تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لمحات نقدية



احمد خلف
25-05-2012, 12:38 PM
السيدات والسادة أعضاء الواحة الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حبا وتشجيعاً للنقد البناء .أوردُ نماذج نقدية في هذه الزاوية لمن سبق من الأدباء والشعراء
وطريقتهم وتقبلهم للنقد من أجل الوصول لما هو أفضل
أقول علنا نحاكي بعض ما قدموه ونقتبس المفيد منهم
فإليكم ما يلي:
( أورد المرزباني في نور القبس ، قال محمد بن سلام:
ذاكرت معاوية بن أبي عمرو ببيت جرير:من الوافر " :
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
وقلت: أين هو من بيت الأخطل " من البسيط " :
شمس العداوة حتى يستقاد لهم ... وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا
فقال: بيت جرير أسهل وأيسر، وبيت الأخطل أجود وأحكم.
- قال الصولي: بيت الأخطل عند من يفهم الشعر وينقده أحسن وأجود قسمة لأن قوله " شمس العداوة حتى يستقاد لهم " قسمة حسنة قائمة بنفسها، ثم قال " وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا " فقابل ورتب وقسَّم؛
وبيت جرير: " الستم خير من ركب المطايا " هو إلى ههنا كالكلام الفارغ، وإنما يستحسن " بطون راح )
فتفكروا يا رعاكم الله

احمد خلف
25-05-2012, 12:57 PM
قال مسعود بن بشر الأزدي.: قلت بمكة لابن مناذر: من أشعر الناس؟

قال: من إذا شبب لعب، وإذا جد جد.
قلت: مثل من؟ قال: مثل جرير حيث يقول:

إنَّ الذين غدوا بقلبكَ غادروا **وشلاً بعينكَ لا يزالُ معينا
غيضنَ من عبراتهنَّ، وقلنَ لي**ماذا لقيتَ من الهوى، ولقينا
ثم قال حين جد:
إن الذي حرمَ الخلافةَ تغلباً**جعلَ الخلافةَ والنبوةَ فينا
هذا ابنُ عمي في دمشقَ خليفةٌ **لو شئتُ ساقكمُ إلي قطينا
فيروى عن الوليد أنه قال: لو قال جرير: لو شاء لفعلت، ولكن جعلني شرطياً له.

عن المذاكرة في ألقاب الشعراء للنشابي الإربلي
وسعى بنا واش فقالوا إنها ** لهي التي تشقى بها وتكابد

فجحدتهم ليكون غيرك ظنهم ** إني ليعجبني المحب الجاحد
لعباس بن الأحنف
إن لهذين البيتين نكتة لطيفة تؤيد تأكيد انسجامهما وعذوبة ألفاظهما
وهي أنه رفع للرشيد موت العباس وإبراهيم الموصلي المعروف بالنديم والكسائي وهشيمة الخمارة

في يوم واحد فأمر المأمون أن يصلى عليهم
فخرج فصفوا بين يديه فقال من الأول فقالوا إبراهيم الموصلي
فقال أخروه وقدموا العباس بن الأحنف
فقدم وصلى عليه فلما فرغ وانصرف دنا منه هاشم بن عبد الله الخزاعي
فقال يا سيدي كيف آثرت العباس بالتقديم على من حضر
فقال بقوله وسعى بنا واش
البيتين ثم قال أتحفظهما فقلت نعم
فقال أليس من قال هذا الشعر أولى بالتقديم فقلت بلى والله يا سيدي .
عن خزانة الأدب لابن حجة الحموي

ربيحة الرفاعي
26-05-2012, 12:53 AM
قد اخترت فأبدعت
وأردت إيصال عبرة ففعلت

وما أجمل أن نقرأ فنحسن القراءة ونعي ما يقال
وأن نتقبل الرأي فيما نقول

لفيض علمك باقات ورد

ولك تحايانا

صفاء الزرقان
28-05-2012, 11:52 AM
السيدات والسادة أعضاء الواحة الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حبا وتشجيعاً للنقد البناء .أوردُ نماذج نقدية في هذه الزاوية لمن سبق من الأدباء والشعراء
وطريقتهم وتقبلهم للنقد من أجل الوصول لما هو أفضل
أقول علنا نحاكي بعض ما قدموه ونقتبس المفيد منهم

