المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مَناسك حَمّام الجَدّة



سعاد محمود الامين
08-06-2012, 08:57 AM
مَناسِك حَمّام الجَدّة
قدِمت الجَدّة فاطمة دون رغبتها الى المدينة، من قريتها الكائنة حيث ينحنى نهر النيل ثم يستقيم مسرعًا نحو الشمال يَشق التِيه، تحُفه أشجار النخيل الباسقة، ورمال الصحراء، وآثار التاريخ القديم. فقد الحَ عليها ابنها الوحيد أن تأتى لتعيش معهم فى المدينة. حيث يشغل مركزا مرموقا ويعيش مع زوجته وطِفْليه. عندما علمت بنبأ رحيلها من القرية إنتابتها حالة من الإكتئاب. لأنها تكره الرحيل لإرتباطها العميق بجذورها فى القرية، فأودَعت أغنامها للحاجة نفيسة لترعاهم فى حظيرة أغنامها حين عودتها. وطلبت من ودعَكر أن يتعهد حقلها ونخيلها عند ضفة النهر بالرىّ، ثم غادرت القرية.
مَرت الأيام وأعقبتها الشهور، وهى تنادى بالرحيلِ حيث ينحنى نهر النيل. وابنها يوعِدها بالرجوع للقرية يومًا بعد يوم حتى يئست. وأصبحت كثيرة الصمت، لاتداعب أحفادها كما كانت ولاتتحدث مع زوجة ابنها.
وإنعزلت عن مجتمع المدينة، لاترحب بالزوار ولاتخرج مع الأسرة. تجتر ذكريات القرية. وصويحباتها المُسنات، عندما يجلسن ليتسامرن طوال اليوم تحت شجرة النيم الظليلة فى بيتها المتواضع المبنى من الطين كبقية بيوت القرية، تغشاهن غفوة تقدم العمر لاإرادياً عند منتصف النهار، فينمن كأصحاب الكهف . ثم تزول الغفوة فينهضن يحتسين الشّاى ويثرثرن، حتى إذ إنقضى النهار مُفسحًا للليل مكانه، توشحت القرية السواد الحالك، ينبَلِج ضُوء القمر وتتسرب خيوطه الفضية بين أشجار النخيل، لترمى بظلالها التى تتحرك مع نسائم الليل كالأشباح على صَفْحَة النيل . عندها يخرجن النسوة لجلب الماء . كانت تتذكر كل ذلك وتتحدث كثيرا قبل أعلان اضرابها عن الحديث وعن الحَمّام. صمتها كدر صفو حياة الأسرة. حياة المدينة الصاخبه الفردية لاتستهويها حيث لاتجد العفويّة، كل شئ مُتكلّف تطالبها زوجة ابنها بأن تغير لهجتها القروية التى تتحدث بها حتى لاتفضحها مع جاراتها، وهى لاتستطيع الى ذلك سبيلاً. وأن ترتدى الثياب التى تختارها لها، وأن تَسّتحِم كلما أمرتها بذلك. الجَدّات المُسنات فى المدينة منبوذات فى حُجرات تنتبذ ركنًا قصيًا من المنزل. وهذا ماأثار حفيظتها وجعلها تتمرد على حياة المدينة.
إجتمع مجلس الأسرة ليناقش الجَدّة فاطمة لتفك إضرابها عن الكلام والحمّام. اذ صارت تنبعث منها رائحة العرق والملابس المُتسخة. رفضت رفضًا باتًا التفاوض خاصةً الحمّام، لانها تكره حمّام المدينة المُتحضر لاتريد أن تستحم بماء يخرج من ثقوبٍ آلةٍ وهى تقف على حوض أبيض زَلِق هذا جنون. أخيرًا بعد أن هجر أحفادها حجرتها النَتِنة، وأصبحت وحيدة لايستطيع أحد الجلوس قُربها.
نادت على ابنها وهمست له: أُريد أن استحم
قفز واقفًا وصفق بيديه فرحًا لقد تركت أمه العِصيان. نادى زوجته وأمرها بتجهيز الحَمّام. صرخت الجدة بأعلى صوتها: لا أريد حمام المدينة أريد حمّامى الذى تعودت عليه فى القرية. داخل حجرتى لن أتحرك من هنا.
إمتعضت الزوجه وعبّرت عن سخطِها بضرب أقدامها بشدة على الأرض، وقذفت بالمناشف بعيدا فهى لاتعرف حمّام القرية.
حذرت زوجها بأنها لاتستطع مجاراة عِناد أمه. ولاتعرف طقوس حمّام القرية لانها بنت المدينة.
قالت لها الجدة: زمان.. زمن ..الزمان ..زين . كنت أريد لابنى زوجة من قريتنا ولم يسمع كلامى تعرف كل شئ ولاتتضجر مثلك. تبا لك
صمتت الزوجة وهى تنظر اليها نافدة الصبر تكتم غيظًاً، والجَّدة تستعرض بنات القرية ..ه.ها. ام الحسن بنت مقبول..والرضيّة بنت أبوزيد..ه.ها.. كلهن أجمل منك وتكيد لها وتهمهم وتكيد وتكيد حتى غفت فى سبات عميق غفوة تقدم العمر اللاإرادية .
جاء ابنها وطلب منها أن تشرح لزوجته حمّام القرية. استعدلت الجدة جلستها ومَصّمصت شفتيها مُستهجنه جهل زوجة ابنها قالت: أولا أزيلى هذا السِجّاد من حجرتى..ه.ها.. وضَعى الطست فى منتصف الحجرة..ه.ها.. واملائى الجَرّدل بالماء..ه.ها.. وضعى الصابونة فى لِيفة آآآ لا أريد ليفة البندر أريدها من لحاء شجرة النخيل..ه.ها وأحضرى كوبا لاصب به الماء فوق رأسى..ه.ها..فهمتى. وواصلت همهمتها..ه..ه..ها!. أسرعت الزوجة تكتم إنفجار يمور فى داخلها كالبركان. وأزالت السِجاد من على بلاط السراميك، ووضعت لها كل ماطلبته. تحركت الجَدّة ببطء وخلعت ملابسها المتسخة والقت بها على الأرض. وتوسطت الطَسّت وجلست القرفصاء، وتناولت الكوب ودلقت الماء فوق رأسها، فتسرب مندفعًا فى إنحناءت جسدها المُترهل متخذًا طريقة نحو الأسفل، هى تلاحقة بالصابونة المتمردة الملفوفة داخل اللِيفة، تنفلت من يدها المرتجفه فتَلّعنها الجَدَة، محاولة إزالت الأوساخ التى تراكمت مع العَرق ــ ابتسامة الرضا تُنير وجهها المتغضن ــ فقد انتصرت على زوجة ابنها، فهى لم تمارس مَناسِك حَمِام القرية منذ قدومها، انتشر رذاذ الماء، وتناثرت الرغوة على السراميك وامتلأت أرضية الحجرة بالماء وفقاعات الصابون، وعندما نهضت الجَدّة واقفةً من جلسة القُرفصاء خارج الطَسّت وضعت قدمها على الصابونة فزَلّت.. وسقطت محدثا ضجيجًا عاليًا اذا حاولت التمسك( بجَرّدل) الماء فانزلق هو الآخر مُغرقاً الحجرة بالماء. هرول الجميع لاستجلاء الخبر فوجدوا الجَدة ملقاةٌ على الأرض عارية، أسرع ابنها والقى عليها ثوبها، ونُقلت للمشفى لعلاج الكسور المُركبة التى أصابتها إثر مَناسِك حمَام القرية.
قطار الشمال ينهب الأرض نهبًا، فى اتجاه منحنى نهر النيل حيث تطلّ الجَّدة من النافذة فترى صويحباتها السُرة، وسعدية، ونفيسه، وصالح صاحب الكَنْتِين والكَجم الجزّار، والحَقِى بائع الخضار، والترزى عبد الكريم وكل القرية التى إفتقدتها فرحةً بقدومها، رَسمت خطواتها فوق الرمال، وعادت أغنامُها الى الحَظِيرةِ.

