المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كتاب تاريخ الناصرة –



نبيل عودة
01-06-2012, 09:49 PM
كتاب تاريخ الناصرة – مسيرة عبر العصور


مسح موسوعي شامل لمدينة الناصرة

نبيل عودة

كتاب "تاريخ الناصرة" للاديبة والباحثة نهى زعرب قعوار من مدينة الناصرة يعتبر بحثا واسعا وشاملا حول تاريخ الناصرة، ومسيرتها عبر العصور، وهو من اوسع واضخم الابحاث التي صدرت عن تاريخ مدينة الناصرة بحاضرها وماضيها، وهو يحوي كافة المعلومات المطلوبة عن الناصرة، منذ كانت وحتى يومنا هذا.
البحث /المجلد، صدر في اواخر العام (2000) ويشمل على (680) صفحة من الحجم الكبير، وهو جهد كبير كرسته نهى قعوار، عبر سنوات طويلة من البحث والاطلاع والتجميع لمعلومات نادرة عن كل ما يتعلق بتاريخ الناصرة، وقد افتتحت بحثها القيم بقصيدة من تاليفها عن الناصرة (الباحثة معروفة كشاعرة ايضا ) بدل مقدمة، تقول في قصيدتها:
يا بلدة قبلما التاريخ حل بها روح الاله تجلى في روابيها
وتهدي الباحثة نهى قعوار كتابها / مجلدها لكل محب للناصرة، والى اهل الناصرة الذين صمدوا كالحصن الجاثم والشامخ فوق تلالها وجبالها، محافظين على ما تبقى من ترابها المقدس، وعلى كل قطرة ماء ذرفتها عين العذراء مريم وشرب منها سكان الناصرة قديما وحديثا ، كما شرب منها سكان المعمورة قاطبة .
كذلك تهدي كتابها الى كل مغترب من الناصرة،والى كل عربي واجنبي يهتم بتاريخ هذه البلدة التاريخية العريقة المقدسة، والى كل نبتة صبر مغروسة وصامدة على ارض هذا البلد الطيب المعطاء .
وفي التمهيد تعترف نهى قعوار بصعوبة المهمة التي قامت بها لقلة المصادر والموارد المكتوبة عن الناصرة وعن تاريخها الحافل والشامل على مدى عقود التاريخ القديم والحديث .
يعتبر هذا العمل من اهم الاعمال التوثيقية عن تاريخ الناصرة ، وهو مزين بصور تاريخية عديدة ،وتنهي نهى قعوار بحثها الضخم بقصيدة اخرى من تاليفها ،تغنى على وزن "دلعونا" تقول في مطلعها :
"بلدي يا ناصرة بلد البشارة، بلد المحبة بلد الحضارة، تاريخ الاديان من هالمغارة، ارفعي راسك حتى يشوفونا"
كذلك ارفقت نهاية بحثها بمجموعة كبيرة من الامثال المتداولة بين اهالي الناصرة، وقد استعانت في وضع مؤلفها بما يقارب السبعين مرجعا وبحثا . ولاعطاء فكرة عن هذا الكتاب الهام لا بد من الاشارة الى فصوله.
قسمت الباحثة كتابها الى عشرين بحثا او فصلا ،بداتها كما هو متوقع باسم مدينة الناصرة ،موقعها، مناخها وجبالها . وفي الفصل الثاني تعالج مساكن الناصرة واحياءها واسواقها والصناعات والحياة التجارية وعدد السكان الخ...في الفصل الثالث تطل على الناصرة في بطون التاريخ، وفي عهد المسيح،ومواقعها التاريخية والسياحية ،ومكانتها في الكتاب المقدس وفي اقوال المؤرخين،اما في الفصل الرابع فكتبت عن عين العذراء اشهر مواقع الناصرة اطلاقا،وكتبت عن مصادر المياه ،وينابيع الناصرة ،والامطار وصلاة الغيث ،التي تعتبر من التقاليد الفولكلورية التي بدأت تختفي . في الفصل الخامس تقدم معلومات عن المدارس والتعليم في الناصرة قديما وحديثا، وعن الاناشيد المدرسية حتى عام 1948.وفي الفصل السادس تستعرض المعالم الاثرية في الناصرة،مثل الحمام التركي، المسكوبية (التي كانت مدرسة روسية مشهورة تخرج منها الكثير من رجال الفكر والمشهورين على صعيد العالم العربي والعالم اجمع مثل ميخائيل نعيمة وكلثوم عودة وغيرهم ) كما تكلمت عن مدرسة شنلر الالمانية المهنية التي تخرج منها الكثير من المهنيين في الناصرة والقضاء. وكتبت عن دير ابو اليتامى السلزيان،وتيراسانطة التي هي اليوم مدرسة ثانوية ذات مستوى عال.
اما في الفصل السابع فتدخل الى عالم الازياء والحلي، وعادات الزواج والاحزان والولادة والمشاكل لدى اهل الناصرة ".
تعالج في الفصل الثامن، موضوع الاراضي في الناصرة، والاغاني النصراوية على الارض ومرج ابن عامر "قطعن النصراويات مرج ابن عامر" وقرى القضاء وتسجل قائمة بأسماء القرى وسكانها ومساحتها. من الفصل التاسع حتى الفصل الثاني عشر، تستعرض كنائس الناصرة وقيمتها التاريخية والاثرية، والعهود الصليبية فيها، وسجل عن أملاك وأوقاف الطوائف العربية المسيحية وغيرها من المسائل المثيرة للاهتمام، والتي تشمل معلومات بعضها غاب عنا او لا نعرف عنه شيئا.
في الفصل الثالث عشر تقدم عرضاً للمقدسات الاسلامية في الناصرة، والجوامع والمقامات الدينية المشهورة بالناصرة. أما في الفصل الرابع عشر، فكتبت عن فنادق الناصرة، بدءاً من الخانات المشهورة تاريخياً وصولا للكازانوفا. في الفصل الخامس عشر تتحدث عن بلدية الناصرة وتقدم سجلا باسماء رؤساء البلدية فيها. وتنهي الفصل بالحديث عن مشروع الناصرة 2000 الذي نفذته بلدية الناصرة الحالية.
وتعود في الفصل السادس عشر لاعماق التاريخ، لتقدم لنا بحثاً وافياً عن أصل أهل الناصرة، وأصل العرب المسيحيين،والمبنى الديني والطائفي في الناصرة، وعائلات الناصرة القديمة.
في الفصل السابع عشر، تستعرض نهى قعوار تاريخ مستشفيات الناصرة، والخدمات الانسانية التي قدمتها في فترة غياب أي خدمات طبية حكومية وصولا لايامنا، واستمراراً لهذا الدور وللتطوير المتواصل للمستشفيات وتحويلها الى مراكز طبية ذات مستوى عال لا يقل عن مستوى المستشفيات الاسرائيلية الاخرى، رغم الضائقة المالية، وتهرب السلطات المسؤولة من التزاماتها المالية.
في الفصل الثامن عشر، تتحدث عن العهود التي مرت على الناصرة، وخاصة في فترة الصليبيين والمماليك والعهد العثماني. وفصل خاص عن عهد ظاهر العمر، وصولا للانتداب البريطاني وللحركات السياسية التي قامت، وبالاساس عصبة التحرر الوطني (تنظيم شيوعي) ثم احتلال اليهود والتغييرات التي جرت على الناصرة بعد اقامة دولة اسرائيل ومشاريع التهويد والمصادرة للارض واقامة المستعمرات على اراضي الناصرة والمنطقة وخاصة نتسيرت عيليت.
في الفصل التاسع عشر، تعود لبطون التاريخ القديم، لتبين ان الجليل كان موطنا للانسان القديم، ومركزا للبشارة والتعاليم المسيحية، وتقدم جدولا بالذين سكنوا الارض المقدسة، وصلة العرب بالعبرانيين،وغيرها من القضايا التي تتحدث عن عصر العبرانيين، واصل سكان فلسطين، واسباب ادعاء اليهود بان فلسطين ارض اجدادهم، وصولا للفتح العربي لفلسطين.
وفي الفصل الاخير، العشرين تتحدث عن اعلام الفكر والعلم والادب . وعن شخصيات ادبية عاشت على ارض الناصرة قديما وحديثا، وتواريخ مهمة في حياة الفلسطينيين.
ما استعرضته نهى زعرب قعوار، هو نقطة من بحر هذا البحث، اكثر الابحاث اكتمالا وتجميعا للمعارف والمعلومات عن الناصرة. وهو بلا شك مرجع ضروري، لكل من يريد ان يعرف عن الناصرة وتاريخها وحضارتها وواقعها الحديث.

