّار) والفاجر مطروحة عنه الثقة ولا يُؤخذ برأيه ...
وقد مر في المقال فضل الطين على النار مما يدحض ادّعاءه
لكم تحياتي .... عثمان

كاملة بدارنه
27-02-2012, 08:47 PM
وقالت الحكماء : أخطأ عدو الله من حيث فضل النار على الطين , وإن كانا في درجة واحدة من حيث هما مخلوقان فإن الطين أفضل من النار من وجوه خمسةٍ :

أخطأ ولا يزال يجرجر بأذيال خطيئته وخطئه الكثيرين من أمثاله وأتباعه
شكرا لك أستاذ عثمان على هذا الشّرح المثري، وجعله الله في ميزان حسناتك.
تقديري وتحيّتي

د عثمان قدري مكانسي
03-03-2012, 09:47 PM
أسعدني حضورك أختي ( كاملة ) جعل الله لك من اسمك نصيباً
وفي زماننا هذا بعض البشر ألعن من إبليس اللعين
ألا ترين هؤلاء الأبالسة يقتلون من شعوبهم المئات كل يوم
حسبنا الله ونعم الوكيل