تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أرملتان ..إلى الشهيدين (أبو إبراهيم القيسي وصهره : محمود)



أحمد عيسى
10-03-2012, 04:42 PM
أرملتان ..


إلى أبو إبراهيم القيسي وصهره : محمود ، شهداء القصف الغادر على غزة


الشمس تنزوي خجلة ، لدقائق مرت كأنها دهرٌ ..
رعشةٌ تسري في أوصالها ، حين تدوي أصوات الغربان في سماء المدينة ، فترتجف
تحاول أن تتمرد ، أن تخرج عن صمتها بصراخٍ يحطم المكان ، فلا تستطيع ، تمسكها أمها ، تتشبث بها ، كأنها لا تريد فقدها كما فقدت كل شيء هذه الليلة ..
دمعةٌ متجمدةٌ في عينيها ، والصوت بالخارج يقترب رويداً لكنها تصم أذنيها ، كأنها في حلم ..
- فقدنا عزيزين يا أمي ..
بصوت كالحشرجة ، تقول وقد احمرت عيناها :
- كم أحببته !
وتقول الأم :
- كم أحببته !
تتساقطان أرضاً ، ليكف الكون عن الدوران ..
***
يقف والدها أمامها ، يمسك ذقنها بأصابع حانية ، ليرفع رأسها الخجلة ، يقول لها :
- لم تردي بعد
تحاول أن تطرق أرضاً ، أن تبعد عينيها عنه ، أن تهرب إلى غرفتها لتسقط فوق سريرها ، تجتر أحلامها ، تفكر بالفارس الذي انتظرته دائماً ، وأتى إليها فجأة .. دون أن يفاجئها .. كم كانت تنتظره !
يستطرد :
- ربما هو أسير محرر ومبعد ، أكبر منك قليلاً ، لكنه شاب طيب وخلوق ، ليس له أهلٌ هنا ، لكننا سنكون أهله ،
قولي لا ولسوف أبحث له عن أخرى .. رغم رغبتي في مصاهرته ..
تقول في خجل :
- أرجوك أي والدي .. لا تفعل ..
هذا البطل يستحق قلبي على طبق من ذهب ، أنا له إن أراد الله ذلك .
يبتسم ، يعانقها في حنان ، ويعود لغرفة الضيوف ، يبشر ضيفه " محمود " بالخبر ،
ويمضيان معاً ، إلى خارج حدود المكان .

***

الأصوات تقترب ، مظاهرة حاشدة بالخارج ، الغربان ابتعدت قليلاً ، لكأنها تخاف هذه الحشود ،
التكبير صار كالصرخة في المكان ، يشعرك بالرهبة ، لكنها رهبةٌ تمتزج بإحساس التفوق رغم الضعف، كيف لا ورب العباد معهم ..
الحشود على الأبواب ، والجيران يهرعون لإلقاء نظرة أخيرة على جثتي الرجلين ،
ومريم بالداخل ، تستند إلى أمها ، تسترق النظر من النافذة ، إلى الرجال الذين جاءوا من كل مكان ، شاهدين على الجريمة ، يرددون التكبيرات والوعيد ، هل اليوم عيد ؟
- ليتهما لم يكونا معاً ، ليت المصيبة كانت واحدة ولم تكن مصيبتين ..
الأم تنتحب في صمت ، الصراخ في الخارج يتعالى ،أحمد .. ابن الشهيد يدق الأبواب في قهر ،
تقول مريم فجأة :
- أمي ...
لقد أصبحنا أرملتين .

تلقي نظرة على الفتى أحمد ، الذي وضع مسدس والده على جنبه :

- ليس بعد ..

ثم تهوي ، وقد تركت لدموعها كل عنان .

***

آمال المصري
10-03-2012, 07:05 PM
تمور الأحداث وتتراصف اللحظات جنبا إلى جنب مابين ماضٍ وحالي
لتكتمل ملحمة مأساوية تنعق لها الغربان
رحم الله الشهيدين وألحقنا بهم في الجنة
نص قصصي رائع
تحاياي

أحمد عيسى
10-03-2012, 09:23 PM
الأخت الفاضلة : آمال المصري

الألم يعتصرنا نشيع الشهداء ، ونحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحدا
الدماء تتساقط هنا وفي سوريا وفي العراق
نموت كل يوم
وليس هناك من يحرك ساكناً

