المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أوصاف وشروط المعارضات الشعرية (1)



محمد عز الدين
04-06-2012, 09:48 PM
إخوانى الشعراء ، هذه أول مشاركة لى فى منتداكم ، وأتمنى أن تنال إعجابكم ، وما نشرتها هنا إلا بعد أن لاقت استحسان وتشجيع كبيرين من الأديبة السورية ريمة الخانى ، والشاعرة السورية أيضا الأستاذة إباء إسماعيل ، أتمنى أن تنال رضاكم أيضا .

أوصاف وشروط المعارضات الشعرية

كنت أقرأ فى رسالة ( بيان إعجاز القرآن ) للخطابى ، فوجدته يتحدث فيها عن أوصاف وشروط المعارضة كما وردت فى النقد القديم فأحببت أن أطرحها بين أيديكم أساتذتى للمناقشة والحوار

ويبدأ الخطابى كلامه قائلا
" وسبيل من عارض صاحبه فى خطبة أو شعر أن ينشىء له كلاما جديدا ، ويحدث له معنى بديعا ؛ فيجاريه فى لفظه ، ويباريه فى معناه ؛ ليوازن بين الكلامين فيحكم بالفلج لمن أبر منهما على صاحبه ، وليس بأن يتحيف من أطراف كلام خصمه فينسف منه ، ثم يبدل كلمة مكان كلمة فيصل بعضه ببعض وصل ترقيع وتلفيق ثم يزعم أنه قد واقفه موقف المعارضين وإنما المعارضة على أحد وجوه :
1 – منها أن يتبارى الرجلان فى شعر أو خطبة أو محاورة ، فيأتى كل واحد منهما بأمر محدث من وصف ما تنازعاه ، وبيان ما تباريا فيه يوازى بذلك صاحبه أو يزيد عليه ، فيفصل الحكم عند ذلك بينهما بما يوجبه النظر من التساوى والتفاضل نحو ما تنازعه امرؤ القيس وعلقمة بن عبدة من وصف الفرس فى قصيدتيهما المشهورتين

فا فتتح امرؤ القيس قصيدته بالبيت المشهور :


خليلّي مرّا بي على أم جندب

فلما سار إلى ذكر الفرس وسرعة ركضه قال :


فللزجر ألهوب وللساق درة = وللسوط منه وقع أهوج منعب

وابتدأ علقمة قصيدته بقوله :

ذهبت من الهجران في كل مذهبِ

فلما صار إلى ذكر الفرس وركضه قال :

فعفى على آثارهن بحاصب ... وغيبة شؤبوب من السد ملهب

فأدركهن ثانياً من عنانه = يمر كمر الرائح المتحلب

وكانا قد حكما بينهما امرأة امرىء القيس فقالت لزوجهاعلقمةُ أشعر منك فقال : وكيف ذاك ؟ قالت : لأنه وصف الفرس بأنه أدرك الطريدة من غير أن يجهده أو يكده وأنت مريت فرسك بالزجر وشدة التحريك والضرب فغضب عند ذلك وطلقها .

:os::os::os:

* ونحو هذا معارضة الحارث بن التوأم اليشكرى إياه فى إجازة أبيات :

حيث كان امرؤ القيس ينازع كل من قيل أنه يقول شعرا فنازع الحارث بن التوأم

فقال امرؤ القيس : أَحارِ تَرى بُريْقاً هبَّ وهناً

فقال الحارث : كنار مَجوسَ تستعرُ اسْتعارا

فقال امرؤ القيس : أرقْتُ له ونام أبو شُريْحٍ

فقال الحارث : إذا ما قلتُ قد هدأَ استْطارا

فقال امرؤ القيس : فمر بجانب العبلات منه

فقال الحارث : وبات يحتقر الأكم احتقارا

فقال امرؤ القيس : فلم يترك ببطن السى ظبيا

فقال الحارث : ولم يترك بعرصتها حمارا

فقال امرؤ القيس : كأن هزيره بوراء غيب

فقال الحارث : عشار وله لا قت عشارا

فقال امرؤ القيس : فلما أن علا شرجى أضاخ

فقال الحارث : وهت أعجاز ريقه فخارا

فقال امرؤ القيس : فلم تر مثلنا ملكا هماما

فقال الحارث : ولم تر مثل هذا الجار جارا

فآلى امرؤ القيس الا يناقض بعده شاعرا

:sb::sb::sb:

* وقد روى أن الوليد بن عبد الملك وأخاه مسلمة تنازعا ذكر الليل وطوله ففضل الوليد ابيات النابغة فى وصف الليل وفضل مسلمة ابيات امرىء القيس فحكما الشعبى بينهما فقال الشعبى : تنشد الأبيات وأسمع فأنشد للنابغة :

