تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : دلالة الماضي على المستقبل



أ د خديجة إيكر
30-06-2012, 06:17 PM
الفعل هو ما تضمن حدثا مقترنا بزمن معين . فالأفعال تنقسم بانقسام الزمن، و لكل فعل حدٌّ زمني ثابت بحيث لا يتحدد الفعل إلا بتعيين زمن وقوعه.
ويعتبر الفعل الماضي لبنة أساسية من لبنات اللغة العربية عامة والقرآن خاصة ، وهو كذلك الزمن الأصلي للفعل في اللغة العربية بينما الأزمنة الأخرى ، كالمضارع والمستقبل والأمر، متفرعةٌ عنه.
و يعتبر الفعل الماضي فعلاً معجزاً من حيث تركيبه في الصيغة القرآنية ، فله استعمالٌ خاصٌّ ، حيث قد يلغَى منه زمنه المتعارف عليه ليدل على أحداث مستقبلية منتظَرَة. و من ثمَّ فقد تفَرَّد كتاب الله تعالى باستعمال أفعالٍ ماضية من حيث التركيب و لكنها لها دلالة المستقبل .
إن هذه الأفعال ـ وإن جاءت بصيغة الماضي ـ فإنها لم تحدُث بعدُ . ومن هنا فتعبير القرآن الكريم بالماضي عن المستقبل نفهم منه القطع بتحقُّق وقوعه ، فهو أمرٌ لا جدال و لا شكَّ فيه ، وهذا من باب مطابقة الكلام لمقتضى الحال .
ويمكن أن ندرج ضمن دلالة الماضي على المستقبل ثلاثة أصناف من الآيات الكريمة :
1 - الآيات التي تتحدث عن مشاهد يوم القيامة : و المقصدُ من هذه الآيات استثارةُ العقول للتفكر في هذا الأمر العظيم، و اتخاذ العُدة لمواجهة أهواله، وذلك بالتزود بالعمل الصالح. فهدفها إذن تربوي يهيئ الإنسان للقيام بأعباء الاستخلاف عن الله تعالى بالسعي في الأرض تعميرا لا تدميرا، وإصلاحا لا إفسادا :
- كقـوله سبحانه و تعالى : ( إذا زلزلت الأرض زلزالها ) الزلزلة / 1 .حيث تزلزل الأرض وتلفظ أمواتها أحياء ، وهذا طبعا لا يكون إلا يوم القيامة وهو غيب مستقبل.
- وقوله عز و جل : ( كلا إذا دكت الأرض دكا دكا و جاء ربك و الملك صفا صفا ) .الفجر: 21/22 .فالزمن لا يتعلق بالله تعالى مثل تعلقه بسائر المخلوقات ، ذلك أنه سبحانه مطلق متعالٍ عن الزمان والمكان: ( هو الأول و الآخر و الظاهر و الباطن و هو بكل شيء عليم ) الحديد / 3 .
ومن ثم فإن المستقبل في حقه تعالى ماضٍ، لأنه المطلقُ - سبحانه و تعالى - المستوعبُ لكل الأزمنة، ومن ثم فإن مجيء الفعل الماضي الدال على الاستقبال ناسب المقام الرباني ، إذ دلَّ على عظمته - تعالى - وعلى أنه مطلق غير محدود بالزمان ولا المكان ، كما أنه ناسب حال المخاطبين بتقريره لحقيقة عقدية وهي البعث والنشور ومشاهد يوم القيامة، التي هي بمثابة غيب مطلق لا يمكن للإنسان أن يقف على ما هي عليه حقيقةً لأنه أسيرُ نِسبـيتِه . و النسبيُّ لا يمكن أن يُحيط بالمطلق .ومنهج السلف الصالح في تفسير مثل هذه الآيات المندرجة ضمن آيات الصفات إجراؤها كما وردتْ من غير تكييف ولا تشبيه، ولا تأويـل ولا تحريف ولا تعطيل .
- وقولــه سبحانه : ( إذا السماء انفطرت و إذا الكواكب انتثرت ) الانفطار : 1 / 2 .
- وقوله : ( حتى إذا رأوا ما يوعدون ) مريم / 76 .
- وقوله : ( فإذا برق البصر و خسف القمر و جمع الشمس و القمر) القيامة : 7 / 8 / 9 .
- وقولـه : ( إذا الشمس كورت و إذا النجوم انكدرت ) التكوير : 1 / 2 .
- وقوله : ( فإذا جاءت الصاخة ) عبس / 33 .
وغيرها من الآيات التي جاء فعلُها ماضياً دالاًّ على المستقبل لتحدثنا عن يوم القيامة ، فاحتوت كل واحدة منها على مشهد من مشاهد هذا اليوم العظيم تصف لنا أهواله ، وما سيكون عليه ذلك اليوم العصيب .
وقانا الله و إياكم أهواله . آمين

هاشم الناشري
30-06-2012, 07:11 PM
مرحبًا بالأستاذة الدكتورة / خديجة إيكر

تستبشر الواحة بقدومك خيرًا أيتها الباحثة الكبيرة ، والعالمة الجليلة

فأنت صاحبة رسالة عظيمة في خدمة كتاب الله ولغته الجميلة الخالدة.

وهذه أولى ثمرات حضورك الجميل ، تتزين بها واحتك التي يسرها

انتسابك ومشاركتك بما وهبك الله من علم نافع نسأل الله تعالى ألاّ

يحرمك أجره.

نرحب بك ترحيبًا يليق بقدرك ، ونتمنى أن يطيب لك المقام في واحة

الخير والسمو.

تحياتي وتقديري.

بهجت عبدالغني
30-06-2012, 08:16 PM
الاستاذة الدكتورة خديجة إيكر
أهلاً ومرحباً بك في أفياء الواحة الثقافية
متمنياً لك الفائدة والمتعة ..
......................................
( والفائدة في الفعل الماضي إذا أخبر به عن المستقبل الذي لم يوجد أنه أبلغ وأعظم موقعا لتنزيله منزلة الواقع )

البرهان في علوم القرآن ، الزركشي ، ج3 ، ص337 .

لاحظت في الامثلة كلها انها تحتوي على ( اذا + الفعل الماضي )
فهل يعني انه اذا جاء الفعل الماضي بعد ( اذا ) الشرطية دلّ على المستقبل ؟

ومن الآيات التي ذكر فيها الماضي وأريد به المستقبل :
قوله تعالى: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} (النحل:1) .
{ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض} (النمل:8) .
{ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض} (الزمر:68) .
{وسيق الذين كفروا} (الزمر:71) .
{هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور} (البقرة:210) .


موضوع رائع ومفيد
بارك الله فيك وجزاك خيراً ..

أ د خديجة إيكر
01-07-2012, 01:17 AM
الأستاذ هاشم الناشري

أشكر لك ترحيبك و كلماتك الطيبة .

وكم يشرفني أن تكون أول الزائرين و المرحّبين .