لنا الله

رحمك الله يا أبا ابراهيم
رحمة الله على الشهداء

وخالص شكري لمرورك أختي آمال

كاملة بدارنه
10-03-2012, 09:50 PM
عندما يكون الأدب واقعيّا، ويصوّر واقعا كالذي نعيشه، فإنّ الوضع صعب والكلمة تنزف دما كما الشّهداء
نصّ موجع أخ أحمد سطر بحبكة ولغة قويّتين
بوركت ورحمهما الله، وأعان الله ذويهم...
تقديري وتحيّتي

وليد عارف الرشيد
10-03-2012, 10:13 PM
رحم الله شهداء الأمة جميعًا ... والنصر بإذن الله لقضايانا المحقة
نص مؤلم باذخ بأسلوب ولغة قويان ... وبريشة محترف
أحييك أيها الأديب الرائع
مودتي كما يليق وتقديري

أحمد عيسى
11-03-2012, 05:28 PM
عندما يكون الأدب واقعيّا، ويصوّر واقعا كالذي نعيشه، فإنّ الوضع صعب والكلمة تنزف دما كما الشّهداء
نصّ موجع أخ أحمد سطر بحبكة ولغة قويّتين
بوركت ورحمهما الله، وأعان الله ذويهم...
تقديري وتحيّتي

الأستاذة الزميلة القديرة : كاملة بدارنة

الأدب لا يكون معبراً عن الأمة الا لو كتب عن الواقع أو جسد جزء منه
على الأقل حين يستدعي الأمر ذلك

ولا يوجد ما يستدعي أكثر من دماء الشهداء
أي قلم يستطيع تجاوز دمائهم ؟

تحياتي أستاذة كاملة
والود كله لك

فايدة حسن
14-03-2012, 04:55 PM
ثم تهوي ، وقد تركت لدموعها كل عنان .


كم وكم وكم دموع ترك لها كل عنان
لك الله يا غزة هاشم
رحم الله الشهداء
نعزي دموعنا ان لشهدائنا الجنة

ربيحة الرفاعي
31-10-2014, 11:35 PM
مدهش أنت بروعة حسك وجاهزية نص; ليهطل مرتديا بزة الواقع بدمويته ومرارة معانيه
قصة موفقة بدخول ذكي ورسم للمشهد مشوق يمسك بالقاريء مسايرا وجع القصة في سردية جميلة الحرف والتصوير راسما سبيل الدمعة حتى القفلة الموجعة برغم تورط العنوان بكشفها منذ بدايات النص

نص كدأبك مؤثر وموفق أديبنا الكريم

دمت بخير

تحاياي

مازن لبابيدي
02-11-2014, 07:54 AM
طرح بديع وتأريخ قصصي لحادثة طالما تكررت بأشكال تفاوتت ألوانها واجتمع محورها .

يشهد أسلوبك الفني تطورا مستمرا أخي الأديب أحمد عيسى ، وقد أصبحت من القاصين المرموقين في واحتنا الحبيبة ، ونرجو أن نشهد المزيد من نشاطك بما تتيحه لك ظروفك الصعبة التي نقدرها ونحترمها .

تقديري وتحيتي

خلود محمد جمعة
03-11-2014, 07:10 AM
ومن الوجع تلتقط الصور الدامية بدقة وترسمها بحرفية لنعيشها معكم ربما يخفف ذلك من حمل قلوبنا
تقدمون الشهداء واحدا تلو الآخر وتنزفون الوطن حتى أخر نقطة وتتبادلون الحزن بين كل شهقة
لكم الله
تحية إكبار وفخر لكل شهداء الوطن العربي
قصة موجعة بيراع سامق في الحس والحرف
تقديري

نداء غريب صبري
11-02-2015, 12:03 PM
الدماء تسيل والوطن يبكي ونعالج جراحنا بأملنا أن لنا في الآخرة أجرا عظيما
فلولا وعد الله بأجر الشهادة لمات الناس كمدا لأن الواقع لم يعد يحتمل

قصة جميلة جدا
شكرا لك أخي

بوركت

ناديه محمد الجابي
10-01-2023, 05:05 PM
اللهم ارحم شهدائنا وشهداء جميع المسلمين، وأدخلهم في رحمتك التي وسعت كل شيء يارب وإنا لله وإنا إليـــه راجعون.
اللهم ثقّل بالحسنات ميزانهم، وثبّتهم على الصّراط أقدامهم اللهم أسكنهم في أعلى الجنّات، بجوار حبيبك ومصطفاك صلّ الله عليه وسلم.
قصة أليمة من الواقع بغوص مذهل في عمق الألم.. سلمت وقلمك الرائع ونصوصك ذات المذاق المميز.
:009::008::008::009: