المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صدّق نفسه



حسين الطلاع
10-03-2012, 06:34 PM
صَدّق نفسه :
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
قيل للحمار : صوتك جميل ! .
فكبر ذلك الإطراء عنده حتى كاد أن ينهر الجبل أن الحمار سيعبر فلا تعترضنّ السبيل ! وجعل ينهق آناء الليل وأطراف النهار ، حتى أقضّ مضاجع النيام .
فلما استشرى الأمر فزعت الأمم إلى الورقاء لعلها تحدّ من جماحه .
فقالت : يا قوم ،،، عهدي بالحمار منذ عشرٍ مضين لا ينهق إلا إذا دعته الحاجة ، فما أمر دعاه ؟
قال قائل منهم : سيدتي الورقاء ،،، والله ما نمى لديه ذلك الطّن إلا بالظّن .
قالت : وكيف يرحمك الله ؟
قال : نافقه هؤلاء ، وأكذبوا عليه حسن الصوت وأنه صائت غَرِد !!! فصدق نفسه وجعل يبث النهيق يحسبه غناء ! .
قالت : دعوا الأمر لي ،،، ثم ولى كلّ إلى غايته .
فلما رأته قالت له : يا أبا تولب ،،، ما هذا الذي بلغني عنك ، من أنك تفتعل النهيق بكرة وعشيا ؟
قال : وما في ذلك ؟
هذا العصفور يصدح ، وذاك يغرد ، فهل صُمّت المسامع دوني ؟
ثم إن امرأتي يطربها غنائي ، سيّما وأنا أطنّ النغم تلو النغم كما هو عهدي ،،، فما عساي أُسمعها ؟
قالت : هؤلاء أمم شتى ، ودونك امرأتك فاصدح لها بما تحب .
ضرب حافره بالأرض وقال : يبدو أنه لا يُرَاد بكم الخير ، وعجبتُ من قوم لا يريدون الجَمام ! .
قالت : نعرف كيف نستجم ، وإن كان هذا الذي تزفره خيرا ، فلا نريده .
فما مضت أيام حتى وفد البغل محاميا عن الحمار وكان لُكَعَا بن لُكَع ،،، ثم جعل يبحث عن الورقاء حتى ألفاها على فننٍ حيث وكنها .
فاقترب منها وقال : يا ورقاء ،،، جئتكِ أبحث معكِ أمر الحمار .
قالت : ذلك أمر فرغنا منه ،،، فهل من أمر آخر ؟
قال : لا ،،، لم نفرغ بعد .
فأدركت الورقاء أن لا جداء للبرهان معه .
فقالت : يا أبا ،،، ، ثم صمتت ،،، وكأنّها أنها وقعت في سُلّى ناقة .
فامتلأ غيظا ثم قال : إلام ترمين أيتها الحمامة ؟
قالت : لا لشيء ،،، وإنما أردت أن أكنّيك ،،، جريا على عادتي في الكُنى .
قال : لا بأس ،،، غير أني سأمكث إلى الغد لنأتمر بشأن أخي الحمار ، ثم ذهب يمشي يلتمس مبيتا .
تعجبت وقالت : أخبرني عن أبيك إذن ؟
توقف ونظر إليها وقال : خالي الفرس !!! .
ضحكت الورقاء ثم استجمعت تحت جناحها وذهبت في سبات .
فلما كان الصبح اجتمعوا في مكان سوى ،،، وراحوا يأتمرون .
فقال البغل : عجبت من كونكِ كارهةً الغناء يا ورقاء ! .
قالت : أي غناء يا بغل ؟
قال : غناء هذا ،،، وأشار إلى الحمار .
ضحكت وقالت : أغاب عنك أن صوت الحمير أنكر الأصوات ؟
قال : لسنا في هذا نخوض .
وإنما هو فنّ من عرض الفنون يفتنّه ،،، ولما جلستُ إلى بعض سادة الغاب أجمعوا أن من حق الحمار مزاولة نشاطاته ،،، وليس الغناء إلا بعضها ، كما ليس الصدح حكرا على غيره .
قالت : ها أنت تقولها ،،، الصدح ! هل ترى النهيق صدحا ؟
ثم فلينظر بني جنسه خلف تلك الأكمة وليسمعهم ما يشاء ،،، وهذا ما قلته له بالأمس .
قال : إذن أنتِ موافقة ؟
قالت : لا تمكر المكر يا بغل ،،، قلت هناك لا هنا .
قال : إنما المكر مكرتموه أنتم حيث دعوتموه وقلتم له إن صوتك جميل ! .
قالت : لا ، لم نمكر ، ولم نقل له ذلك ، غير أنه بعض قول أكذبه عليه بعض السفهاء .
قال : ومن هم السفهاء ،،، أرنيهم ؟
قالت : هؤلاء ، وأومأت إلى عصبة محددة .
نظر إليهم وقال : من ؟ لا أرى أحدا ! إنما هي أمم تتضارب بعضها في بعض ، فمن هم بالتحديد ؟
قالت : يا لك من لُكَعٍ يا بغل ،،، هم أمامك ألا ترى ؟
قال : يا ورقاء ،،، إنّ البقر تشابه علينا ! وودت لو تشيرين إلى من دعاه .
سهمت هنيهة وقالت : أما والذي جعل الأطيار في السماء صافاتٍ ويقبضن ، قد جئت بالحق يا بغل .
قال : ماذا ؟؟؟
قالت : إن من يستحسن صوت الحمار دخل في زمرة البقر .
وقد دخلوا .
وفُضّ المجلس .
ــــــــــــــــــــ انتهى ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
حسين الطلاع
2/7/2011
المملكة العربية السعودية – الجبيل .

