تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حديث القمر



هائل سعيد الصرمي
01-04-2012, 12:50 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
حديث القمر
كان السكون يملأ المكان , والسماء صافية كصفاء السرائر الطيبة التي لا تعرف الالتواء ولا الختل.
انسكب الأنس و الجمال.. فتلقفته المشاعر النقية واستقبلته الحنايا الظامئة بحفاوةٍ وترحاب ,أصبنا منه حظا وفرا.
يوم كنت وشريكة عمري على كوة في ذروة منزلنا الصغير الذي نرى من خلاله المدينة الحالمة, التي يعشقها الأدباء ويتغنى بها الشعراء, ويهرع إليها السياح من كل مكان إنها مدينة (تعز) الجميلة , جميلة بجمال أهلها , طيبة بطيبتهم , حالمة بحلمهم الكبير, وسُميتْ حالمة لأنها (معلقة في الفضاء) فهي تفوق مدينة البندقية العائمة في الماء , سحراً وجمالا. وشتان بين الصعود في الفضاء والغوص في الماء.
بسطنا مخمل الحب على صهوة الفناء الممراح , في السطح المبتسم كابتسامة النجوم في الليلة الحالكة الظلام , ونسجنا خيوط المسرة بالمسامرة والبوح الشجي , الموشى بنغم الوجدان , الطائر في الفضاء كالفضاء نفسه , تحمله أجنحة الشوق والكلمات المعبرة عن صدق المشاعر والعواطف. ولكل عاشقين نغم خاص و لغة خاصة لا تروى ولا تقال.
اتخذ كل منا متكئا يتكئ عليه بعد حديث الحب , ليبدأ حديث الجمال كان الجو يبعث على الراحة, والمكان معد للاسترواح , بدأنا نقلب البصر ونتملى السماء.. نراقب فيها ومضات الشهب الباهتة , وتلألأ النجوم الخافتة , التي حجبها الضوء المنساب من شفاه القمر, وقد كان قاب قوس من تمام اكتماله بدرا .. فكأنما كان يدعونا لمناجاته.
على رفرف هذا الجمال البديع كنا نتبادل أطراف الحديث مستمتعينَ بحديث القمر ونسيم الصيف ودفئه ؛ .فقد وضع خطواته الأولى على ربوعنا, منذ أيام قلائل , نعم جاء الصيف على فاقة , بعد شتاء قارس ذقنا حلاوته ومره!! كنا مسرورين بقدوم الصيف كأنما غائب عزيز علينا قادمٌ من بعيد بعد طول افتراق, محمل بالهدايا الثمينة التي تنشرح لها الصدور, وتهفو إليها القلوب, ويحثو السير خطاه نحوها, طلبا للمسرة ومظنة في امتلاك ناصية السعادة .
قالت أسماء : وهي تنفضُ عن كتفي بعض الغبار وترنو ببصرها نحو السماء , وقد تنهدت تنهيدة خفيفة أحسستُ أنها مَمزوجة بلوعة شدت إليها انتباهي .
: ألا ترى كيف يسحرنا الصيف بجماله, ويأسرنا بصفائه , وكم يطربنا السمر بين أحضان مسائه وعنفوان ظلامه وانهيال ظلاله.
قلتُ: بلى .
قالت وهي تُسلمْ ظهرها على المتكئ: لو كان لنا سيارة لخرجنا في رحلة مع الأولاد نستمتع بنهاره , كما نستمتع بليله الجميل. وها هي العطلة تقرع الأبواب.. كيف نستغلها ونستثمر أوقاتها بما يعود بالفائدة والخير والبركة ..!!
سحبتُ الغطاء الناعم وأسدلته على أقدامي حتى لا تلثمها زخات الهواء المتقطعة بين الفينة والفينة .
_ هذا بُعد نظر عهدتُهُ فيكِ , لكني أشتم يا حبيبتي رائحة أمر آخر ترمين إليه لم تفصحي عنه بعد , وأجدني مشتاقا لسماعه.!!
وأخذتُ بأطراف ثوبها بلطف ووضعتُ يدي على يدها برفق وحنان أفصحي يا قرة العين ونور البصر فكلي آذان صاغية.
آه.. يا (كريم) : كم تحدثني جارتي عن رحلاتها المتكررة مع زوجها وأولادها وعن نفقاتها الفارهة ومقتنياتها من الملابس والهدايا مالا أستطيع أن أرويه ولا أصفه لك , من كثرته , حتى يداهمني الضيق مما تقول , فكأنها تُعرِّض بنا لضيق اليد , ولا أتمنى أن أكون مثلها فكل حسب سعته , لكني أتمنى الحياة الكريمة التي لا نحتاج معها لأحد , أقصد ما يفي بالغرض المأمول , دون اسراف ولا تقتير.
أطرقتُ هنيهة : أنت محقة كل الحق: هذا أمر أرقني كما أرقك وشغل بالي كما شغل بالك ولا حياء في تناوله ونقاشه لكني أطمئنك بأنه في البال وأني أبحث السبل التي يتوسع دخلنا مع سبرها , ويتحسن حالنا بعد خوضها , وقد أعيتني الحيلة , ولكن لا يأس ولا قنوط مع الإصرار, ولعلي عن قريب أصل.
انحنتْ وأخذت بعض الحلوى من طبق بجوارنا, ووضعتها في فمي ثم قالت :نحن ولله الحمد نتقلب بين نِعمٍ لا تحصى وفضائل لا تعد وهي كثيرة بفضل الله , لا نجحد فضله علينا لكن لا يمنع , أن نوسع من دائرة نشاطنا حتى نحصل ولو على الحد الأدنى من العيش الكريم , ونوفر لأولادنا القدر الممكن من الاحتياجات الضرورية , ثم لا مانع من أن نكد ونجهد حتى نصل إلى العيش الرغد لنمتلك زمام الكرامة من أوسعه .
وما معضلة النزهة إلا غيض من هذا الفيض, رغم أنها ليست من الأشياء الكمالية كما يظنها البعض .انها تُذهب الملل وتشحذ الهمة وتجدد الطاقة والحيوية والنشاط للأولاد, فيعودون بنفسية راضية مرحة , مستقبلين الحياة بقلب مُنفتح وصدر مُنشرح , فالنفوس تمل كما تمل الأبدان مع طول البقاء ولا بد لها من طرائق التغير والتجديد ليذهب كدها وكدرها.
ثم التفتتْ نحوي والبسمة في ثغرها كأنما خلخل الخجل استرسالها بالحديث حياء من قلة اليد و بعد الشقة بينها وبين ما ترنو إليه. لعلمها أنها لا تتم دون امتلاك سيارة يسهل معها التحرك والتنقل ومال يوفر جوها توقفتْ برهة فلما رأتني منبسطا , وسمعتني أقول لها أنا معك فيما ذكرتي
انشرحت وأردفت قائلة: ما أجمل أن نجوب القفار ونتسلق الجبال ونستروح بين مروج الحدائق والروابي والتلال. ألا ترها أغنية جميلة
بلى بلى ..إنها لوحة فنية فارهة الجمال مدهشة التصوير باهية الحسن وإني لأشعر بما تشعرين ثم ماذا أيتها الجميلة؟.
بالأمس زينب تقول لي: نريد جائزة النجاح يا أمي رحلة على شط البحر الأحمر وفي خمائل عروسه حيث: النخيل ترمينا برطبها كل صباح وحيث الجمال الطبيعي الذي لم تتدخل يد الإنسان فيه لتخدشه أو تغير معالمه ألا يستحق هذا الطلب أن يلبى؟! ثم صمتت كأنها تنتظر ما أقول!
ماذا أقول والغصة في حلقي وعبرة تخنقني كيف أبادر وأحقق أزهار آمالها الحاضرة , وأحلام صغيرتها الشاطرة ورغبات نفسي الشاعرة ؟! يا لقسوة الظروف حين تمنع وتجفو, فما تزال بها بشاشة من بقايا طموح كادت تطمره الأحداث بكلكلها, فأنهضته الآمال الملحة والمقاصد النبيلة والعزة التي ترفض الذل وتكره الاستكانة , كما ترفض الكفر وتكره النفاق , سواء بسواء , نسيت نفسي وخشيت أن تسألني فيمَ أفكر , لكني سرعان ما استجمعت مقالي وغيرت بسرعة البديهة وجوم حيرتي وفرط اعتلالي , فخرجت من مدار شرودي بعد أن لاحت لي فكرة وخطر في بالي حل, يمكن معه تحقيق ما نصبوا إليه ونأمل إذا تم.
ــ بالإمكان تحقيق كل طموحنا _يا جميلتي _. فكوني مطمئنة !! سنبدأ بالتفكير والعمل الجاد للوصول إلى تحسين وضعنا من الغد.
تعلمين أني وأخي حامد وشقيقاتي وأمي ورثنا عن والدنا رحمه الله قطعة أرض, فيمكن بيعها واستثمار قيمتها في مشروع, خصوصا وقد عرضَ علي صديقي ماجد مشروعا رائعا يدر ربحا لا بأس به , يكون العمل فيه بيني وبينه, , لقد استحسنته وأبديت تحمسي له , لكني لم أعطِ نفسي فرصة وفسحة أفاتح إخواني ببيع القطعة من أجله.
أمَّا الآن فقد قويتْ الفكرة وشُحذتْ الهمة واستبان الطريق, وعزمتُ على المضي , وهذا بفضل الله ثم بفضل حديثك الرقراق العذب الذي يذيب الصخور ويحرك الشعور.
من الغد إن شاء الله سأتحدث معهم وأحاول إقناعهم بشأنها فإذا قبلوا بعناها وبنصيبي سأشتري سيارة ولو متواضعة , ومقابل عملي في المشروع سيتحسن دخلي ودخل إخواني فأعيينني بالدعاء فإني أخشى ألا يقبلوا فهم كما تعلمين يعدونها رأس مالهم الذي يعولون عليه تحقيق آمالهم وبوابة طموحاتهم.
ارتسمت أسارير الفرح على جبينها وانثالت بسمة الرضا من بين شفتيها كما ينثال الغيث عند ابتسام الأفق الذي خلخل البرق غيماته حال تلبُّده به.
ثم استدارت وأخذتْ قبلة من فمها بأطراف بنانها و ألقت بها إلي فتلقفتها مداعبا كأنما هي حبة لؤلؤ يجب التقاطها , ثم رددت بمثلها.
وحان موعد الخلود إلى النوم فأوينا إلى المنزل والسعادة تغمرنا والحنين للغد يحث خطانا مستعجلا كما يستعجل خطى عقارب الساعة للوقت المتبقي كي يأتي الغد لننظر ما يصنع الله لنا فيه.
ما غبتَ عني أنتَ في أحداقي وأراك في ليلي وفي إشراقي
ما غبت يا قمري ونورك ساطع يمتد في روحي وفي آفاقي
ما أنت إلا الشمس مبسمُ ضوئها يفتر في قربي وعند فراقي
وبريق ألوان الجمال حلاوة تسري بأوردتي كحلو مذاق
ما غبت يوما والفؤاد مولعٌ بهواك دون معارفي ورفاقي
لو غبت كيف أراك بين خواطري وعلى عيون الحبر والأوراق
إن كنت تذكرني وأنت بنشوةٍ فأنا على ذكرٍ بغير رواق
أو كنت تأنس بي إذا لاقيتني فأنا بأنسك دون أي تلاقي
ولأن ذكرت إذا نسيتَ فإنني من غير نسيانٍ بذكرك باقي
أعرفت قدرك والقلوب عيونها تتجاوز الأزمان بالأشواقِ

ربيحة الرفاعي
01-04-2012, 02:49 PM
حبكة محكمة وسردية جميلة حكت مشهدا إنسانيا رائعا تسامت فيه المعاني وأتلقت المشاعر فبدا بواقعيته حالما وبمعقوليته محلقا
و..
بعيدا عن علاقتها بالنص وأثرها فيه فقد جاءت المقطوعة الشعرية في خاتمته عذبة بهية

أهلا بك شاعرنا الكريم في واحتك

تحيتي

كاملة بدارنه
01-04-2012, 03:11 PM
وما معضلة النزهة إلا غيض من هذا الفيض, رغم أنها ليست من الأشياء الكمالية كما يظنها البعض .انها تُذهب الملل وتشحذ الهمة وتجدد الطاقة والحيوية والنشاط للأولاد, فيعودون بنفسية راضية مرحة , مستقبلين الحياة بقلب مُنفتح وصدر مُنشرح , فالنفوس تمل كما تمل الأبدان مع طول البقاء ولا بد لها من طرائق التغير والتجديد ليذهب كدها وكدرها.
النّزهة حاجة آنيّة للنّفس والجسد كي يجدّدا حيويّتهما، وسرعان ما ينسى تأثيرها عند الدّخول في غمرة الحياة وتعبها...
في المقابل الأرض هي النّزهة الأبديّة للإنسان بمفهومها المطلق ... الأرض هي استمرار البقاء
قصّة رائعة بسردها ولغتها وبطرقها لموضوع من أخطر المواضيع ... التّهاون والتّفريط بالأرض للخروج من أيّ ضيق يمكن حلّه بطرق أخرى... وللأسف نسمع عن هذا الكثير
بوركت أستاذ هائل
تقديري وتحيّتي

هائل سعيد الصرمي
04-04-2012, 04:46 PM
حبكة محكمة وسردية جميلة حكت مشهدا إنسانيا رائعا تسامت فيه المعاني وأتلقت المشاعر فبدا بواقعيته حالما وبمعقوليته محلقا
و..
بعيدا عن علاقتها بالنص وأثرها فيه فقد جاءت المقطوعة الشعرية في خاتمته عذبة بهية

أهلا بك شاعرنا الكريم في واحتك

تحيتي

شكر الله لك أختي الكريمة هذا يدفعني للأستمرار وتزكيتك عندي بألف تزكية أضعها تاج على رأسي دمت بخير

هائل سعيد الصرمي
05-04-2012, 06:26 AM
النّزهة حاجة آنيّة للنّفس والجسد كي يجدّدا حيويّتهما، وسرعان ما ينسى تأثيرها عند الدّخول في غمرة الحياة وتعبها...
في المقابل الأرض هي النّزهة الأبديّة للإنسان بمفهومها المطلق ... الأرض هي استمرار البقاء
قصّة رائعة بسردها ولغتها وبطرقها لموضوع من أخطر المواضيع ... التّهاون والتّفريط بالأرض للخروج من أيّ ضيق يمكن حلّه بطرق أخرى... وللأسف نسمع عن هذا الكثير
بوركت أستاذ هائل
تقديري وتحيّتي

شرح الله صدرك وغفر ذنبك كما شرح صدري بكلماتك الرائعة المفعمة ببعد النظر وعمق التأمل لك كل التقدير والإحترام وسوف أواصل المشوار بإذن الله
تدفعني كلماتك العذبة التي أحسنت الظن بي وأرجو أن أكون عتد حسن ظنهاوظنك
بارك الله فيك مجددا ونفعنا بك
الفصل الثاني قريبا إن شاء الله وأن كان المطلعون هنا قليل لكن يكفيني أنت وربيحة فالواحدة بآلف
دمت بخير

محمد عبد القادر
05-04-2012, 02:00 PM
لغة قشيبة
تزينت بها قصتك يا سيدى
أمتنع عن وضع رأى عن القصة
حتى قراءة أخرها
أعقب من خلالها على بينة
تحياتى
و
لنا لقاء

هائل سعيد الصرمي
06-04-2012, 11:26 PM
لك ذلك وأشكرك على مرورك وحرصك أخي محمد على متابعتها
وهذا يدفعني أكثر لأتابع فصوله إن شاءالله دعواتك أخي الحبيب
ولك تقديري ودعائي

هائل سعيد الصرمي
07-04-2012, 08:08 PM
[QUOTE=هائل سعيد الصرمي;684825]شرح الله صدرك وغفر ذنبك كما شرح صدري بكلماتك الرائعة المفعمة ببعد النظر وعمق التأمل لك كل التقدير والإحترام وسوف أواصل المشوار بإذن الله
تدفعني كلماتك العذبة التي أحسنت الظن بي وأرجو أن أكون عتد حسن ظنهاوظنك
بارك الله فيك مجددا ونفعنا بك

نداء غريب صبري
08-04-2012, 04:51 PM
قصة جميلة جدا
أمتعتني قراءتها

شكرا لك اخي

بوركت

هائل سعيد الصرمي
09-04-2012, 12:58 AM
أشكرك نداء من كل قلبي وأدام الله عليك العافية والسرور
دمت بخير

محمد عبد القادر
09-04-2012, 12:15 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،،
أسعد الله صباحك أخى الحبيب .. عدتُ كما وعدتُ لاستمتع مجددًا بلغة جميلة رقراقة. و حتى لا أطيل عليك ، دعنا نخوض مباشرة فى الحديث عن بعض النقاط
التى أراها -كقارىء عادى- و لمستها فى جنبات قصتك الجميلة ، مراعيًا فى ذلك أن قصتك من عدة فصول ؛ و عليه يكون الحديث بشكل مختصر دول إسهاب أو إطالة إن شاء الله ، متمنيًا أن تقبل مرورى المتواضع إزاء قصتك الجميلة لغةً و تناولاً ..

و لعلى إن شاء الله أبدأ حديثى بنقاط القوة من وجهة نظرى فى الفصل الأول من القصة ،،
و ذلك فى نقاط محددة ، حتى لا تأخذ منى الثرثرة ما تأخذ :)
1- العنوان : و لعلنا جميعًا ندرك أهمية هذا العنصر ، كنعصر أساسى له عوامل الجذب و الفهم لأى قارىء ؛ لذا كان عناية اختيار عنوان القصة هو محل تفريق بين كاتب و آخر من حيث البلاغة و الإختصار و الترابط بينه و بين جسد القصة فى أشكاله المختلفة سواء ضمنى أو جزئى أو غيرها من الأشكال.
و بتخصيص الحديث عن عنوان قصتنا هذه ، نجد أن الكاتب كان موفقًا للغاية فى إختيار العنوان كجملة خبرية ، و كذا انتقاء الألفاظ ( حديث القمر ) ، لما لهما تأثير آخاذ على نفس القارىء مما يدفعه للولوج إلى أحداث القصة . كذلك الحالة النفسية الشعورية التى فرضها الكاتب هنا على نفسية القارىء كانت إيجابية للغاية ، فجميعنا نعلم أن القمر رمزٌ للهدوء و الأريحية و التأمل و الهدوء و الراحة ، و هكذا هيأ القارىء ليستقبل بخواطره و ذهنه جوًا جميلاً من الرومانسية الحالمة ، فتجد القارىء يأخذ نفسًا عميقًا ليبدأ أول سطور القصة فى أريحية تامة ، و هذه نقطة تحسب لكاتبنا العزيز تمامًا.
2- المقدمة : استهلال الكاتب للقصة كان أكثر من جميل ، به من الشاعرية الفياضة ، و الكلمات القوية العذبة ، و التعابير الجميلة ما يجعل المشهد الرائع ثلاثى الأبعاد ، إذ يمكن للقارىء أن يراه بأدق تفاصيله ، فكأنه يرى مدينة ( تعز ) بعينيه ، و يسمع همهمات الرياح المسائية بأذنيه ، و يشم عبير النسائم الصافى بأنفه ؛ و كنتيجة لما سبق يتوغل القارىء فى أعماق البطل حد الإندماج ، فيعيش الأحداث لا يقرأها ، دون فصل أو فطور أو ملل. و رغم بعض التعبيرات التى أراها غير موفقة فى بداية القصة -و سأتحدث عنها فى نقاط الضعف إن شاء الله- إلا أن الجو العام كان مثاليًا و حالمًا كمدينة ( تعز ). كذا استهلال القصة بالجملة الفعلية لو أثر على القارىء ، و استخدام الفعل الماضى فيما يفيد الثبوت و التحقق و التوكيد.
3-اللغة و السرد : السرد كان متسلسلاً و تلقائيًا فى الكثير من المواضع ، و العكس صحيح فى غير موضع -نتحدث عنه لاحقًا إن شاء الله- . و فى ظل تلك اللغة الرشيقة ، و التى وظِّفَت بشكل إحترافى فيما يخدم الفكرة العامة للقصة ، كان من المستحيل أن يفلت القارىء من زمام السرد المحكم ، فتجد القارىء يستمتع ببلاغة الألفاظ مما يدفعه أن ينهل من هذا الفيض اللغوى قدر استطاعته حتى الرمق الأخير من القصة دون ملل. كذلك كان لموهبة الكاتب الشعرية أثرًا بليغًا فى امتاع القارىء شعوريًا و بيانيًا؛ إذ يمكن فى النهاية وصف قصتنا هنا بـ ( القصة الشاعرة ) ، و هذا مما يميز الكاتب دون غيره ، و هى بدون شك من نقاط قوة و تميز أى قصة قصيرة دون غيرها ، و يجذب هذا النوع من القصص العديد من القراء لما به من نكهة الشعر و القصة معًا فى جسد واحد.

و حتى لا نطيل الحديث عن إيجابيات القصة و هى كثيرة ، و لكنى ذكرت أبرزها من وجهة نظرى ..
أنتقل الآن إن شاء الله إلى الحديث عن بعض سلبيات القصة ، فى نقاط محددة كذلك ..
1- بعض التعبيرات المستخدمة : ربما هذه النقطة تحديدًا لم تكن ملحوظة وسط هذا الفيض من الإنتقاء الجميل للألفاظ و التعبيرات ، غير أن هناك بعض التعبيرات التى لفتت نظرى ، و كان لها تأثير غير إيجابى على نفس القارىء فى مقدمة القصة ؛ مثل ( كان السكون يملأ المكان ) .. فالسكون هنا حملت من المعانى ما قد يشعر النفس بالرهبة -ولو قليلاً- فى ظل جو المدينة صيفًا !! ، و لإنما كان من الأفضل -فى وجهة نظرى- استخدام لفظة مناسبة أكثر للتعبير عن الاطمئنان مثل ( الهدوء ) ، فشتان ما تبثه كلمه الهدوء من معنى فى النفس عما تبثه كلمة السكون من طمأنينة و راحة نفسية. كذلك ( انسكب الأنس و الجمال ) و الملاحظة هنا أيضًا على كلمة ( انسكب ) و كان من الأفضل استخدام لفظة أخرى توحى بالسعادة و الأريحية مثل ( حلَّ ) أو ( عمَّ ) ، أو كما يرى الكاتب ، مما يفيد العموم و الإنتشار و السود.
2- الإسهاب فى غير موضع : ظهر هنا فى جسد القصة بعض الحشو الذى أراه أنه يمكن الاستغناء عنه دون أن يضر الوصف و السرد بالنقصان أو الغموض ؛ مما تسبب فى إطالة و ( مط ) الأحداث دون داعٍ أو فائدة ، و ربما يكون وجهة نظر الكاتب فى ذلك هو رسم الصراع الداخلى للبطل من خلال إسهاب وصف شخصيته و سرد الأحداث.
3- الصراع الداخلى للبطل : للحق أحسست بتكلفٍ ما غير ملحوظ بشدة ، فى محاولة الكاتب توصيف الصراع الداخلى للتأثير على القارىء من خلال ما ذكره من أحداث القصة ، فنجد البطل يذكر أكثر من مره فهمه لمشاعر زوجته ، و تبريره لتلك المشاعر ، و كذا حديث النفس بالمرارة و ضيق اليد و الحاجة ، كل ذلك لا شك له أثر فى نفس القارىء لكنه فى ذات الوقت لابد أن يكون فى تلقائية لا يشعر القارىء معها و كأن الكاتب يدفع بمشاعر البطل دفعًا حتى يراها القارىء أماهه واضحة جلية دون أن يستشفها بنفسه ، مما يخلق جوًا من المباشرة غير محببة فى القصة القصيرة.
4- الحوار : و الحوار فى القصة القصيرة عامة هو من العوامل المساعدة فى توصيل الفكرة و وإيضاح رؤية الكاتب ، إذا تعتمد القصة فى المقام الأول على السرد ، لذا كثرة الحوار فى النص ربما يخرج العمل من منظور القصة القصيرة إلى منظور العمل المسرحى ، ربما يكون الأمر هنا غير ملحوظ أيضًا بصورة واضحة فى جسد القصة ن لكن يمكن القول أن الحوار أخذ مساحة أكبر من السرد ، مما أضعف -فى وجهة نظرى- حبكة القصة إلى حدٍ ما.


فى الأخير ،،
أجدنى أطلت -رغم محاولتى بإختصار الحديث-
و لكن جمال القصة دفعنى إلى البوح بأريحية
فاعذر ثرثرتى
و أتمنى أن تتقبلها بصدر رحب
و إن لم يكن فيمكن تجاوزها بكل تأكيد :)
تحياتى لك أيها الكاتب
و
إلى لقاء

هائل سعيد الصرمي
19-04-2012, 02:38 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الثاني
ما إن وصلتُ مشارف ربوعها حتى انتعشتْ روحي من جديد, كأن لم يكن بي وعثاءُ سفر, ولا إجهاد سهر, بهرتني بسحر أضوائها الزاهية وشوارعها الباهية, وهدوئها الباعث على الطمأنينة والسكينة. كانت مستلقية وصدر البحر يحتضنها من جهة الغرب و ذراعيه تمتد إلى شمالها وجنوبها فكأنه يضمها إلى صدره!! ..
اتجهتُ غربا نحو البحر طالبا منزلا مطلا على شطه الفينان... لصديق كريم أوقفها لتكون منتجعا لضيوفه, ومتنزها لأصدقائه الوافدين من مدنٍ أخرى.. كان المنزل فارغا عندما وصلته , إلا من حارس نظر إلى وجهي متفحصا فلمَّا عرفني ابتسم وتهلل وجهه وبادرني بالعناق الحار وأخذ أمتعتي وصعد بي نحو غرفة كأنها من جنان الخلد , مزودة بكل ما يبعث على الراحة , والمتعة , من تكيف بارد, وفُرُشٍ ناعمة , وبطائن وثيرة !.
سألته عن حاله , وشكرته على حفاوته وكرم استقباله , ابتسم ابتسامة دلتْ على انبساطه وسروره , ثم قال: وهو يضع أغراضي على منضدةٍ قريبة منه , هذا واجبي وأنت صديقٌ مقربٌ لسعيد و قد أوصنا بك مرارا , فهذا منزلك في أي وقت تشاء ولك أن تحط رحلك فيه كلما وصلت هذه المدينة.
ــ وأين سعيد؟
ـ مسافر خارج الوطن ,
ـ كم أنا مشتاق إليه..
ــ أتركك تستريح , وإذا احتجت شيئا , أرفع سماعة الهاتف وضغط هذا الزر وأشار بأصبعه عليه .
ـ فهززت رأسي بالموافقة وقلت له تصبح على خير.
ـ تناول الباب على استحياء وانصرف بهدوء.
خلعتُ ملابسي وتخففتُ من حملٍ كان يثقلني رغم خفتهَ ؛ فقد شعرتُ بشيء يجذبني نحو السرير كما تجذب الأرض الشهب عند تفلُّتِها من زمام مدارها المتزن.
ألقيتُ بنفسي دون مبالاةٍ فيه, وما إن استرحتُ قليلا, حتى استنهضني نور ساطع مر بإحدى نوافذ الغرفة المطلة على البحر وقد تلألأ كنور البرق عند كثافة الغيم وقبل نزول المطر, ولا غيم ولا مطر , فنحن في بداية الصيف , إذا فماذا يا ترى هذا الذي رأيت؟!! ربما نورُ مَلكٍ من ملائكة السماء ذاهب في مهمة عاجلة , وما أكثر مهماتهم في الليل والنهار , فهم كثيرون والسماء تئط بهم كما تئط المدن المزدحمة بالبشر الغاديين في أسواقها والعائدين منها.
ولكن الملائكة لا يتمثلون إلا لحاجة ولا يشاهدهم البشر إلا لحكمة أرادها الله , فقدرته سبحانه وتعالى مطلقه, يفعل ما يشاء.
لكني لم أنسىَ تلك الصورة العجيبة التي شاهدتها منشورة على صفحات النت , عبارة عن شكل من نور لم أشاهد مثله على الأرض قط , مَلك باسط ذراعيه فوق ظهر الكعبة وقد كُتب تحت الصورة أنها التقطت في ليلة القدر أحد ليالي العشر الأواخر من رمضان, يومها تسألت: هل تقنية الكيمرات مزودة بالأشعة الحمراء أو فوق البنفسجية , فتكشف لنا الصورة مالا نراه بالعين المجردة؟ !!.لا أدري!!.
أظنه لن يخرج عن ثلاثة أشياء برقٌ لمع أو نور ملك ساطع أو شُهُبٍ وما أكثرها.
إذا لعلها ومضةُ شهاب من الشهب مرَّ من أمام النافذة , يلاحق طريدته التي تحاول الفرار منه بالاحتماء بالأرض , والشهب غالبا تتحاش الأرض كي لا تصطدم بها إلا ما ندر , فكأن الطريدة من الشياطين أرادتْ أن تحتمي بالأرض كما تفعل دائما لكن الشهب لم يعبئ بها هذه المرة , فتجاوز حدودهُ واستمر في تتبع فريسته دون اكتراثٍ بتبعات هذا التجاوز, وما يترتب عليه من أضرار.
ثم قلت: مالي ولهذا فما الذي سأجني من معرفة تلك الومضة وقد تعلمنا بأن الخوض فيما لا ينفعنا ولا ينبني عليه عمل .. نوع من التكلف الذي نُهينا عنه شرعا , ومن ذلك الأمور الغيبية كقيام الساعة والدجال وغيره كثير وهذه الومضة تعد من ذلك , فما الذي دفعني اليوم للدخول في هذه السفسطة التي لا فائدة منها غير مضيعة الوقت؟! عندها أدركت أن هذا ربما بسبب السهر.. علي أن أتوجه إلى النوم.
ألقيتُ نظرة من النافذة قبل أن أغادرها , ورحلتُ في عالم آخر من السبح في ملكوت الله والذهول في بدائع صنعه...بعيدا عما كنت أفكر فيه ولا طائل منه, رأيتُ عظمة الله الواحد الأحد في آياته المبثوثة التي تبدو لي من رهبة الليل وهو مُسدلا رداءه الأسود على البحر المتمدد بلا طرفٍ يُرى, والفضاء المترامي بلا حدود ولانهاية, يا لعظمة البحر, وسعة الفضاء.. ما مقدار هذه العظمة أمام عظمة الله الخالق.. الذي فطر كل شيء بحكمة موزونة, وكأني أرى الرحابة في الأفق لأول مرة وأرى من خلالها سعة قدرة الله التي لانهاية لها.
تملكني الذهول واحتوتني الدهشة. ما هذا الليل الموحش الذي يلف بثوب سواده الرهيب كل شيء , ها هو قابض بسواده الداكن على البر والبحر والفضاء, فلا ينفلت منه ولا يند عنه شيء.. لقد بدا لي وأنا أنظر إلى غورهِ الرهيب منظرا مدهشا بديعا بالغ الروعة إنه منظر الجلال والهيبة والعظمة لله الذي أجدني أنجذبُ إلى سبحاته, !!.
كنت مستمتعا شاردا بكل هذه الخواطر الجميلة.. انتبهت من شرودي على هدير الأمواج وهي تتصاعد!!. وكان العناء قد بلغا بي مبلغه فلم يتحْ لي فرصة كي أطيل , فخلدت للنوم وأنا أفكر في المنظر البديع ثم بدأت أفكر في المشروع وأتساءل: ماذا أفعل و ماجد. يوم غد.
قطعتْ حبالَ أفكاري موجاتُ النعاس وسرعان ما أحاطت بي من كل اتجاه, وانسدل الستار وأقفلتْ العينان المنهكتان أبوابهما , وذهبتُ في نوم عميق...ما أيقظني منه إلا أذان الفجر في ندائه الأخير للصلاة.
وبعد أن أديتُ صلاتي... احترتُ وترددتُ بين أن أخلع جلباب النعاس عني أو أسفرُ مع إسفارةِ خيوط الفجر التي بدأتْ تتسلل من ثنايا الأفق, وينثال بريقُ شعاعها الخفيف مُطارداً بقايا الليل المتثاقل لتحل محله , فقد حان موعد نوبة النهار واستلام دوره.
ـ لن أؤثر النوم على متعة انفلاق الفجر بين يدي البحر وأمواجه , فما أحلى جمال الصبح وهو يتنفس, خصوصا في هذا المكان بالذات, حيث تجتمع فيه كل ألوان الجمال الرباني والإبداع الإلهي.
حملتُ نفسي بقوة وهي تتثاقل إلى الأرض تريد النوم : ها هو يتنفس ويعانق كل شيء هيا لعناق أنسامه و عذب هوائه ,و لنستمتعُ بجمال أفيائه , وحلو منظره وبهائه.
خرجتُ من فوري وقد ارتديت ملابسي وصففت شعري دون أن أعتني كما ينبغي بهندامي , ولم أتمكن من تبيض أسناني وتلميع حذائي .
دفعني العجل كي أدرك متعة مشاهدة الإيلاج بين البياض والسواد وأصافح أنامل خيوط الفجر البيضاء المخضبة ببقايا الليل قبل أن يلج النهار فيه ويغادر.
وصلتُ الشاطئ , وأخذتُ مكاني في مقدمة فناء مطعم الروبين المطل على البحر من جهة الساحل الشمالي وتناولت الإفطار هناك وكان إفطارا شهيا ـ سمك طازج وجبن طري ـ أتشوق إليه كلما هبت رياحي على شط هذه المدينة الساحرة.
كان النشاط يَفيضُ بي كما يفيض الموج حال ثورة البحر وعنفوانه, أخذتُ جولة لا بأس بها حتى بَسَطَتْ الشمسُ رداءها ووزعتْ خيوط ضوئها على البحر والسهل, والرابيةِ والتل , كما يوزع البنفسجُ أريجه عند تَفتق براعمهِ وتبسم أزهاره على محيطاتِ بساتينه , ليملأ المكان عبيره الفواح وطيبه الزكي .
رنَّ جرسُ الهاتفِ , وأنا أشتم رائحة البحر وأغسلُ قدمييَّ بزفراتِ أمواجه وهي تنقل الزبدَ إلى حافة شطه ذهاباً وإيابا.
كان المتصل صديقي ماجد , تواعدنا ثم التقينا على شوق ولهفة , الفرح يغمرنا والسرور يظلنا.. أرادني ـ كريما عليه ـ في داره , فأبيتُ عليه ذلك , وقلتُ وأنا أشْبِّعُ ناظريَّ بطلعته البهية ومحياهُ المشرق , كيف نترك هذا النسيم العليل والإشراق الجميل, ونُحاصر بجدران منزلك, تخير لنا مكانا شاعريا يشاركنا فرحة لقائنا.
وفي زاوية من حديقة عامة , كانت قريبة من منزله قعدنا نحتسي القهوة وتبادلنا شجي الحديث ـ الممتزج بعواطف الإخاء المتجرد من كل مطمعْ ـ عَلَّنا نطفئ ظمأ الأشواق المتأجِّجة من طول الفرقة وشدة اللوعة...وبعد حديث الوداد و المؤانسة , هبتْ رياح الجد.
ـ ماجد :
ـ لبيك كريم.
ـ ما يخص المشروع الذي اتفقنا عليه ؟ أنا جاهز هل أنت جاهز؟.
استرجع قليلا وقال: أنا لم أجد من يتحمس معي للمساهمة ـ من أصدقائي وأقربائي ــ فيه ..رغم أنني عرضتُه مُغْرياً بأرباحه, ومُبالغاً بنجاحه, ولكن دون جدوى فلا حياة لمن أنادي , كأني أنفخُ في الرماد و أتسلق الفضاء, وما كان تحت يدي ساهمتُ به في مستشفى العرب ولم أجنِي منه شيئا حتى الآن... لكني فكرتُ أن آخذ سلفةً من البنك ـ مبلغا مساويا لمبلغك باسم المشروع ـ ما رأيك؟.
تنهدتُ بعمق ثم قلت: يا صديقي العزيز ألم نتفق معا حتى يكون النجاح حليفنا والربح الجزيل المبارك من نصيبنا .بأن نتحرى النقاء ونتوخى الصفاء ونعتمد النظافة الكاملة التي لا تشوبها شائبة في مشروعنا بحيث تكون التقوى رفيقة دربنا , والتورع صديق عملنا وحارس بيعنا وشرائنا. فتكون تجارتنا بعيدة عن الحرمة ومظنة الشبهة.
قال وقد تساقط العرقُ من جبينه واحْمرّ وجههُ كأنما لفحته نار:
ــ على رسلك يا صديقي العزيز...
ــ فأمسكتُ بكلتا يديَّ يديه وقلتُ: لا أقصد... إنما أذكِّرك بما جرى من حديث سابق دار بيننا , أليس كذلك؟,
ــ بلى بلى اتفقنا ولكن هذا ليس فيه حرمة ولا تشوبه شائبه ـ فهون عليك يا كريم وهَدِّءْ من روعك حتي أشرح لك ما...
ـ قاطعتهُ وأنا أتهيئ كي أطلب كأسا آخر من القهوة ـ قائلا: أنبدأ بالربا؟!
ـ من قال: أنه ربا؟
ـ إذا لم يكن هذا هو الربا بعينه , فهو شبهة.(ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه) فلنبتعد من البنوك يا صديقي.
قال ـ وهو يحك بأطراف أنامله مقدمة رأسه ـ :لقد ذهبتَ بعيدا يا صديقي.
اسمعني جيدا.
ـ كلي آذان صاغيه.
ـ لقد فهمتَ خطأً.. هذا البنك ـ يا أعزَّ أصدقائي ـ ليس بنكاَ ربوياَ كما تظن فلا يُخشى منه ؛ لأنه بنك اسلامي أفتى العلماء بجواز القرض منه , وبخاصة إذا كان في المشاريع التي تكفل للناس عيشا كريما...كما أنه يهدفُ من هذا الإجراء: القضاء على البطالة المتفشِّية في مجتمعنا كتفشي الوباء الذي استفحل وصَعُبَ استئصاله...وتشغيل الأيدي العاملة وسد بطون المحتاجين , و القضاء على الفساد , هو عين الحكمة..
إنه بمقاصده النبيلة يخفف من الآلام ويُخفّضُ من الأورام , فالمآسي كالجراد التي تتكاثر ولا تجد من يردعها , ثم إن البنك يشتري بنفسه المواد الأولية للمشروع بعد أن ندله عليها, ثم يبيعها لنا بسعر فيه ربح لا يتضاعف كما في البنوك الربوية , فالعملية بيعٌ وشراء وليس قرض تتضاعف فوائده كما تظن.
ـ هدأتْ ثورتي وسكنتْ روعتي وقلتُ: هذا كلام لا بأس به إذا كان كما ذكرت,
لكنني فهمت ُ من كلامك أنه للمضطرين فقط الذين ضاقت بهم الحال.. ونحن ولله الحمد في توسط فهل ينطبق علينا ما تقول؟
ـ كيف لا ينطبق ونحن نبحث عن العيش الكريم ونساهم في الاستثمار الذي يعود بالفائدة على وطننا وأمتنا علما أن البنوك الإسلامية خدماتها مفتوحة ومتاحة للجميع بلا استثناء أو تمييز.
ــ كلامك مقنع ولكن أريد أن يطمئن قلبي أيضا بفتوى شرعية, ما رأيك أن نذهب إلى الشيخ غانم؟؟ هل ما يزال يقيم جوار منزلك؟.
ــ نعم ما يزال .
ــ هيا بنا إليه
وبعد أن أحسنَ الشيخ استقبالنا وأكرم وفادتنا وسمع منا.. أردف يقول: لا أجد في هذا الشأن حرجاَ لأنه صورة من صور البيع والشراء وقد أحل الله البيع وحرم الربا وهناك فتوى شرعية حول هذا الأمر من كبار أهل العلم.
قال كريم وقد بدأتْ الطمأنينة تتسلل إلى حنايا فؤاده بما قاله الشيخ: لماذا المشتري هو من يدل على السلعة ؟َ كيف لا يصاب بحسره وهو يعلم ثمن السلعة فلوكان معه مالا لما قبل أن يشتري البنك نيابة عنه ثم يبعه إياها بزيادة.. ألا يكون في هذا ظلم وحيف؟! لو كانت السلع مخزنة في البنك لكانَ مقبولا...ثم أين القرض الحسن الذي أراد الإسلام أن يكون ذا قيمة أخلاقية من قيمه النفيسة ؟! وما حُرِّمَ الربا إلا للمحافظة على هذه القيمة السامية التي كادتْ تنقرضُ في هذا الزمان.
هزَّ رأسهُ ارتياحا بما قلتُ: ــ هذه لفته كريمة ؛ لكن الربح هنا مقابل الأجل...فبعض الأحناف وبعض المتأخرين من الشافعية أجازوا الشراء بزيادة في الآجل على الشراء بالعاجل .. ومن هنا جاءت الزيادة التي يضعها البنك ربحا.
خرجنا وقد اتضحتْ الصورة واطمأن القلب وإن بقي منها في النفس شيء
قلتُ لماجد وقد تهلل وجهه بفتوى الشيخ فرحاً بتطابقها مع ما قاله لي: إذا استطعنا أن نتجنب البنك بحيث نجد مساهمة أو قرضا حسنا من غيره يكون أحسن فإن لم فلا بأس بعد فتوى الشيخ.
ـ قال ماجد: أسعار المواد الخام هذه الأيام مرتفعة , هل ترى أن نبدأ بالمبلغ الذي معك أعطني المبلع وأنا سأتصرف.
فاجأني بفكرته الجديدة فلم تكن مدرجة في أروقة اتفاقنا السابق ... قلت له: نتروى ولا نتعجل, ونعيد النظر فالمال ليس مالي ولكنه كما تعلم مال غيري, علينا أن نضع أقدامنا سويا ونحن ندرك أين نضعها, نخشى أن نتهور فنخسر.. سنراجع الأمر ونستخير الله ثم نقرر ما نفعل, وما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن , المهم الآن هو استكمال عملية شرائي لسيارتك التي سأنقدك ثمنها الآن وسأستلمها منك بعد توثيق البيع وصكه متى يروق لك ذلك.
ـ إذا جاء الغد إن شاء الله أخذتها منك وسلمتك ما أردتْ شريطة أن تمنحني زمام قيادك ولا تمنعني من إجلالك وإكرام وفادك.
ـ أوميتُ بالموافقة وعُدتُ مهموما مثقل الخطى إلى مقر إقامتي بعد أن استأذنته بالانصراف ووعدته بقبولي استضافته يوم غد ؛ فقد كان ملحا على أن نبقى معا.
كان يداهمني تفكير رغما عني يقول لي: لا تغامر بمال غيرك لو أنه مالك لهان آلم الفراق إن لم يكتب له النماء ... وتفكير أخر يحثني على الإقدام والمغامرة المدروسة , فيقول :التجارة تخطيط وإقدام وليس تردد وإحجام!!.
تجاذبتن الحيرة, وتهتُ في شوارع أفكاري!! بين طريقين , طريق الواقع وطريق الدافع!! بحثا عن مرفئ يرسو عليه قراري وتستقر عليه أفكاري:هل أمضي في المشروع أم أنصرف عنه؟...
فالواقع منكسر, وتربة الاستثمار فيه ليست خصبة , في ظل ظروف متقلبة وأسعار غير مستقرة , وأناس ينهش بعضهم بعضا كما تنهش الوحوش الجائعة فرائسها..

وبين دافع الصراع من أجل البقاء.. في بساتين الحياة الطيبة وحدائق العيش الكريم ؛ فنجني من الأول زنابق العزة ومن الثاني فواكه الكرامة , تحت مظلة العفة.. بعيدا عن وحل الذل, ومستنقع الفاقة.. وبعيدا عن أرصفة البطالة وغرف الخمول وأسرة الدعة...فعلى أي شط أرسو والأمواج من حولي عاتية.
ومازالتْ صفقة جارنا الحاج محمد, محفورة في ذاكرتي كما يحفر الماء الصخر!!. فبمجرد وصول بضاعته...حتى خفَّض المورد المحتكر نبهان أسعارهُ بأقل من تكلفة شرائه ؛ كي يصيبه بمقتل ؛ ويئدُ طموحهُ إلى الأبد, وتم له ما أراد ؛ كسدتْ بضاعته وخاب فأله, وظل يعرضها حتى انتهى تاريخ صلاحياتها , وتم إتلافها في محرقة الاحتكار والجشع , جوار سوق من لا يردعه ضميرْ ولا وازع من دينْ, أتلفتها الأنانية ونيران الأطماع ...ومعها آمال الحاج محمد وأحلامه..

ثم التقطتْ كيمرة ذاكرتي صور الأحداث المدهشة ,لتجارة حامد في المشروع الغامض الذي أقيم على الأرض ثم أعرج به إلى السماء محمولا على أكتاف المعصراتْ تهودجه الرياح من اليمن إلى اليسار وترمقه العيون المتكئة على الثقة فتصمتُ ولا تلقي له بالا ؛ كأنها لا تخشى عليه السقوط السحيق الذي سيفتته ويمزقه بمجرد ارتطامه بالأرض!!.
استغرقني ؛لأنه أشد وُعُرة وأصعبُ لمَّا , وفيه عجائب , يحتاج العقل إلى تأملها والوقوف مليا عندها...أرجو يا ذاكرتي أن لا يطول وقوفي كثيرا...اروي فقد شوقتني لمعرفة تفاصيله.
اروي كي أجمع أشتاتي وأفيض لأمنع عبراتي
وأبـــوح لأصنع تاريخا للجيل الحاضر والآتــي
اروي يا ذاكرتي الحرى قصصا ثكلا وحكاياتي
اروي من ذاكرتي الأصحا بـ صحائف مجدٍ وثبات
اروي الآلام معطـــرة بعبير النصر وغاياتي
أروي أحلاما لم تكبـر فــي وادٍ مصفــر شـات
عن نبتٍ أبدا لا ينمو في صحراء القحط العات
اروي كي تبعثني فكراً وتبلسم كل جراحـــاتي
وتمد الحاضر ذاكرةً مرتْ في مــوسم أناتِ
اروي: كي تمنحني وهجا فأعود لمرفأ بسماتــي
فمعاني الطهر إذا هبتْ تشدو من وحي روايـاتي
سأخط بكفك آمالاً فلعــلك تحي كلمـــاتي
فاقرأ يا قارئ أفكاري واحمل من يومك راياتي
فمعاني الرشد هنا جذلى ومعاني والحب وآيات
أيسير الدرب وأنت هنا يا فرحة عمري وصلاتي
يا دوحة أمجاد شمخت في الماضي الغابر والآت
لم تسعفني الذاكرة فقد بلغ بي الجوع مبلغه , لم أشعر إلا وعصافير أمعائي التي تتضور جوعا تناديني مستغيثة , بما يسد خلتها ويشبع فاقتها فقد تناسيتها ـ رغم تنبيهاتها المتكررة ـ في أسواق تلك الرواية المزدحمة بالمواقف الحارة والباردة أخذني الذهول وأنا أفتش بين كومة صورها المعروضة في دكاكين الذكرة , عن أسرارها وألغازها.. غموضٌ لم يُعرف بعد , فما يزال بها مغاليق لم تفك!! وعقد لم أجد لها تفسيرا...إنها من غرائب الدهر وتصاريف القدر ..سأستعرضها كأنها لأول مرة بعد أن أروي ظمئي وأسدُّ رمقي... تناولت بعض الفواكه والمشروبات التي كُنت قد أحظرتها من بقالة مررت به , سكن جوعي وهدأت عصافير بطني وعدتُ إلى تلك الأسواق مطالبا ذاكرتي بمزيد من العرض قائلا لها :
هيا يا ذاكرتي اروي قُصِّي لي اروي أحلامي الثكلى واحكي لي
اروي باسم الله معاني الحب قصي أول مشروع معلــــولِ
قصي سيرة أصحابٍ قد ختلوا لا تخفي عني مــا لا يبدو لــي
كانوا ثلاثة أصدقاء يضرب بصداقتهم المثل الأعلى , قلما يفترقون عن بعضهم , يتفادون بالأرواح من شدة الحب... في الصباح يذهبون إلى شركتهم العملاقة التي يعملون بها , وفي المساء يتسامرون , أو يلعبون النرد والشطرنج بين يدي مباريات كرة القدم...وهكذا مرت سنين من عمرهم على هذا الحال في محبة وانسجام وصداقة ووئام ..
خطي يا أقلام الروح معاني الحب العذب وثوري
شقي دربا في الآفاق الآن وطيري
دكي جُدَرَ الصمت ومدي في رحم الآفاق جسوري
يا عمر الحلم المأمول بأيام نشاطي وفتوري
يا نبض الإشراق الحر ويا نبض هناء وسرور
اروي من ذاكرة التاريخ حياة المجد المطمور
وحياة الحب إذا أصبح كالمخمور وكالمغرور
فيضي خاطرةً ذاكرةً
في وجدان الكون أنيري
ثوري في وجه الكلمات وفي وجه السكنات
وفي وجه المكر المقهور
***
لظي ألفاظ الزيف وختل البسمات
ماذا تنتظرين أمام الإعصار الجارف
للقيم المثلى بصنوف الأزمات
فبكل لغات العالم ياأمةُ ثوري
سُليَّ سيف الحب وأسلحة الرحمات
احكي قصة أول حرف في تاريخي
قولي قصة أطماع التجار وطغيان المسؤول
احكي عن أندى قلب يعشقه قلب
يبكي فرحا يحمل تاجا من اكليل
قصة حمدان وكريم اروي
واروي قصة ناهد ةٍ وبتول
اروي من قاموس الذكرى قصة صفون وسمية
ذات العينين العسلية
حبا في ذاكرة التاريخ المنسية
قصي أيام مباهجنا
واروي أحلام مشاعرنا
للتاريخ وللأجيال
فيضي فيضي كالشلال
اروي الإشراق بنبض الحب ونبض الكره المشلول
قصي مائدة للأصحاب إذا احتكموا حال الإخفاق المسلول
فمتى ابتسموا ومتى اختصموا
هيا يا ذاكرتي الملأى بالصور الثكلى
قصي لي

هائل سعيد الصرمي
19-04-2012, 02:56 AM
لا فض فوك أخي محمد عبد القادر وضعت النقاط على الحروف وكنت موضوعيا منصفا وأنا بحاجة ماسة لمثل هذه الطرح الذي يوضح مواطن القوة فأتزود منها وأعض عليها ومواطن الضعف حتى أستدركها وأفر منها
لله درك من ناقد حصيف فتح الله عليك وكتب لك أجر جهد ك وجعلني عند حسن ظنك فيما ظننت
وها هو بين يديك الفصل الثاني أرجو أن تتناوله بأسهاب أكثر مما تناولت سالفه حتى يكون لك دورا في صناعة كاتب حديث عهد بالقصة والرواية
وفققك الله وسددك ونفعنا بك
محبك

وليد عارف الرشيد
19-04-2012, 03:52 PM
لا أزيد على ما تفضل به من قبلي من الأساتذة سوى أن لك لغة مدهشة وأجواء شاعرية شعرية خاصة
أنوه لبعض هنات سببها استعجال في الطباعة وبعضها إملائي مثل تلألؤ وسقوط بعض الحروف .
رائعة قصتك مغرية بالعودة
مرحبًا بك مبدعنا في واحتك
مودتي وتقديري كما يليق

هائل سعيد الصرمي
19-04-2012, 11:14 PM
أشكرك أستاذ وليد على مرورك وملاحظاتك وأتشرف بهذه الشهادة من أستاذ قدير وناقد كبير وأضعها تاج على رأسي
لك تقديري واحترامي
جمعة مباركة

آمال المصري
22-04-2012, 04:07 PM
أصفق لتلك القدرة الفائقة لترويض الحرف لتغدق علينا بهذا الانهمار السردي الشاعري الموفق
قرأت الفصل الأول وأبهرني الأسلوب وروعة الحكي وحبكة النص ولي عودة لقراءة الفصل الثاني
هل نقول في السطح أم على السطح ؟
مرحبا بك شاعرنا بواحتك
تحاياي

هائل سعيد الصرمي
23-04-2012, 01:07 PM
أشكرك أستاذة آمال المصري على مرورك وشهادتك التي أعتز بها وأتشرف
لك كل التقدير والإمتنان وبانتظار ريك في الفصل الثاني

هائل سعيد الصرمي
24-04-2012, 09:14 AM
إذا كان التطويل مخل فأرجو تنبهي لذلك فلعله هو من صرفكم عن الإطلاع وتعليق الرأي

هائل سعيد الصرمي
26-04-2012, 07:55 PM
جعلتها قصصا كل قصة نسيج وحدها

هائل سعيد الصرمي
29-04-2012, 06:25 AM
كاملة بدرانة شكرا جعلت النثر محور اهتمامك

هائل سعيد الصرمي
29-04-2012, 06:27 AM
إذا كان التطويل مخل فأرجو تنبهي لذلك

محمد عبد القادر
01-05-2012, 11:21 PM
الكاتب و الشاعر العزيز
هى نصيحة قارىء فى محل الفضفضة
لا أكثر
فى بداية كتاباتك القصصية
احرص على أن تقرأ و تقرأ و تقرأ .. إلخ
لكى تكت مرة واحدة فى كل مرة
فالقصة بجانب اللغة
- و انت ما شاء الله متميز فى استخدام المفردات -
هى عدة عوامل أخرى لا تأتى بطول التجربة فحسب
فأرى من الصعب أن تسلك طريق القصة من عدة فصول
إنما ركز على الإختصار و التكثيف قدر المستطاع
لذا داوم بالقراءة و الملاحظة و من ثم التجربة
كما أنصحك بقراءة النقد القصصى لكثير من نقادنا العرب
بإذن الله ستصل إلى ما تريد
تحياتى الخالصة
و
إلى لقاء

هائل سعيد الصرمي
04-05-2012, 11:39 PM
أحسن ما سمعت من نصح
بارك الله فيك أخي الغالي
وسأعمل إن شاء الله بنصيحتك ما استطعت إلى ذلك
شكر الله لك مرورك ونصيحتك الرصينة الثمينة
دمت بخير

هائل سعيد الصرمي
04-05-2012, 11:47 PM
كنت أتمنى بأن تنقد الفصل الثاني و تضع يدك على مواطن الأخفاق على الأقل
لكن كما تشاء

هائل سعيد الصرمي
05-05-2012, 05:59 AM
شكرا لك دوام في انتظارك

هائل سعيد الصرمي
07-05-2012, 02:45 AM
مختصر الفصل الثاني
ما إن وصلتُ مشارف ربوعها حتى انتعشتْ روحي من جديد, كأن لم يكن بي وعثاءُ سفر, ولا إجهاد سهر, بهرتني بسحر أضوائها الزاهية , وشوارعها الباهية, وهدوئها الباعث على الطمأنينة والسكينة., كانت مستلقية وصدر البحر يحتضنها من جهة الغرب و ذراعيه تمتد إلى شمالها وجنوبها فكأنه يضمها إلى صدره!! ..
اتجهتُ غربا نحو البحر طالبا منزلا مطلا على شطه الفينان... لصديق كريم أوقفها لتكون منتجعا لضيوفه, ومتنزها لأصدقائه الوافدين من مدنٍ أخرى.. كان المنزل فارغا عندما وصلته , إلا من حارس نظر إلى وجهي متفحصا فلمَّا عرفني ابتسم وتهلل وجهه وبادرني بالعناق الحار وأخذ أمتعتي وصعد بي نحو غرفة كأنها من جنان الخلد , مزودة بكل ما يبعث على الراحة , والمتعة , من تكييف بارد, وفُرُشٍ ناعمة , وبطائن وثيرة !.
سألته عن حاله , وشكرته على حفاوته وكرم استقباله , ابتسم ابتسامة دلتْ على انبساطه وسروره , ثم قال: وهو يضع أغراضي على منضدةٍ قريبة منه , هذا واجبي وأنت صديقٌ مقربٌ لمحمد, و قد أوصانا بك مراراً , فهذا منزلك في أي وقت تشاء ولك أن تحط رحلك فيه كلما وصلت هذه المدينة.
ــ وأين محمد؟
ـ مسافر خارج الوطن .
ـ كم أنا مشتاق إليه..
ــ سأدعك تستريح , وإذا احتجت شيئاً , أرفع سماعة الهاتف واضغط هذا الزر وأشار بأصبعه عليه .
ـ فهززت رأسي بالموافقة وقلت له تصبح على خير.
ـ تناول الباب على استحياءٍ وانصرف بهدوء.
خلعتُ ملابسي وتخففتُ من حملٍ كان يثقلني رغم خفتهَ ؛ فقد شعرتُ بشيء يجذبني نحو السرير كما تجذب الأرض الشهب عند تفلُّتِها من زمام مدارها المتزن.
ألقيتُ بنفسي دون مبالاةٍ فيه, وما إن استرحتُ قليلا, حتى استنهضني فجأة نور عجيب ساطع لم أشاهد مثله في حياتي شعرت وكأني أطير سابحا في فضائه كان مدهشا عندما مرَّ بنوافذ الغرفة المطلة على البحر وقد تلألأ وأضاء كل مكان كالبرق عند كثافة الغيم وقبل نزول المطر, ولا غيم ولا مطر , فنحن في بداية الصيف , إذاً فماذا يا ترى هذا الذي رأيت؟!! ربما نورُ مَلكٍ من ملائكة السماء ذاهبٌ في مهمة عاجلة , وما أكثر مهماتهم في الليل والنهار , فهم كثيرون والسماء تئطُّ بهم كما تئط المدن المزدحمة بالبشر الغادين في أسواقها والعائدين منها.
ولكن الملائكة لا يتمثلون إلا لحاجة ولا يشاهدهم البشر إلا لحكمة, لكني لم أنسَ تلك الصورة العجيبة التي شاهدتها منشورةً على صفحات النت , عبارة عن شكل من نور لم أشاهد مثله على الأرض قط , مَلك باسط ذراعيه فوق ظهر الكعبة وقد كُتب تحت الصورة أنها التقطت في ليلة القدر احدى ليالي العشر الأواخر من رمضان, يومها تسألت: هل تقنية الكاميرات مزودة بالأشعة الحمراء أو فوق البنفسجية , فتكشف لنا الصورة مالا نراه بالعين المجردة؟ !!.لا أدري!!.
أظنه لن يخرج عن ثلاثة أشياء برقٌ لامع أو نور ملك ساطع أو شُهُبٍ وما أكثرها.
إذا لعلها ومضةُ شهاب من الشهب مرَّ من أمام النافذة , يلاحق طريدته التي تحاول الفرار منه بالاحتماء بالأرض , والشهب غالبا تتحاشى الأرض كي لا تصطدم بها إلا ما ندر , فكأن الطريدة من الشياطين أرادتْ أن تحتمي بالأرض كما تفعل دائما لكن الشهب لم يلتفت عنها وينصرف هذه المرة , بل تجاوز حدودهُ واستمر في تتبع فريسته , دون اكتراثٍ بتبعات هذا التجاوز, وما يترتب عليه من أضرار.
ثم قلت: مالي ولهذا فما الذي سأجني من معرفة تلك الومضة وقد تعلمنا بأن الخوض فيما لا ينفعنا ولا ينبني عليه عمل .. نوع من التكلف الذي نُهينا عنه شرعا , ومن ذلك الأمور الغيبية كقيام الساعة , والدجال , والمسيح , والدابة , وغيرها كثير, وهذه الومضة تعد من ذلك , فما الذي دفعني اليوم للدخول في هذه السفسطة التي لا فائدة منها غير مضيعة الوقت؟! عندها أدركت أن هذا ربما بسبب السهر.. علي أن أتوجه إلى النوم.
ألقيتُ نظرة من النافذة قبل أن أغادرها , ورحلتُ في عالم آخر من السبح في ملكوت الله والذهول في بدائع صنعه...بعيدا عما كنت أفكر فيه ولا طائل منه, رأيتُ عظمة الله الواحد الأحد في آياته المبثوثة التي تبدو لي من رهبة الليل وهو مُسدلاً رداءه الأسود على البحر الممتد بلا طرفٍ يُرى, والفضاء المترامي بلا حدود ولانهاية, يا لعظمة البحر, وسعة الفضاء.. ما مقدار هذه العظمة أمام عظمة الله الخالق.. الذي فطر كل شيء بحكمة موزونة, وكأني أرى الرحابة في الأفق لأول مرة وأرى من خلالها سعة قدرة الله التي لانهاية لها.
تملكني الذهول واحتوتني الدهشة. ما هذا الليل الموحش الذي يلف بثوب سواده الرهيب كل شيء , ها هو قابض بسواده الداكن على البر والبحر والفضاء, فلا ينفلت منه ولا يندُّ عنه شيء.. لقد بدا لي وأنا أنظر إلى غورهِ الرهيب منظرا مدهشا بديعا بالغ الروعة إنه منظر الجلال والهيبة والعظمة لله الذي أجدني أنجذبُ إلى سبحاته, !!.
كنت مستمتعا شاردا بكل هذه الخواطر الجميلة.. انتبهت من شرودي على هدير الأمواج وهي تتلاطم !!. وكان العناء قد بلغ بي مبلغه فلم يتحْ لي فرصة كي أطيل , فخلدت للنوم وأنا أفكر في المنظر البديع.
قطعتْ حبالَ أفكاري موجاتُ النعاس وسرعان ما أحاطت بي من كل اتجاه, وانسدل الستار وأقفلتْ العينان المنهكتان أبوابهما , وذهبتُ في نوم عميق...ما أيقظني منه إلا أذان الفجر في ندائه الأخير للصلاة.
وبعد أن أديتُ صلاتي... احترتُ وترددتُ بين أن أخلع جلباب النعاس عني أو أُسْفرُ مع إسفارة خيوط الفجر التي بدأتْ تتسلل من ثنايا الأفق, وينثال بريقُ شعاعها الخفيف مُطارداً بقايا الليل المتثاقل لتحل محله , فقد حان موعد نوبة النهار واستلام دوره.
ـ لن أؤثر النوم على متعة انبلاج الفجر بين يدي البحر وأمواجه , فما أحلى جمال الصبح وهو يتنفس, خصوصا في هذا المكان بالذات, حيث تجتمع فيه كل ألوان الجمال الرباني والإبداع الإلهي.
حملتُ نفسي بقوة وهي تتثاقل إلى الأرض تريد النوم : ها هو يتنفس ويعانق كل شيء هيا لعناق أنسامه و عذب هوائه ,و لنستمتعُ بجمال أفيائه , وحلو منظره وبهائه.
خرجتُ من فوري وقد ارتديت ملابسي وصففت شعري دون أن أعتني كما ينبغي بهندامي , ولم أتمكن من تبيض أسناني وتلميع حذائي .
دفعني العجل كي أدرك متعة مشاهدة الإيلاج بين البياض والسواد وأصافح أنامل خيوط الفجر البيضاء المخضبة ببقايا الليل قبل أن يلج النهار فيه ويغادر.
وصلتُ الشاطئ , وأخذتُ مكاني في مقدمة فناء مطعم الروبين المطل على البحر من جهة الساحل الشمالي وتناولت الإفطار هناك وكان إفطارا شهيا ـ سمك طازج وجبن طري ـ أتشوق إليه كلما هبت رياحي على شط هذه المدينة الساحرة.
كان النشاط يَفيضُ بي كما يفيض الموج حال ثورة البحر وعنفوانه, أخذتُ جولة لا بأس بها حتى بَسَطَتْ الشمسُ رداءها ووزَّعتْ خيوط ضوئها على البحر والسهل, والرابيةِ والتل , كما يوزع البنفسجُ أريجه عند تَفتق براعمهِ وتبسم أزهاره
وبينما أنا أشتم رائحة البحر وأغسلُ قدمييَّ بزفراتِ أمواجه وهي تنقل الزبدَ إلى حافة شطه ذهاباً وإيابا ,رنَّ جرسُ الهاتفِ.
كان المتصل صديقي ماجد , تواعدنا ثم التقينا على شوق ولهفة , الفرح يغمرنا والسرور يظلنا.. أرادني ـ كريما عليه ـ في داره , فأبيتُ عليه ذلك , وقلتُ وأنا أشْبِّعُ ناظريَّ بطلعته البهية ومحياهُ المشرق , كيف نترك هذا النسيم العليل والإشراق الجميل, ونُحاصر بجدران منزلك, تخير لنا مكانا شاعريا يشاركنا فرحة لقائنا.
وفي زاوية من حديقة عامة , كانت قريبة من منزله قعدنا نحتسي القهوة وتبادلنا شجي الحديث ـ الممتزج بعواطف الإخاء المتجرد من كل مطمعْ ـ عَلَّنا نطفئ ظمأ الأشواق المتأجِّجة من طول الفرقة وشدة اللوعة...وبعد حديث الوداد و المؤانسة , هبتْ رياح الجد.
ـ ماجد.
ـ لبيك كريم.
ـ ما يخص المشروع الذي اتفقنا عليه ماذا صنعت؟!.
استرجع قليلا و قد تعكرت بشاشته كأنما نكأت له جُرحا كاد يندمل , وقال: أنا لم أجد من يتحمس للمساهمة ـ من أصدقائي وأقربائي ــ ..رغم أنني عرضتُه مُغْرياً بأرباحه , ومُبالغاً بنجاحه , ولكن دون جدوى فلا حياة لمن أنادي , كأني أنفخُ في الرماد أو أتسلق الفضاء.
و بُحَّ الصَّوت مني وأنا أدعو ولكن المسامع في انسدادِ.
ثم استرسل قائلا: أسعار المواد الخام هذه الأيام مرتفعة , هل ترى أن نبدأ بالمبلغ الذي معك سَلِّمني المبلع وأنا سأتصرف.
فاجأني بفكرته الجديدة فلم تكن مدرجة في أروقة اتفاقنا السابق ولا دهاليز أفكارنا ...قلت له: نتروى ولا نتعجل, ونعيد النظر كي نضع أقدامنا على أرض صلبة لا رخوة فيها.
ـ مازحته وضاحكته وعُدتُ مهموماً مثقل الخطى إلى مقر إقامتي بعد أن استأذنته بالانصراف ووعدته بقبولي استضافته يوم غد ؛ فقد كان ملحا على أن نبقى معا
تجاذبتني الحيرة, وتهتُ في شوارع أفكاري!! بين طريقين , طريق الواقع وطريقُ الدافع!! بحثا عن مرفئ يرسو عليه قراري وتستقرُّ عليه أفكاري: هل أمضي في المشروع أم أنصرف عنه؟...
فالواقع منكسر, وتربة الاستثمار غير خصبة , وظروف متقلبة وأسعار غير مستقرة , وأناس ينهش بعضهم بعضا كما تنهش الوحوش الجائعة فرائسها..
ودافع المد والجزر من أجل البقاء.. في بساتين الحياة الطيبة وحدائق العيش الكريم ؛ لنجني زنابق العزة , و فواكه الكرامة , تحت مظلة العفة.. بعيدا عن وحل الذل, ومستنقع الفاقة.. وبعيدا عن أرصفة البطالة وغرف الخمول وأسرَّة الدعة...فعلى أي شط أرسو والأمواج من حولي عاتية وذاكرتي تستدعي صور الإشراق والإخفاق فأحلق حينا وأخفت حينا آخر.
اروي كي أجمع أشتاتي وأفيض لأمنع عبراتي
وأبـــوح لأصنع تاريخا للجيل الحاضر والآتــي
اروي يا ذاكرتي الحرى قصصا ثكلا وحكاياتي
اروي الآلام معطـــرة بعبير النصر وغاياتي
أروي أحلاما لم تكبـر فــي وادٍ مصفــر شـات
عن نبتٍ أبدا لا ينمو في صحراء القحط العات
اروي كي تبعثني فكراً وتبلسم كل جراحـــاتي
ظلت الخواطر تتطاير, كأسرب القطا في أزقة فكري ومستودعات خلدي ..ومازالتْ صفقة جارنا الحاج محمد, محفورة في ذاكرتي كما يحفر الماء الصخر!!. فبمجرد وصول بضاعته... خفَّض المورد المحتكر نبهان أسعارهُ بأقل من تكلفة شرائه ؛ كي يصيبه بمقتل ؛ ويئدُ طموحهُ إلى الأبد, وتم له ما أراد ؛ كسدتْ بضاعته وخاب فأله, وظل يعرضها حتى انتهى تاريخ صلاحيتها , وتم إتلافها في محرقة الاحتكار والجشع , جوار سوق من لا يردعه ضميرْ ولا وازع من دينْ, أتلفتها الأنانية ونيران الأطماع ...ومعها آمال الحاج محمد وأحلامه..
ثم التقطتْ كاميرة ذاكرتي صور الأحداث المدهشة ,لتجارة حامد ورفاقه في مشروعهم الغامض الذي أقيم على الأرض ثم أعرج به إلى السماء محمولا على أكتاف المعصرات, تهودجه الرياح من اليمين إلى اليسار, وترمقه العيون المتكئة على الثقة فتصمتُ ولا تلقي له بالاً ؛ كأنها لا تخشى عليه السقوط السحيق الذي سيفتته ويمزقه بمجرد ارتطامه بالأرض!!.
استغرقني ؛لأنه أشد وُعُورةً ,وأصعبُ لمَّا , وفيه عجائب , لا تنتهي يحتاج العقل إلى تأملها والوقوف مليا عندها...أرجو أن لا يطول وقوفي عنده كثيرا...اروي يا ذاكرتي فقد شوقتني لمعرفة تفاصيله.
لم تسعفني ذاكرتي فقد بلغ بي الجوع مبلغه , لم أشعر إلا وعصافير أمعائي تتضور جوعا وتطلب مُستغيثة , ما يسدُّ خلَّتها , ويُشبعُ فاقتها, فقد تناسيتها ـ في زحمة أسواق شرودي , أخذني الذهول وأنا أفتش بين كومةِ صوَرِ الرواية المعروضةِ في دكاكين الذاكرة , عن أسرارها وألغازها...فما يزال بها مغاليق لم تفك!! وعقد لم أجد لها تفسيرا...إنها من غرائب الدهر وتصاريف القدر...سأستعرضها كأنها لأول مرة , بعد أن أروي ظمئي وأسدُّ رمقي...
تناولت بعض الفواكه والمشروبات التي كُنت قد أحضرتها من بقالة مررتُ بها , سكن جوعي وهدأتْ عصافير بطني وعُدتُ إلى تلك الأسواق مطالبا ذاكرتي بمزيد من العرض قائلا لها:
هيا يا ذاكرتي اروي قُصِّي لي اروي أحلامي الثكلى واحكي لي
اروي باسم الله معاني الحب قصي أول مشروع معلــــولِ
قصي سيرة أصحابٍ قد ختلوا لا تخفي عني مــا لا يبدو لــي
كانوا ثلاثة أصدقاء يضرب بصداقتهم المثل الأعلى , قلما يفترقون عن بعضهم , يتفادون بالأرواح من شدة الحب... في الصباح يذهبون إلى مؤسستهم العملاقة التي يعملون بها , وفي المساء يتسامرون , و يلعبون النرد والشطرنج بين يدي مباريات كرة القدم...وهكذا مرت سنين من عمرهم على هذا الحال في محبة وانسجام وصداقة ووئام ..حتى ..

خطي يا أقلام الروح معاني الحب العذب وثوري
شقي دربا في الآفاق الآن وطيري
دُكِّي جُدَرَ الصَّمتِ ومدي في رحمِ الآفاقِ جسوري
يا عمر الحلم المأمولِ بأيام نشاطي وفتوري
يا نبض الإشراق الحر ويا نبض هناءٍ وسرورِ
اروي من ذاكرةِ التاريخ حياة الحلم المطمور
وحياة الحب إذا أصبح كالمخمور وكالمغرور
فيضي خاطرةً ذاكرةً
في وجدان الكون أنيري
ثوري في وجه الكلمات وفي وجه السكنات
وفي وجه المكر المقهور

هائل سعيد الصرمي
23-05-2012, 06:37 AM
العين تنظر والفؤاد يفيض

لانا عبد الستار
27-02-2013, 12:53 PM
فكرة وموضوع جميلين
وسبك رائع
أشكرك

هائل سعيد الصرمي
29-03-2013, 05:44 AM
شكر لك دوام أخي عبد الستار

هائل سعيد الصرمي
14-02-2014, 05:11 AM
تحياتي ودعائي لكل من أقاض بملاحظاتك وتعليقه

خلود محمد جمعة
16-02-2014, 11:20 PM
حديث الروح
حديث يرفرف عليه الحب وتحفه النوايا الصادقة والقلوب النقية
وقلم تحفه الروعة والرقي
بورك اليراع
مودتي وتقديري

هائل سعيد الصرمي
18-02-2014, 11:02 PM
شكرا لك خلود على مرورك وتعليقك الجمل

لا حرمنا من إطلا لتك

مودتي

ناديه محمد الجابي
30-06-2018, 06:26 PM
ممتعة كانت رحلتي هنا أتنقل بين جميل حرفك ورقيق حسك
لغة بديعة متينة سامقة، وتعابير جميلة حملت الفكرة العميقة على بساطتها وقد أجدت تصويرها
وسرد مشوق ومضمون هادف يمزج بين الوصف الدقيق والسرد القوي الممتع في قصة أدبية متميزة
لابد للقارئ أن يبهر بهذا المستوى اللغوي الراقي الذي لا ينسجه إلا كاتب مبدع
فهل لي أن أسأل .. أين بقية القصة؟؟
دمت قلما سامقا ـ ودام إبداعك متألقا.
:hat::0014::hat:

هائل سعيد الصرمي
02-07-2018, 09:08 PM
ممتعة كانت رحلتي هنا أتنقل بين جميل حرفك ورقيق حسك
لغة بديعة متينة سامقة، وتعابير جميلة حملت الفكرة العميقة على بساطتها وقد أجدت تصويرها
وسرد مشوق ومضمون هادف يمزج بين الوصف الدقيق والسرد القوي الممتع في قصة أدبية متميزة
لابد للقارئ أن يبهر بهذا المستوى اللغوي الراقي الذي لا ينسجه إلا كاتب مبدع
فهل لي أن أسأل .. أين بقية القصة؟؟
دمت قلما سامقا ـ ودام إبداعك متألقا.
:hat::0014::hat:
بارك الله فيك وجزيت خيرا على عذب بيانك وجميل كلماتك وحسن ظنك
التقدير لك بلا حدود والشكر بلا انقطاع

تحياتي ودعائي

وسنوافيك بالتتمة