نبيل عودة
01-06-2012, 09:51 PM
سعيد نفاع يقيم مأتما في الجنة

نبيـــل عـــودة

الكتاب: مأتم في الجنة /104 صفحات من الحجم الوسط
سعيد نفاع / اواخر 2011 / اصدار خاص /


من بديهيات ادبنا المحلي الاندماج بين السياسة والإبداع الثقافي.واستعراض ابرز الكتاب والشعراء في ثقافتنا، نجد ان السياسة كانت تشكل خبزهم اليومي وليس مجرد مناسبات للتعبير عن موقف.
قرأت للكاتب سعيد نفاع سابقا. لم يكن يكثر من النشر، ترك الحزب الشيوعي ثم انضم لحزب التجمع ليصل الى الكنيست ، ثم ليترك التجمع ويواصل نشاطه السياسي كبرلماني مستقل.
هذا جانب واحد من نشاطه الذي طغى في السنوات الثلاث الماضية على شخصيته، ولكنه سريعا ما استعاد توازنه الإبداعي ، والى جانب المقالات السياسية نشر قصصا .
من جوانب شخصيته الأخرى انه محامي عمل في المحاماة قبل الكنيست، وطبعا الى جانب المحاماة واصل الكتابة الأدبية... ويبدو أن الأدب يحتل حيزا من نفسه أعظم من المحاماة، رغم ان شخصية المحامي تظهر في الكثير من المقاطع السردية ، عبر صياغتها بما يشبه المرافعة القضائية. سعيد نفاع اصدر عددا من الكتب حول قضايا محلية ، الى جانب القصص القصيرة ودراسة عن العرب الدروز والحركة الوطنية الفلسطينية. ومجموعته القصصية الأخيرة التي نحن في صددها صدرت اواخر 2011 تحمل اسما ملفتا للإنتباه:" مأتم في الجنة".
اجل ، وهل يملك الفلسطيني ، طفلا كان او بالغا ان يدخل الجنة الا مقتولا او مشردا في هذا الزمن العربي السيئ؟!
مأتم في الجنة اطلق علية سعيد صفة "قصص وحكايات قصيرة" أي ميز سلفا بين القصة الفنية والسرد الحكائي الذي يحمل روح القصة ولكنه لا يرقى الى العمل الدرامي الذي يفترض ان يدمج بين النص القصصي والفكرة القصصية.
في قصة مأتم في الجنة، واعتقد انها لوحة قصصية مؤثرة ومعبرة واجواءها قريبة من أجواء الشعر ، مما يضفي على النص حلما شعريا ولغة مموسقة وصورا لا يمكن تخيلها الا بذهن موسيقي .
المأتم قصة غير عادية، يكسر فيها سعيد النمطية الدارجة. ربما لا يجدد كثيرا في الصياغة القصصية، لكنه لا يجتر الأساليب الدارجة مثل بداية وسط عقدة حل نهاية.. المأتم هو حالة مستمرة وليس من الممكن ان ينتهي المأتم قصصيا ما دام متواصلا في الواقع اليومي المأساوي للشعب الفلسطيني.
النص مليء بالألم. ينجح سعيد بنقله للقارئ. وهنا لا بد من ملاحظة، ان سعيد ينهج في هذا النص على اساس ما اسميه ب "القصة كموضوع فكري" وليس كنص حكائي ممتع فقط. وفي الفكر الامتاع أكبر ولكنه يحتاج الى قارئ من نوع آخر. قارئ لا يقرأ بنصف وعي وبعين مغلقة. ليس لأن النص معقد، بل هو نص سردي متدفق وقريب للروح وسهل، ولكن لفهم المضمون المأتمي في الجنة، يجب الإنتباه للتفاصيل.سعيد يكتب باحساس والم ، ويتجاوز الوجدانية الى فضاء اوسع. في لحظات يكاد النص يبدو بيانا ، او مرافعة قانونية ضد القمع الدموي الذي يعتبر الأطفال أيضا هدفا للقتل. المفارقة الكبيرة التي تطرحها القصة ان الأطفال في الجنة، لم يصلوا لأن الله اختارهم، بل لأنهم أرسلوا عنوة وهم في قمة براءتهم وعشقهم للحياة.
ماذا يفعلون بالجنة؟
انهم يقيمون الأعراس للوافدين قتلا بايدي الأعداء، ويقيمون المآتم للوافدين قتلا بايدي اهاليهم.
رسالة قوية واضحة في مضمونها.
سعيد لا يغرق في نصوصه بالديباجة اللغوية التي لاحظتها لدى الكثيرين، لدرجة انها تثقل على النص وتقتل دراميته.هنا نجده يسرد بلغة سهلة وجمل قصيرة ، تشبه تدفق المياه ، ويثبت انه صاحب تجربة ورؤية فكرية للفن القصصي. وملاحظتي الوحيدة هنا انه لا ينتبه في بعض قصصه الى اهمية عناصر الدهشة القصصية في مطلع النص ، بحيث على القارئ ان يتقدم في القراءة لتنشأ الاثارة او الدهشة في مرحلة متقدمة من الصياغة.
قد يقول قائل ان مبنى بعض القصص ناقص. ويبدو لي ان سعيد كان متنبها لذلك، لذا سجل على الغلاف تحت اسم المجموعة "قصص وحكايات" .. ورغم ذلك جعل حكاياته قريبة جدا من روح الصياغة القصصية.
سعيد كابن لقرية بيت جن، تلك القرية الشامخة مع شموخ جارها الجرمق،والتي تتميز باجواء بيئية ساحرة،أترث بالتأكيد على المفاهيم الجمالية في سرد سعيد وفي بناء صوره القصصية التي أضفت على نصوص المجموعة بعضا من جمال الطبيعة للجرمق الرابض في اعالي الجليل. وبنفس الوقت جعلت النصوص اقرب لواقع الحياة ببساطة الاسترسال في النص واختيار التعابير اللغوية.
كذلك نجد ان التعابير العبرية التي أضحت تحتل حيزا من لساننا ، في استعمالاتنا اليومية، تطل برأسها عبر بعض الصور القصصية كما في قصته : "الخائن".
في قصة "الشلحة" يعيدنا سعيد الى عادات تراثية ، والى ايام سياسة التقشف والتقنين والكوبونات (كرتات الإعاشة) التي سادت اسرائيل حتى سنوات الستين. كان الحصول على المؤن والمأكولات المختلفة، يتم عن طريق طوابع وحصص محددة سلفا ، ذلك طبعا قبل الوفرة التي حلت على الدولة لدرجة التخمة.
ولكن الهدف كان الشلحة.. والقصة تستعيد ايام التقنين التي جعلت التهريب من لبنان وغيرها عملية مربحة، يتوفر عن طريقها الكثير من الضروريات ، خاصة في الأعراس والليالي الملاح.كانت المهربات الطيبة تصل من لبنان. وهو يجمع الخيوط ليشرح لنا مسالة الشلحة التي هي آخر ما يستر الجسد، فالشلحة لها ضرورتها في ليلة الدخلة، حيث تثبت العروس بكارتها ، ويثبت العريس رجولته.والطريقة تعليق الشلحة النسائية المضرجة بالبقع الحمراء(دم ليلة الدخلة) على مدخل بيت العريس.
علم الانتصار العربي الوحيد الذي اعرفه، اعادني سعيد الى ذكرياته وصوره التراثية.
من هذه القصة انتقلت فورا لقصة احمل بعض ذكريات عن موضوعها:"ورق الدخان الشامي" العنوان ذكرني بايام شبابي الباكر عندما كان تهريب ورق الدخان للف السجائر يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، سعيد اعادني لتلك الذكريات عبر هذه القصة ، حيث ورق السجائر الشامي اكتسب شهرة وتميز عن غيره من اوراق الدخان. في القصة يطرح سيرة مهرب يلقي الجنود عليه القبض. ويبدو من النص انها حكاية متداوله قام سعيد بتسجيلها وهي اقرب حقا للأدب التسجيلي، مع ان سعيد اعطاها شكلا سرديا قصصيا .
قصة القاضي هي اقرب الى الطرفة ويظهر واضحا انها حكاية متداولة او حكمة جعل لها سعيد قواما قصصيا.
من الدفاتر القديمة يقدم سعيد في مجموعته اربعة قصص كتبت بين 1972 و 1975.ملاحظتي ان مبناها القصصي يميل الى السرد العادي التقليدي والمباشرة فيها أقوى من قصصه الأحدث.، بينما في نصوصه الجديدة وخاصة في قصة مأتم في الجنة نلاحظ نقلة نوعية في البناء الدرامي واللغة .

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