إنه حضور لافت من شخص كريم

لك منّي أرق تحية

أ د خديجة إيكر
01-07-2012, 01:30 AM
الأستاذ بهجت الرشيد

بوركت أيها الكريم على مرورك و ترحيبك الطيب

ممتنة لك كل الامتنان

أما عن سؤالك لقد حدَّدتُ عنوان الموضوع السابق بدلالة الماضي على المستقبل في كتاب الله :
- لأن الفعل الماضي مع ( إذا) الشرطية لا يدلُّ دائماً على المستقبل بل قدْ يدلُّ على زمنه الأصلي ( أي الماضي ) كقوله تعالى : ( وإذا رأوا تجارة او لهواً انفضوا إليها و تركوك قائماً ) ، ( و إذا أُنزلت سورة أن آمنوا بالله و جاهدوا مع رسوله استأذنك أولو الطول منهم ) و كذلك عندما يُخبرنا عز و جل عن قصص الأمم الغابرة أو الأنبياء و الرسل ، كقوله : ( حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا ) ، ( حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ) ، ( حتى إذا بلغ بين السّدين وجد من دونهما قوماً ) ....إلى غير ذلك من الآيات التي لا يتسع الوقت لذكرها .
- أن إذا الشرطية لا تستعمل دائماً مع الماضي ، بل مع المضارع أيضاً ، قال جل و علا : ( و إذا تُتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ) ، ( إذا يُتلى عليهم يخِرون للأذقان سجَّدا ) ....إلخ
- أن ( إذا ) عندما تكون ظرفية ( أي غير شرطية ) لا تدلّ دائماً على الاستقبال : ( لا يضرّكم مَن ضلَّ إذا اهتديتُم ) ، ( و كذلك أخذُ ربك إذا أخذ القرى و هي ظالمة ) .

مع تحياتي

آمال المصري
01-07-2012, 06:15 PM
ماشاء الله دراسة تثري المعلومات لدينا من علم شامخ وقامة سامقة نتشرف أنها بيننا فهنيئا لنا بك دكتورة خديجة
ولي في فصولك مقعد متابعة وتعلم
لك خالص الدعاء
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

أ د خديجة إيكر
01-07-2012, 09:17 PM
شكر الله لك أيتها الفاضلة
الأستاذة آمال المصري

حُييت وبورك حضورك المشرق

تحيتي الأخوية .

ربيع بن المدني السملالي
06-07-2012, 04:14 PM
موضوعاتك المفيدة شبيهة بموضوعات أخينا المشرف الأستاذ فريد البيدق ، جزاكما الله خيرا ، وزادكما من فضله

دمت بألق

تحياتي

أ د خديجة إيكر
06-07-2012, 04:27 PM
جزاك الله الحسنى

بوركت ، أستاذ ربيع السملالي

فريد البيدق
09-08-2012, 08:52 PM
شكر الله تعالى لكم، وأدام إثراءاتكم!
إلى "بلاغة الوحيين"!

جلال طه الجميلي
26-08-2012, 06:43 PM
اما عن الماضي بصيغة الحاضر فنحن ننتظر ما ستتحفينا به ايتها الفاضلة

خليل حلاوجي
26-08-2012, 07:36 PM
نعم :
الماضي والمستقبل والحاضر عند الله تعالى حضور

ولكن :

هل يصح لنا في مخاطباتنا المعاشية ونحن البشر أن نستخدم الفعل الماضي كدليل للمستقبل وهل لهذا المنحى شرائط وحدود ؟

جزيتم الجنة .

أ د خديجة إيكر
03-09-2012, 01:12 AM
اما عن الماضي بصيغة الحاضر فنحن ننتظر ما ستتحفينا به ايتها الفاضلة

الأستاذ الكريم جلال طه الجميلي

شكراً جزيلا على الاطلاع و التواصل

الفعل في حقّ الله تعالى - أخي الفاضل - فعل مطلق ، خارج عما نتعارف عليه نحن من حدود و تعريفات حرفية للفعل النحوي . فالماضي في حقّه سبحانه يجمع بين دلالته الأصلية و هي الحدوث في زمن سابق ، و بين معنى الحاضر الذي في طور الحدوث ، و بين المستقبل الذي لم يحدث بعد . هذا هو الماضي الذي يعبّر به القرآن الكريم في مواضع معيّنة فصّلتها و سبقَ الحديث عنها . أرجو الاطلاع عليها في مكانها . ويَستعمل القرآن الكريم الماضي بدلالته المتعارف عليها عند النحاة في القصص القرآني ، و عند الحديث عن الأنبياء و الرسل السابقين ...لأنها أحداث سابقة و انتهتْ .

