مشاهدة النسخة كاملة : مقهى المحرومين (مسرحية)
بشار عبد الهادي العاني
30-05-2012, 12:31 AM
المشهد الأول
الشخوص:
المذياع العتيق (الشخصية الرمزية المحورية)
الاستاذ(مثقف ثوري وموظف شريف بائس و معتقل مفرج عنه حديثاً)
صاحب المقهى( إنسان غامض لا يملك من الحياة شيئاً , ذات صباح استيقظ الناس على خبر شراءه المقهى من صاحبه القديم و لغاية كتابة هذه السطور لا أحد يعرف بالضبط , من أين أتى بقيمتها )
عامل المقهى(أو ما يسمى بصبي المقهى) فتى بسيط يعول على إخوته الصغار و أمه الأرملة
(الاستاذ ليس لي دخل): سمي بهذا الاسم بعد أن أصابته لوثة عقلية على إثر تحقيق روتيني ,جرى معه في دهاليز مظلمة , و بعد أن كان قبلة الجميع , لثقافته و علمه وبساطته و صراحته - التي كانت سبباً في ذاك التحقيق
رواد المقهى المعتادين
المكان:
حارة في منطقة عشوائية وعلى ناصيتها تربع هذا المقهى المترهل ذي الطاولات الأربع
جلبة و دخان كثيف تصاعد نتيجة لدخان السجائر و النراجيل ومذياع ضخم قديم تربع على منصة مرتفعة يصدح بأغنية جميلة لكوكب الشرق
((اد ايه من عمري قبلك راح وعدى ياحبيبي
اد ايه من عمري راح))
يجلس الاستاذ وحيداً رغم سيل المهنئين الطالبين منه الانضمام لطاولاتهم بعد طول غيبته
-( والله افتقدناك يا استاذ لك وحشة كبيرة أين كنت ؟ قلقنا عليك , عسى ما شر) زبون يصرخ مهنئاً
-الاستاذ:هههه . مشاغل واعباء , سلمك الله
يجيب على مضض , محاولاً إخفاء الكذب الذي لم يتعود عليه .
الاستاذ(هامساً بسخرية) : آخ لو تعرف اين كنت اقبع الايام الماضية , والتي مرت علي كسنيين , ليتك كنت معي هههههه .
(( ولا شاف القلب منك فرحة وحده ولا داق في يوم غير طعم الجراح))
صدقتي يا ست .في الأيام القليلة الماضية , ذقت كماً هائلاً من الجراح , يعادل كل سنين حياتي مجتمعة( الاستاذ بصوت خافت)
صبي المقهى يصرخ بفرح وهو يحمل عدداً من كؤوس الشاي ويؤرجحها بحركات بهلوانية:
- أحلى كاس شاي للأستاذ . و الحساب مدفوع من قبل المعلم الكبير صاحب المقهى .
يلتفت الأستاذإليه فيراه قد رفع يديه بحركة استعراضية وكأن لسان حاله يقول: لا داعي للشكر..
-شرفتنا يا أستاذ . أين كل هذا الغياب ؟ (صاحب المقهى هاتفاً , وهو يداعب شاربيه الممتدتين على وجهه كأنهما قرنا ثور معمر)
-الأستاذ بلكنة الممتن: الله يعطيك العافية يا معلم , والله لقد كنت مشغولاً الأيام الماضية .
- يهمس( وكأنك لا تعرف أين كنت يابن الزا.... والله يتملكني شعور كبير , بأنك أنت , من كنت وراء غيبتي)
-مئة مرة قلت لك إن أردت اللعب معي , فلا داعي للغش يا أخي , ما جنسك أنت ؟ لا تعرف اللعب من دون غش (زبون يصرخ بحنق واقفاً)
- هه , و من يتقن اليوم اللعب بدون غش يا أحمق ؟. إنما نعوم في بحر من الغش( رفيقه على الكرسي المقابل مع ضحكة صفراء)
(أستاذ ليس لي دخل) يجلس وحيداً على طاولة منفردة) يقوم كمن لدغته أفعى و يصرخ:
ليس لي دخل , ليس لي دخل , قلت له ألف مرة , يا بني لسانك حصانك ,إن صنته صانك )
تعالت الصيحات المستنكرة و المؤنبة من تلك الطاولة ,والتي اجتمع عليها أربعة رجال في منتصف أعمارهم يقتلون الملل و الوحدة
- صاحب المقهى مناديا صبيه: أسكت االعجوز, و صب له كاساً من الشاي.
يهمس بأذن صبيه: وواحدة للغشاش , عسى أن تتفتح قريحته.
- كم صرت أكره اللعب , يذكرني دوما بالأماكن المغلقة( الأستاذ هامساً)
- زبون:الله( دو شيش) ! راحت عليك , وهزمتك بالثلاث . صوت يزمجر بضحكة نصر مستهزئة.
يرد عليه باستسلام و يأس :- ( لا انت اليوم حظك كحظ بنات الهوى لا يقهر) يرد عليه خصمه
اترك الحظ جانبا , هذا يسمى حرفية .(يرد بلهجة المنتصر)
( ابتديت دلوقت احس ابتديت دلوقت اخاف للعمر يجري)
(استاذ ليس لي دخل): -الله يا ست الله (عبرة و بكاء مخفي ) , ويتابع: وهل بقي من العمر إلا رشفة( يرتشف كأس شايه بصوت عال مقزز)
المذياع العتيق: - لاز لتم أحبتي تستمعون إلى كوكب الشرق أم كلثوم من إذاعة صوت إسرائيل من اورشليم القدس .
صمت رهيب أطبق على المكان و الكل ينظر باتجاه صاحب المقهى , الذي تخشب بطريقة عجيبة ,و تهدل شاربه , فغدا كحبل الغسيل المهترئ .
الكل بصوت واحد شامت:( الله يعينك يا معلم راحت عليك أيام اللعب و الفهلوة)
صاحب المقهى يستفيق من غيبوبته و بصوت باك محترق مخاطباً صبيه:
-كم مرة قلت لك يا حيوان , لا تضع هذه الإذاعة اللعينة , روح وأنت طالق ( اقصد أنت مفصول)
العامل بنحيب و ألم: - أنت قلت لي يا معلم , ضع للزبائن أغنية لام كلثوم ,ولم أجدها إلا على هذه الموجة .
ينظر صاحب المقهى إلى المذياع بحنق , و يهم أن يكر عليه و يحطمه.
المذياع العتيق ناطقاً: - ليس لي دخل , ليس لي دخل
أستاذ ليس لي دخل: - هذا أنا , حقوق الطبع محفوظة , سأقاضيك بتهمة الاختلاس .
المذياع العتيق: هكذا برمجت , و ما على المذياع إلا الانصياع.
(الوجوم يخيم على المقهى وتنطفئ الاضاءة الا على وجه صاحب المقهى و مكتبه)
يضرب كفيه بكلتا يديه باكياً: -لا حول ولا قوة الا بالله .
(جرس الهاتف يرن بقسوة وشماته)
زبون:- جاءك الموت يا تارك الصلاة(بنبرة ضاحكة)
(الجميع في المقهى يضحك ثم تسكت اصوات الضحكات الا صوت المذياع العتيق مازال ضاحكاً)
صاحب المقهى يرفع السماعة بخوف و تردد ثم يقف خائفاً:
-احترامي سيدي أنا ل.......
(يصمت . امن الواضح أن الذي على الخط الآخر لا يعطيه فرصة للكلام)
صاحب المقهى: ليس لي دخل يا سيدي .
(الإضاءة تنتقل إلى الأستاذ ليس لي دخل): وما علاقتي أنا بالموضوع ؟الحمد لله ,الشهود كثر
صاحب المقهى: اخرس يا مجنون.
أستاذ ليس لي دخل: حاضر يا باشا
صاحب المقهى مرتبكاً ينشف عرقه: - ليس لك سيدي إنما أخاطب عجوزاً خرفاً .
-حاضر. حاضر , كما تامرون سيدي ,أنا و الصبي و المذياع , سنكون عندكم حالاً .
المذياع العتيق: يا ويلي , و يا سواد ليلي
صبي القهوة: أريد أمي .
(جو حزين يسود المقهى و الزبائن تربت على كتف صبي المقهى لمواساته)
الاستاذ: لا تخف ,مجرد سؤال و جواب ,المهم أن تحتفظ برباطة جأشك.
الجميع يربتون على المذياع العتيق , الذي تصاعدت منه موسقى جنائزية.
ثم يتوقف قائلاً: آن الآوان لوضعي في باحات المزابل , أو بيعي كقطع مستعملة , يا خسارة التكنو لوجيا الاصيلة
صاحب المقهى: نعتذر منكم أيها السادة ,سنضطر لإغلاق المقهى لبعض الوقت ,لظروف عائلية طارئة(ثم يلتفت الى صبيه بصوت آمر): أغلق المكان , و الحقني بصحبة هذا المذياع الحقير الى الخارج , فأنا بانتظاركم.
(يغادر صاحب المقهى المكان بعد أن فتح خزنته , و تناول منها رزمة من النقود)
الاستاذ بصوت ضاحك: - ظروف عائلية ؟! هه ... لا تنس أن تسلم لي على حماتك .
زبون:- سترى ظروفاً عائلية , تحمر لها الرقاب في حضرة معاليه هههههه ..
( تنفجر الضحكات في المقهى)
الأستاذ و العجوز ليس لي دخل يقتربان من الصبي وهم يربتون على كتفيه:
- لا تخف . وأي سؤال يوجهونه إليك , قل لهم : هكذا أمرني معلم المقهى , أنا لا أعرف شيئاً ,
أنا جاهل , و لا أفرق بين البطيخ و الشمام , أو بين النسور و الحمام .
يغادر الجميع المقهى ويلملم الصبي حاجياته و يلتفت الى المذياع العتيق معاتباً:
-هذا ذنبي , أني أحببتك , و لطالما أزلت عنك الغبار و الأوساخ , وعاملت أزرارك الكبيرة بكل رقة و احترام .
-ما ذنب أمي و إخوتي الصغار ,الذين سينتظرون عودتي , التي قد تطول أو لا تحصل ؟
المذياع العتيق: - لا تخف أعدك بأنك أول من يخرج من هناك و سأفديك بروحي و أسلاكي .
ولكن عليك أن تصغي جيداً لما أقوله , و تنفذ بالحرف الواحد.
صبي المقهى: حسناً لأرى مانهايه هذه القصة معك
(صبي المقهى يحمل المذياع العتيق)
(المذياع العتيق يقهقه): أنت تحملني من أماكن حساسة و تدغدغني
صبي المقهى: مذياع أحمق , و كانهم صنعوك في مشفى للأمراض العقلية .
المذياع(بلهجة جادة) وكيف عرفت ؟ وهل كان أحد أجدادك من صناعي ؟
صبي المقهى: اصمت ,ودعنا نذهب قبل أن نسمع نباح المعلم .
صبي المقهى يصرخ: - لا تنسونا يا شباب من الخبز و الحلاوة
المذياع: و أنا كذلك لا تنسوني من بعض البطاريات
يغادر الجميع وتنطلق موسقى حزينة يتخللها صوت جوقة مؤلفة من رواد المقهى تنشد:
(يا ظلام السجن خيم
إننا نهوى الظلاما
ليس بعد الظلم إلا
فجر مجد يتسامى
يا رنين القيد زدني
نغمة تشجي فؤادي)
(صوت قادم من بعيد لشخص كأنه ذو رتبة عسكرية رفيعة:
-اخرسوا جميعاً و إلا أخذتكم معهم.
تسكت الاصوات , و تنطلق موسيقى خوف و رعب .
نهاية المشهد الاول
وليد عارف الرشيد
30-05-2012, 05:27 PM
الله الله ... ليتك رأيتني أصفق طويلًا لهذا المشهد الجميل القوي
اختلطت الواقعية المرة بالسخرية المستجلبة للطرافة والظرف النابع من معاناة الشخوص مع الرمزية (المذياع ) وإن وجدتها غريبةً متفردةً في زحام واقعية صارخة
ألم - قهر - خوف - توتر - طرافة - حميمية ... كلها عناوين أضفت عليها الحواريات المستغرقة بواقعيتها جاذبيةً ومتعة .. وكانت بما نسميه اللغة الثالثة التي تجمع الفصحى للعامية
بصدق أحسست أني كنت حاضرًا أشاهد هذا المشهد
أنتظر بفارغ الصبر باقي المشاهد وأحييك مبدعًا تكتب المسرح بحرفة واقتدار ومن الواضح أيضًا عن تجربة مسرحية وثقافة ومشاهدة
أحب أن ألفت الانتباه إلى أن التداخل اللغوي سبب لي بعض إرباك في مراقبة صحة كتابة بعض الألفاظ
مودتي وكثير تقديري
ربيحة الرفاعي
30-05-2012, 08:18 PM
مهارة ومرارة رسمت المشهد بما نجح فيه الكاتب بضم القاريء لعناصره ليعيش الحدث ويسير مع الحوار كجزء منه
بانتظار التتمة
تحاياي
آمال المصري
31-05-2012, 09:04 AM
مشهد حي ناطق وكأن الشخوص تتحرك أمامي
وحوارية شيقة تحمل الكثير
أجدت تجسيد الحروف بألق
متابعة حتى التتمة أديبنا الفاضل
تحاياي
بشار عبد الهادي العاني
31-05-2012, 08:44 PM
الله الله ... ليتك رأيتني أصفق طويلًا لهذا المشهد الجميل القوي
اختلطت الواقعية المرة بالسخرية المستجلبة للطرافة والظرف النابع من معاناة الشخوص مع الرمزية (المذياع ) وإن وجدتها غريبةً متفردةً في زحام واقعية صارخة
ألم - قهر - خوف - توتر - طرافة - حميمية ... كلها عناوين أضفت عليها الحواريات المستغرقة بواقعيتها جاذبيةً ومتعة .. وكانت بما نسميه اللغة الثالثة التي تجمع الفصحى للعامية
بصدق أحسست أني كنت حاضرًا أشاهد هذا المشهد
أنتظر بفارغ الصبر باقي المشاهد وأحييك مبدعًا تكتب المسرح بحرفة واقتدار ومن الواضح أيضًا عن تجربة مسرحية وثقافة ومشاهدة
أحب أن ألفت الانتباه إلى أن التداخل اللغوي سبب لي بعض إرباك في مراقبة صحة كتابة بعض الألفاظ
مودتي وكثير تقديري
بوركت شاعرنا الكبير , حياك الله وبياك
تعم سيدي المسرح هو عشقي الأول , تعمدت كتابة النص بلغة سهلة وكما أسميتها اللغة الثالثة ,وابتعدت عن التقعر ,لكي تصل الفكرة لشريحة أوسع وترسم الإبتسامة والمرارة والاستفهام على محيا الجميع.
شكري وتقديري
بشار عبد الهادي العاني
31-05-2012, 08:46 PM
مهارة ومرارة رسمت المشهد بما نجح فيه الكاتب بضم القاريء لعناصره ليعيش الحدث ويسير مع الحوار كجزء منه
بانتظار التتمة
تحاياي
لك جزيل الشكر والامتنان يا سيدة المكان
بشار عبد الهادي العاني
31-05-2012, 08:47 PM
مشهد حي ناطق وكأن الشخوص تتحرك أمامي
وحوارية شيقة تحمل الكثير
أجدت تجسيد الحروف بألق
متابعة حتى التتمة أديبنا الفاضل
تحاياي
أهلاً بك يا أخية ,تزدان الكلمات بطيب مروركم
شكري وتقديري
بشار عبد الهادي العاني
31-05-2012, 09:26 PM
المشهد الثاني
المكان
(غرفة صغيرة مظلمة , تربعت في منتصفها طاولة حديدية صغيرة , و كرسي . من أعلى الطاولة تدلى ضوء مبهر شديد , و في ركن الغرفة انتصبت مغسلة ذات صنبور عتيق تنقط مياهه برتابة و شكل مزعجين)
الشخوص:
صوت المحقق
صاحب المقهى
صبي المقهى
المذياع
أصوات المعتقلين
( يجلس صاحب المقهى متوتراً , يسمع بخوف أصوات الضرب و الآهات من الخارج)
- أأأأخ والله يا سيدي أنا بريء , لم افعل شيئاً و لم اقل شيئاً(أحد الأصوات)
صوت المحقق( - اخرس يا كلب خذ هذه , طاخ طاخ)
-آه , آه ,ليس لي دخل , ليس لي دخل .
صاحب المقهى: - تركته جالساً في المقهى قبل مجيئي !
صوت المحقق: - اخرس يا معلم .
صاحب المقهى: - حاضر , حاضر , سيدي ( يلتفت حوله ثم يتكلم بهمس) : الآن عرفت , لماذا لا يتكلم هذا العجوز الخرف إلا بهذه الجملة .
صوت المحقق: ها !!! أهلأً بالمعلم الخائن , و ناكر الجميل .
(صاحب المقهى يقف خائفاً مرتعداً )
صوت المحقق: اجلس
صاحب المقهى: أهلا بسيدي , وولي نعمتي , ومعلمي صاحب المعالي(يتابع بعتاب)
-أنا يا سيدي خادمكم المطيع الذي لا يعص لكم أمرا , وسجلي يشهد بذلك .
صوت المحقق: - و لكنك للأسف ! ختمته بخاتمة سوء و خيانة .
صاحب المقهى: - حاشا لله يا سيدي , إنما هو سوء تفاهم بسيط , ناتج عن صبي غبي , و مذياع عتيق أخرق .
صوت المحقق:- هات ,احك لي ما الذي حصل ؟
صاحب المقهى: -أمر سيدي و مولاي (يمد يده إلى جيبه و يخرج رزمة كبيرة من النقود)
- ليسمح لي سيدي قبل هذا , أن أعبر عن خالص احترامي و تقديري لكم يا حامي الحما و البلاد , و أرجوكم( لهجة تملق شديدة) أرجوكم أن تقبلوا هديتي المتواضعة -التي هي في الواقع , لا تعبر إلا عن مدى حبي و إخلاصي لكم .
صوت المحقق يتغير و يلين بعض الشيء: - حسناً حسناً , ضعها على الطاولة .
صاحب المقهى:- قلت للصبي الغبي : افتح المذياع ,و ضع للزبائن أغنيةً لأم كلثوم ,وحضرتك تعلم أن شعبنا يا سيدي , يعشق هذا الصوت , و عندما يسمع صوتها ينتابه الحلم و الحماسة .
صوت المحقق:- ااااايييي نعم
صاحب المقهى:- وانأ كنت أريد هذه الحالة , لكي أكتشف مكنوناتهم الداخلية , و أدونها , و أسجلها في تقرير مفصل أقدمه لحضرتكم .
صوت المحقق:- حلو ! خطة حلوة , و مبتكرة , جميل , تابع
صاحب المقهى:- ولكن هذا الصبي الأحمق , وضع الأغنية , دون أن يتأكد من الموجة أو القناة التي تبث الحفل ,وذاك المذياع الخرف , مشى على هواه أيضا
صوت المحقق: -يعني أنت متأكد , أنه لم يكن يقصد أن يضع تلك القناة بالذات؟
صاحب المقهى:- أنا تلميذكم النجيب , و الله لو شككت بذلك واحد في المليون , لكنت نسفته تقريراً ,أنسيته فيه حليب أمه .
صوت المحقق:- والمذياع العتيق ؟ هل تشك بانتمائه السياسي و القومي ؟
صاحب المقهى: -هههه ... انه أغبى من الصبي , ولكن في الفترة الأخيرة صار يشوش , و يتعطل عندما تبث بعض خطب المسؤولين و المتنفذين !
صوت المحقق:- يا ترى , هل استطاعت المعارضة أن تشده إلى طرفها ؟
صاحب المقهى: -إلى الآن لم استطع أن اثبت عليه شيئاً .
صوت المحقق:- هل رأيت الأستاذ يقترب منه كثيراً ؟
صاحب المقهى( يضحك): -الأستاذ يا سيدي , دائماً منعزل , و بعد زيارته الأخيرة لكم , حتى السلام لا يرده لأحد .
صوت المحقق:- لكي تعرف بأننا هنا ,منبر تأديب و معرفة و تقويم !!!
(تنطلق صرخات ألم و أصوات ضرب و عبارات توسل)
صاحب المقهى يتحسس رقبته بخوف ووجل ويجيب: -أنا من يعرف ذاك يا سيدي حق المعرفة .
صوت المحقق:- والعجوز ليس لي دخل ؟
صاحب المقهى: - هههه لقد تخرج من مدرستكم الموقرة بامتياز مع مرتبة الخرف و الجنون .
(صوت المحقق يقهقه ببشاعة و يشاركه صاحب المقهى)
حسناً, من أجل هديتكم , و سجلكم السابق , سأدعك هذه المرة تدخل الحمام لمرة واحدة ثم تنتظر حتى أحقق مع الآخرين
صاحب المقهى باكياً:- لماذا يا سيدي الحمام ؟ أرجوك لا. لا
صوت المحقق: -لا تخف . سأدعهم يتواصون بك , فأنت من عظام الرقبة .
يصرخ المحقق:- هاتوا الصبي
(يخرج صاحب المقهى ويدخل الصبي خائفاً مرتعدا يبكي)
صوت المحقق بقساوة: -اجلس يا ولد
الصبي: -لا يصح سيدي , من أجل و اجبكم
صوت المحقق ينهره بشدة :- اجلس يا حمار.
-حاضر سيدي , لو ناديتني بهذا الاسم سابقاً , لجلست فورا ( الصبي ببلاهة)
صوت المحقق:- أصبحت من ممارسي السياسة , و المعارضة يا ولد ؟
الصبي:- سمعت بممارسةال..... !! ولكن السياسة ؟
صوت المحقق:- اخرس , كأنك تمزح معي ؟
الصبي بخوف: -لا والله يا سيدي , ولكن لا اعرف عما تتكلم ؟ماهي السياسة ؟و أنا سأقول لكم: مارستها , أم لا ؟؟!
صوت المحقق:- السياسة يا غبي . ألا تعرف ما هي السياسة ؟
الصبي :- يا سيدي الله وكيلك , لا أعرفها , فكيف أمارسها؟ ثم معلمي لم يقل لي ولا مرة أو يخبرني عنها .
صوت المحقق:- لماذا هل تتعلم كل شيء من معلمك ؟
الصبي بخبث:- نعم سيدي , فأنا لم اعرف في حياتي غيره ,بعد وفاة أبي .
صوت المحقق:- ومتى مات أبوك ؟
الصبي: -عندما رأيت معلمي
صوت المحقق:- وبماذا مات أبوك ؟
الصبي:- من الجوع . سيدي
صوت المحقق:- ومن الذي جوعه ؟
الصبي: -كرامته , سيدي.
صوت المحقق:- وماذا تعرف عن الكرامة ؟
الصبي: لا أعرف شيئاً , سيدي (ببلاهة) ولكن أبي قال لي ذلك قبل موته .
صوت المحقق بهمس( الحمد لله أنك لا تعرف شيئاً , كنا تعذبنا معك , كما تعذبنا مع أبيك)
الصبي:- ماذا سيدي ؟
صوت المحقق:- لا شيء , لا شيء ,قل لي :ماذا تعرف عن هذا المذياع الخائن ؟
الصبي: -ههههههههه المذياع خائن هههههه
صوت المحقق:- ما الذي يضحكك يا أحمق ؟
الصبي:- لا شيء , لا شيء, ولكني يا سيدي , كنت أحسب هذا المذياع موظفاً مهماً بالحكومة.
صوت المحقق بجدية و تساؤل:- ولماذا؟
الصبي:- لأنه سيدي على الدوام ينافح و يمجد بالحكومة , و بصراحة سيدي ,وهذا سر بيني و بينك.
(يوشوش قائلاً ملتفتا يمنة و يسرة: لقد كنت أحسبه مخابرات)
صوت المحقق يضحك ببلادة:- ههههههه , وماذا تعرف عن المخابرات يا ولد ؟
الصبي:- إنهم الناس الذين يدافعون عن هيبة البلد , و ينشرون الأمن و العدل ,ولا يسمحون لأحد بتخريب أمن الوطن والمواطن.
صوت المحقق(نافشاً ريشه):- صدقت , صدقت , و الله أظهرت لي بأنك ولد فهيم !
بهمس( ما أجحشك يا صبي)
صوت المحقق:- طيب , ما قولك في حادثة اليوم , و لماذا حصل هذا الفلم الهندي ؟
الولد بخبث و يحاول أن يرسم الجنون على محياه):- سيدي أخاف إن قلت لك الصراحة ,أن ينزعج معلمي , و يطردني من المقهى .
صوت المحقق بفضول:- لا تخف , لن يسمعك ,إنه الآن في الحمام , إنهم يقومون بتلييفه الآن .
الصبي بهمس:( الله يعينه راحت عليك يا معلم)
صوت المحقق:- هه قل : هيا
الصبي:- سيدي , صاحب المقهى بخيل جداً , و قد قلت له من فترة ,أن المذياع بحاجة إلى إصلاح , لأنه بدا يخلط الحابل بالنابل .
تبرمجه على المحلي , ينطق بالإفرنجي , تعلي الصوت يبدأ بالسعال , لم يراع معلمي أنه مسن عجوز , و بحاجة إلى رعاية , لكي لا يدفع أجور التصليح
صوت المحقق: -مفهوم مفهوم
يستطرد سائلاً : و كيف هم زبائن المقهى ؟وخصوصاً الأستاذ , و العجوز ليس لي دخل .
يحك الصبي ذقنه متثائباً:- الأستاذ لا أفهم كلامه , لأنه مثقف , و أنا أمي , لا افقه شيئاً , ولكنه طيب القلب و لا يؤذي أحدا .
والأستاذ ليس لي دخل مجنون , لاتعرف عن ماذا يتكلم , إذا قلت له كيف حالك يا عماه . يقول لك : ليس لي دخل.
وبقية الزبائن المنتوفين , في كل الأوقات يلعبون النرد و الورق و يسخرون من بعضهم .
صوت المحقق: -وعن ماذا يتكلمون بالعادة ؟
الصبي:- مواسم , يا سيدي
صوت المحقق:- ماذا ؟
الصبي: نعم سيدي , في الصيف يتكلمون عن الحر و قسوته , و في الشتاء عن البرد و الوقود , وفي بداية الشهر عن مرتباتهم ,وكيف أنفقوها بلحظات ,و بعد ذلك يحلمون بقدوم أخر الشهر ليتكرر المسلسل نفسه .
صوت المحقق:- وهل يشتمون الدولة أو النظام ؟
الصبي : -لا ياسيدي , ثم يلتفت متسائلاً بخبث:- وهل يجرؤون ؟؟؟؟
صوت المحقق : -خذوا الولد إلى الحمام ,و ائتوا لي بالمذياع العتيق.
الصبي خائفاً مرتعداً: -لماذا الحمام سيدي ؟ و أنا كما عرفتم , ليس لي ذنب ,و لا أعمل إلا كما يأمرني معلمي .
صوت المحقق: -أعرف يا بني أنك بريء , ولكن من أجل سمعة المحل ,يجب أن تدخل إلى الحمام !!!
ولو أن كل شخص لدينا دخل , و لم نمرره إلى الحمام , لضاعت هيبتنا و عنفواننا .
( أصوات ضرب و تكسير و صراخ)
الولد ينسحب باكيا(- والله يجب أن ادخل الحمام الحقيقي فقد عملتها على نفسي أين أنتي يا امااااااااااه)
( ظلام ولا تزال أصوات الصراخ و الآهات وتنطلق موسيقى حزينة
يا عيني يا عيني على الولد
يا عيني يا عيني على الولد
يتبع
بهجت عبدالغني
01-06-2012, 12:46 PM
وما زالت متابعة هذه المسرحية الواقعية الساخرة
مستمرة ..
بانتظار التكملة ..
تحياتي ..
بشار عبد الهادي العاني
01-06-2012, 05:11 PM
وما زالت متابعة هذه المسرحية الواقعية الساخرة
مستمرة ..
بانتظار التكملة ..
تحياتي ..
تتشرف كلماتي المتواضعة بمروركم أستاذي الفاضل
شكري
بشار عبد الهادي العاني
01-06-2012, 05:31 PM
المشهد الثالث
(المذياع العتيق يتربع على الطاولة في غرفة التحقيق, و قد تدلى الضوء فوقه مباشرة, ولف عليه جنزيرمن الحديد , و ازدانت جدرانه بلصاقات طبية)
(موسيقى حزينة تنطلق من المذياع تتخللها خطابات لرجال يمجدون في الحرية و الديمقراطية)
صوت المحقق: شرفت أيها المذياع الخرف الخائن .
المذياع العتيق: أهلا بك أيها الوصولي الغادر .
صوت المحقق(يصيح بشدة): كيف تجرؤ ! و تكلمني بهذه الطريقة يا حقير ؟
المذياع العتيق: لا ترفع صوتك لكيلا تصاب بالفتق , و تثكلك أمك , كما ثكلتك مبادئك .
صوت المحقق: بعد التحقيق سنتواجه
المذياع العتيق: لن أتكلم معك كلمة واحدة , حتى تطلق سراح الصبي المسكين .
صوت المحقق: وما دخلك أنت ؟هل كنت من بقية أهله , أم أنك وصي عليه؟
المذياع العتيق: لا يستطيع أن يتحمل هول الحمام , لا يزال صغيراً , أم أنكم تريدون قتله كما قتلتم أباه ؟
يقاطعه صوت المحقق: اخفض صوتك أيها اللعين , ولا دخل لك فيما لا يعينك .
المذياع العتيق: لو تعاملت بمبدأ ليس لي دخل , لما كنت أنت و غيرك الآن في مناصبكم , ولكنت و إياهم تتسكعون , أو كنتم جالسين في مقهى تندبون حظوظكم .
صوت المحقق: دعنا نتكلم فيما حدث .
المذياع العتيق: لن أنبس ببنت شفة , مالم تطلق سراح هذا المسكين .
صوت المحقق يصرخ بشدة( أطلقوا سراح الصبي و معلم المقهى)
المذياع العتيق: طلبت منك إطلاق سراح الصبي فقط , ولم أطلب منك الإفراج عن -جيمس بندق- عميلكم المصون !
صوت المحقق: قد صار لك ما تريده ,تكلم الآن هاهو الصبي يخرج من الحمام إلى بيته .
المذياع العتيق: عن ماذا تريدني أن أتكلم ,عن الذي جرى اليوم ,أم عن خيبة أمل مذياع عجوز خانه الأمل و الرجاء ,
في أناس مثلكم جاحدون كالقطط ,ناكرون للجميل .
صوت المحقق حانقاً: لا . الظاهر أنه قد حان وقت قص لسانك , لقد صرت وقحاً جداً , ووقاحتك هذه لا تحتمل.
المذياع العتيق: وقاحتي هذه , من صنعتكم أيها المرتزقة , هي التي أيقظتكم من سباتكم ,هي حررتكم من قيودكم.
أغانيّ , هي من زرعت فيكم بذور الحماسة و النضال, كلماتي أزالت غشاوة الظلم عن عيونكم , وكانت مشعلاً لكم , تنير دروبكم المظلمة في ساعات القحط و الجفاف.
صوت المحقق مقاطعاً: وهاأنت تخون الرسالة و تغير بوصلتك .
المذياع العتيق ضاحكاً: والله أنت آخر من يتكلم عن الخيانة يا رجل .
صوت المحقق: ماذا تقصد أيها الانبطاحي الملولب ؟
المذياع العتيق: حارتنا ضيقة , و نعرف بعضنا البعض.
أين رفاق دربك ؟ أين من أقسمت معهم على التغيير ؟ أين أبو الصبي المسكين؟ أين رصانة و حنكة العجوز ليس لي دخل ؟ألم تكونوا معا في خندق واحد ؟
ألم تتقاسموا معا كسرة الخبز في ظهيرة الجوع ؟
(صوت المحقق يصيح): هم من بدلوا , هم من غيروا
المذياع العتيق بحرقة: كلهم تخرجوا من مدرستكم التأديبية على المقابر مباشرة , أو إلى مشفى الأمراض العقلية .
كيف طاوعك قلبك أن تدخل الحمام رجال كنت و إياهم يوما ما تعانون مرارة الاضطهاد و الحرمان؟ أهذا الوفاء و الشيمة و الثورة ؟
صوت المحقق: هزلت ! لا أعرف من هنا المحقق ,أنا أم حضرتك ؟
المذياع: أردتني ان أتكلم , و هاأنذا أتكلم.
صوت المحقق يهمس بقسوة : وللمرة الاخيرة !!!
المذياع: ههههه , سمعتك يا أفعى , وهل تحسبني أتكلم , إلا و أنا واثق أنني سأتكلم للمرة الأخيرة ,ولكني سأتكلم عسى أن يستيقظ فيكم شعور النخوة و الاباء , الذي اغتاله عشق الكرسي , و المنصب , و رنين الذهب.
صوت المحقق: سأجعلك تندم على كل ما قلته, و على خيانتك العظمى اليوم في المقهى .
المذياع العتيق: خيانة , خيانة!! أصبح كل من يختلف معكم بالرأي , خائن و أنتم ملوك القضية .
أهكذا كان كلامك , عندما كنت جائعاً ضائعاً ؟
- كنت تجلس تحت منصتي ,و تستمع إلى ما أنقله لكم عن كفاح الشعوب , و نضال الأمم.
يقاطعه صوت المحقق: أيام سوداء ,لا تذكرني بالماضي الأليم.
المذياع العتيق: لا يشفع لوجودكم إلا ماضيكم , ومن ليس له ماض ,ضاع حاضره.
صوت المحقق: نحن الآن : القانون و المشرع.
المذياع العتيق: بل: أنتم الجلاد , و السجان , و آمر الحمام.
صوت المحقق: خنقتني كلماتك.
المذياع العتيق: بل , خنقتك الحقيقة.
صوت المحقق: ستعدم !
المذياع: آن للعمر أن تطوى صفحته ,وليكن ذلك بكرامة و إباء.
صوت المحقق منادياً( خذوه , عذبوه ,حتى يصبح -لا ينطق إلا بكلمة ليس لي علاقة)
المذياع ساخراً( هذا أخو أم ابن عم ليس لي دخل)
صوت المحقق: لن أدعك تنال الموت , حتى تتمناه.
المذياع العتيق: وهل تسمي هذه حياة يا صاحب الكرش و الجاه ؟ لقد مت منذ زمن , منذ تمزيقكم للميثاق , و خيانتكم الأمانة.
صوت المحقق: ليتفرغ مسؤولوا الحمام جميعهم لضيفنا المذياع الخائن.
المذياع العتيق( يصيح بنفس لهجة المحقق متهكما): والله يلزمك أنت و من معك كل حمامات العالم لتغسل قذارتكم.
تنطفئ الإضاءة , و تنطلق موسيقى ثورية من المذياع ,يعقبها صوت صراخ و صياح ..
نهاية المشهد
بشار عبد الهادي العاني
03-06-2012, 10:50 PM
المشهد الرابع
(المقهى وإضاءة خفيفة)
(صاحب المقهى يجلس على كرسيه و قد أمسك صحيفة إخبارية وقلبها رأساً على عقب و ثقبها في المنتصف , لترى عيونه ما يجري حوله , وقد لف رأسه بضماد طبي).
(صبي المقهى يتنقل بين الطاولات ,ينقل الطلبات و قد حمل عدته بيد, و الأخرى لفها بشاش و جبيرة.)
منصة المذياع خلت من وجوده و استبدل بجهاز تسجيل جديد مع سماعات كبيرة) )
الأستاذ و العجوز ليس لي دخل يجلسان سوية يتهامسان بحذر و يرقبان صاحب المقهى))
(الزبائن كعادتهم يلعبون النرد و الورق)
صاحب المقهى: شغل جهاز التشغيل يا ولد , دعنا نستمع إلى شيء مفيد , مادامت الناس صامتة طوال الوقت.
صبي المقهى يضع يده على رأسه , ولا يتكلم , و كأنه فقد الكلام دلالة على سعادته بتلبية الأمر.
صاحب المقهى: ما كان ينقصني في المقهى إلا صبي أخرس.
(يتدارك هامساً): وما ذنبه لعلهم طلبوا منه أن يخرس طوال الوقت(يتحسس رأسه):آه يا راسي , إذا كنت أنا رجلهم و ساعدهم الأيمن قد عملوا معي العجائب.
الصبي يشغل جهاز التشغيل تنطلق أغنية لام كلثوم:
(أكاد اشك في نفسي لأني أكاد اشك فيك و أنت مني)
صاحب المقهى: أطفئ . أطفئ ستفضحنا الست , ضع أغنية ثانية
يضع الصبي شريطاً جديداً وهذه المرة ينطلق صوت فريد الأطرش بحزن:
عش أنت إني مت بعدك , وأاطل ماشئت صدك
كانت بقايا للغرام , فختمت بعدك
( الجميع في المقهى تنتابهم حالة من البكاء بما فيهم صاحب المقهى)
صاحب المقهى حانقاً: اغرب عن وجهي , أنا سأضع على مزاجي.
يقوم صاحب المقهى , و يتناول شريطاً من على مكتبه و يضعه في آلة التسجيل ,ثم تنطلق موسيقى راقصة رخيصة
( الجميع في المقهى يخرجون من جيوبهم قطناً , و يغلقون آذانهم استنكاراً)
صاحب المقهى: أنتم أحرار حتى الفرح لا تريدون أن يتسلل إلى قلوبكم .
(يعود إلى كرسيه مراقباً)
الأستاذ يؤشر بيديه , ولا يفتح فمه , و الصوت يأتي منطلقاً من الكواليس , و يخاطب العجوز ليس لي دخل: يريد هذا المافون ان يتلف ذوقنا الفني الرفيع)
العجوز ليس لي دخل(:بيديه كناية على انه ليس له دخل) و الصوت أيضا ينطلق من الكواليس: ليس لنا دخل و هل انتهى الأمر يا بني عند ذائقتنا الفنية , لقد أفسدوا علينا كل جميل في حياتنا , دعهم ينهوا كل ما في جعبتهم)
صاحب المقهى مبهوتاً: ما بال القوم أصبحوا كلهم خرس و يتكلمون بالإشارة(ضاحكاً) , لعلهم جميعاً كانوا في ضيافة سعادته البارحة !!
زبون بالإشارة: هات يا ولد كاس شاي ثقيل جداً, كدم معلمك , و سكر زيادة.
صبي المقهى بالإشارة إلى عينيه: من عيوني يا باشا
صاحب المقهى: لا... يبدو أن الأمر خطير , علي إبلاغ معاليه بما يحدث فوراً
يتناول الهاتف و يضرب الرقم: احترامي معاليكم (بهمس)
صوت المحقق: أهلا ماذا هناك ما بالك تتصل مبكراً اليوم ,عسى خيراً ؟
صاحب المقهى: أمر خطير سيدي !
صوت المحقق باهتمام: ماذا هناك ؟
صاحب المقهى: الجميع هنا سيدي لا ينطق و يتفاهمون بالإشارة !!
صوت المحقق: ما بالك يا أحمق ,كأنك سكران , أم انك تناولت ضرساً من الحشيش مبكراً.
صاحب المقهى: و الله يا سيدي كما أقول لك , الجميع يتفاهم مع بعضه البعض بالإشارة
صوت المحقق: و هل فهمت شيئاً مما يقولونه ؟
صاحب المقهى: وكيف أفهمهم سيدي ؟
صوت المحقق: غير مستغرب , طوال عمرك حمار(يهمس: لو لم تكن حماراً ما عملت معنا)
صاحب المقهى: ماذا سيدي ؟
صوت المحقق: لاشيء لا شيء, راقب الوضع جيداً و حاول أن تفهم ما يقولونه, و أنا سأتصرف .
ولكن عليك أن تعلمني بالمستجدات أولا بأول. ….
(صوت إغلاق السماعة)
زبون يتكلم بالإشارة: وصلت الأخبار مباشرة, قبل أن يصل الرغيف الساخن عتبات الفرن.
( الجميع ضاحكاً)
الأستاذ بالإشارة: متى سنخلص منك يا غراب البين؟
العجوز ليس لي دخل بالإشارة: لا تخف , سيجدون منه الكثير في سوق الغنم.
(قهقهات الجميع)
صاحب المقهى متسائلاً: مالذي يضحككم , هات شاركونا ؟
الأستاذ مؤشراً: شاركك عقرب فراشك القذر , يا جاسوس .
صاحب المقهى: ماذا يا أستاذ؟ لا أفهم ما تقول.
ليس لي دخل مؤشراً : لو فهمت , كنت معنا الآن تلعب لعبة الخرسان.
الأستاذ بحزن: ايييييه . رحمة الله عليك أيها المذياع العتيق, عشت شاهداً ومت شهيدا.
(الجميع يرفع يديه إلى السماء وبصوت واحد: ألف رحمة ونور عليك )
صاحب المقهى: ما بالكم كأنكم تدعون لشخص ما ؟
( الجميع و بصوت واحد: اللهم خلصنا من صاحب المقهى الخسيس)
صاحب المقهى يرد وهو لم يسمع ما يقولونه: آمين يارب , إلى من دعوتم
(الجميع يمد بسبابته إليه)
صاحب المقهى: شكراً لكم , ولكن لماذا أصبحتم جميعاً لا تتكلمون ؟
( الجميع يرسم إشارة سكين على رقبته)
صاحب المقهى: ومن سيذبحكم
(الجميع يمدون ألسنتهم و يؤشرون عليه )
صاحب المقهى بغباء: ومنذ متى كان اللسان جلادا ؟ً
(الأستاذ بصوت خارج من الكواليس ويشير إليه): منذ وضعوك جاسوساً علينا.
الجميع يقهقه)
احد الزبائن يقف و يلوح بيديه و صوته ينطلق من الكواليس): هل سمعتم آخر نكتة شباب ؟
الجميع): هات لنرى.
الزبون): لا اعرف إذا كانت نكتة , أم حقيقة ؟ ولكن يحكى أن أحد الجواسيس و بعد أن فرغ من كتابة التقارير الإخبارية بحق كل من يعرفهم , و أودعهم السجون, لم يتبق أحد!!!.
فكتب بنفسه تقريراً إلى الأجهزة الأمنية…
( الجميع): وماذا قال ؟
(الزبون): كتب: سيدي أشك في نفسي بأني أحاول العبث بأمن البلاد!!
(الجميع ضاحكاً)
العجوز ليس لي دخل: هذه حقيقة , و ليست نكتة .
(الجميع): كيف ؟
(العجوز ليس لي دخل): كان معي في أحد المرات-في المعتقل شخص فعل نفس هذه الفعلة, بل إنه في احد المرات و كانت زوجته تعاني مرضاً قلبياً, مما اضطرها للسفر و العلاج في الخارج...
الجميع باهتمام و بصوت واحد: ايييييييييييه
العجوز: نسفها تقرير, بأنها ذاهبة للتآمر على أمن البلد , بالتعاون مع جهات أجنبية !!!!
( الجميع يضحكون و يضربون كفاً بكف)
الأستاذ: ياللهول هذه امرأته ! فما بال حماته ؟
العجوز ليس لي دخل: حماته دخلت السجن بعد زفافه بأسبوع!
(الجميع): والتهمة ؟
العجوز ليس لي دخل: تعكير صفو الأمن القومي.
(الجميع يقهقه)
الأستاذ: اخ . صحيح أن شر البلية ما يضحك.
(يتابع متسائلا): وكيف زج هذا الجاسوس في السجن بعد كل هذه الخدمات الجليلة ؟
العجوز ليس لي دخل: جاءته صحوة للضمير وصاح بلا!!!
الأستاذ: يا لطيف !!! كل شيء إلا كلمة لا!!!ً
العجوز: نعم إنهم يكرهون هذه الكلمة.
( صاحب المقهى وهو يقف بحمق ولا يستطيع فهم ما يقولونه): يا الهي كأنهم وجدوا وسيلة سرية للتخاطب فيما بينهم!
يؤشرون و يضحكون و يدعون صمتاً, لقد استفحل الأمر علي إبلاغ القيادة بالمستجدات.
يتبع
بشار عبد الهادي العاني
06-06-2012, 12:27 AM
المشهد الخامس
صاحب المقهى هامساً : الو سيدي , احترامي
صوت المحقق: ها . أخر الأخبار؟
صاحب المقهى: مازال الوضع كما هو عليه سيدي, يتناقشون و يضحكون و يلعبون بلا أي صوت, ورغم محاولاتي المتكررة لاستدراجهم بالكلام لا أرى منهم سوى الإشارة, ما السبب برأيكم سيدي؟
صوت المحقق: الظاهر أن فقدهم للمذياع العتيق, و شدة محبتهم له , أثرت على عقولهم !
صاحب المقهى: صحيح سيدي ماذا حصل للمذياع العتيق؟ هل اختفى من الوجود سيدي كما اختفى الكثير من أمثاله؟
صوت المحقق: اخرس يا غبي ! ليس لك علاقة, لا لم ينته, وهل أنا مجنون لأجعله بطلاً و شهيداً في نظر الناس ؟!
صاحب المقهى ببلاهة: و الله لم أفهم شيئاً, المهم سيدي ماذا تأمروني أن أتصرف؟
صوت المحقق: انسفهم بخطاب قومي مجلجل, عن الوطنية و الانتماء , عسى أن تدب الحمية في قلوبهم ثم أخبرهم بان مذياعهم يخضع للتصليح , و عما قريب سيعود إليهم في المقهى.
صاحب المقهى: حسناً سيدي , سأفعل.
صوت المحقق: ودائماً و ابداً أي طارئ جديد يجب عليك إعلامي به فوراً
(صوت إغلاق السماعة)
صاحب المقهى يقف و يعدل هندامه و يتجه إلى آله التسجيل ويقفلها:
أبنائي و إخوتي الكرام :أيها الشعب الكادح العظيم أي.....
( الجميع يصفق بحدة, ثم يتجهون إلى الأستاذ و يحملونه على الأكتاف ومازالت أصواتهم تنطلق من الكواليس): بالروح بالدم نفديك يا وطن! بالروح بالدم نفديك يا وطن
صاحب المقهى: مهلاً إخوتي , مهلاً لم نقل شيئاً, انتظروا حتى نفرغ من الخطاب.
العجوز ليس لي دخل مؤشراً بيديه: صار لدينا رد فعل انعكاسي , فما إن يعتلي أحدهم منبر الخطابة حتى تنطلق ألسنتنا بالهتاف و التشجيع, الويل لشعب يرقص كالمهرج و يفرح كالنسانيس , و في أعماقه مذبوح كدجاج العيد.
(الجميع يرجعون إلى كراسيهم بانكسار و ندم)
الاستاذمؤشراً و الدمعة على خديه: ما أصعب اغتيال نشوة الفرح و الانتصار, ورفرفة رايات الخيبة و الانكسار , فوق جبال الجوع و الحاجة. تعست تلك اللقمة ,وتعس ذاك الطاعم.
صاحب المقهى يتابع خطابه: يا أهالي مقهى الدمعة , أيها الحشد الكريم
إنه لمن دواعي سروري , أن تجتمع هذه النخبة الجميلة من أطياف شعبنا المقاوم في ساحة مقهانا الجميل , لنتشارك الأفراح و الأتراح( يتحسس رأسه المضمد متألما) ولكنني في هذا اليوم رأيت شيئاً عجبا ً!
رأيت الناس قد لبست الصمت و استبدلت ثوب الحرية الناصع بعباءة الإشارة و البكم
(احد الزبائن مؤشراً): ثوب الحرية يغسل في حماماتكم القذرة كل يوم.
صاحب المقهى: ماذا. ماذا ؟ دعني يا بني أتابع خطابي كي لا أنسى التتمة ثم لوح بيديك كما تريد.
(يتابع): هكذا تعلمنا من سنين النضال و المقاومة ودروس الثورة و التحرير.
الأستاذ مؤشراً: لعنة الله عليكم مازلتم تتاجرون بالثورة و التحرير و هي آخر ورقة توت لديكم.
صاحب المقهى: أين ألسنتكم الهدارة و انفعالاتكم الشامخة ؟
العجوز ليس لي دخل: أكلها قط التسلط , و قلمكم المتدفق خيانة و غدرا.
صاحب المقهى: أين بيارق أجدادكم المكللة بالمجد و الغار؟
صبي المقهى مؤشراً: بعتها يا معلمي , كما بعت أوسمة أبي و جدي لقاء لقيمات قليلة.
الأستاذ: وأثمانها أودعت في بنوك سويسرا,
صاحب المقهى: ايها السلبيون مالكم لا تتكلمون..؟
زبون: حتى الكلمة خنقتموها في حلوقنا بليل ظلمكم و استبدادكم.
صاحب المقهى: ويل لأمة صامتة تتفاهم بالإشارة
العجوز ليس لي دخل: وويل لساسة رعيتها خرساء! اذهبوا و اقطعوا ألسنتكم حتى يكون لكم شرف القيادة.
الأستاذ متحسساً رقبته: وهل يتكلمون بألسنتهم لعنهم الله, لا يتكلمون إلا بأيد من حقد و غل و قسوة.
صاحب المقهى: على فكرة مذياعكم العتيق سيعود إليكم قريباً بعد أن ينتهي المعنيون من إصلاحه !
صبي المقهى يصيح بفرحة طفولية و يتكلم للمرة الأولى بدون إشارة: حقاً يا معلم, هل سيعود ؟
صاحب المقهى يعود إلى كرسيه ويهمس منتصراً: الظاهر أن الخطبة الحماسية بدأت تؤتي أكلها.
الاستاذمؤشراً: اصمت يا أحمق. انه يخدعك.كما خدع أسرتك سابقاً حين قال لهم أن أباك سيعود...
صبي المقهى يعود مؤشراً وبصوت متسائل حزين من الكواليس: أبي, وما علاقة أبي رحمه الله بالموضوع؟
العجوز ليس لي دخل: أصلحك الله يا أستاذ, ماالذي ذكرك بقصة شهيد مقهانا,( ينظر إلى الصبي): لا شيء يا بني
لقد خلط الأستاذ بين زيد و عبيد
يقترب الفتى من العجوز مناشداً: لقد قلت للتو شهيد! و كل علمي أن أبي مات مريضاً فقيرا
الأستاذ: دعه أيها العجوز فقد كبر, و آن له أن يعلم أن أباه لم يمت مريضاً, بل مات تحت وقع الضرب و التعذيب لأنه أبى أن يبيع نفسه لهذه الحثالة .
(موسيقى حزينة و الإضاءة مركزة على وجه الصبي الذي يعتصر ألما): لقد خدعوني كل هذه السنين,و انتم خدعتموني أيضا, حتى شرف أن أكون ابن شهيد حرمتموني منه؟
العجوز ليس لي دخل: لم نجرؤ يا بني أن نقول لك هذا , كنت صغيرا ولن تعي ما نقوله, وكان يجب عليك الاعتناء بأسرتك بقلب صاف و همة عالية , لا بقلب جريح و حقد دفين.
صبي المقهى: وهل لهذا الحقير يد في موت أبي؟ يؤشر إلى صاحب المقهى
( الجميع صامت لا يتكلم)
صبي المقهى: أرجوكم لا تتظاهروا بالصمت !
الأستاذ: ذاك ماض قديم, عش الآن لأسرتك و فكر بمستقبلهم و مستقبلك
صبي المقهى: و أي مستقبل هذا يا أستاذ وأنا ليس لي ماض أو أكاد اجهله, كل ما كان لأبي رحمه الله ,اشتراه هذا الكلب مستغلاً فقرنا و جوعنا, حتى الأوسمة وكانت أعز ما نملك اشتراها بثمن بخس , بعد أن دفع جدي و أبي ثمنها دماءً و تضحية, أمي تبكي كل يوم حين تتذكر بيعها للأوسمة وتقول لي: كان صوت صراخكم جوعا أقوى من بريق الأوسمة و شموخ الذكرى.
وهل استحق أن أكون أنا ابن شهداء و أعمل عند خونة؟
العجوز: لو كل إنسان منا ترك عمله لأنه يعمل عند خائن , لوجدت الناس كلها في الشوارع تشحذ يا بني بلا عمل!
(الصبي منكسر و غاضب و يتجه إلى صاحب المقهى): أين أبي! ؟
صاحب المقهى بتعجب: أراك قد نطقت , و لكنك جننت أيها الولد, أبوك أضحت عظامه مكاحل.
الصبي: تكلم باحترام عن من هم اشرف منك , يا غادر
صاحب المقهى يقوم غاضباً: أجننت أيها الحقير ؟ سألقنك درسا لن تنساه.
(يتناول عصا و يهم بضرب الفتى الذي يمسك بيده و يعيد سؤاله بجدية و غضب): أين أبي؟
صاحب المقهى: مات أبوك منذ زمن .
الصبي:ومن كان السبب في موته؟
صاحب المقهى: لسانه الطويل
الصبي: كنت منذ قليل تقنع الناس أن يغردوا بألسنتهم
صاحب المقهى: هذا عملي ,قياس الألسنة و استئصال الطويل منها.
الصبي: أريد أن اعرف شيئاً واحداً , و اصدقني فيه
صاحب المقهى: هات ما تريد يا وقح , و اغرب عن وجهي وإلا أرجعتك للحمام .
الصبي: هل أذعن أبي؟
صاحب المقهى: لو أذعن ما مات! كان عنيداً جلفاً
الصبي: بل كان شريفاً كريماً, ولا استحق أن أكون ابنه مالم اخلص هذا العالم من شرك و شر أمثالك أيها الحقير
( يتناول الصبي سكيناً من تحت مريلته و يطعن صاحب المقهى وسط صراخ الناس)
الأستاذ: مالذي فعلته يا مجنون ؟
الصبي: سكنت صرخات أبي في قبره, فلتزغردي يا أماه , فانا ابن أبي و جدي.
العجوز ليس لي دخل: سيعدمونك و تخسر حياتك
الصبي: وهل تسمي هذه حياة أيها العجوز, أتريدني أن أسميّ نفسي , ليس لي علاقة ,أو ليس لي صالح , وادع هذه الذئاب تنهش في جسمنا للأبد ؟.
الأستاذ: و أهلك ؟
الصبي: سأتركهم لمن يقوم برعايتهم أفضل مني ألف مرة
الجميع: لمن
الصبي: للواحد القهار المنتقم الجبار
( أصوات سيارات الشرطة تدوي صارخة)
يتبع المشهد الاخير
بشار عبد الهادي العاني
08-06-2012, 12:26 AM
المشهد الأخير
( زنزانتان متجاورتان في أحدها قبع الصبي ,و الأخرى فيها المذياع العتيق)
و قد كبل بالسلاسل ووضعت على جدرانه لصاقات طبية و ضمادات)
الصبي وقد جلس في زاوية الزنزانة و قد سلط عليه ضوء خافت يدفن رأسه بين يديه)
المذياع: ماذا فعلت يا بني ؟
الصبي: قتلوا طفولتي , وقد ثأرت لها .
المذياع: وأمك , و إخوتك ؟
الصبي: لهم الله .
المذياع: كان من الممكن معالجة الأمر بشيء من الحكمة .
الصبي: لا تجتمع الحكمة و الغضب في صدر آدمي .
المذياع: لقد جعلت من الجاسوس شهيداً , و كنت أنت الضحية.
الصبي: كلنا ضحايا.
المذياع: وأنت كبش الفداء!
الصبي: غيري كثير!!
المذياع: كنت الأمل.
الصبي: أي أمل بلا رؤية , والضباب يحيط بذاكرتي منذ ولدت ؟
المذياع: الأيام كانت ستبدد ظلام جهلك.
الصبي: لماذا لم تخبرني عن كل ما جرى ؟ لماذا بقيت أجهل كل شيء , والكل يعرف كل شيء , كأنني أصم في ليلة عرس ؟
المذياع: كنا سنعلمك في الوقت المناسب , عندما يشتد ساعدك و تتفتح مداركك. أحيانا الحقيقة تلوذ بالنسيان ,لكي لا تجرح الشعور و الأفئدة.
الصبي: وهل بات للحقيقة في يومنا هذا ملاذ ,إلا في حمامات معاليه.؟
المذياع: صدقت يا ولدي , لكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح.
الصبي: لينني أكون أول حرف في أبجدية الصحيح , وآخر باب في قاموس الضحايا.
(الصبي يحاول أن يرسم الفرح على وجهه , و يمازح المذياع العتيق): المهم أننا تخلصنا من هذا المخبر القذر
(المذياع بحسرة و ألم): سيجدون من شاكلته الكثير .
الصبي: يا ويلي , و هل هناك الكثير من هذه الماركات ؟
المذياع: لقد فرخت القسوة , و تناسلت في بلادنا , و صنعت من نمط المعلم كثيراً !!
الصبي: وما السبب ؟
المذياع: الجوع و الأمان و الشهرة و الكرسي وووو.... ماذا أقول لك تنوعت الأسباب و المخبر واحد!!!
الصبي: والله لم يخرب بيتي غير كلامك هذا , دعني أيها الطيب , دعني لأفكر في كلامك هذا , وألملم شتات أفكاري , و أتجرع حرقتي وألمي.
(تنطفئ الإضاءة من على الصبي و تركز إضاءة شديدة على المذياع العتيق)
المذياع: كنت أتمنى يا أحبتي أن اختم هذه الحكاية بسعادة وفرح , لكن يبدو أن زمان النهايات السعيدة قد انقرض ,
وتاهت أحرفه بين دموعنا و أمانينا , و رغيف خبزنا المغشوش المدعوم,
(تشويش و تداخل في محطات المذياع , تتخلله خطب وطنية , و أغاني حزينة , و أغاني شعبية تافهة المعنى وسيمفونية صاخبة)
المذياع: هذا زماننا خليط و تناقض , خوف و رجاء , رفعة وحضيض , وما زلنا بانتظار الفجر المشرق ليغسل ظلمة الدنس و التجبر من قلوب البعض , و يحي بنوره الشجاعة و الإقدام من الآخر.
هذه حكاية مقهى عادي ينتشر منه الآلاف , بل الملاين في أرجاء عالمنا , الذي أعلن الحداد بوفاة أبسط المبادئ و القيم.
ولكن لالليأس , فللعمر بقية , ولا بد يوماً أن أخرج من هذا السجن المظلم مرة أخرى , لأفتح عيونكم الناعسة , و أغني لكم نشيد الحرية و البقاء.
ينطلق صوت العندليب( خللي السلاح صاحي صاحي لو نامت الدنيا صاحي مع سلاحي
سلاحي في أيديه نهار و ليل صاحي بنادي يا ثوار عدونا غدار
خللي السلاح صاحي صاححححححححححححححححي
انتهى
بشار عبد الهادي العاني
24-01-2013, 02:23 AM
كتبت قبل سنتين من اندلاع ثورة العز والكرامة في سورية . ولعلها كانت سبراً لشارع يغلي ويحتقن.
قوادري علي
24-01-2013, 03:17 AM
تمتعت بالنص فكتابة المسرحية فن راق وعصي ..
شكرا جزيلا أخي الحبيب بشار
ناديه محمد الجابي
24-01-2013, 05:48 AM
كم تمتعت بقراءتى لهذه المسرحية , وراقت لى
الحوارات والأسلوب الرائع .. نصك موجع ياسيدى
وهذا ما يسمى بالكوميديا السوداء ـ ويعكس واقعا
مرا تتكرر شخوصه وأحداثه فى كل بلادنا العربية .
أبدعت وأكثر ـ سلمت يداك .
بشار عبد الهادي العاني
28-01-2013, 05:28 AM
تمتعت بالنص فكتابة المسرحية فن راق وعصي ..
شكرا جزيلا أخي الحبيب بشار
متعك الله بالصحة والعافية أستاذي الفاضل , وشكراً على طيب مروركم.
شكري وتقديري
بشار عبد الهادي العاني
28-01-2013, 05:33 AM
كم تمتعت بقراءتى لهذه المسرحية , وراقت لى
الحوارات والأسلوب الرائع .. نصك موجع ياسيدى
وهذا ما يسمى بالكوميديا السوداء ـ ويعكس واقعا
مرا تتكرر شخوصه وأحداثه فى كل بلادنا العربية .
أبدعت وأكثر ـ سلمت يداك .
شهادة أعتز بها , من أستاذة وأديبة قديرة .
هذا واقعنا الذي عشنا فيه يا أخية , لخمس عقود , والذي كان من نتائجه قيام ثورة لهؤلاء المحرومين , منادين بالحرية والكرامة.
تعمدت الكتابة بلهجة سهلة , وابتعدت عن البديع والتقعر والاستعارة , طمعاً في أن تصل كلماتي لكل الناس.
لكم شكري وتقديري
لانا عبد الستار
10-02-2013, 12:52 AM
مسرحية كتبت باحتراف ومشهدان بحركتهما السريعه كادا السطور تنطق
أتابع بشعف
وأشكرك
بشار عبد الهادي العاني
23-02-2013, 05:44 PM
مسرحية كتبت باحتراف ومشهدان بحركتهما السريعه كادا السطور تنطق
أتابع بشعف
وأشكرك
حياك الله أيتها الفاضلة , لكم كل تحية وتقدير.
نداء غريب صبري
03-04-2013, 12:13 AM
مشاهد مسرحية رائعة
تابعتها باهتمام وشغف
شكرا لك أخي
بوركت
محمد عبد المجيد الصاوي
04-08-2013, 07:45 PM
كيف للضحك والبكاء أن يغدوا لحنا تعزفه بناياتنا المترعة أسى وعويلا ..
بكيت والله يا سيدي هنا :
" الصبي: سكنت صرخات أبي في قبره, فلتزغردي يا أماه , فانا ابن أبي و جدي. "
لنكن أبناء آبائنا الذين وأدهم دنس الخائنين ..
كانت حقا هذه المسرحية استشرافا لواقع ثورة احتدمت براكينها
وكانت فعلا رسما لتفاصيل الصمت الذي سادنا دهورا من الموت
وكنت بكل جدارة أستاذا في فن كتابة المسرح
كل الإجلال لك أستاذي القدير
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir