تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : قبضة ملح



أمزيل عبد العزيز باشا
20-04-2012, 01:09 AM
صاح الصغار و زغردت النسوة، أخيرا وصلوا..
عشرات الاشخاص يزفونها في أهازيج من الموروث الضارب في الزمن الماضي و المعنى، بعضهم يمتطي بغلة و بعضهم يكز بعصاه حمارا يحمل صناديق خشبية مزركشة بلون أحمر، أما هي فتركب فرسا معية قريب لها. يقترب الموكب من الزقاق الضيق فيقف الجميع على مسافة من الصدفة.. عجوز هنا تصيح غناء و أخرى من أهل العريس ترد بأعقد من ذلك، يقصفن بكلمات تارة تمجد الحياة و تارة يحذرن من لياليها، تارة ينصحن الحضور الرفق بالعروسة و تارة يمجدن سيرتها بين قريناتها. ها هي المسكينة مغمضة القدر، تسدل على وجهها غطاء أحمر يعبق بحكايا الجدات، ربما كان على وجه مئات من قبلها، و على جبهتها وضعوا مرآة لا يرى الناظر إليها إلا نفسه.. هي أحجية لمن تطاول بشكه إليها، ترتدي جلباب رجل.
تنزل من فرسه وتخطو خطواتها إلى باب المستقبل، تلتف حولها نسوة العريس ليتسلمنها من أهلها.. تتجدد موجة جديدة من الأشعار المقطعة للقلب حينا و المقبلة على مباهج الحياة حينا. يتلصص جمهور القرويون على ثنايا جسدها الغارق في بياض الجلباب.
هل تعرج؟ لا ربما محدودبة الظهر.. نحيفة؟
تلك وشوشة على هامش المراسيم،و لا يحلو للعرس أن يمر بدونها.
ها هي ترمي بالمرآة أمام عتبة المنزل، نأدية للعادة التي لا تعرف مغزاها، وترفع رأسها إلى الأعلى ، فيرميها فارسها بقبضة تمر و بقبضة ملح.. انتعشي أيتها الرموز.
ترفع رجلها اليمنى لتدخل إلى البيت الجديد.. فتنهار من شدة اللاشيء وتفقد وعيها..
ها أنت تتزوجين، نعم سيقولون "تزوجت" ، ها أنت تنظرين إلى نفسك و أنت ساحة لانتصاراته الرجولية، وستزداد وثيرة الزغردة حتى المغيب، ها أنت تضعين وسام الشرف. ستنجبين منه و سيحتضنك، هذا الذي رماك بالملح سيكون ممتلكك إلى أن يحدودب ظهرك تعبا. أرأيت.. ألم أقل لك لا تقبلي به على بياض؟ كان يجب أن ترسلي ابن عمك ليستوضح أمره، لكي تعرفي شكله و مزاجه، لا داعي لكل ذلك.. أدخلي مغمضة العين فحظك من الحياة حذق..
ها أنت تستفيقين على وقع نحيب السكان، ما كان لك أن تشقي جنبك عليه، فلله ما أعطى ولله ما أخذ.. و البركة في خلفه، ما كان لك أن تعرفي مكانته في المنزل إذ ينهرك لأتفه الأسباب، إذ يتجاهلك وأنت تعاتبينه على إدمانه التدخين.. ها أنت بعد ربع قرن من الزوجية تشيعينه دمعا و ترشين ماء الورد على قبره، يغادرك كما جئته، مغطى الوجه و السكون يلفه.

وليد عارف الرشيد
20-04-2012, 12:27 PM
قصة جميلة بسردية ماتعة ولغة بسيطة مقنعة ومادة قصصية مهمة
القرية والعادات والزواج التقليدي مع التوشية السرد ببعض التفاصيل المهمة بتكثيف ودون إطالة أو حشو ونهاية فيها قفزة زمنية كبيرة
أعجبتني وسرتني القراءة فلك التحايا أيها المبدع الجميل
مرحبًا بك في واحتك واحة العطاء والخير
مودتي كما يليق وتقديري
همسة : تأدية - وتيرة

نعيمة محمد التاجر
20-04-2012, 03:30 PM
امزيل اثلجت صدري بسردك المترف وما حملته قصتك من رموز ذات دلالة بليغة
سلمت اناملك البديعة على ما جادت به من رقي فكر

خالد بناني
22-04-2012, 02:51 PM
لله درك يا رجل
نورت المنتدى بهكذا مشاركة وارفة متيعة
منذ البدء آمنت بك... وها أنت تأبى إلا أن تكون أنت أنت
مودتي

آمال المصري
22-04-2012, 06:54 PM
رائعة بما تحمل من رمزية
كانت السردية موفقة بحكبتها القصصية
حالة من الواقع تحدث في بعض المجتمعات
إجبار الفتاة على الزواج مغمضة العينين دون اختيار أو سؤال
وتكون النتيجة هو الشقاء
وخاتمة رائعة وفقت أخي في رسم معالمها
سلم الفكر والحرف
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

أمزيل عبد العزيز باشا
25-04-2012, 01:00 AM
بارك الله فيكم
وكم انا سعيد بملاحظاتكم، فعلى ضوئها تتبلور التجربة
هذه مودتي

لانا عبد الستار
20-02-2013, 01:32 AM
جميل
الانطباع الأول يتشكل عندما تشدك القصة
والثاني عندما تغدرها ولا زالت معك
وكانا في قصتك رائعين
أحسنت أمزيل
أشكرك

براءة الجودي
20-02-2013, 05:32 AM
هي عادة قديمة كان نادرا ماتُسأل الفتاة هل تريدين فلان أم لا ؟ وكأنه ليس حقا من حقوقها أن ترفض من لاتراه مناسبا لها , وربما نجد ذلك في هذا العصر وغن خف قليلا عن السابق
شكرا لقلمك

كاملة بدارنه
01-03-2013, 09:24 PM
ها أنت بعد ربع قرن من الزوجية تشيعينه دمعا و ترشين ماء الورد على قبره، يغادرك كما جئته، مغطى الوجه و السكون يلفه.

نهاية تتوقّعها من تساق كالنّعجة إلى مصيرها المجهول
قصّة رائعة السّرد ... صورة واقعيّة مرفقة بجمال الوصف
بوركت
تقديري وتحيّتي

ناديه محمد الجابي
02-03-2013, 10:59 AM
بحرف ساحر ماهر , وسرد هادئ ماتع
أنتقلنا ربع قرن في مقارنة بين دخولها بيته وهي عروس
مغمصة العينين لا تعرف ما ينتظرها , وهو يرشها بالملح كما العادات
وبين خروجه الأخير من البيت مغطي الوجه والسكون يلفه
وهي ترش قبره بماء الورد .
سلمت يداك .

ربيحة الرفاعي
05-04-2013, 12:09 AM
قد تهاوت يوم رحيله كما تهاوت يوم استلامها موقعها من بيته وحياته
قد تكون ردة الفعل لدى رؤيته محملّة بإيحاءات تشحن القارئ بايونات الرفض لهذا النسق وهذه الآلية في تزويج الفتيات، لكنها بتلك القفلة الموفقة للغاية تقول أن النهاية لم تكن كما أوحت السطور فقد انهارت لفراقه، وهذا دليل تعلّق وعظم إحساس بالفقد

قصة بديعة بسردها الشائق وجمال تصوير مشهدها
نلت بين سطورها حصة من متعة القراءة

دمت بألق

تحاياي

نداء غريب صبري
04-07-2013, 10:11 PM
و البركة في خلفه، ما كان لك أن تعرفي مكانته في المنزل إذ ينهرك لأتفه الأسباب، إذ يتجاهلك وأنت تعاتبينه على إدمانه التدخين.. ها أنت بعد ربع قرن من الزوجية تشيعينه دمعا و ترشين ماء الورد على قبره، يغادرك كما جئته، مغطى الوجه و السكون يلفه.

قصة جميلة جدا ومؤثرة جدا
سحرتني اللمسة الانسانية فيها

شكرا لك أخي

بوركت

د. سمير العمري
29-08-2013, 05:31 PM
نص معبر بأسلوب جيد جدا ولغة جيدة رغم بعض الهنات المتفرقة.

هذا الرصد للزواج التقليدي كان جيدا ومقنعا ولكن يتوجب علينا أن نؤكد أن فيه من التوفيق مثل ما فيه من عدم التوفيق ، بل والزواج الاختياري فيه مثل ما في التقليدي من احتمالات فالغيب لا يعلمه إلا الله تعالى.

تقديري

أمزيل عبد العزيز باشا
17-01-2017, 09:47 PM
شكرا للأعزاء على الملاحظات
دام هذا المجمع الأدبي ولا حرمنا الله من توجيهات الأعزاء:001: