تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : عاشوا لله



عبد الرحيم بيوم
06-05-2012, 10:51 PM
استلقيت لأريح جسدي المتعب، فأبى النوم أن يأخذ من العين مكانه، وأبت العين أن تسدل ستارها.
ففتحت جوالي لأسرق من الوقت قبل أن يسرقني، فالأنفاس معدودة موقوتة، واتجهت صوبا لصوت القارئ المعيقلي العذب، وفتحت سورة مريم، فقرأ:
بسم الله الرحمن الرحيم
كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9)
فأخذ مطلع السورة بمجامع نفسي، ومعاقد قلبي وفؤادي، وملأ هذا المقطع أركان مشاعري.
فانعقد لساني زمانا عن الحراك، وانبرت عيني لتعرب عن جليل المعاني، وعميق الأثر.
لقد استوقفني هذا المشهد مليا، فدارت عجلة حياة هذا النبي الكريم أمام ناظري، من أيام شبيبته إلى أن وهن عظمه واشتعل الرأس من شيبته، عاش كل ذاك الزمان مخلصا لرسالته، مصمدا لها كيانه كله، لم يلتفت لرغبته هو أو لحاجته، لا إرب من الدنيا يرنو إليه ويبتغيه، ولا زينة منها يريد أو لباسا يسعى ليرتديه، فلما بلغ منه طول السنين ما بلغ، ولاحت له علامات لقاء الحبيب، وجاءه النذير بقرب الرحيل، تذكر الولد، لا لأجله، ولا لأمنيته، ولا لشهوة نفسه ولذته، بل لوراثة النبوة والعلم، فبعد وفاته هو زمن يفكر له في حياته، فيريد استمرار ميراث الحق وميراث الفضل والرضا.
هنا انطلق حراك لساني مستخلصا للعبرة: "عاشوا لله".
نعم، هم قوم عاشوا لله، فهلا اقتفينا آثارهم وخطونا بخطوهم فنعيش لله؟ هل نحن على دربهم وهديهم؟
هل إذا كتبنا نكتب لله؟ أم هل أمنياتنا وآمالنا لله؟
هل إذا أحببنا نحب لله؟ وهل تمعر وجهنا يوما لله؟
هل نسعى لنحيا أي حياة، أم نتلمس ساعين نحو الحياة لله؟
في زمن عاش الناس فيه لملذات وشهوات، عاشوا للدرهم والدينار عبيدا لرغبات شتى ونزوات، عاشوا لصورة الشرف والمناصب والمكانة الدنيوية، عاشوا ليقال فلان كذا وكذا من ألقاب فخرية شرفية، عاشوا وأبصارهم لا تعدوا مواضع أقدامهم، زمن عاش الناس فيه لغير الله غمر حياتهم، فهل نعيش نحن فيه لله؟
إن العيش لله معنى عميق الجذور في مفهوم الإسلام، معنى يسمو عن الإنحصار في الصور المعدودة، العيش لله لا يرضى إلا باحتواء الكيان حركة وسكونا، وتلك غاية الخلق ومعنى العبودية للحق.
أفلا نعيش لله؟!

وفي انتظار توجيهات اساتذتي الكرام وملاحظاتهم

وليد عارف الرشيد
09-05-2012, 12:37 AM
رائع أنت يا صديقي ... جزاك الله خيرا وجعل هذا الموضوع النافع الماتع في دفتر حسناتك ... ما أروع قلبك النقي الطاهر
عبرة في كل قصص الأنبياء التقطتها هنا من قصة سيدنا زكريا عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم بقلبك التقي وصغتها لنا بأسلوب جميل رصين مؤثر ... بوركت
اللهم اجعلنا ممن يخلصون العمل لله
محبتي وكثير تقديري

بشرى العلوي الاسماعيلي
09-05-2012, 02:48 PM
الأخ الفاضل عبد الرحيم
اسلوب مميز وجمال فريد
لغتك راقية مرهفة و مبدعة
تتحسس الواقع وترسمه على أمل فجر جديد
دمت جميلا بإيمانك القوي
وثبتك الله
وجزاك كل الخير على هذا الموضوع القيم

سامية الحربي
09-05-2012, 03:35 PM
ما أجمل العيش لله .صورت معنى عظيمًا سامقًا طيبًا بلغة رصينةٍ هادفة فبورك هذا المداد وبورك صاحبه وجعل ما كتبت في موازين حسناتك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

ربيحة الرفاعي
10-05-2012, 01:28 AM
نص هادف بنفس يحكي التزاما وحسا إنسانيا وإيمانيا راقيا وروحا نديّة شفيفة

جزاك الله خيرا أيها الكريم ولا حرمك أجره

تحيتي

آمال المصري
10-05-2012, 07:57 PM
راقي حضورك أخي الفاضل
ونفس طيبة ترتجي الخير
وحرف رصين في قالب أدبي مائز
دمت بروعة وألق
تحاياي

أحمد رامي
11-05-2012, 01:36 AM
نص ماتع يانع نافع
راق لي
و أنست به

جوزيت خيرا جزيلا و نفع بك .

لطيفة أسير
11-05-2012, 11:26 AM
قال ربنا عز وجل : " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين "
فالواجب أن نوجه كل أعمالنا الدينية والدنيوية لله ، وأن نحيا مع الله ، وفي سبيل الله ، ومن أمرنا بذلك يعلم حقيقة هذه الأنفس
وأنها لن تظفر بالسعادة إلا إذا ارتبطت بربها وخالقها ومدبر أمرها.
ليتنا نعي هذه الحقيقة فنعيش لله كما عاش الصالحون لله
أكرمكم الله وجزاكم خير الجزاء أستاذي الكريم عبد الرحيم صابر
موضوع قيم ومفيد.
خالص تحيتي وتقديري

كتبت يوما خاطرة في نفس السياق " في كنف العزيز "
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=57053

فاطمه عبد القادر
11-05-2012, 12:45 PM
إن العيش لله معنى عميق الجذور في مفهوم الإسلام، معنى يسمو عن الإنحصار في الصور المعدودة، العيش لله لا يرضى إلا باحتواء الكيان حركة وسكونا، وتلك غاية الخلق ومعنى العبودية للحق.
أفلا نعيش لله؟!


السلام عليكم أخي العزيز عبد الرحيم صابر
نصك هادف يا صديقي ,قوي رغم سلاسته ,جميل اللغة ,رزين
تبت يده وتب قلبه من نسي الله ,وتبع الدنيا بكليته ,يبيح أذيّة الخلق لنفسه من أجل الكسب الحرام الذي سيذهب هو وأهله
طبعا ,,لا نستطيع أن ننكر أن الدنيا لها طلبات كثيرة ,ومن غير المال تُستباح الكرامة
ولكن شتان ما بين الرزق الحلال الزلال رغم قلته ,وما بين الحرام على كثرته
لن تُباع كرامة المؤمن ,وضميره ,ونبل خلقه بكل مال الدنيا
وثروة الدنيا رغيف ورداء كما قال أحد الفلاسفة الكبار
شكرا لحضورك الجميل
ماسة

ربيع بن المدني السملالي
11-05-2012, 01:42 PM
الأخ الكريم عبد الرحيم بارك الله فيك وجزاك خيرا على هذا النّص الهادف الجميل سُررت بمصافحتي لهذه الصّفحة ...
شكرا لك
دمت بألق دوماً
تحيتي وتقديري

عبد الرحيم بيوم
11-05-2012, 02:19 PM
شكرا لكل من عطر صفحتي بتعليقه
استاذي الفاضل المحترم وليد الرشيد
واخوتي الكرام غصن واحمد وربيع
واخواتي الكريمات بشرى وربيحة وامال وبلابل وفاطمة
وحياكم ربي في طاعته جميعا