المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النية من شروط الأدب الإسلامي



فريد البيدق
05-06-2012, 08:37 PM
.
ونجد القلم يرفع عمن لا يقصد.
ورد عند ابن ماجه وصححه الألباني (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ).
(4)
وفي اللغة نجد في المقدمات النحوية في مقدمة "الكلام وما يتألف منه"، وعند شرط الوضع أورد الشيخ حسن حفظي في شرحه للآجرومية (بقينا في كلمة واحدة في التعريف وهي كلمة بالوضع، فما المراد بها؟ اختلف شراح ابن آجروم أو مقدمة ابن آجروم في المراد بقوله بالوضع؛ فبعضهم يقولون: المراد بكلمة الوضع القصد أن يكون المتكلم قاصداً إفادة السامع، وبعضهم يقول: لا، ليس المقصود به القصد، وإنما المقصود به أن يكون مما تعارف العرب على وضعه).
وفي الشعر تسمى القصيدة قصيدة لأنها مقصودة من قائلها وسامعها.
(5)
والآن، وبعد أن رأينا أهمية النية وعظيم قدرها، واستطراد وجودها في الأفعال- يعن سؤال.
ما هو؟
إنه: ما فائدة اشتراط النية عند الأديب وهناك اتجاهات أدبية نقدية تميت المؤلف، وتجعل النص بعد إنتاجه منفصلا عن كاتبه وثقافته وتجربته الأدبية بكل عناصرها؟
وهذا يبرز سؤال يخص عنوان هذا المقال.
ما هو؟
إنه: أهذا عنوان حقيقي؟ أم مجازي؟
وأجيب بأنه عنوان حقيقي.
لماذا؟
لأن هذا اتجاه من اتجاهات، وكلها لا تفعل ذلك.
ويبرز سؤال: ما يدلنا على نية الأديب؛ فإنه كتب عمله الأدبي وأخرجه ولم نكن معه، ولم نعرفه؟
والجواب يسير ظاهر؛ فإن الأديب المسلم تظهر علاماته في عمله بدءا من اختيار موضوعه وانتهاء ببنائه الفني ومرورا برسم شخصياته وسلوكهم كما بينت ذلك تفصيلا في مقال سابق.
(5)
لماذا أقول ذلك؟ ولماذا أتى العنوان بصورته هذه؟
لأنني قلت قبلا: إن الأدب الإسلامي أدب محتوى، فإن اتصف بما لا يصطدم مع الشريعة فهو أدب إسلامي وإن كتبه كافر أو فاسق أو منافق.
فأردت هنا النص على النية التي بها يحتسب الأديب عمله كما هو شأن المسلم، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 162 - 165].
وكما قال سيدنا معاذ بن جبل لسيدنا أبي موسى الأشعري في الحديث الذي رواه البخاري (حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَدَّهُ أَبَا مُوسَى وَمُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ أَرْضَنَا بِهَا شَرَابٌ مِنْ الشَّعِيرِ الْمِزْرُ وَشَرَابٌ مِنْ الْعَسَلِ الْبِتْعُ، فَقَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، فَانْطَلَقَا. فَقَالَ مُعَاذٌ لِأَبِي مُوسَى: كَيْفَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: قَائِمًا وَقَاعِدًا وَعَلَى رَاحِلَتِي، وَأَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا. قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَنَامُ وَأَقُومُ، فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي. وَضَرَبَ فُسْطَاطًا، فَجَعَلَا يَتَزَاوَرَانِ. فَزَارَ مُعَاذٌ أَبَا مُوسَى فَإِذَا رَجُلٌ مُوثَقٌ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: يَهُودِيٌّ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ؟ فَقَالَ مُعَاذٌ: لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ).
(6)
وهل هناك بأس من عد الأدب غير الصادم للشريعة من الأدب الإسلامي؟
نعم.
كيف؟
لقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على صلاة المسيء في صلاته بأنها ليست صلاة على الرغم من أنه أداها تحت بصره.
ورد في صحيح البخاري (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّ وَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ؛ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ. فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ؛ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، ثَلَاثًا. فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي! فَقَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا. وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا).
وفي الحديث القدسي الذي ورد في صحيح مسلم نرى عدم الأخلاص علامة لحبوط العمل.
(حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ).
(7)
إذن لا بد من وجود الدافع والنية لاكتساب الفعل؛ لذا فالأدب الإسلامي لا يكتبه إلا أديب مسلم ملتزم بالإسلام.

سامية الحربي
06-06-2012, 01:25 AM
للأسف كثير من يدبج الحروف ويرصفها يغيب عنه وزن حرفه في الميزان الشرعي والنية والقصد . عظيم ما سطرت جزاك الله خيراً وجعل ذلك في موازين حسناتك . تحيتي وتقديري.

فاطمة بلحاج
06-06-2012, 02:39 AM
الأستاذ الكريم فريد البيدق
جزاك الله خيراً على الموضوع القيم
بورك فيك

فريد البيدق
07-06-2012, 08:03 PM
شكر الله تعالى لكما، وأبقى أثر حرفكما!

لطيفة أسير
07-06-2012, 09:26 PM
جميل أن تسبق النية الحسنة كل عمل أدبي وأن يجلس الأديب مع نفسه يسائلها : ماذا تبتغي بهذا العمل ؟
وكما في الحديث الشريف " إنما الأعمال بالنيات " يعم كل أمر يقوم به المسلم يجب أن تسبقه نية ، لأنها هي الأساس.
موضوع قيم أستاذي الكريم فريد البيدق أكرمكم الله وبارك فيكم

نداء غريب صبري
08-06-2012, 10:09 PM
صدقت اخي
نحن نكتب بمشاعر نختلقها لنكتب وقلما نتذكر أن هناك رقيبا عتيدا يرى ويسجل

الله المستعان

شكرا لك أخي

بوركت

فريد البيدق
10-06-2012, 09:47 PM
بوركتما وأكرمتما، وطاب حرفكما ودام!

نادية بوغرارة
11-06-2012, 09:59 AM
النية تصدّق الأعمال أو تكذّبها ، وتصحيح النية سلوك لا ينبغي أن يفوت

العامل ،فيجددها كل حين .

الأستاذ فريد البيدق ،

دمت وهداياك الثمينة .

عبد الرحيم بيوم
13-06-2012, 02:59 PM
النية نيتان
النية المتجهة للعمل: وهي نوعان نية لتميز بين العبادات ونية تميز بين العادة والعبادة
النية المتجهة للمعبود: وهي الاخلاص
ولقبول العبادة شرطان الاخلاص يترتب عليه القبول والاتباع يترتب عليه الصحة
فالذي فهمت من كلامك ايها الكريم:
ان العمل الادبي ليكون اسلاميا
فلا بد ان ينتقل من العادة الى العبادة بنية الاحتساب ليترتب الأجر
ثم ينضبط العمل الاسلامي بضوابط الاسلام ليصير صحيح الانتماء اليه
اتمنى ان يكون فهمي صحيحا

وتحياتي لك ايها الفاضل

فريد البيدق
19-06-2012, 07:52 PM
بوركت جليلتنا الأستاذة نادية، ودام حرفك!

فريد البيدق
19-06-2012, 07:53 PM
ما شاء الله تعالى!
دام التميز مشرفنا الحبيب الأستاذ عبد الرحيم!

ربيحة الرفاعي
06-07-2012, 02:27 AM
فعلى الأديب إذا أن يبدأ بتعلم فقه الأدب المستند لقوله تعالى " وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"
ثم تكون النية في كل عمل يهم به

أفلا تكفي النية المطلقة أصلا؟
كأن تكون نية الأديب خالصة لله ابتداء فلا يجددها قبل العمل؟

موضوع هام ونافع
نفعنا الله وإياك به في الدنيا والآخرة

أهلا بك أديبنا في واحتك

تحاياي

فريد البيدق
06-07-2012, 02:31 PM
شكر الله تعالى لك، وأعلى ذكرك، وأبقى نفعك!