المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ويأتي الربيع ..



بهجت عبدالغني
11-07-2012, 12:03 PM
ويأتي الربيع ..

كان الدرج يصرّ تحت قدميه .. جفاه الكرى ، فانزلقت به ذكريات الماضي القريب ..
بتثاقل تطأ قدماه على الدرج .. فاستقر أخيراً على الأخير .. قلب النظر في أرجاء الصالة التي بدأت تستقبل أولى أشعة الشمس الدافئة .. كل شيء في الصالة .. الطاولة الفارغة .. الأكواب الفارغة .. الرفوف الفارغة .. كان يكس نفسيته الفارغة من كل إحساس بما يحصل وقتذاك ..
لقد ترك فؤاده هناك .. بعيداً .. خلف آلاف الأميال .. ولو كان اللقاء ممكناً لباع حياته بلحظة دفء كفيها ..
بتثاقل أيضاً أحضر كوباً من الشاي علّه يصحو من نوم الأشهر الفائتة ، بل قل من ضياعه ..
ثم توجه نحو النافذة المطلة على حديقة المنزل .. فتحها .. استقبل بوجهه أولى النسمات الصباحية التي تودع الشتاء .. مع أن الثلج كان لا يزال يغطي الأرجاء ، والبرد لا يزال يبسط سلطانه في الأجواء ..
هل سيكون القادم أفضل ؟ هل استطيع أن ارسم على تقاسيم وجهي الكئيبة الحزينة ابتسامة ولو متكلفة أو مصطنعة يوماً ما ؟ هل بقيَ لي هناك شربة ماء قبل أن يختفي هذا الجسد في تراب الغربة ؟
غرق في تساؤلاته محاولاً فتح كوة ولو صغيرة للتفاؤل المستحيل ..
لسعة بردٍ ضربت جسده النحيل ..
كان نهاراً استثنائياً بحق .. مساحات من البياض تعكس أشعة الشمس بانسيابية خلابة .. أغصان الأشجار تنفض عن نفسها كتل الثلج المتراكم ، فيتساقط الثلج محدثاً صوتاً يشبه الخشخشة .. كاسراً الصمت الذي يكتنف المدى ..
هل ستسقط يوماً ما قطعة ثلج على هذا الفؤاد المكتوي ، فيطفئ فيه جمرة الحرقة والألم ؟
لسعة برد أخرى تضرب وجهه الشاحب .. يسقط الكوب من يده .. ينتبه .. يستيقظ .. يداه ترتعشان .. لون الشاي المسكوب على الأرض أعاد لذاكرته المتهرئة لون الدم الذي كان يحاول جاهداً نسيانه منذ ذلك اليوم الذي قلب حياته رأساً على عقب ..
ـ أخي .. أخي .. لا .. لا ..
ـ أختاه .. أيها الأوغاد الأنذال ..
يسقط شبه مغمى عليه إثر ضربة من بندقية ..
تتداخل الأصوات .. صياح النساء .. بكاء الأطفال .. توسلات .. لعنات .. لا فرق ..
ـ أليس عندكم نساء تخشون عليهنّ !
تشتعل دواخله .. بركاناً يفور .. لكن الجسد ضعيف ..
لحظات صمت .. هل ستنقشع تلك الغيمة السوداء ؟ وهل ..
سيمفونية حزينة تخترق الصمت الكاذب .. ألحان الرصاص تخترق الأجساد المتوسلة ..
ـ لم يبقَ سواه ..
ـ إذن ..
نعم .. وقتئذٍ كان يريده بقوة .. يفتح له صدره ..
ـ افعلوها فحسب أيها الأوغاد .. ولتلعنكم كل مخلوقات الله بكل اللغات ..
السماء باتت حمراء قانية .. اختفت الأصوات .. غارت في عمق الذاكرة ..
يفتح عينيه على أنابيب تخترق جسمه .. أشباح تغدو وتروح .. همسات مشوشة ..
ـ لقد فتح عينيه .. استعاد وعيه ..
يتأمل المكان ..
ـ لا .. لا .. لا .. ليس مرة أخرى .. لا .. لا ...
انتبه على صوت سيارة ( مزيل الثلج ) ، وهو يصيح : لا .. لا .. والعرق يتساقط من جبينه ليختلط مع لون الشاي المسكوب ..
استعاد القليل من نفسه .. أصغى إلى لغات لم يألفها ، وربما لن يألفها أبداً ..
جال بنظره في الحديقة ..
هناك .. في طرفها .. لاحظ نبتة خضراء صغيرة تجاهد لتثبت نفسها وسط كثافة الثلج ، لتقف سامقة ، ولتعلن أخيراً عن الفصل القادم من فصول الحياة .. الربيع ..

مصطفى حمزة
11-07-2012, 06:18 PM
ويأتي الربيع ..

كان الدرج يصرّ تحت قدميه .. جفاه الكرى ، فانزلقت به ذكريات الماضي القريب ..
بتثاقل تطأ قدماه على الدرج .. فاستقر أخيراً على الأخير .. قلب النظر في أرجاء الصالة التي بدأت تستقبل أولى أشعة الشمس الدافئة .. كل شيء في الصالة .. الطاولة الفارغة .. الأكواب الفارغة .. الرفوف الفارغة .. كان يكس نفسيته الفارغة من كل إحساس بما يحصل وقتذاك ..
لقد ترك فؤاده هناك .. بعيداً .. خلف آلاف الأميال .. ولو كان اللقاء ممكناً لباع حياته بلحظة دفء كفيها ..
بتثاقل أيضاً أحضر كوباً من الشاي علّه يصحو من نوم الأشهر الفائتة ، بل قل من ضياعه ..
ثم توجه نحو النافذة المطلة على حديقة المنزل .. فتحها .. استقبل بوجهه أولى النسمات الصباحية التي تودع الشتاء .. مع أن الثلج كان لا يزال يغطي الأرجاء ، والبرد لا يزال يبسط سلطانه في الأجواء ..
هل سيكون القادم أفضل ؟ هل استطيع أن ارسم على تقاسيم وجهي الكئيبة الحزينة ابتسامة ولو متكلفة أو مصطنعة يوماً ما ؟ هل بقيَ لي هناك شربة ماء قبل أن يختفي هذا الجسد في تراب الغربة ؟
غرق في تساؤلاته محاولاً فتح كوة ولو صغيرة للتفاؤل المستحيل ..
لسعة بردٍ ضربت جسده النحيل ..
كان نهاراً استثنائياً بحق .. مساحات من البياض تعكس أشعة الشمس بانسيابية خلابة .. أغصان الأشجار تنفض عن نفسها كتل الثلج المتراكم ، فيتساقط الثلج محدثاً صوتاً يشبه الخشخشة .. كاسراً الصمت الذي يكتنف المدى ..
هل ستسقط يوماً ما قطعة ثلج على هذا الفؤاد المكتوي ، فيطفئ فيه جمرة الحرقة والألم ؟
لسعة برد أخرى تضرب وجهه الشاحب .. يسقط الكوب من يده .. ينتبه .. يستيقظ .. يداه ترتعشان .. لون الشاي المسكوب على الأرض أعاد لذاكرته المتهرئة لون الدم الذي كان يحاول جاهداً نسيانه منذ ذلك اليوم الذي قلب حياته رأساً على عقب ..
ـ أخي .. أخي .. لا .. لا ..
ـ أختاه .. أيها الأوغاد الأنذال ..
يسقط شبه مغمى عليه إثر ضربة من بندقية ..
تتداخل الأصوات .. صياح النساء .. بكاء الأطفال .. توسلات .. لعنات .. لا فرق ..
ـ أليس عندكم نساء تخشون عليهنّ !
تشتعل دواخله .. بركاناً يفور .. لكن الجسد ضعيف ..
لحظات صمت .. هل ستنقشع تلك الغيمة السوداء ؟ وهل ..
سيمفونية حزينة تخترق الصمت الكاذب .. ألحان الرصاص تخترق الأجساد المتوسلة ..
ـ لم يبقَ سواه ..
ـ إذن ..
نعم .. وقتئذٍ كان يريده بقوة .. يفتح له صدره ..
ـ افعلوها فحسب أيها الأوغاد .. ولتلعنكم كل مخلوقات الله بكل اللغات ..
السماء باتت حمراء قانية .. اختفت الأصوات .. غارت في عمق الذاكرة ..
يفتح عينيه على أنابيب تخترق جسمه .. أشباح تغدو وتروح .. همسات مشوشة ..
ـ لقد فتح عينيه .. استعاد وعيه ..
يتأمل المكان ..
ـ لا .. لا .. لا .. ليس مرة أخرى .. لا .. لا ...
انتبه على صوت سيارة ( مزيل الثلج ) ، وهو يصيح : لا .. لا .. والعرق يتساقط من جبينه ليختلط مع لون الشاي المسكوب ..
استعاد القليل من نفسه .. أصغى إلى لغات لم يألفها ، وربما لن يألفها أبداً ..
جال بنظره في الحديقة ..
هناك .. في طرفها .. لاحظ نبتة خضراء صغيرة تجاهد لتثبت نفسها وسط كثافة الثلج ، لتقف سامقة ، ولتعلن أخيراً عن الفصل القادم من فصول الحياة .. الربيع ..


