تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : نهر الموت ..



أحمد عيسى
16-03-2012, 03:26 PM
" هاهنا في هذه الغابة هيّا بنا لنبنيَ محرقةً للموتى
من البتلات البيضاء الساقطة التي قد أينعت واحْمرَّ لونها،
هاهنا هيّا بنا لنحرقها في مشاعل نار الظهيرة اللاهبة. "

ساروجيني نايدو ، شاعرة هندية

الحشائش الطويلة لا تغطي إلا سيقانهم ، والأرض الملتوية لا تمنعهم من الوقوف متصلبين كأنهم مزروعون في المكان ، الضخامة وحدها لا تعطي الأجساد قدرة على اتخاذ القرار ، يا لهم من أغبياء ..
أنا من يقرر ، من يحدد الوسيلة وطريقة التنفيذ ، تبدأ الحكاية معي وتنتهي إن أردت لها ذلك ..
أنظر إلى العيون المتحفزة ، والأيادي المتصلبة وقد استحالت أصابعها مخالبَ ، برزت بغتةً وكأنما تزداد طولاً كلما تحدثت أكثر ..
سيطرتي تبدو واضحة عليهم ، كلمتي لا ترد ، ونظرتي وحدها تجلدهم إن أردت ، أحدهم يتململ ، يقول فجأة :
- لكن .. أليسوا أخوة لنا .
لم يكد يتم كلمته ، حتى وجدني أمامه ، أرفع يدي بمنتهى القوة ، فتطير رأسه بعيداً عن جسده ، والدماء الحمراء القانية تلوث أرض الغابة لتنعش رائحتها كل مخلوقٍ في المكان ..
أشير إلى جثته التي تساقطت أرضاً :
- هذا جزاء العصاة
من يرفع سلاحه في وجهنا ليس أخاً ولن يكون .. هل فهمتم ؟
أشاروا برؤوسهم جميعاً في صمت ، لم تبدده إلا صرخات الحماس من بعض المتحمسين ، ثم بإشارة من يدي ، انطلقوا إلى هدفهم ، خلف الأشجار العالية ، يبحثون دون كللٍ أو ملل ..
أسمعهم يتهامسون ، أحدهم وقد تلفت حوله يساراً ثم يميناً :
- أخوتنا لم يخطئوا ، أليس منطقياً أن يسألوا عن أحقيته في الحكم ، وعن رغبتهم في منازعته سلطانه ، ألم تنجب الغابة أقوى منه أو أفضل ؟
ويقول زميله :
- لعلنا نموت من بعده ، فهو محور الكون كله .
يصمتان ، وأسمع صوت أرواحهم وهي تتمطى استعداداً لمغادرة الأجساد الهشة ، أرسل خلفهم من يبحث عنهم ، ليقتلهم ، يطاردهم وصولاً إلى النهر ، حيث يلقي الشاطئ الوليد بجثث الآلاف ممن يشبهونهم ، ممن سمحوا لأنفسهم بثقافة التفكير ، والاختلاف ..
سمعت الموج يغني ويردد قصائد اليوت ، " العقرب يصارع الشمس حتى تهبط الشمس والقمر ، وتبكي النيازك ويطير الأسد صائداً السماء والسهول " ، أعجبني ما سمعت ، أشدت بهذا الموج ، وأمرت بأن يكافأ ..

على شاطئ النهر وجدت زرافة تائهة رفعت عنقها فوق مستواي ، صرخت بالجنود : اقتلوها
ففعلوا ، فلم أشعر بنار تبرد في صدري ، فأمرت أحدهم أن ينهق عالياً ليأتي بكل رفاقه ففعل ، فأمرتهم أن يغتصبوها ، رد قائلاً من فوقها : وهل تتناسل الجثث ؟
قتلته ، وأمرت موجي بابتلاعه ، فقال قبل أن يموت :
- وهل هناك موجٌ في مياه النهر ؟
ثم مات ..
أصرخ بها :
- احبلي ..
وأنا أداعب العنق الطويل وأقطعه ..
أودعتها بوابة الحمقى ، جمعت جثث الحمقى ، وأمرت بإحراقها ، شممت رائحة الشواء فانتشيت ، تلفت حولي ، فلم أجد أحدا ، مضيت إلى حيث اختفى الموج وكأنما سمع كلام الأحمق قبل أن يموت ..
نظرت إليه فلم يرجع إلي كما عودني ، ولم يردد على مسامعي قصائد اليوت ، ولم تنعكس صورتي على سطحه الصافي ,
اقتربت كثيراً حتى لامست رأسي مياهه فأجفلت ، لم أر صورتي ترافق الشمس وهي تنعكس عليه ،
صرخت فيه قائلاً :
- ألا ترى أسدا ، أنسيتني ؟
فرد النهر مبتسما :
- بل لا أرى أحدا
واحمر لونه فلم تعد الشمس تبدو ، ولا السماء ..