وليد عارف الرشيد
10-03-2012, 10:07 PM
جميلة معبرة بلغةٍ اعتدنا عليها قويةً آسرة ... بوركت مبدعًا
كم يوجد اليوم من يوهمه بعض من ينتمون لتلك الفصيلة بأنه الأوحد والأبهى والأجمل فيعيث في الأرض طنًّا
أشكرك على بديع أفكارك وجميل حرفك
مودتي وتقديري كما يليق

ربيحة الرفاعي
11-03-2012, 12:58 AM
تكتب بلغة أود معها لو يستمر النص فلا أنتهي منه بساعات
وفكره نصك اليوم رائعة سائغة وكالسهم تنطلق نحو صدور من يغويهم مديح مخاتل أو يطربهم إعجاب جاهل فيحسبون نهيقهم صدحا

أحسنت القول أديبنا الكريم

تحيتي

آمال المصري
11-03-2012, 10:08 AM
درس حكيم لمن يصر على أن يسلك طريقا لايجيد السير فيه ويجد من المصفقين والمهللين المنافقين مايدفعه للاستمرار
لغة حصيفة جئتنا بها من خلال نص قصصي من الطراز رفيع المستوى
يحمل لنا روعة وألق لايمل أحدنا من قراءته مرارا بل ونعود ...
بوركت أديبنا الفاضل
ودمت مبدعا
تحاياي

نادية بوغرارة
11-03-2012, 12:25 PM
يستحقون نهيقه آناء الليل و أطراف النهار ،

أوَليسوا هم من صنعوا اعتزازه بصوته ، حتى صدّق نفسه ؟؟؟ ، فليتحملوا إذن !!

و هكذا يصنع الناس طواغيتهم ، و ليس لهم ، إنْ لاموا ، إلا لوْم أنفسهم .

الأديب حسين الطلاع ،

مازلت تبهرنا .

:os:

ربيع بن المدني السملالي
11-03-2012, 03:02 PM
الأستاذ الأديب الكبير أصدقك القول يا أخي أنّك من بين الأدباء الذين أحبّ أن أقرأ لهم والله ، فلك لغة قوية وباذخة مما يؤكّد لنا أنّك مثقف ثقافة عربية أصيلة .. وقد أعجبني منك هذا القصّ الهادف الذي سِرتَ فيه على سَنَنِ الفيلسوف الهندي بَيْدْبا صاحب كتاب كليلة ودمنة ، الذي عرّبه عبد الله بن المقفع ، فشكراً لك أيّها الأديب فوالله لقد أحسنت القول ، وقد سبقتني الأستاذةُ الكبيرةُ ربيحةُ ( أطال الله في عمرها على طاعته) بقولها : تكتب بلغة أود معها لو يستمر النص فلا أنتهي منه بساعات ..
والله لقد صَدَقَتْ ..
تقبل خالص التحايا وفائق الاحترام من أخيك ربيع المغربي
دمت بألق على الدّوام

حسين الطلاع
16-03-2012, 09:04 PM
جميلة معبرة بلغةٍ اعتدنا عليها قويةً آسرة ... بوركت مبدعًا
كم يوجد اليوم من يوهمه بعض من ينتمون لتلك الفصيلة بأنه الأوحد والأبهى والأجمل فيعيث في الأرض طنًّا
أشكرك على بديع أفكارك وجميل حرفك
مودتي وتقديري كما يليق


أخي الحبيب
سرني جدا اطلاعك وحسن تذوقك للنص
ولم تكُ تلك إلا رسالة ومثلكم سيدي الكبير والسادة الكرام من يدرك أبعادها المعنوية .
لا حرمني الله منكم ،،، ففي كل يوم أجدني أتجاذب إليكم حتى ينطبق علينا الحديث الشريف بما معناه أن الأرواح جنود مجندة .
نأمل أن نكون كذلك
أكرر شكري وتقديري لشخصكم الكريم
حسين الطلاع

كاملة بدارنه
17-03-2012, 07:49 PM
أمثولة هادفة بلغة مميّزة تشدّ القارئ لآخر حرف
يسعدني أن أقرأ نصوصك أستاذ حسين
بوركت
تقديرري وتحيّتي

حسين الطلاع
28-03-2012, 02:05 PM
تكتب بلغة أود معها لو يستمر النص فلا أنتهي منه بساعات
وفكره نصك اليوم رائعة سائغة وكالسهم تنطلق نحو صدور من يغويهم مديح مخاتل أو يطربهم إعجاب جاهل فيحسبون نهيقهم صدحا

أحسنت القول أديبنا الكريم

تحيتي


أديبتنا وشاعرتنا العملاقة ربيحة
أشكر لكِ سيدتي الكريمة هذا الإطلاع ، وهذا التذييل العذب الجميل .
فما زادني مرورك إلا ألقا ومن قبله شرفا .
آمل تعهّد الودائع ما تسنى لكِ
كوني بخير
حسين الطلاع

نداء غريب صبري
13-02-2013, 01:51 PM
انت أديب من العيار الثقيل أخي حسين الطلاع
وعندما تكتب في الطواغيت تكتب أروع مما يكتب الأدباء

شكرا لك

براءة الجودي
13-02-2013, 03:48 PM
مشكلة لمن لايعر قدر نفسه والمشكلة الأكبر ن أعانوه المصفقين على ردائة حقيقته ..!
لغة قوية جزلة اشكرك على غمتاعنا بهذه القصة
دمتَ في حفظ الباري

ناديه محمد الجابي
04-03-2014, 09:15 PM
قاص بارع وقصة عميقة الطرح ولغة قوية باذخة آسرة
أشكرك على جمالية ابتكار الفكرة وجمالية تشكيلها في لغة شيقة
تقبل إعجابي بما خطه حرفك العذب وخيالك الجميل.

خلود محمد جمعة
05-03-2014, 07:25 AM
الرمزية الهادفة والمعني العميق الذي يعطي اكثر من بعد للفهم بهذا السرد المائز
والاسلوب المتين
يدخلنا في خضم غابة من الجمال والروعة الادبية
لحرفك ترنيمة وتر
مودتي وتقديري
ودمت بكل الخير