------------------------
أخي الأكرم ، الأديب بهجت
أسعد الله أوقاتك
قصّة رائعة ، مؤثرة ، تنكأ جراحاً أحدثها في نفوسنا ما رأينا وما سمعنا ..
استخدمتَ تقنية الاسترجاع ( الفلاش باك ) بمهارة فائقة ، ورسمتَ بها ملامح البطل النفسيّة بوضوح مؤثّر
ومن خلالها أيضاً سردتَ الحدث الأليم وآثاره على البطل
أمّا القفلة الومضة ، فحملت التفاؤل - سيتحقق بإذن الله القدير - بعبارة موحية رائعة :
( جال بنظره في الحديقة ..هناك .. في طرفها .. لاحظ نبتة خضراء صغيرة تجاهد لتثبت نفسها وسط كثافة الثلج ) وأرى أن تنتهي هنا .
شعرتُ بأنك أكثرتَ من وصف الطبيعة مما أثر على التوازن في القصّة .
دمتَ بألف خير
تحياتي وتقديري

كاملة بدارنه
11-07-2012, 08:28 PM
هناك .. في طرفها .. لاحظ نبتة خضراء صغيرة تجاهد لتثبت نفسها وسط كثافة الثلج ، لتقف سامقة ، ولتعلن أخيراً عن الفصل القادم من فصول الحياة .. الربيع ..
ليت الثّلج بقي ببياضه النّاصع؟!
لا شكّ أنّه سيكون ربيعا مختلفا لأنّ الشّتاء الذي سبقه طالت أيّامه وصعبت أحواله
قصّة رائعة لغة ومبنى وأسلوبا
بوركت
تقديري وتحيّتي

فاطمه عبد القادر
11-07-2012, 11:48 PM
في طرفها .. لاحظ نبتة خضراء صغيرة تجاهد لتثبت نفسها وسط كثافة الثلج ، لتقف سامقة ،

الكثير ممن سحبتهم الغربة قد واصلوا النضال,, ولكن للأسف بطرق إما سلبية أو همجية
والقليل من عرف طريق النضال الصحيح الحق
عندما تعرف هذة النبتة الصغيرة كيف تستقبل الشمس,, ومن أين تمتص الماء النقي ستصبح شجرة وارفة ,وثم غابة
قصة جميلة مؤثرة
شكرا لك أخي بهجت
ماسة

محمد النعمة بيروك
12-07-2012, 01:05 AM
انتبه على صوت سيارة ( مزيل الثلج ) ، وهو يصيح : لا .. لا .. والعرق يتساقط من جبينه ليختلط مع لون الشاي المسكوب ..
استعاد القليل من نفسه .. أصغى إلى لغات لم يألفها ، وربما لن يألفها أبداً..

على غير عادتي أجدني أقتبس شيئا من هذه القصة..
إنه تعبير آسر، يكاد سحره يمتص القارئ، فيشعر أنه جزء منه..
قدرة لا تخطئها العين على تصوير اللحظات، واسترجاع موفق إلى حد كبير، حتى التكرار له دوره في التعبير عن "الفراغ"..

أما القفلة فإيذان بعودة الروح والأمل الذي لا ينضب الدفء منه.. مهما تكاثرت الثلوج..

