كمال عوض
09-11-2004, 08:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ياسر عرفات .. دون كيشوت العرب
الكثير منا قد قرا أو سمع قصة دون كيشوت وصراعه ضد طواحين الهواء صانعا الأمجاد الوهمية وخائضا للمعارك الخيالية مختلقا انتصارات , ومتصورا هزائم لأعدائه لا يراه غيره , ويسير هكذا ممتطيا حصانه الذي لا يكل ولا يتعب من القتال كفارسه ,حاملا أسلحة قديمة مهترئة كانت لأجداده , وبهذا بدأت مغامراته ومعركته الخاسرة من أجل تغيير العالم نحو الأفضل , التي انتهت بعودته إلى بيته وقد شاخ واسترد عقله , ولكن عودة العقل تحدث على فراش المرض .
عذاب وقهر السنين الأربع الأخيرة منذ اندلاع انتفاضة الأقصى .. كان يحتم علينا جميعا التعاطف وإظهار الحب والتقدير لعرفات في لحظات مرضه .
لم يعرف تاريخنا العربي الحديث .. مقاتل واجه الموت وطلب الشهادة .. رغم ما تعرض له من سدود وحواجز .. فلم يتراجع .. ولم يتنازل .. مثل ياسر عرفات ..
كان عرفات ضحية للقوي العربية التي لم تكن قد قرأت موازين القوي الدولية بدقة , ولم تكن قد فهمت اللعبة الدولية والظروف العالمية .
تمسك عرفات بثوابت سياسية تاريخية مقدسة بدءا من الحق التاريخي وانتهاء بعدم القبول بأية صيغة أو مساومة.
خطأ عرفات أنه أرتبط مع بعض القوي العربية قناعة منه بأنها ستهب لنجدته في ساعة محددة , رغم الضعف الظاهر لهذه القوى وسوء استشرافها ومحدودية فهمها للواقع السياسي الدولي .
غلطة عرفات التاريخية أنه لم يقرأ التاريخ جيدا .. ولم يدرك أن حرب فلسطين 1948 كانت خاسرة من قبل أن تبدأ وأن صناع القرار السياسي العربي قد دخلوا الحرب وهم يخشون أطراف عربية أخري .. ويخشون الرأي العام العربي بأكثر من خشيتهم من الدولة الإسرائيلية الجديدة .
ويكفي أن الملك عبد الله الأول المسئول عن أكثر الجيوش العربية تدريبا وتسليحا في ذلك الوقت , خشي من الملك فاروق ملك مصر وقواته .. كما خشي من الحاج أمين الحسيني زعيم الحركة الفلسطينية الوطنية , كما خشي من تمدد إسرائيل الجديدة .. مما دعاه لقاء جولدا مائير وزيرة الخارجية الإسرائيلية في ذلك الوقت .. عدة مرات في محاولة للاتفاق على صيغة سياسية تحكم الوضع بعد انسحاب بريطانيا , ولم تكن له أية أوهام من إمكانية هزيمة إسرائيل , وكان على معرفة تامة بالمتوازنات الدولية و وكان يطمح بنفس الوقت للاستفادة من هذه التطورات لصالح توسيع مملكته غربا باتجاه الضفة الفلسطينية عبر نهر الأردن , أي أنه كان ينتظر فشل القيادة الفلسطينية ليكون ممثل العرب هناك .
لقد خسر الفلسطينيون المعركة منذ بدايتها لأن العرب لم يدركوا حجم المشكلة ولم يكونوا مؤهلين للتصدي لها نتيجة تداخل الخلافات العربية العربية على كل المستويات .
في النموذج المعتاد لحركات التحرر في المنطقة العربية , كان المناخ الدولي كثيرا ما يعمل على نحو من التأييد والمساندة في مختلف المحافل الدولية , باستثناء حركة تحرير فلسطين بزعامة عرفات .. تشكلت تلك الحركة في عالم كان أقل استعدادا للإصغاء لمطالبهم , وقمة المأساة تمثلت في أن الفلسطينيين كانوا في صراع مطلق مع اليهود , والتعاطف الدولي كان في اتجاه الدولة اليهودية الوحيدة في العالم , كل تلك العوامل بالإضافة إلى قيام الحركة الوطنية الفلسطينية على قاعدة من اللاجئين والنزاعات الإقليمية والمناخ الدولي .. كل تلك العوامل أدي إلى خلق حركة وطنية فريدة بقيادة عرفات .
على مدي ما يقرب أربعون عاما (( 1965 – 2004 )) دفع الفلسطينيون ثمنا باهظا لاستمرار حركتهم وبقائها , ولقي الكثير من قادتها ومقاتليها ومواطنيها حتفهم من أجل ذلك , وقد أنجر الفلسطينيون إلى صرا عات متعددة لم تواجهها أية حركة تحرر وطني أخري , بدءا من نضالهم ضد إسرائيل , وصدامهم ضد الحكومة الأردنية عام 1970 و عام 1971 والمعارك الكثيرة التي خاضوها في لبنان منذ عام 1975 وانتهت بالأزمة التي خلفها الاحتلال العراقي للكويت عام 1990 .
لقد ظلت الحركة الوطنية الفلسطينية للعديد من الأسباب , حركة وطنية واقعة تحت الحصار وتحت الاختلاف الشديد في وجهات النظر سواء بين قادتها أو بين الأنظمة السياسية العربية .
ما حدث على أرض الأردن يؤكد أن إسرائيل قد نالت ما أرادت .. وحققت أكثر مما تهدف إليه .. ولن أستبعد أن تكون قد فرضت على الزعماء العرب عدم الاهتمام بعرفات في الفترة الأخيرة ولحظات مرضه مقابل أن تسمح له بالسفر للعلاج .
هل سيمر عرفات بنفس ظروف شاه إيران في أيامه الأخيرة .. حينما رفضت معظم دول العالم استقباله للعلاج خوفا من استثارة الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 , حتى مات ودفن في مصر , بعيدا عن أضواء السلطة وصولجان الحكم .
كمال عوض
Kamalawad848@hotmail.com
ياسر عرفات .. دون كيشوت العرب
الكثير منا قد قرا أو سمع قصة دون كيشوت وصراعه ضد طواحين الهواء صانعا الأمجاد الوهمية وخائضا للمعارك الخيالية مختلقا انتصارات , ومتصورا هزائم لأعدائه لا يراه غيره , ويسير هكذا ممتطيا حصانه الذي لا يكل ولا يتعب من القتال كفارسه ,حاملا أسلحة قديمة مهترئة كانت لأجداده , وبهذا بدأت مغامراته ومعركته الخاسرة من أجل تغيير العالم نحو الأفضل , التي انتهت بعودته إلى بيته وقد شاخ واسترد عقله , ولكن عودة العقل تحدث على فراش المرض .
عذاب وقهر السنين الأربع الأخيرة منذ اندلاع انتفاضة الأقصى .. كان يحتم علينا جميعا التعاطف وإظهار الحب والتقدير لعرفات في لحظات مرضه .
لم يعرف تاريخنا العربي الحديث .. مقاتل واجه الموت وطلب الشهادة .. رغم ما تعرض له من سدود وحواجز .. فلم يتراجع .. ولم يتنازل .. مثل ياسر عرفات ..
كان عرفات ضحية للقوي العربية التي لم تكن قد قرأت موازين القوي الدولية بدقة , ولم تكن قد فهمت اللعبة الدولية والظروف العالمية .
تمسك عرفات بثوابت سياسية تاريخية مقدسة بدءا من الحق التاريخي وانتهاء بعدم القبول بأية صيغة أو مساومة.
خطأ عرفات أنه أرتبط مع بعض القوي العربية قناعة منه بأنها ستهب لنجدته في ساعة محددة , رغم الضعف الظاهر لهذه القوى وسوء استشرافها ومحدودية فهمها للواقع السياسي الدولي .
غلطة عرفات التاريخية أنه لم يقرأ التاريخ جيدا .. ولم يدرك أن حرب فلسطين 1948 كانت خاسرة من قبل أن تبدأ وأن صناع القرار السياسي العربي قد دخلوا الحرب وهم يخشون أطراف عربية أخري .. ويخشون الرأي العام العربي بأكثر من خشيتهم من الدولة الإسرائيلية الجديدة .
ويكفي أن الملك عبد الله الأول المسئول عن أكثر الجيوش العربية تدريبا وتسليحا في ذلك الوقت , خشي من الملك فاروق ملك مصر وقواته .. كما خشي من الحاج أمين الحسيني زعيم الحركة الفلسطينية الوطنية , كما خشي من تمدد إسرائيل الجديدة .. مما دعاه لقاء جولدا مائير وزيرة الخارجية الإسرائيلية في ذلك الوقت .. عدة مرات في محاولة للاتفاق على صيغة سياسية تحكم الوضع بعد انسحاب بريطانيا , ولم تكن له أية أوهام من إمكانية هزيمة إسرائيل , وكان على معرفة تامة بالمتوازنات الدولية و وكان يطمح بنفس الوقت للاستفادة من هذه التطورات لصالح توسيع مملكته غربا باتجاه الضفة الفلسطينية عبر نهر الأردن , أي أنه كان ينتظر فشل القيادة الفلسطينية ليكون ممثل العرب هناك .
لقد خسر الفلسطينيون المعركة منذ بدايتها لأن العرب لم يدركوا حجم المشكلة ولم يكونوا مؤهلين للتصدي لها نتيجة تداخل الخلافات العربية العربية على كل المستويات .
في النموذج المعتاد لحركات التحرر في المنطقة العربية , كان المناخ الدولي كثيرا ما يعمل على نحو من التأييد والمساندة في مختلف المحافل الدولية , باستثناء حركة تحرير فلسطين بزعامة عرفات .. تشكلت تلك الحركة في عالم كان أقل استعدادا للإصغاء لمطالبهم , وقمة المأساة تمثلت في أن الفلسطينيين كانوا في صراع مطلق مع اليهود , والتعاطف الدولي كان في اتجاه الدولة اليهودية الوحيدة في العالم , كل تلك العوامل بالإضافة إلى قيام الحركة الوطنية الفلسطينية على قاعدة من اللاجئين والنزاعات الإقليمية والمناخ الدولي .. كل تلك العوامل أدي إلى خلق حركة وطنية فريدة بقيادة عرفات .
على مدي ما يقرب أربعون عاما (( 1965 – 2004 )) دفع الفلسطينيون ثمنا باهظا لاستمرار حركتهم وبقائها , ولقي الكثير من قادتها ومقاتليها ومواطنيها حتفهم من أجل ذلك , وقد أنجر الفلسطينيون إلى صرا عات متعددة لم تواجهها أية حركة تحرر وطني أخري , بدءا من نضالهم ضد إسرائيل , وصدامهم ضد الحكومة الأردنية عام 1970 و عام 1971 والمعارك الكثيرة التي خاضوها في لبنان منذ عام 1975 وانتهت بالأزمة التي خلفها الاحتلال العراقي للكويت عام 1990 .
لقد ظلت الحركة الوطنية الفلسطينية للعديد من الأسباب , حركة وطنية واقعة تحت الحصار وتحت الاختلاف الشديد في وجهات النظر سواء بين قادتها أو بين الأنظمة السياسية العربية .
ما حدث على أرض الأردن يؤكد أن إسرائيل قد نالت ما أرادت .. وحققت أكثر مما تهدف إليه .. ولن أستبعد أن تكون قد فرضت على الزعماء العرب عدم الاهتمام بعرفات في الفترة الأخيرة ولحظات مرضه مقابل أن تسمح له بالسفر للعلاج .
هل سيمر عرفات بنفس ظروف شاه إيران في أيامه الأخيرة .. حينما رفضت معظم دول العالم استقباله للعلاج خوفا من استثارة الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 , حتى مات ودفن في مصر , بعيدا عن أضواء السلطة وصولجان الحكم .
كمال عوض
Kamalawad848@hotmail.com