كاملة بدارنه
16-03-2012, 03:58 PM
لعلنا نموت من بعده ، فهو محور الكون كله .
إذا كان هناك من يعتقد أنّ وجوده وحياته مرهونان بيد إنسان آخر، وليس بيد الله فتلك مصيبة ... وهذه صفة الشّعوب الضّعيفة التي تعلّق آمالا كثيرة على زعمائها

حيث يلقي الشاطئ الوليد بجثث الآلاف ممن يشبهونهم ، ممن سمحوا لأنفسهم بثقافة التفكير ، والاختلاف
تبا لتلك الأنظمة التي لا تسمح بثقافة التّفكير

ألا ترى أسدا ، أنسيتني ؟
فرد النهر مبتسما :
- بل لا أرى أحدا
واحمر لونه فلم تعد الشمس تبدو ، ولا السماء ..
النّهر وسيلة تطهير بمائه العذب، ولا يمكن أن يرى باطشا!
قصّة رائعة أخ أحمد برمزيّتها وحبكتها ولغتها ...
بوركت
تقديري وتحيّتي

وليد عارف الرشيد
16-03-2012, 06:04 PM
هذه قصة نموذجية بكل ماتعنيه الكلمة برمزيتها ولغتها وسرديتها .. بحلولها وبنائها
أحييك أيها المبدع الكبير
مودتي وتقديري كما يليق وتقديري

ربيحة الرفاعي
17-03-2012, 12:09 AM
أهيم في قصصك بهذا التدفق النصي يحمل وصفا ماتعا وتصاوير جمالية خلابة وانطلاقا في التعبير يجعل القاريء يتعايش مع تفاصيل النص وبيئته الحيّة
نص تألق فيه القص وراقت الفكرة وطرحها

أبدعت اديبنا الكريم

اهلا بك في واحتك

تحيتي

أحمد عيسى
17-03-2012, 12:10 AM
إذا كان هناك من يعتقد أنّ وجوده وحياته مرهونان بيد إنسان آخر، وليس بيد الله فتلك مصيبة ... وهذه صفة الشّعوب الضّعيفة التي تعلّق آمالا كثيرة على زعمائها

تبا لتلك الأنظمة التي لا تسمح بثقافة التّفكير

النّهر وسيلة تطهير بمائه العذب، ولا يمكن أن يرى باطشا!
قصّة رائعة أخ أحمد برمزيّتها وحبكتها ولغتها ...
بوركت
تقديري وتحيّتي

الزميلة القديرة : كاملة

رؤيتك عميقة ونظرتك ثاقبة

شكراً لوجودك هنا

مع تقديري

أحمد عيسى
19-03-2012, 10:41 PM
هذه قصة نموذجية بكل ماتعنيه الكلمة برمزيتها ولغتها وسرديتها .. بحلولها وبنائها
أحييك أيها المبدع الكبير
مودتي وتقديري كما يليق وتقديري

القدير : وليد عارف الرشيد

سرني وجودك هنا في هذه الرمزية

أحييك أستاذي وخالص ودي وتقديري

فاطمه عبد القادر
19-03-2012, 11:41 PM
صرخت فيه قائلاً :
- ألا ترى أسدا ، أنسيتني ؟
فرد النهر مبتسما :
- بل لا أرى أحدا
واحمر لونه فلم تعد الشمس تبدو ، ولا السماء ..


السلام عليكم
قصة رمزية رائعة
أخي أحمد ,,أنت أهل لكتابة القصص القصيرة المشوقة المغطاة بغلالة من الغموض المحبب
شكرا لك
ماسة

نداء غريب صبري
20-03-2012, 01:03 AM
انت قاص رائع أخي
وتتميز قصصك بالقوة والقيمة
وهذه قصة رائعة تأخذ من واقع الأمة مادتها وتصوغها برمزية جميلة

شكرا لك اخي

بوركت

أحمد عيسى
24-04-2012, 09:37 PM
أهيم في قصصك بهذا التدفق النصي يحمل وصفا ماتعا وتصاوير جمالية خلابة وانطلاق في التعبير يجعل القاريء يتعايش مع خوص النص وبيئته حيّة حوله
نص تألق فيه النص وراقت الفكرة وطرحها

أبدعت اديبنا الكريم

اهلا بك في واحتك

تحيتي

الفاضلة : كاملة بدارنة

أشكر لك هذا الشعور الراق
ويسعدني أن قصصي تلقى اهتمامك

تقديري وخالص ودي لك

محمد النعمة بيروك
24-04-2012, 11:47 PM
بُنِيَت هذه القصة على الترميز و الإحاء، لكنها تركتْ حيزا واسعا للفهم من خلال طرحها العام وغلبة الشخوص الحقيقيين، بالإضافة إلى الحوار بين الموالين والمعارضين و سيف السلطة.. مما لا يخفي على أي مار بهذا النص أن القصة تتناول الثورات العربية خصوصا في تمظهرها السوري..
إن القدرة التعبيرية في هذا النص لا تخطئها العين، وتدعمها القدرة اللغوية، مما كان له الدور الكبير والجميل في بلورة فكرتها..