كلينى لهم يا أميمة ناصب

وليل أقاسيه بطىء الكواكب

تطاول حتى قلت ليس بمنقض

وليس الذى يرعى النجوم بآيب

بصدر أراح الليل عازب همه

تضاعف فيه الحزن من كل جانب

ثم أنشد لامرىء القيس :

وليل كموج البحر أرخى سدوله

على بأنواع الهموم ليبتلى

فقلت له لما تمطى بصلبه

وأردف أعجازا وناء بكلكل

ألا أيها الليل الطويل ألا أنجل

بصبح وما الإصباح منك بأمثل

فيالك من ليل كأن نجومه

بكل مغار الفتل شدت بيذبل

قال فركض الوليد برجله ، فقال الشعبى : بانت القضية

قلت : افتتاح النابغة قصيدته بقوله :

كلينى لهم يا أميمة ناصب

متناه فى الحسن ، بليغ فى وصف ما شكاه ، من همه وطول ليله ، ويقال إنه لم يبتدىء شاعر قصيدة بأحسن من هذا الكلام وقوله :

وصدر أراح الليل عازب همه

مستعار من إراحة الراعى الإبل إلى مباتها ، وهو كلام مطبوع سهل يجمع البلاغة والعذوبة ؛ إلا أن فى أبيات امرؤ القيس من ثقافة الصنعة وحسن التشبيه وإبداع المعانى ما ليس فى أبيات النابغة ، إذ جعل لليل صلبا وأعجازا وكلكلا ، وشبه تراكم ظلمة الليل بموج البحر فى تلاطمه عند ركوب بعضه بعضا حالا على حال ، وجعل النجوم كأنها مشدودة بحبال وثيقة فهى راكضة لا تزول ولاتبرح ، ثم لم يقتصر على ما وصف من هذه الأمور حتى عللها بالبلوى ونبه فيها على المعنى ، وجعل يتمنى تصرم الليل بعود الصبح لما يرجو فيه من الروح ، ثم ارتجع ما أعطى واستدرك ما كان قدمه وأمضاه ، فزعم أن البلوى أعظم من أن يكون لها فى شىء من الأوقات كشف وانجلاء ، والمحنة فيها أعلظ من أن يوجد لدائها فى حال من الأحوال دواء وشفاء ، وهذه الأمور لا يتفق مجموعها فى اليسير من الكلام إلى لمثل من المبرزين فى الشعر الحائزين فيه قصب السبق ، ولأجل ذلك كان يركض الوليد برجله إذ لم يتمالك أن يعترف له بفضله

فبمثل هذه الأمور تعتبر معانى المعارضة فيقع بها الفصل بين الكلامين من تقديم لأحدهما أو تأخير أو تسوية بينهما .

يتبع

براءة الجودي
05-06-2012, 01:28 AM
الآن استوعبتُ المعنى الحقيقي لهذه المعارضة
كنتُ أظن معناها سابقا أن يأتي الشاعر بقصيدة عكس قصيدة الشاعر الأول وعلى نفس وزنه وقافيته فقط

كرا لك على الوضيح بالأمثلة
سنتابع هذا الدرس القيم
جزيت خيرا

نادية بوغرارة
09-06-2012, 04:42 PM
متابعون لفصول هذا الموضوع الشيق المفيد .

الأخ محمد عز الدين ،

شكرا لك .

نداء غريب صبري
10-06-2012, 04:12 AM
موضوع رائع
صدمتني فيه يتبع وتمنيت لو أنك أكملت
وسننتظر التتمة

شكرا لك أخي

بوركت

أحلام المغربي
10-06-2012, 11:21 AM
الفاضل محمد عز الدين .. هادف موضوعك .. شيقة أمثلته ..
سأكون إن شاء الله من المتابعات لجديدك
شكرا على الطرح القيم
مع تحياتي و سلامي
أحلام المغربي

وليد عارف الرشيد
10-06-2012, 04:44 PM
لا أقل من رائع يقال في هذا الموضوع الماتع النافع الجميل
نتابع معك والشكر لك على جهدك وتقديمك ومرحبًا بك في واحتك واحة الخير والعطاء
مودتي وكثير تقديري

ربيحة الرفاعي
12-07-2012, 02:04 PM
ما زلنا بانتظار التتمة في هذا الموضوع الشائق والبحث الهادف المفيد

أهلا بك أيها الكريم في واحتك

تحاياي

محمد عز الدين
12-07-2012, 06:19 PM
شكرا لمروركم العطر أساتذتى الكرام ، ولكم أسعدتنى آراؤكم الجميلة ، جعلكم الله ذخرا لثقافة العرب وهويتهم

محمد عز الدين
12-07-2012, 06:25 PM
شكرا لكل من شارك وأسهم بمعلومة أو بحث أو إفادة فى الحلقة الأولى من هذا الموضوع، والآن مع الحلقة الثانية لإتمام الموضوع

هنالك يكمل الخطابى كلامه قائلا:


وقد يتنازع الشاعران معنى واحدا فيرتقي أحدهما إلى ذروته ويقصر شأو الآخر عن مساواته فى درجته، كالأعشى والأخطل حين انتزعا في وصف الخمر على معنى واحد فكان لأحدهما العلو، وكان للآخر السفل.
دخل الشعبى على الأخطل وكان عنده أبو مالك فوجده ثملا وحوله لخالخ ورياحين، فقال: ياشعبى فعل الأخطل وذكر أمهات الشعراء فقال الشعبى: بماذا يا أبا مالك؟ قال: بقوله:


وتـظل تـنصفـنا بها قروية
إبـريـقها برقـاعه ملـثوم
فإذا تعاورت الأكف زجاجها
نـفحت فـنال ريحها المزكوم


فقال الشعبى: أشعر منه الذى يقول:


وأدكن عاتق جحل جحل سبحل
صبـحت براحـه شـربا كراما
مـن اللائى حمـلن على الروايا
كـريح المسك تسـتل الزكاما


فقال له الأخطل: من يقول هذا يا شعبى؟ قال: الأعشى.
قال: قدوس قدوس، فعل الأعشى، وذكر أمهات الشعراء.
فتأمل أين منزلة أحدهما من الآخر، لم يزد الأخطل حين احتشد وافتخر على أن جعل رائحتها لذكائها تنفذ حتى تخلص إلى الرأس فينالها المزكوم، وجعلها الأعشى لحدتها وفرط ذكائها متلة للزكام طاردة له، قد طبت لدائه وتأيت لبرئه وشفائه .


:sb::sb::sb:

وأعجب من هذا فى المعارضات، وأبلغ منه فى مذاهب المقابلات والمناقضات بناء الشىء وهدمه، وتشييده ثم وضعه ونقضه، كقول حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه: أتيت جبلة بن الأيهم الغساني وقد مدحته فقال لي: يا أبا الوليد إن الخمر قد شغفتني فاذممها لعلي أرفضها فقلت:


ولولا ثلاث هن فى الكأس لم يكن
لهـا ثمن من شارب حين يشـرب
لهـا نسق مـثل الجـنون ومصرعه
دنى وأن العـقل يـنـأى ويعـذب


فقال: أفسدتها فحسنها، فقلت:


ولولا ثلاث هن فى الكأس أصبحت
كأنـفس مـال يستـفاد ويطلب
أمانيـها والنـفس يظهر طيـبـها
على حـزنها والهم يسلى فـيذهب


فقال: لا جرم. والله لا تركتها أبدا.


:sb::sb::sb:


قلت: وها هنا وجه آخر يدخل فى هذا الباب وليس بمحض المعارضة، ولكنه نوع من الموازنة بين المعارضة والمقابلة، وهو أن يجري أحد الشاعرين فى أسلوب من أساليب الكلام وواد من أوديته، فيكون أحدهما أبلغ فى وصف ما كان من باله من الآخر فى نعت ما هو بإزائه، وذلك مثل أن يتأمل شعر أبى دؤاد الأيادي والنابغة الجعدي فى صفة الخيل، وشعر الأعشى والأخطل والشماخ فى وصف الخمر، وشعر ذي الرمة فى صفة الأطلال والدمن، والبرارى والقفار، فإن كل واحد منهم وصاف لما يضاف إليه من أنواع الأمور، فيقال: فلان أشعر فى بابه ومذهبه من فلان، وذلك بأن تتأمل نمط كلامه فى نوع ما يعنى به ويصفه، وتنظر فيما يقع تحته من النعوت والأوصاف، فإذا وجدت أحدهما أشد تقصيا لها، وأحن تخلصا إلى دقائق معانيها، وأكثر إصابة فيها حكمت لقوله بالسبق، وقضيت له بالتبريز على صاحبه، ولم تبال باختلاف مقاصدهم وتباين الطرق بهم فيها.

ربيحة الرفاعي
23-08-2014, 02:04 AM
وذلك بأن تتأمل نمط كلامه فى نوع ما يعنى به ويصفه، وتنظر فيما يقع تحته من النعوت والأوصاف، فإذا وجدت أحدهما أشد تقصيا لها، وأحن تخلصا إلى دقائق معانيها، وأكثر إصابة فيها حكمت لقوله بالسبق

فهو الأعظم بيانا والأبلغ تعبيرا إذا
فكيف إذا كان اقتبس شيئا من قول صاحبه ليضمنه في بيته بتوظيف أجمل وارتقاء في الصورة والوصف والمعنى
أيكون عندها تفوق عليه في معارضة، أو يتعتبر الأمر مجرد تناص؟
وهل يحسب له أم عليه ما اقتبس من قوله؟



تحاياي

ربيحة الرفاعي
23-08-2014, 02:06 AM
يدمج مع الجزءان الأول والثاني من الموضوع "أوصاف وشروط المعارضات الشعرية "