المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من شروط الأدب الإسلامي



فريد البيدق
07-06-2012, 08:09 PM
ملحوظة قبل البدء: لا يقبل المنتدى العنوان الكامل؛ لذا أختصره في العنوان، وأكتفي بإيراده كاملا في الموضوع.
***
تفصيل الحلال وإجمال المعصية من شروط الأدب الإسلامي

(1)
في المقال السابق "النية التي هي القصد شرط من شروط الأدب الإسلامي" بينت أن النية من شروط الأدب الإسلامي وهو شرط يختص بالأديب لكن أثره يظهر على العمل الأدبي، وهنا أتحدث عن شرط من شروط الأدب يختص بالعمل نفسه، وهو يتمركز حول معالجة الأحداث أدبيا.
كيف؟
يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72].
وهذا شعار الأديب المسلم الملتزم بالإسلام.
كيف؟
إن الأدب العلماني يسبح في الحرام ولا يعبأ تحت وهم "سيادة الأدب على ما عداه مهما كان"، أما الأدب الإسلامي فإنه يضع الحلال نصب عينيه عندما يفصل الحلال وعندما يتناول الحرام أيضا تناولا مجملا؛ لأنه أدب له أن يتناول الجوانب المظلمة، لكنه يتناولها بطريقة مشرقة لا بطريقة مظلمة تزيد الظلام إظلاما.
كيف يفعل ذلك؟
(2)
إذا مر بمعالجة موقف أدبي فإنه يجمل إذا كان فيه معصية فلا يسرف إسراف الأديب العلماني في تفصيل لحظات ممارسة الفاحشة أو الجنس بين الزوجين، ولا يسرف في وصف المرأة، ولا في مشاهد المخدرات والخمور و... إلخ.
وإذا وجد أن ذلك ضرورة فلا بد أن ينتهي وصفه بما لا يترك في نفس القارئ شيئا من حب المعصية.
لماذا؟
لأن القرآن أرشدنا إلى أن الإجمال مطلوب في اللحظات الخاصة الحلال فما بالنا بما عداها من الحرام؟
كيف؟
لاحظ كيف عبر الله تعالى عن المعاشرة الزوجية في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف: 189].
ولاحظ كيف أجمل الله تعالى موقف معصية امرأة عزيز مصر فقال: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يوسف: 23 - 25].
ولو تناول أديب علماني هذا الموقف لوضع مكان جملة "راودته" صفحات وصفحات كلها إغراء بالفاحشة وتحبيب لنفوس القراء فيها.
ولاحظ كيف وصف الله فعل ملكة سبأ {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44].
(3)
لاحظنا قبلا الإجمال، وإذا لاحظنا موقفا قرآنيا آخر وجدنا البسط والاستطراد.
كيف؟
قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} [المؤمنون: 1 - 10].

وقال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77) } [الفرقان: 63 - 77].
(4)
وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة "ما بال أقوام"، وهي تتصل بأدب المذكرات والذكريات اتصالا وثيقا، ذلك النوع من الأدب الذي يفضح فيه الإنسان نفسه بحجة قول الحقيقة كما وقعت.
وأذكر مثالا واحدا من صحيح البخاري على الرغم من تكرار هذا كثيرا (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَتَتْهَا بَرِيرَةُ تَسْأَلُهَا فِي كِتَابَتِهَا فَقَالَتْ إِنْ شِئْتِ أَعْطَيْتُ أَهْلَكِ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِي، وَقَالَ أَهْلُهَا: إِنْ شِئْتِ أَعْطَيْتِهَا مَا بَقِيَ وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: إِنْ شِئْتِ أَعْتَقْتِهَا وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لَنَا. فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَّرَتْهُ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابْتَاعِيهَا فَأَعْتِقِيهَا؛ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ. ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ -وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ- فَقَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ).
(4)
ونذهب إلى موقف عملي في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يشبه مواقف التحقيق الجنائي الآن التي تستوجب التفصيل الذي لا يعرف كناية ولا مجازا؛ لترتب حكم على ما سيقال- لنرى كيفية تعبير النبي عن ذلك في هذا الموقف الذي يفوق مواقف الإبداع الأدبي.
ورد في صحيح البخاري (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَعِيلَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ حَدَّثَنِي يَعْلَى عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ قَالَا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ يَعْلَى يَعْنِي ابْنَ حَكِيمٍ يُحَدِّثُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ: لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ قَالَ: لَا).
(5)
والمواقف كثيرة لمن طلبها في القرآن والسنة، وكلها تؤكد البسط حيث الحلال والإجمال في المعصية، وكلها تؤكد التناول الذي لا يحبب المعصية إذا حدث تناول معصية؛ لذا وجب على الأديب المسلم الملتزم بالإسلام أن يعمد إلى ذلك متمثلا قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19]. ومتمثلا الآية التي صدرت بها المقال {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72].

لحسن عسيلة
07-06-2012, 09:00 PM
جزاك الله خيرا أخي الكريم فريد البيدق ،
فعلا أنت فريد في طروحاتك ،
أتابع كل ما تكتب ، أجد فيه فائدة ومتعة وتذكيرا ،
جعله الله في حسناتك ،
أنتظر جديدك ،
تقبل مودتي وتقديري ،

نداء غريب صبري
08-06-2012, 10:13 PM
خطر لي تساؤل حين قرأت الموضوع
هل الحديث عن العواطف في الأدب حرام؟ وكيف سيكتب الأديب وماذا يكتب إذا كانت حراما

شكرا لك أخي

بوركت

فريد البيدق
10-06-2012, 09:43 PM
شكر الله تعالى لك شاعرنا الكريم لحسن!

فريد البيدق
10-06-2012, 09:48 PM
أنتظر جواب هذه الخاطرة منك شاعرتنا الجليلة!

عبد الرحيم بيوم
11-06-2012, 02:04 PM
اخي الفاضل فريد
معنى جميل ومضمون حق تغافل عنه الكثير او جهلوه
فآخية الامر كما ذكرت هي النية ورسم الغاية والمقصد
فلاجل ذلك اختلف الادب المنبثق من فكر منتهج للاسلام عن فكر غيره
لانه منضبط ومعلوم المعالم وواضح المساحة والحدود
لذلك فصل في الفضائل وكنى واوما في الرذائل
لان غايته في الاولى ان يحببها للقلوب فتنشر بخلاف الثانية
فناسب التفصيل لتلك وناسب الاجمال لهذه

استمتع بمواضيعك ايها الكريم
وتحياتي لك

بهجت عبدالغني
11-06-2012, 04:58 PM
نعم استاذنا الكريم
باسم الواقعية ونقل صورة المجتمع كما هو
يتسلل اولئك الهدامون الى عقولنا وثقافتنا
ينخرون في عظامنا
يفسدون شبابنا

وهنا يأتي الادب الاسلامي جداراً صامداً مانعاً لتلك الانحرافات التي تريد ان يجرفنا الى مستنقع الشبهات والشهوات ..


تحياتي لك ولطرحك المميز ..

ربيع بن المدني السملالي
13-06-2012, 12:04 PM
رائع أستاذنا فريد بارك الله فيك

لا أخرج من موضوعاتك إلا مستفيداً

دمت ودام هطولك المفيد

تحياتي

فريد البيدق
19-06-2012, 07:55 PM
دمتم أيها الكرام، وطاب حرفكم ودام!

ربيحة الرفاعي
18-07-2012, 09:07 PM
كدائما تطرح ما يستحق عبر مداخل تيسّر فهمه
وكدائما تحمل مواضيعك القيمة والنفع وترتقي بعطاء المتلقي حين يعطي

موضوع جليل لا حرمت أجره أديبنا الكبير

تحاياي

فريد البيدق
07-08-2012, 04:45 PM
ولا حرمت حرفك الدافع الفارق نبيلتنا الجليلة!