تحياتي.

لانا عبد الستار
20-02-2013, 01:38 AM
سردك مشوق وطرحك قوي وفكرتك قيّمة
قصة ناجحة تماما
أشكرك

ناصر أبو الحارث
28-03-2013, 01:04 PM
قصة بديعة لقاص مبدع
الفكرو والرمز والسرد والحكبة
كلها رائعة

ناصر أبو الحارث
28-03-2013, 01:25 PM
قصة بديعة لقاص مبدع
الفكرو والرمز والسرد والحكبة
كلها رائعة

د. سمير العمري
29-03-2014, 06:41 PM
أنت قاص بالفطرة يا أحمد ، وهذا نص يشهد لك بهذا.

ولكن لأنك ذلك القاص المبدع فإني أجدني بحاجة أن أشير إلى بعض أمور أراها ستزيد مقدرتك ألقا وإبداعا أولها العناية أكثر باللغة ، وهنا رأيت لغة جيدة لكن وجدت فيها ومضات بارقة بإبداع وإمتاع كقولك "أن ينهق" فهي مفردة قالت الكثير ورسمت صورا أدبية مهمة وفارقة. ولكن اللغة بشكل عام في مجمل نصوصك دون تميزك القصي المبهر وأنصح بتطويرها لمستوى يخلدك قاصا كبيرا.

الأسلوب هنا جاء مميزا عموما بمحاولة رسم الواقع صورة سريالية ذات دلالات مباشرة وغير مباشرة ، ووضوح الفكرة رغم كل هذا التمازج اللوني هو مما أحبه وأحسبه مما ينسجم مع ما أؤمن به من طبيعة القصة القصيرة ، ولكني استوقفني بعض طرح مباشر جدا أخرجني من الحالة السريالية الواقعية التي شملت جل النص ووددت لو استغنيت عنها أو لو رسمتها بصورة مختلفة ومتماهية مع الأداء العام ، ولعل من أمثلة هذا قولك "فهو محور الكون كله".

ثم هناك بعض هنات بسيطة ونادرة في اللغة لعل من أمثلتها قولك حماس والصواب لغة حماسة أو تحمس ، والأسلوب بشكل عام متين متراكب متواكب مع الحال و السردية وأشكر لك كل هذا.

دمت بخير وعافية!

تقديري

أحمد عيسى
29-03-2014, 08:56 PM
صرخت فيه قائلاً :
- ألا ترى أسدا ، أنسيتني ؟
فرد النهر مبتسما :
- بل لا أرى أحدا
واحمر لونه فلم تعد الشمس تبدو ، ولا السماء ..


السلام عليكم
قصة رمزية رائعة
أخي أحمد ,,أنت أهل لكتابة القصص القصيرة المشوقة المغطاة بغلالة من الغموض المحبب
شكرا لك
ماسة

القديرة : فاطمة عبد القادر

بل أشكرك أنت ، لأنك تهتمين أولاً ، ولحسك الجميل في القراءة

أحييك ، وأتمنى أن تحظى نصوصي بقراءتك دائماً

تحيتي

خلود محمد جمعة
02-04-2014, 08:30 AM
بحر من الجمال تعالت امواجه لغة وسرد وحبكة الى نهاية قوية
اسجل شديد اعجابي
دمت متألقا
مودتي وتقديري

ناديه محمد الجابي
02-04-2014, 09:33 AM
رائعة أخرى من روائعك أخي أحمد
وكأنها تحكي قصة أحد أولئك الذين يحكموننا بالحديد والنار
ولتجري الدماء أنهارا حتى يبقى هو ـ أسلوب مشبع بغموض جميل
وتصوير رائع وسرد ماتع ونهاية موفقة أجدت نسجها
نص بديع أمتعني ـ لأدبك طعم خاص ونكهة مميزة
دام لنا إبداعك.

آمال المصري
14-04-2015, 03:45 PM
هي قصة الثورات العربية ويقين أن التغيير حل لكل ما تعانيه وتشهد الخاتمة القوية بذلك
قص مائز وقلم مبدع ولغة سامقة أديبنا الرائع
بوركت واليراع
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

د.حسين جاسم
29-06-2015, 05:38 PM
اكتملت جماليات القصة في هذا النص ، سردها ورمزيتها وأسلوبها
تقديري