استاذ أحمد بوركت جهودك في النقل و الاختيار البديع

الذي يحمل فائدة و قيمة و جمالاً

تحيتي و تقديري

احمد خلف
06-06-2012, 11:52 AM
الآمدي وحبيبة أبي تمام الملطومة :

كان الحسن بن بشر الآمدي(صاحب كتاب الموازنة) يتضجر كثيرًا من استعارات أبي تمام الخارجة عن عمود الشعر.
وقد وصل به هذا الضجر مرة مداه مع قول أبي تمام في الغزل:
ملطومة بالورد أطلق طرفها *** في الخلق فهو مع المنون محكم
وقد علق الآمدي بقوله:
"ملطومة بالورد: يريد حمرة خدها؛ فلمَ لم يقل: مصفوعة بالقار ويريد سواد شعرها،
ومخبوطة بالشحم يريد امتلاء جسمها، ومضروبة بالقطن يريد بياضها "
ثم اشتد بالآمدي حنقه؛ فأمعن في البيت تجهيلا وتسفيها

احمد خلف
06-06-2012, 12:13 PM
نادرة طـَـرفة التي أصبحت مثلا :
كان الشاب القتيل طرفة بن العبد بحضرة بعض الملوك، والمتلمس ينشد شعرا، فيه:
وقد أتناسى الهمَّ عند احتضاره *** بناج ٍ عليه الصيعرية مُكدَم
فقال: (بناج ٍ)؛يعني فحلاً، و(الصيعرية)سمة في عنق الناقة لا الفحول
فقال طرفة:
(استنوق الجمل!)

احمد خلف
09-06-2012, 07:22 AM
ابن وكيع وعارض المتنبي :
مرّ ابن وكيع التنـّيسي، صاحب الكتاب الماتع: (المنصف)في إظهار سرقات أبي الطيب المتنبي،
ببيت أبي الطيب المشهور بتوالي الإضافات؛ وذلك قوله:
العارض الهتن ابن العارض الهتن ابن العارض الهتن ابن العارض الهتن
فما كان من ابن وكيع إلا أن مارس هوايته التهكمية الممزوجة بغير قليل من الفكاهة؛ فقال:
"لولا انتهاء القافية لمضى في العارض الهتن إلى آدم"
ومثله قول المتنبي :
ولا الضِّعفَ حَتّى يَتبَعَ الضِّعفَ ضِعفُهُ==ولا ضِعفَ ضِعفِ الضِّعفِ بَل مِثلهُ أَلفُ
قال الصاحب بن عباد:
"هذا البيت يصلح أن يكون مسألة في كتاب ديوفنطس" (ديوفنطس السكندري-صاحب كتاب في الجبر(صناعة الجبر)
يقصد تعقيده حتى صلح أن يكون مسألة من مسائل الرياضيات المعقدة والله أعلم)
والبيت الآخر:
عَظُمتَ فَلَمّا لَم تُكَلَّم مَهابَةً==تَواضَعتَ وهوَ العُظمُ عُظماً عَنِ العُظمِ
قال عنه الصاحب بن عباد : "هذا البيت يصلح أن يكون ناووسا في المقابر لكثرة ما فيه من العظام"
وللشعراء مثل هذا الكثير

نادية بوغرارة
09-06-2012, 04:40 PM
لمحات نقدية مختارة بعناية ،

بارك الله فيك يا أخي أحمد خلف .

في انتظار المزيد .

احمد خلف
10-06-2012, 03:41 AM
لمحات نقدية مختارة بعناية ،

بارك الله فيك يا أخي أحمد خلف .

في انتظار المزيد .

كل الشكر للأستاذة الشاعرة نادية لمرورها وتشريفنا بالتعليق الماتع
لا حرمنا الله من تواجدك معنا

نداء غريب صبري
10-06-2012, 03:58 AM
قد أحسنت اختيار اللمحات النقدية
ومنحتنا قراءة ممتعة

شكرا لك اخي الأديب أحمد خلف

بوركت

احمد خلف
12-06-2012, 07:26 AM
سمع ابن أبي عتيق عمر بن أبي ربيعة ينشد قوله :

بينَما يَنْعَتْنَني أبْصَرْنَنِي ... دونَ قِيدِ المِيلِ يَعْدُو بي الأغَرْ
قالتِ الكبرى أتَعْرِفْنَ الفَتَى ... قالتِ الوُسْطَى نعم هذا عمرْ
قالتِ الصغرى وقد تَيَّمْتُها ... قد عرفناه وهل يَخْفَى القمرْ
فقال له: أنت لم تنسب بها وإنما نسبت بنفسك كان ينبغي أن تقول
قلت لها فقالت لي فوضعت خدي فوطئت عليه.

احمد خلف
12-06-2012, 07:28 AM
شهد رجل عند قاض بشهادة، فقيل له: من يعرفك؟ قال: ابن أبي عتيق، فبعث إليه يسأله عنه فقال: عدل رضا.
فقيل له: أكنت تعرفه قبل اليوم؟! قال: لا ولكني سمعته ينشد:
غيضن من عبراتهن وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا
فعلمت أن هذا لا يرسخ إلا في قلب مؤمن فشهدت له بالعدالة
ابن أبي عتيق:
هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم توفي حوالي سنة 110 هـ
وهو صاحب ظرف ودعابة وصلاح وتقوى.

نداء غريب صبري
12-06-2012, 02:52 PM
أنشد المتلمس خال طرفة شعراً في حضرة الملك فقال :
وقد أتناسى الهم عند احتضاره
بناج عليه الصيعرية مكدم

فقال طرفة:
استنوق الجمل،
ومعناها صار الجمل ناقة أو يصيره ناقة
لأن الناج هو ذكر الجمل
والصيعريةللناقة وليست للجمل

فقال المتلمس معلقا: ويل لهذا من لسانه

وكان هلاك طرفة بلسانه حينما هجا عمرو بن هند فأمر بقتله.

مصطفى حمزة
13-06-2012, 06:55 AM
----------
أخي الأكرم الأستاذ أحمد
أسعد الله أوقاتك
جزاك الله الخير على هذه المقتطفات الأدبية الطريفة التي أمتعتنا بها .
هكذا بدأ النقد الأدبي لدينا : تعليقات قصيرة على معنى أو كلمة في البيت أو البيتين وبشكل عفوي ، قبل أن يظهر نقادٌ مختصون ، ويُصنفوا في النقد كتباً خاصة به ، ويضعوا له الأسس ، ويقعّدوا القواعد .
تحياتي وتقديري

احمد خلف
15-06-2012, 03:45 AM
قول النابغة:
رقاقَ النعال طيبٌ حجزاتهمْ ... يحيونَ بالريحان يومَ السباسبِ
يصونون أجساداً طويلاً نعيمها ... بخالصة الأردان خضر المناكب
تحييهم بيض الولائدِ بينهمْ ... وأكسيةُ الإضريجِ فوق المشاجب
هذا كله فاسد، لأن العامة والصعاليك يحيي بعضهم بعضاً في ذلك اليوم بالريحان.
والبيت الثاني فاسد، لأنه لا فضيلة في كونها ملونة، كل جانب منها لون.
والبيت الثالث فاسد لأنه لا يكون البيات إلا فوق المشجب، ولا يكون على غيره.

اعلم أن الفساد هو فساد المجادلة والمحاورة والتشبيه أو غير ذلك يقصده الشاعر،
مثل قول امرئ القيس:
كأنيَ لمْ أركبْ جواداً لغارةٍ ... ولم أتبطنْ كاعباً ذات خلخال
ولم أسبأ الزق الرويّ ولم أقلْ ... لخيلي كري كرةً بعد إجفال
قال النقاد: هذا فاسد، لأنه جعل الغزل مجاوراً للشجاعة في البيتين، والأجود مجاورة الشجاعة للشجاعة والغزل للغزل، فيقول:
كأني لمْ أركبْ جواداً ولم أقلْ ... لخيلي: كري كرةً بعد إجفالِ
ولم أسبأ الزقَّ الرويَّ للذةٍ ... ولم أتبطنْ كاعباً ذات خلخالِ
ومنه قول المتنبي:
وقفتَ، وما في الموتِ شكّ لواقفٍ ... كأنك في جفنِ الردى وهو نائم
تمر بكَ الأبطالُ كلمى هزيمةً ... ووجهك وضاحٌ وثغرك باسمُ
فقيل إن سيف الدولة قال للمتنبي: هذا فاسد المجاورة، لأنك أتيت بالتشبيه قبل ذكر المشبه،
والأجود أن تقول:
وقفتَ، وما في الموتِ شكّ لواقفٍ ... ووجهكَ وضاحٌ وثغرك باسمُ
تمر بكَ الأبطالُ كلمىَ هزيمةً ... كأنك في جفن الرددى وهو نائم
فقال المتنبي: أيد الله مولانا الأمير أن صح أن الذي استدرك على امرئ القيس هذا أعلم بالشعر منه فقد أخطأ امرؤ القيس وأخطأت أنإ
ومولانا يعلم أن الثوب لا يعرفه البزاز معرفة الحائك، لأن البزاز يعرف جملته، والحائك يعرف جملته وتفاريقه، لأنه هو الذي أخرجه من الغزلية إلى الثوبية،
وإنما قرن امرؤ القيس لذة النساء بلذة الركوب للصيد، وقرن السماحة في شراء الخمر للأضياف بالشجاعة في منازلة الأعداء.
وأنا لما ذكرت الموت أتبعته بذكر الردى وهو الموت ليجانسه، ولما كان الجريح المنهزم لا يخلو من أن يكون عبوساً وعينه من أن تكون باكية
قلت: ووجهك وضاح، وثغرك باسم، لأجمع بين الأضداد بالمعنى وإن لم يتسع اللفظ لجميعها،
فأعجب سيف بقوله، ووصله بخمسين دينار من دنانير الصلات قيمتها خمسمائة دينار.

احمد خلف
16-06-2012, 09:47 PM
ذكر عبد العزيز عتيق في كتابه "تاريخ النقد الأدبي عند العرب" عدة صور للنقد في الجاهلية، وهي على النحو التالي:
1. تناول اللفظ أو الصياغة، فيأخذ الناقد عدم تمكن الشاعر من دلالات الألفاظ،
ومثل ذلك ما أخذه طرفة على المسيب بن علس حين أعطى صفة الناقة "الصيعريّة" للجمل فقال: "استنوق الجمل":
وقد أتناسى الهمَّ عند احتضاره **** بناجٍ عليه الصيعريّة مكدَمِ
2. تناول المعنى، كقول الأعشى حين أخطأ في مدح الحاكم واعتبر عدم اختباره من المدائح مع أنها تضعف الحكم:
ونُبِّئتُ قيساً ولـم أبْلُـهُ كمــــ**ـــــــــا زعموا خيـرُ أهلِ اليمنْ
فجئتُكَ مُرتـادَ ما خَبَّروا ولـــــ**ــــــــولا الذي خَبَّروا لـم تَرَنْ3.
تناول الصورة الشعرية من حيث قدرة الشاعر على أدائها أو عدم قدرته،
ومن ذلك احتكام علقمة وامرئ القيس إلى زوجه أم جندب في أيهما الأشعَر:
"...احتكم مع امرئ القيس إلى زوجته أم جندب لتحكم بينهما،
فقالت: قولا شعراً تصفانِ فيه
الخيلَ على رويٍّ واحدٍ وقافيةٍ واحدة، فقال:
خليليَّ: مُرّا بي على أم جُندَبِ *** لنقضيَ حاجاتِ الفؤادِ المعذَّبِ
وقال علقمة:
ذهبتِ من الهجرانِ في كلّ! مذهبِ *** ولم يكُ حقاً كلُّ هذا التجنّبِ
ثم أنشداها جميعاً،
فقالت لامرئ القيس: علقمةُ أشعرُ منك.
قال: وكيف ذاك؟ قالت: لأنك قلت:
فَللسوطِ أُلهوبٌ ولِلساقِ دِرَّةٌ ** ولِلزَجرِ منه وقعُ أهوَجَ مِنْعَبِ
فجهِدتَ فرسكَ بسوطكَ ومَرَيتَهُ بِساقكَ.
وقال علقمة:
فأدرَكَهُـنَّ ثـانياً من عِنانه*** يَمُـرُّ كَمَـرِّ الرائحِ الـمُتَحَلّبِ
فأدرك طريدته وهو ثانٍ من عِنان فرسه، لم يضربه بسوط، ولا مراه بساق ولا زجره.
قال: ما هو بأشعر مني، ولكنك له وامقة
، فطلّقها، فخلف عليها علقمة فسُمّي بذلك الفَحل"

احمد خلف
19-06-2012, 05:13 AM
وكانوا .... قديماً يتخيرون قصائد بأعيانها، ويخلعون عليها ألقاباً تُجمِل رأيَ الناقد أو الحَكَم فيها.
وهو تَلقيب بعض القصائد بالجيدة وتفضيل الشعراء على غيرهم،
فإن الناقد يصغي ويحكم غير معلّل للحكم، بل متأثراً بذوقه الفطري.
ومن هذا النوع روى أبو عمر الشيباني أنّ عمرو بن الحارث الغساني أنشده علقمةُ بن عَبَدَة قصيدته:[/COLOR]
طَحَابِكَ قَلبٌ في الحِسانِ طَروبُ **** بُعَيْدَ الشَّبابِ عَصرَ حَانَ مَشيبُ
وأنشدهُ النابغة:
كِلينـي لِهَمِّ يا أميمـةَ نَاصبِ *** وَلَيلٍ أقاسيهِ بَطـيءَ الكَواكِبِ
وأنشدهُ حسّان قصيدتهُ:
أَسألتَ رسمَ الدارِ أم لَم تَسألِ**** بَين الجَوابِي فالبُضَيعِ فَـحَومَلِ
ففضلَ حساناً عليهما وعدها قصيدته "البَتّارة" لأنّها بترت غيرها من القصائد.

احمد خلف
20-06-2012, 04:47 PM
لقد سار نقد الشعر في العصر الاسلامي في ميدانين؛ الأول منهما بين الشعراء المسلمين وشعراء المشركين وفيه حكمَ القوم حتى الخصوم للمسلمين على المشركين.
والثاني يتمثل فيما كان بين حسان بن ثابت وسائر شعراء المسلمين،
فقد دان القوم بالتفوق لحسان لما كان له من قوة الشاعرية،
وقد فضله الرسول على غيره، فانتدبه ليدافع عن أعراض المسلمين
وبنى له منبراً في المسجد ينشد عليه أشعاره، وذلك لأنه أول وأفضل من وافق الرسول عليه الصلاة والسلام في موقفه من الشعر،
وهو الذي يقول:

وإنّما الشِّعرُ لـُبُ المَرءِ يَعرِضُهُ *** على المَجالِسِ إنْ كَيْساً وإن حَـمَقَا
وإنَّ أشعـَرَ بَيـتٍ أنتَ قائِلـُهُ *** لبَيتٌ يُقَالُ –إذا أنشَدتَهُ- صَدَقَـا
والشاعر عمر بن أبي ربيعة، نالَ في نقده أربعةٍ من معاصريه في صورة أحكام غير معللة؛
فيقول عن نُصَيب بن رَباح إنه أبرعهم في وصف النساء،
ويقول جميل بن مَعمَر إنه أحسنهم في مخاطبة النساء والحديث إليهن.
أما جرير فقد حكم له بأحكام غير معللة أكثر مرة، وأبرزها أنه أنسب الناس، وأنه وجد ما ضل عنه غيره،
وكان للفرزدق فيه قول كهذا.
ومن الأمثلة الواضحة على هذا النوع من النقد "أن سمع الفرزدق عمر بن أبي ربيعة ينشد قوله:
جَـر نـاصِحٌ بالوُدِّ بيني وبينها *** فَقَرَّ بَنـي يـومَ الحِصاب إلى قَتلي
ولمّا بلغَ قوله:
فَقُمْنَ وقد أفهَمنَ ذا الُّلبِّ أَنّما *** أتَيْنَ الذي يأتينَ من ذاك من أجلي
صاح الفرزدق: هذا والله الذي أرادته الشعراء، فأخطأته وبكت على الديار"

بالعودة إلى الاحكام من الشعراء الأربعة نجدها غير معللة بسبب، وهي تحتكم إلى الذوق، وتشبه إلى حدّ كبير ذاك النقد في العصرين الجاهلي وصدر الإسلام،
وقد كثر هذا النوع بين الشعراء،
فما يكاد يسمع شاعرٌ شاعراً آخر ينشد حتى يبدي رأيه فيما سمع دونَ تفكير وبحث، بل بالاعتماد على الذوق والفطرة.

احمد خلف
28-06-2012, 03:58 AM
، ومنه أن نقاد الحجاز في العصر الأموي أخذوا ينظرون في المفاضلات والموازنات الشعرية
إلى تنوّع القول في الأغراض الشعرية كإحدى المزايا التي تحسب للشاعر في ميزان النقد عند التفضيل،
وكذلك تطرقوا إلى الصدق الشعري في المعنى والعاطفة،
أو إلى الشعر الذي يوحيه العقل والمنطق والشعر الذي يوحيه القلب والعاطفة وتفضيل الثاني على الأول، ومن ذلك:
" أنشد كُثيّر ابنَ أبي عتيق كلمتهُ التي يقول فيها:
ولستُ بِراضٍ من خليلِ بنائلٍ قـليلٍ ولا أرضـى له بقليلِ
فقال له: هذا كلامُ مكافئٍ ليسَ بعاشق! القرشيان أصدق منك؛ ابنُ ربيعة حيث يقول:
ليتَ حظّي كَلحظة العينِ منها وكثيـرٌ منهـا القليل الـمُهَنّا
وقوله:
فَعِدي نائلاً وإنْ لـم تُنيلي إنـه يُقنِعُ الـمحبَّ الرجـاءُ
وان قيس الرقيات حيث يقول:
رُقَـيَّ بِعَيشكم لا تَهـجُرينا ومَنّينا الـمُنـى ثـمّ امـطُلينا
عِدينا فـي غدٍ ما شئتِ إنّا نُحبّ- وإن مطلتِ - الواعدينا
فـإمّا تُنجزي عِدَتـي وإمَّا نعيشُ بِـما نـؤمَّلُ مِنكِ حِينا"

احمد خلف
03-08-2012, 04:07 PM
من كتاب "المتنبي ..رسالة في الطريق إلى ثقافتنا" ص669-670:
وحدث محمد بن الحسن الخوارزمي قال: مررت بمحمد بن موسى الملقب بسيبويه الموسوس، وهو على مسجد عفان وهو يقول:
مدح الناس المتنبي حيث قال:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ** عدوا له ما من صداقته بد
ولو قال: ما من مداراته بد- لكان أجود وأحسن!
قال: واجتاز المتنبي بمسجد ابن عمر وبسيبويه الموسوس ، فوقف عليه وقال:
أيها الشيخ، كنت أحب أن أراك ! فقال له: رعاك الله وحياك !
فقال له : بلغني أنك أنكرت علي قولي:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ** عدوا له ما من صداقته بد
فما كان الصواب عندك؟
فقال له: إن الصداقة مشتقة من الصدق في المودة، ولا يسمى الصديق صديقا وهو كاذب في مودته؛ فالصداقة إذن ضد العداوة، ولا موقع لها في هذا الموضع.
ولو قلت : ما من مداراته بد، أو مداجاته، أو محاباته- لأصبت!
وهذا رجل منا ، وكنى عن نفسه قد قال:
أتاني في قميص اللاذ يسعى ** عدو لي يلقب بالحبيب
فقال المتنبي: مع هذا غيره؟
قال: نعم.
فقلت له: متى استعملت هذا ** لقد أقبلت في زي عجيب
فقال الشمس أهدت لي قميصا ** مليح اللون من نسج المغيب
فتبسم المتنبي وانصرف، وسيبويه يصيح: أنبكم الرجل وجلال الله

احمد خلف
10-08-2012, 04:08 AM
ومما رواه البستي ابن حبان في روضة العقلاء هذه المجاولة الطريفة :
أنبأنا محمد بن إسحاق الثقفي حدثنا أبو همام حدثنا ابن وهب أخبرني يونس ابن يزيد عن ابن شهاب
قال اجتمع مروان بن الحكم رضي الله عنه وابن الزبير رضي الله عنه يوما عند عائشة رضي الله عنها
فجلسا في حجرتها وبينها وبينهما الحجاب
فسألا عائشة رضي الله عنها شعرا وحديثا ثم قال مروان :
ومن يشا الرحمن يخفض بقدره = وليس لمن لم يرفع الله رافع
وقال ابن الزبير:
وفوض الى الله الأمور إذا اعترت = وبالله لا بالأقربين تدافع
وقال مروان :
وداو ضمير القلب بالبر والتقى = ولا يستوي قلبان قاس وخاشع
وقال ابن الزبير:
ولا يستوي عبدان عبد مكلم=عتل لأرحام الأقارب قاطع
وقال مروان :
وعبد يجافي جنبه عن فراشه = يبيت يناجي ربه وهو راكع
وقال ابن الزبير:
وللخير أهل يعرفون بهديهم=إذا اجتمعت عند الخطوب المجامع
وقال مروان :
وللشر أهل يعرفون بشكلهم = تشير إليهم بالفجور الأصابع
قال فسكت ابن الزبير فلم يجب مروان بشيء
فقالت عائشة رضي الله عنها :
يا عبد الله مالك لم تجب صاحبك والله ما سمعت تجاوب رجلين تجاولا نحو ما تجاولتما فيه أعجب اليّ من مجاولتكما
قال ابن الزبير إني خفت عول القول فكففت
فقالت عائشة :
إن لمروان في الشعر ما ليس لك .

وليد عارف الرشيد
17-08-2012, 11:12 PM
مدين لك أستاذي الفاضل وأخي الحبيب أبا عبيد الله على جميل ما تتحفنا به دائمًا من القيم المفيد والماتع من المعلومة بأناقة وجمالية
محبتي لك وتقديري وكل عام وأنت والوطن والأمة بخير

احمد خلف
21-08-2012, 05:02 AM
مدين لك أستاذي الفاضل وأخي الحبيب أبا عبيد الله على جميل ما تتحفنا به دائمًا من القيم المفيد والماتع من المعلومة بأناقة وجمالية
محبتي لك وتقديري وكل عام وأنت والوطن والأمة بخير


كل الود والتقدير لهذا المرور الثر ..والعبارات المشجعة
وأنت ذواقة أخي أبا قاسم ..لذلك عباراتك وتعليقاتك لها ابلغ الأثر
بوركت وبورك ممشاك

احمد خلف
15-01-2013, 02:41 PM
حدثني مسعود بن بشر في إسناد متصل قال: اجتمع الفرزدق وجرير والأخطل والبَعيث بباب بشر بن مروان بالكوفة، فدخل عليه داخل فأخبره بمكانهم، وأعلمه أنه لم يُر مثلُهم بباب ملِك قط، فأذِن للفرزدق ثم لجرير ثم للأخطل، وأمسك عن البَعيث،
فقال له الرجل: إن البعيث معهم، فقال: إنه ليس كهؤلاء، ثم أذن للبعيث، فلما دخل مثَلَ بين يديه فقال:
أيها الأمير، إن الناس قد تحدثوا بالباب أنك أذِنت لهؤلاء لفضل رأيتَه لهم عليّ، قال: أو ما تعلم ذاك؟ قال: لا والله ولا الله يعلمه،
قال: فأنشدني، قال:
أو أخبرك من معايبهم بما تستغني به عن الإنشاد،
فقال: هات، قال: أما هذا القرد - يعني الفرزدق - فقد قال في هجائه ابن المراغة - يعني جريراً - :
فمالك بيت الزِّبْرِقان وظِلّه ... ولا لك بيت عند قيس بن عاصم
بأي رِشاءٍ يا جرير وماتحٍ ... تدلّيتَ في تلك البحور الخضارم
فجعله تدلّى عليهم، وإنما أتاهم من تحتهم لو كان يعقل.
وأما هذا - يعني ابن المراغة - فقال في هجائه هذا القرد يعني الفرزدق:
لَقوميَ أحمى للحقيقة منكمُ ... وأضربُ للجبار والنقعُ ساطع
وأوثقُ عند المُرْهَقات عشيّة ... لَحاقاً إذا ما جرّد السيف لامع
فجعل نساءه قد أُردفن وفضحهنّ ووثِقن باللحاق.
وأما هذا الكافر - يعني الأخطل - فقال في وقعة نجا منها أسيراً، وأقر على نفسه وقومه بالذل:
لقد أوقع الجحاف بالبِشر وقعة ... إلى الله منها المُشتكى والمُعوّل
فوصله يومئذٍ وحرمَهم.
فحلف جرير أنه لم يقل: وأوثق عند المردفات، وإنما قال: عند المُرهَقات.
الفاضل: للمبرد

احمد خلف
15-01-2013, 02:45 PM
حدّث أبو عبد الله محمد بن سلاّم الجمحي قال:
رأيت أعرابياً من بني أسَيِّد أعجبني ظرفه وروايته،
فقلت: أيهما أشعر عندك؟
فقال: بيوت الشعر أربعة: فخر ومدح وهجاء ونسيب، وفي كلها غلب جرير، فالفخر قوله:
إذا غضبتْ عليك بنو تميمٍ ... حسبتَ الناس كلَّهمُ غِضابا
والمدح قوله:
ألستمْ خيرَ من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطونَ راحِ
والهجاء قوله:
فغضَّ الطرفَ إنك من نُميرٍ ... فلا كَعباً بلغتَ ولا كلابا
والنسيب قوله:
إن العيون التي في طرفها مرَضٌ ... قتلننا ثم لم يُحْيينَ قتلانا
وقال أبو عبد الله: والنسيب عندي قوله:
ولما التقى الحَيّانِ أُلقيَت العصا ... ومات الهوى لمّا أُصيبت مَقاتلُهْ

فقلت للأُسَيدي: والله لقد أوجعكم - يعني في الهجاء - ، فقال: يا أحمق أوَ ذاك يمنعه من أن يكون شاعراً!
الفاضل للمبرد

براءة الجودي
15-01-2013, 08:05 PM
الأستاذ أحمد خلف ..أسأل الله أن يبارك بك ويعلي شأنك
استفدتُ هنا وتعلمتُ وابتسمتُ , أشكرك الشكر الجزيل

عبدالإله الزّاكي
30-01-2013, 03:00 AM
السيدات والسادة أعضاء الواحة الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
( أورد المرزباني في نور القبس ، قال محمد بن سلام:
ذاكرت معاوية بن أبي عمرو ببيت جرير:من الوافر " :
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
وقلت: أين هو من بيت الأخطل " من البسيط " :
شمس العداوة حتى يستقاد لهم ... وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا
فقال: بيت جرير أسهل وأيسر، وبيت الأخطل أجود وأحكم.
- قال الصولي: بيت الأخطل عند من يفهم الشعر وينقده أحسن وأجود قسمة لأن قوله " شمس العداوة حتى يستقاد لهم " قسمة حسنة قائمة بنفسها، ثم قال " وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا " فقابل ورتب وقسَّم؛
وبيت جرير: " الستم خير من ركب المطايا " هو إلى ههنا كالكلام الفارغ، وإنما يستحسن " بطون راح )
فتفكروا يا رعاكم الله

دفعني حديثك أخي الكريم و أستاذي الفاضل للبحث في النت عن الموضوع أكثر.

قال ابن هشام في " مغني اللبيب " : ألستم خيرَ من ركبَ المَطايا ... وأندى العالمين بطونَ راحِ
[... قيل: إنه أمدح بيت قالته العرب].

ثم جاء في ديوان المعاني للعسكري (1/76)، ( ثم قال (أي عبد الملك بن مروان لأعرابي من عذرة): فأخبرني عن أمدح بيت قالته العرب قال: قول جرير:
ألستم خَيرَ من ركب المطايا ... وأندى العالمينَ بُطونَ راح

ثم جاء في ديوان المعاني سمعت أبا أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد، رحمه الله تعالى يقول: أمدح بيت قالته العرب قول النابغة الذبياني: بأنك شمسٌ والملوك كواكبٌ ... إذا طلعت لم يبْدُ منهنّ كوكبُ

ثم جاء في البلاغة الواضحة : إن امدح بيت قالته العرب هو قول عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه في النبي صلى الله عليه وسلم: تَحْمِلُهُ النَّاقَةُ الْأَدْماءُ مُعْتَجِرًا ... بِالْبُرْدِ كَالْبَدْرِ جَلَّى نُورُهُ الظُّلَمَا

تحياتي لك أخي الكريم احمد خلف و زادك الله علما و فضلا. تقبل مروري و بالغ تقديري.