تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الزعيم



محمد الطيب الحواط
10-06-2012, 12:39 AM
الزعيم:sb:



نشأت مدللا ولم أدر كيف أسرع بي عمري ،

فتجاوزت الطفولة والمراهقة في لمح البصر .

تمرنت على الزعامة في بيت أهلي ،

وعلى الخطابة بين أبناء الحي .

اعتدت التصدر وألفت المدح والإطراء .

اختارني الكهول المتخلى عنهم ، زعيما لهم .

أغلب الأعضاء وضعوا أيامهم أمامهم لشذب أطرافها التي جفت .

وتعهد اليافع منها ورعايته .

قدت الجماعة بشغف وحرص وفخر .

أنا فقط ،

الذي يرى ويسمع ،

والذي يكتب ويقرأ ،

والذي يدبر ويسير ويتواصل .

أشتغل فيهم طبيبا وسائسا ، وحكيما وحاكما .

لا رأي غير رأيي ، ولا استشارة إلا معي .

عم احترامي وشاع تقديري .

اعتاد الناس مناداتي باسم :

السيد الرئيس .

حتى أن اسمي الحقيقي عاد غريبا عني ، أكاد لا أعرفه .

ثم تهامس القوم بتفاقم نزواتي .

فأجمعوا على التخلي عني ، وتجريدي من مهامي .

اختفيت بعيدا عن أعين الشماتة

" كما يختفي السمان في أدغال القصب " .

لم أتحمل التخلي عن الصيد في الماء العكر .

فبحثت لنفسي عن وسط آخر أتأمر فيه .

أعياني البحث وشاخت الكلمات في حلقي .

اغتنمت غياب أهلي ،

لجأت إلى القاعة الكبرى بالبيت .

صففت الوسائد جمهورا افتراضيا .

أمامها نصبت منصتي .

فأخذت أخاطب جمهوري وأعدد مزاياي ،

وأستعرض برامجي وأفسر خططي .

أقاطع حديثي بين الحين والحين بالتصفيق والهتاف

نيابة عمن أتوهمهم يتتبعون صياحي .

وفجأة ..

انتشر وباء غريب بين الوسائد فلمحتها تحتضر .



استسلم هواء القاعة وانتحر .

فانسحبت في هدوء .



في اليوم الموالي ،

قررت نقل الحملة إلى أرض مخضبة بعشب الهجير ،

لتحتضن بعناية أفكاري الهاربة .

قصدت سفح جبل شامخ وقور ،

مكلف بمراقبة مدن الأشلاء الجاثية بين قدميه .

حريص على تتبع حركة الجثث ، مخافة أن تفيض على وجه الرموس ،

وتعيث فسادا في أحياء المدينة الهرمة .

اعتبرت الصخور المسننة المتناثرة هنا وهناك ،

جمهور المعجبين .

اخترت إحدى الأكمات .

جلست على كتفها مثل البومة المفزوعة .

أعطيت الإشارة لتوزيع الموائد

وإكرام الوافدين من كل حدب وصوب .

وخلال انكباب أصناف الجمادات على تناول الوجبات بنهم ولهفة .

أخذت أتلو خطابي بصوت جوهري قوي رنان .

لا أسمع سوى رجع صوتي المنكسرعلى صفحات الصخور .

أردد همسا وأتساءل :

هل ستصل كلماتي مسامع الرفاق القدامى ؟

أم أن الخطايا التي لطخت ملابسي ، لن يذيبها عويلي ؟

أم تراني أمني نفسي ببطولات لن تأتي ،

ومنجزات لن تتحقق ؟

ما الذي حدث وسيحدث ؟

أرى حولي وجوها مكشرة

على هيئة أكلة لحوم البشر (الكانيبال) تتربص بي .

هل ساستغيث ؟

ومن يسمعني ؟

أم سأفر ؟

وإلى أين ؟





صادفني بعض المارة بمكان تواجدي .

وجدوني منهمكا في نشر هواجسي على الأطلال .

آمل أن يجففها لهيب الحر من بلل الوزر السميك .

تأكد المارة من نوع إصابتي ،

فاحتالوا علي واقتادوني

إلى مصحة المجانين ...

محمد النعمة بيروك
10-06-2012, 01:02 AM
ربما لذا السبب تقترن كلمة "جنون" ب"العظمة" فنقول "جنون العظمة"..
إن معضلة الحاكم بصفة عامة، والعربي بصفة خاصة أنه يصعد الكرسي في البدء "عاقلا" متواضعا، لسانه بقطر عسلا، فتبدأ الحاشية في نفخه، ثم يتبعها الشعب، فيصدق كلامهم ويُجن.. وعندما يسقط، يصبح بقدرة قادر دكتاتورا طاغية، بعدما كان رئيسا فذا ملهما..

نص جميل بقفلة قوية، رغم مظهره السيء بسبب توسيط الخط ونثره بهذه الطريقة الغريبة على الصفحة..

تحياتي.

نداء غريب صبري
10-06-2012, 02:56 AM
أحسنت أخي
ذكرتني قصتك بقصائد كان يكتبها شعراؤنا بوالد الطاغية قبل أن يكتبوها اليوم فيه

شكرا لك

بوركت

آمال المصري
10-06-2012, 07:35 AM
عندما تُفقد الزعامة صفة الإنسانية عن صاحبها ولم يرَ غير نزواته التي ينغمس بها
تستدر عنه وجوه المنقادين وتلفظه حتى الجمادات
حيث أن اعتلاء الكرسي والتشبس به إذا مازال عن صاحبه يؤدي به لدرب من الجنون
نص رائع ولكن أهرقتني القراءة لمظهر النص
تقديري لهذا الإبداع
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

وليد عارف الرشيد
10-06-2012, 08:33 AM
قصة قوية معبرة أوضحت الطغاة بشكلهم الحقيقي وبدوافعهم الكامنة وسيرتهم الذاتية بإتقان لغوي وتصويري مميز وبديع
فقط اتفق مع من سبقني على تقديم النص بهذا الشكل وكاني أمام قصيدة نثرية متفرقة
مرحبًا بك مبدعنا الجميل في واحتك
مودتي وكثير تقديري

محمد الطيب الحواط
11-06-2012, 11:26 PM
الفاضل

محمد النعمة

ممتن لاهتمامك وتتبعك

مقدر لقراءتك وملاحظتك

لك تحيتي

محمد الطيب الحواط
11-06-2012, 11:28 PM
الفاضلة

نداء غريب صبري

مشكورة على التتبع والقراءة

والارتسامات


لك مودتي

محمد الطيب الحواط
11-06-2012, 11:29 PM
الفاضل

أمال المصري

مشكور على القراءة والتقيم

والارتسامات والتشجيع

لك تحيتي

محمد الطيب الحواط
11-06-2012, 11:31 PM
الفاضل

وليد عارف الرشيد

ممتن لتقديرك وترحيبك
مقدر لقراءتك وتقييمك
لك تبجيلي وتحيتي

ربيحة الرفاعي
01-10-2012, 06:28 AM
قصة جميلة الحبكة ماتعة السرد ذكية القفلة رسمت بمهارة لوحة الطواغيت وعرّت بذكاء دواخلهم وما ليس خافيا من حقيقتهم

وددت لو كتبت مرسلة بأسلوب الفقرة وباستخدام علامات الترقيم ليكتمل بهاؤها


تحاياي

محمد الطيب الحواط
13-01-2013, 04:26 PM
الفاضلة ربيحة الرفاعي

ممتن لاهتمامك وتتبعك وتشجيعك

ولاحظت بدوري ما انتاب شكل النص من تمزيق

وتشتت ،

ولم أستطع ترميمه ، لأني لم أهتد إلى

أيقونة التعديل على المتصفح .

د. سمير العمري
29-04-2013, 05:29 PM
الغرور وجنون العظمة هما وجهان لعملة واحدة ، وكم من واهم جره غروره وجنونه ليطلب ما ليس له وليدعي ما لن يبلغه.

أشيد هنا برد محمد النعمة فقد قال الكثير مما يشرح الحالة العربية نسأل الله العافية!

بخصوص البناء فقد كان النص قصصيا هادفا ولكن عابه عندي المباشرة نوعا ثم الأهم فرض شخصية الكاتب على شخصية البطل وإطلاق الأحكام عليه ، وترك هذا للقارئ بإيحاءات جيدة أجدى وأوقع أثرا!

تقديري

محمد الطيب الحواط
08-05-2013, 08:49 PM
الشاعرة المبدعة

الفاضلة ربيحة الرفاعي

ممتن لاهتمامك وتتبعك

مقدر لتقييمك وتوجيهك

لك بالغ مودتي

محمد الطيب الحواط
08-05-2013, 11:05 PM
الفاضل د سمير العمري

ممتن لاهتمامك وتتبعك

مقدر لقراءتك وتوجيهاتك

لك بالغ تقديري