دمتَ في أحسن حال

بهجت عبدالغني
03-09-2012, 11:00 AM
وحول استخدام الماضي للدلالة على الاستمرارية ، استخدام الفعل ( كان ) كما في قوله تعالى ( وكان الله غفوراً رحيماً ) .
يقول الأستاذ الدكتور فاضل السامرائي مجيباً عن سؤال في برنامج لمسات بيانية :
السؤال :
( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) ) آل عمران . شرح لفظ كنتم في الماضي.

الجواب :
هذا في الحقيقة عندنا الفعل (كان) له أكثر من استعمال بلسان العرب. القرآن بلسان العرب. لما يأتي سيبويه فيقول" زيد ناجح فيُدخل كان لتجعل ذلك فيما مضى (كان زيد ناجحاً) في السابق. لكن لما تقول :


أنت تكون ماجد نبيل ........ ذا تهب شمأل بليل

هذا شعر أم ترقّص ولدها. يعني هذا كونك هكذا تكون هذا كيانك وهذه كينونتك المجد والنبل عندما تهب ريح الشمال ويكثر المطر والناس تحتاج للعطاء فأنت ماجد نبيل هذا كيانك وكينونتك ولا يعني أنها في الماضي. وهذا يتضح دائماً عند ذكر صفات الله تعالى (وكان الله غفوراً رحيما) يعني هذا هو الله. الله غفور رحيم سبحانه وتعالى. كان الله غفوراً رحيما: اسم وخبر، غفوراً رحيماً مطلقاً حقيقته لأن التكلم عن الله تعالى يحتاج الى حذر ولو كان التكلم عن غير الله أقول لك هذا كيانه وهذا وجوده أنه بهذه الصفة والله تعالى موصوف بالمغفرة وبالرحمة وهذا كونه هكذا وجوده.

كنتم خير أمة أُخرجت للناس: يعني هذا وجودكم هذه كينونتكم. (أُخرجت للناس): يعني أُوجِدت إيجاداً. كنتم خير أمة أخرجت للناس لا تعني في الماضي والآن أنتم لستم خير أمة لكن أنتم كوّنتم أمة خيرية. لماذا كوّنتم؟ لأن هذه الأمة أمة عالمية ليست أمة عرقية. من بدء الاسلام كان فيها العربي والفارسي والحبشي والرومي وليس عبثاً أن يدخل هؤلاء في الاسلام في أول تكوينه في مكة في بنية الاسلام. هذا التكوين تكوين خيري ثم وصفهم : (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله). هذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والكينونة متصلة بالوجود حقيقة.
مسألة (كان) وكونها لا تشير الى المضي دائماً ولكن بحسب موقعها قد تشير الى معنى الاستمرار كما قلنا (وكان الله غفوراً رحيما) هذا شأنه سبحانه وتعالى أنه غفورً رحيم. انتهى .

وهذا الاستخدام ليس خاصاً بالقرآن الكريم ، بل عام في كلام العرب .. كقول الشاعر :


بتيهاء قفر والمطي كأنها ........ قطا الحزن قد كانت فراخاً بيوضها

بمعنى صار ..


الأستاذة الكريمة خديجة إيكر
شكراً لك على هذه الجهود الطيبة ، التي تعلمنا وتبصرنا بكلام ربنا عزّ وجل ..


دعائي وتحياتي

أ د خديجة إيكر
03-09-2012, 11:40 PM
باركك المولى و نفع بك ، أستاذ بهجت

تحياتي و تقديري

ربيحة الرفاعي
04-09-2012, 03:12 AM
كأني بي هنا حظيت ببعض رد على تساؤلي في موضوعك "الدلالة المطلقة للفعل الماضي القرآني "
ويبقى لموضوعتك ثقلها ولطرحك جمليته وسلاسته التي تحث على متابعة هطولك حيثما كان

أهلا بك ايتها الكريمة في واحتك

تحاياي