وليد عارف الرشيد
09-06-2012, 03:10 AM
رائعة استمتعت بها مبدعتنا الفاضلة وراق لي تصوير هذه الشخصية التي أعلم بوجود شبيهاتها في بلداننا العربية كثيرًا كما استمتعت بالسردية المتقنة لقاصة قديرة .. وأتت النهاية تتويجًا لهذه الحميمية الجميلة
أتمنى عليك فقط أختي الكريمة وربما تعذريني لإلحاحي أن تشاركي الزملاء والزميلات في أعمالهم فكما تعلمين فإن صرحنا يفخر بالتفاعلية بين جميع رواده ومحبيه
مودتي وتقديري كما يليق

سعاد محمود الامين
09-06-2012, 06:25 AM
مشكور أخى وليد
على المرور والتعليق.. كما تعلم أنا عضو جديد أقرأ كل القصص لأتعرف على الكتاب من قصصهم وتعليقاتهم وستجدنى مشاركة لهم بمرور الوقت الساكن الجديد فى الحى دائما بيكون حذر لغاية مايتعرف على الناس. مودتى .

كاملة بدارنه
09-06-2012, 08:02 PM
هو التّمسك بكلّ ما يعتاده المرء من سلوكيّات وعادات، وكلّما طال العمر ازداد التمسّك بهذه الخصال التي تتأصلّ ، وإن كانت في نظر آخرين تافهة
وكثيرا ما يؤدّي التّمسك بالامور التّافهة إلى الخسارة والمخاطر
قصّة رائعة الفكرة والسّرد
بوركت
تقديري وتحيّتي
حبّذا لو انتبهت للهمزات ولبعض الأخطاء قبل النّشر
(تخرج النّسوة - فهمت - انفجارا - انحناءات - إزالة - محدِثة )

آمال المصري
10-06-2012, 12:52 AM
هو التمسك بالعادات البيئية والتي بمرور الزمن يصعب على الفرد أن يخلع رداءها ويرتدي آخر يراه غير مناسب أو ليس على المقاس كما يقال
شخصية الجدة ظريفة جدا وربما مرت علينا كثيرا في الواقع نماذج مماثلة
وقد صورتها لنا أديبتنا القديرة باقتدار
دام ألقك
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

نداء غريب صبري
10-06-2012, 02:43 AM
قصة جميلة تشبه الحقيقة
ونهاية رائعة
واسلوب شدني بقوة

شكرا لك اختي

بوركت

سعاد محمود الامين
10-06-2012, 01:31 PM
الأخت الأستاذة كاملة
شكرا على المرور والتصحيح لقد قمت على الفور بتصحيح المفردات فى النص أتمنى دائما أن تلفتى نظرى للأخطاء حتى نرقى بلغتنا الجميلة عندما نتعلم من بعضنا.
لك مودتى

سعاد محمود الامين
10-06-2012, 01:37 PM
الأديبة آمال
يسعدنى مرورك وتعليقاتك تشجعنى وشكرا لك فعلا هذه الجدة تمثل كل شخص عندما يتعلق وجدانه بأشياء نعتبرها غير ذات قيمة. عندما أحضر أبى جدتى من القرية كان تلح للرجوع بسبب حيواناتها عبارة عن حمار وواربعة عشر رأس من الأغنام وتعيش معهم بمفردها تجلب الماء من البئر والحشيش من الزراعية وعمرها ثمانين سنه ولاتشكى من اى مرض حتى وفاتها.

سعاد محمود الامين
10-06-2012, 01:42 PM
الأخت نداء الشاعرة
سعدت بمرورك وإعجابك بقصةتلامس الواقع. إن المكان والزمان حالة تتقمص الأنسان لذلك كان عشق الأوطان علما بان الأرض والسماء واحدة فى جميع انحاء المعمورة ولكن حب المكان يشكل وجدان الانسان تراق الماء من أجل الأرض البكماء ولكن لهذه الأرض حديث فى دواخلنا هى أرض الاجداد ومرتع الطفولة وهوىة للانسان لذلك أرثى للنازحين واللاجئيين والحديث يطول

زليخة ارقاقبة
10-06-2012, 05:59 PM
أختي القاصة
نفس هذه الشخصية تسكن معي و هي ذات 98حولا : هي والدتي .و إلى غاية كتابة هذه السطور لا زالت تنادي بالرجوع إلى منزلها القديم و تفقد كؤوسها الصفراء و فناجينها البيضاء
و نخبرها أن صاحب السيارة الذي ينقلنا إلى البيت القديم لا زال لم يصنعها بعد،
إنه أرذل العمر يا أختي .
وصفك جميل جدا.
بالتوفيق.

فاطمه عبد القادر
10-06-2012, 06:24 PM
قطار الشمال ينهب الأرض نهبًا، فى اتجاه منحنى نهر النيل حيث تطلّ الجَّدة من النافذة فترى صويحباتها السُرة، وسعدية، ونفيسه، وصالح صاحب الكَنْتِين والكَجم الجزّار، والحَقِى بائع الخضار، والترزى عبد الكريم وكل القرية التى إفتقدتها فرحةً بقدومها، رَسمت خطواتها فوق الرمال، وعادت أغنامُها الى الحَظِيرةِ.



السلام عليكم صديقتنا سعاد
القصة رائعة جميلة ,فيها حميمية ودفىء جعلتنا نستغرق فيها
حتى الزرعة يا عزيزتي سعاد تذبل وتعلن العصيان على الحياة, إذا ما نقلها المرؤ من مكانها ووضعها في مكان آخر
أعرف الكثير من العجائز رجالا ونساء كادوا يموتون فعلا عندما استقدمهم الأبناء من بلدهم لبلد الاغتراب
اقتلاع الشخص من تربته أمر صعب للغاية
شكرا لما قدمت لنا بأسلوب سلس وممتع
ماسة

سعاد محمود الامين
10-06-2012, 07:00 PM
فعلا ياأختى لقد عايشت مع النازحين محنة ترك ديارهم وحنينهم الجارف لأماكنهم... للمكان ميلاد.للمكان خطوات. للمكان أناس سعدنا برفقتهم للمكان عطر وللمكان همسة وللمكان حب وللمكان جمع وللمكان حنين كلها محفورة فى الوجدان المكان حالة لذلك اشفق على كل من تطره ظروفة لمغادر ة موطنة الصغير فى حيز الوطن او الكبير بالهجرة الاجبارية. عندما ينفرد الانسان بنفسه ويجد نفسه وحيدا تقفز الأماكن وشخوصها الى الذاكرة. حضرت وفاة مسنة رقضت الطعام والدواءوإكتئبت حتى ماتت بسبب نزوحها من موطنها. لدى مجموعة قصصية تحكى فقط عن النزوح من الديار والشتات تخص افريقيا. شكرا لك أختى على الإقتباس والتعليق

سعاد محمود الامين
10-06-2012, 07:16 PM
الأخت زليخة
شكرا على المرور والله التوق الى مكانك الذى تسكنه زمنا طويلا لا يشمل كبار السن. حتى الطفل عند الرحيل دائما يسأل متى نرجع لمنزلنا حتى يتعود وتجديه باكيا ضجرا كانت ابنة صديقتى تبكى ليل نهار بسبب انتقالهم لمكان آخر. ولكن ارثى لكبار السن عندما أراهم يلحون للعودة. هذه المشاعر مسيطرة على وجدانى اشفق على كل مهاجر ونازح وهذه الصفة تشاركنا بها الحيوانات ايضا عند تغير بيئتها تصيح... وحديث الأماكن ذو شجون( يقول الشاعر ..............حنينه دائما لاول منزل).

ربيحة الرفاعي
01-10-2012, 06:05 AM
في الحنين لمساكننا وأوطاننا دلالات إيجابية لا يلام فيها كبار السن وجلّهم أكسبتهم الخبرة وطول العمر فكرا أعمق وتقديرا للأمور أصح

قصة جميلة ماتعة السرد مشوقة التفاصيل أبرزت مهارات قصية لدى الكاتبة ملفتة
استمتعت بقراءتها وحمال حبكتها

تحاياي

براءة الجودي
01-10-2012, 10:14 PM
لاأعلم لم ضحكتُ هنا حتى ارتويت ^^
أعجبني أسلوبك الدقيق في سرد الأحداث
وخصوصا نهاية القصة هي اجمل شئ
وكما قال الأعضاء التمسك بالعادات جميل وعند كبار السن يكون التمسك بالتقاليد شديدا وكانها حكم شرعي ان تخلوا عن احدها سيعاقبون
ولكن بعض العادات والتقاليد لابد أن تتغير ونأخذ بأحسن منها ولانتلقفها بخيرها وشرها
شكرا لكِ

سعاد محمود الامين
04-11-2012, 07:38 AM
الأديبة براءة كل عام وانا بخير أقلب فى مشركاتى القديمة فوجدت نفسى قد فاتنى الرد عليك فالمعذرة رغم طول المدة ولكن هذة القصة من أحب القصص التى كتبتها شكرا على المرور ولنتواصل ودمت

عبد السلام هلالي
04-11-2012, 07:58 AM
أختي سعاد،.
أعجبتني كثيرا هذه القصة التي جمعت بين روح الطرفة وجمالية السرد وانسيابه ونبل الرسالة والنهاية الرائعة التي جاءت تتويجا محكما لهذا العمل المنسجم المترابط.
تعلق آبائنا وأجدادنا بأشيائهم العتيقة يمثل تشبتا بالهوية والأصالة والزمن الجديد لكنه يصبح مضرا حين يتوقفون عنده ويعيشون داخل أسر الماضي، خارج حدود الحاضر . حيث يصعب التواصل معهم وعلينا أن نبدل أقصى الجهد في مد جسور التواصل معهم وتفهمهم كما فعلو معنا حين كنا لا نعرف من الحياة غير أيديهم تمتد إلينا.
أجدد إعجابي بالقصة ، احترامي وتقديري.

سعاد محمود الامين
10-11-2012, 05:59 PM
شكرا جزيلا أخى عبد السلام على المرور البهى اسعدتنى كثيرا بأعجابك بالنص لقد اصبحت المسافات بعيدة بين الأجيال لقد قفزنا فوق الزمن ولم نتمرحل فغاب التواصل ثورة المعلومات والتكنولوجيا فصلت الاجداد عن الاحفاد واصبح جدّو فى متحف التاريخ.

محمد ادريس علي
10-11-2012, 08:57 PM
لكِ ولقلمك تحية عميقة

قصة من الواقع بكل المقاييس , استطاعت اديبتنا ان تجسدها بأسلوب سلس ومنمق
من بلغ من العمر عتيا ومن شب على شئ منذ طفولته لا يمكنه مبارحة ما شاب عليه , كما يقول المثل: ( من نسى قديمه تاه ) وكيف لهذه الجدة التي ترعرت على احضان قرية بسيطة وداعبت اشجارها وقضت اوقات تحت ظلالها الوارفة من الصعب ان تنسجم مع ضوضاء المدينة واسلوب حياتها المغايرة تماما عن القرية .

لكِ التحية مرة اخرى اختي الكريمة , وحقاً استمتعنا بهذا السرد الجميل
سلمت يداكِ

ناديه محمد الجابي
10-11-2012, 09:08 PM
الأخت / سعاد محمود الأمين
يعجبنى جدا أسلوبك فى الكتابة .. ومقدرتك على السرد الهادئ
المشوق الممتع الناقل للحدث وكأنك تحملين آلة تصوير لاقطة
لكل صغيرة وكبيرة للواقع وكأنى أقرأ لنجيب محفوظ .
قصة جميلة أمتعتنى وراقت لى كثيرا .. دمت من قاصة موهوبة
وبارك الله فيك وفى قلمك .. وفى إنتظار جديدك .

سعاد محمود الامين
16-11-2012, 11:27 AM
الاخ وحيد تحية طيبة
شاكرة ومقدرة لك المرور والتعليق الثر أعتذر عن تاخير الرد ودمت متواجدا فى متصفحى .

سعاد محمود الامين
16-11-2012, 11:33 AM
الأديبة نادية
تحياتى العطرة
أعجز عن شكرك تشبهى كتاباتى المتواضعة مع كاتبى المفضل الذى استمتعت بما كتب سنينا عددا شكل وجدانى وأثرى خيالى احببته كثيرا له الرحمة بقدر ما امتعنا ولك التقدير للتشجيع الذى دخل القلب مباشرة مودتى وامتنانى زينى متصفحى دائما برقى تعليقاتك.

محمد الشرادي
16-11-2012, 07:13 PM
مَناسِك حَمّام الجَدّة
قدِمت الجَدّة فاطمة دون رغبتها الى المدينة، من قريتها الكائنة حيث ينحنى نهر النيل ثم يستقيم مسرعًا نحو الشمال يَشق التِيه، تحُفه أشجار النخيل الباسقة، ورمال الصحراء، وآثار التاريخ القديم. فقد الحَ عليها ابنها الوحيد أن تأتى لتعيش معهم فى المدينة. حيث يشغل مركزا مرموقا ويعيش مع زوجته وطِفْليه. عندما علمت بنبأ رحيلها من القرية إنتابتها حالة من الإكتئاب. لأنها تكره الرحيل لإرتباطها العميق بجذورها فى القرية، فأودَعت أغنامها للحاجة نفيسة لترعاهم فى حظيرة أغنامها حين عودتها. وطلبت من ودعَكر أن يتعهد حقلها ونخيلها عند ضفة النهر بالرىّ، ثم غادرت القرية.
مَرت الأيام وأعقبتها الشهور، وهى تنادى بالرحيلِ حيث ينحنى نهر النيل. وابنها يوعِدها بالرجوع للقرية يومًا بعد يوم حتى يئست. وأصبحت كثيرة الصمت، لاتداعب أحفادها كما كانت ولاتتحدث مع زوجة ابنها.
وإنعزلت عن مجتمع المدينة، لاترحب بالزوار ولاتخرج مع الأسرة. تجتر ذكريات القرية. وصويحباتها المُسنات، عندما يجلسن ليتسامرن طوال اليوم تحت شجرة النيم الظليلة فى بيتها المتواضع المبنى من الطين كبقية بيوت القرية، تغشاهن غفوة تقدم العمر لاإرادياً عند منتصف النهار، فينمن كأصحاب الكهف . ثم تزول الغفوة فينهضن يحتسين الشّاى ويثرثرن، حتى إذ إنقضى النهار مُفسحًا للليل مكانه، توشحت القرية السواد الحالك، ينبَلِج ضُوء القمر وتتسرب خيوطه الفضية بين أشجار النخيل، لترمى بظلالها التى تتحرك مع نسائم الليل كالأشباح على صَفْحَة النيل . عندها يخرجن النسوة لجلب الماء . كانت تتذكر كل ذلك وتتحدث كثيرا قبل أعلان اضرابها عن الحديث وعن الحَمّام. صمتها كدر صفو حياة الأسرة. حياة المدينة الصاخبه الفردية لاتستهويها حيث لاتجد العفويّة، كل شئ مُتكلّف تطالبها زوجة ابنها بأن تغير لهجتها القروية التى تتحدث بها حتى لاتفضحها مع جاراتها، وهى لاتستطيع الى ذلك سبيلاً. وأن ترتدى الثياب التى تختارها لها، وأن تَسّتحِم كلما أمرتها بذلك. الجَدّات المُسنات فى المدينة منبوذات فى حُجرات تنتبذ ركنًا قصيًا من المنزل. وهذا ماأثار حفيظتها وجعلها تتمرد على حياة المدينة.
إجتمع مجلس الأسرة ليناقش الجَدّة فاطمة لتفك إضرابها عن الكلام والحمّام. اذ صارت تنبعث منها رائحة العرق والملابس المُتسخة. رفضت رفضًا باتًا التفاوض خاصةً الحمّام، لانها تكره حمّام المدينة المُتحضر لاتريد أن تستحم بماء يخرج من ثقوبٍ آلةٍ وهى تقف على حوض أبيض زَلِق هذا جنون. أخيرًا بعد أن هجر أحفادها حجرتها النَتِنة، وأصبحت وحيدة لايستطيع أحد الجلوس قُربها.
نادت على ابنها وهمست له: أُريد أن استحم
قفز واقفًا وصفق بيديه فرحًا لقد تركت أمه العِصيان. نادى زوجته وأمرها بتجهيز الحَمّام. صرخت الجدة بأعلى صوتها: لا أريد حمام المدينة أريد حمّامى الذى تعودت عليه فى القرية. داخل حجرتى لن أتحرك من هنا.
إمتعضت الزوجه وعبّرت عن سخطِها بضرب أقدامها بشدة على الأرض، وقذفت بالمناشف بعيدا فهى لاتعرف حمّام القرية.
حذرت زوجها بأنها لاتستطع مجاراة عِناد أمه. ولاتعرف طقوس حمّام القرية لانها بنت المدينة.
قالت لها الجدة: زمان.. زمن ..الزمان ..زين . كنت أريد لابنى زوجة من قريتنا ولم يسمع كلامى تعرف كل شئ ولاتتضجر مثلك. تبا لك
صمتت الزوجة وهى تنظر اليها نافدة الصبر تكتم غيظًاً، والجَّدة تستعرض بنات القرية ..ه.ها. ام الحسن بنت مقبول..والرضيّة بنت أبوزيد..ه.ها.. كلهن أجمل منك وتكيد لها وتهمهم وتكيد وتكيد حتى غفت فى سبات عميق غفوة تقدم العمر اللاإرادية .
جاء ابنها وطلب منها أن تشرح لزوجته حمّام القرية. استعدلت الجدة جلستها ومَصّمصت شفتيها مُستهجنه جهل زوجة ابنها قالت: أولا أزيلى هذا السِجّاد من حجرتى..ه.ها.. وضَعى الطست فى منتصف الحجرة..ه.ها.. واملائى الجَرّدل بالماء..ه.ها.. وضعى الصابونة فى لِيفة آآآ لا أريد ليفة البندر أريدها من لحاء شجرة النخيل..ه.ها وأحضرى كوبا لاصب به الماء فوق رأسى..ه.ها..فهمتى. وواصلت همهمتها..ه..ه..ها!. أسرعت الزوجة تكتم إنفجار يمور فى داخلها كالبركان. وأزالت السِجاد من على بلاط السراميك، ووضعت لها كل ماطلبته. تحركت الجَدّة ببطء وخلعت ملابسها المتسخة والقت بها على الأرض. وتوسطت الطَسّت وجلست القرفصاء، وتناولت الكوب ودلقت الماء فوق رأسها، فتسرب مندفعًا فى إنحناءت جسدها المُترهل متخذًا طريقة نحو الأسفل، هى تلاحقة بالصابونة المتمردة الملفوفة داخل اللِيفة، تنفلت من يدها المرتجفه فتَلّعنها الجَدَة، محاولة إزالت الأوساخ التى تراكمت مع العَرق ــ ابتسامة الرضا تُنير وجهها المتغضن ــ فقد انتصرت على زوجة ابنها، فهى لم تمارس مَناسِك حَمِام القرية منذ قدومها، انتشر رذاذ الماء، وتناثرت الرغوة على السراميك وامتلأت أرضية الحجرة بالماء وفقاعات الصابون، وعندما نهضت الجَدّة واقفةً من جلسة القُرفصاء خارج الطَسّت وضعت قدمها على الصابونة فزَلّت.. وسقطت محدثا ضجيجًا عاليًا اذا حاولت التمسك( بجَرّدل) الماء فانزلق هو الآخر مُغرقاً الحجرة بالماء. هرول الجميع لاستجلاء الخبر فوجدوا الجَدة ملقاةٌ على الأرض عارية، أسرع ابنها والقى عليها ثوبها، ونُقلت للمشفى لعلاج الكسور المُركبة التى أصابتها إثر مَناسِك حمَام القرية.
قطار الشمال ينهب الأرض نهبًا، فى اتجاه منحنى نهر النيل حيث تطلّ الجَّدة من النافذة فترى صويحباتها السُرة، وسعدية، ونفيسه، وصالح صاحب الكَنْتِين والكَجم الجزّار، والحَقِى بائع الخضار، والترزى عبد الكريم وكل القرية التى إفتقدتها فرحةً بقدومها، رَسمت خطواتها فوق الرمال، وعادت أغنامُها الى الحَظِيرةِ.

اشتد بها الحنين إلى عالمها الجميل. حيث البساطة و حيث كل شيء طبعي لا تصنع فيه.
مودتي

سعاد محمود الامين
17-11-2012, 04:34 PM
الاخ محمد
تحية وسلام
اشكرك على التعليق والمرور البهى .

د. سمير العمري
17-12-2013, 02:32 PM
هو التمسك بالأصالة والانتماء للأرض وللعادات وللمنهج ، ورغبة في أن تتجذر في أرضها ورفض كل ما هو غريب عنها ، وكانت الدلالات واضحة على مدى المعاناة حينا والرفض حينا والإصرار على أن تحقق ما تريد من تمسك وثبات.

ربما وددت لو كانت اللغة نقية من الشوائب وأقوى سبكا وتكثيفا.

تقديري

سعاد محمود الامين
19-12-2013, 06:32 PM
شكرا لك الدكتور سمير
يسعدني تواجدك فى هذا النص الذى كان العهد به قديما.
.ولكنه من أحب النصوص الى نفسي..
كتبته فى بدياتى لذلك مليئ بالشوائب المعذرة لخدش ذائقتك اللغوية
.ممتنة لك الأرشاد ودمت نبراسا تنير طريق الأدب

خلود محمد جمعة
16-09-2014, 11:42 AM
لكل منا مناسك خاصة في حياته يتمسك بها
والصراع بين الأجيال أو القرية والمدينة صراع دائم
عندما يتقدم بنا العمر نتمسك بكل ما يمس ذكرياتنا وبعض الطقوس او العادات تبات جزء منا يجب على الكل احترامه وتهجير هذه الجدة وانتزاعها من عالمها وزرعها في عالم مختلف تماما قمة القسوة
القصة جميلة وتحكي بلسان الواقع بأسلوبك المائز وسردك الشيق
دمت متجددة
تقديري وكل المودة:014:

سعاد محمود الامين
16-09-2014, 05:50 PM
العزيزة خلود
تحية المساء
ياه هذا نص أثير أحبه كثيرا لأنه وجد صدى واسع فى الأسافير
حكاية الجدة والموروث والأرض
شكرا لك لبهاء اختيارك.. وسعدت بذلك كثيرا
دمت بخير