أحيي بوحك الرائع أخي القاص بهجت.

نداء غريب صبري
12-07-2012, 11:57 AM
قصة جميلة جدا سرديتها شدتنا واستولت علينا وقفلتها كانت مباغتة ورائعة

شكرا لك أخي

بوركت

ربيحة الرفاعي
12-07-2012, 02:39 PM
دخول حذر هاديء وسردية مشوقة نجحت بذكاء القاص وعمق فكرة النص في استقطاب القارىء حتى الوصول للقفلة الرائعة نبتة خضار تعلن الأمل وميلاد فصل جديد

أحسنت القص أديبنا اللرائع

أهلا بك في واحتك

تحاياي

بهجت عبدالغني
13-07-2012, 07:47 PM
الاستاذ العزيز مصطفى حمزة
شكراً لحضورك
وقراءتك الدقيقة المتفحصة
ولا أخرج من نقدك الا مستفيداً

جزاك ربي خيرا

تقبل خالص تحياتي ..

بهجت عبدالغني
13-07-2012, 07:50 PM
الاستاذة العزيزة كاملة بدارنه

يشرفني حضورك هنا
وثناءك على القصة

تقبلي خالص دعائي وتقديري

بهجت عبدالغني
15-07-2012, 12:44 PM
الاستاذة الكريمة فاطمه عبد القادر
وقراءة مبدعة للنص
وأشكر لك مرورك على نصي المتواضع ..


مع دعائي وتحياتي ..

بهجت عبدالغني
15-07-2012, 12:49 PM
حياك الله استاذنا محمد النعمة بيروك
كم يسعدني وجودك هنا
وتعليقك الذي أضفى للنص جمالاً وألقاً


خالص تحياتي ..

بهجت عبدالغني
15-07-2012, 08:32 PM
بل الشكر لك استاذتي الكريمة نداء غريب صبري
على قراءتك وإطرائك للنص ، وهو لا يستحقه ..

دمت بخير وعافية



تحياتي ..

بهجت عبدالغني
15-07-2012, 08:36 PM
استاذتنا القديرة ربيحة الرفاعي
أشكر لك مرورك على نصي
وكلماتك الرائعة

دمت بخير دائماً

تقبلي خالص دعائي وتحياتي

د. سمير العمري
01-10-2012, 08:26 PM
قصة تعمد في حبكتها على تسليط الضوء على اللحظة التي ينطلق منها القاص ثم يعود إليها مسترجعا بقصد رصد هذه اللحظة للتاريخ ، والوقوف على كل آلامها اتكون حياة آمال لربيع قادم.

الأداء كان جميلا بالاتكاء على الحدث والانطلاق منه للخلف وللأمام ، والفكرة كانت معبرة عن طبيعة الكالتب الذي يرى في المخاض ولادة وحياة وفي صقيع البرد إيذانا بفصل ربيع.

لعلني فقط وددت لو جنبت نصك بعض الهنات اللغوية البسيطة المتفرقة ليأتلق أكثر.

دمت بخير وعافية!


تحياتي

آمال المصري
02-10-2012, 10:34 PM
ميلاد الأمل على يد الربيع بعد غياب خلف بوارق الألم
وتسلل بهي هادئ للحدث وتألق للفكرة
راق لي النص أديبنا الفاضل
دام ألقك
تحاياي

براءة الجودي
02-10-2012, 11:46 PM
جميلة جدا , مؤثرة
شكرا لك

وليد عارف الرشيد
03-10-2012, 12:24 PM
قصة رائعة بكل المعايير التي أعلمها أو تستسيغها الذائقة
لن أضيف شيئًا ولن أستطيع بعد الأساتذة .. لكني مررت أحييك مبدعنا الجميل على بديع قصك ونبيل فكرك
محبتي وكثير تقديري

بهجت عبدالغني
04-10-2012, 07:41 PM
أشكر لك قراءتك أستاذي العزيز الدكتور سمير العمري لنصي
وتحليلك المبدع ..

تشرفت بحضورك


ولك مني خالص التقدير والتحايا ..

بهجت عبدالغني
04-10-2012, 07:51 PM
الأستاذة الأديبة آمال المصري
سعيد بأن راق لك النص ، فتلك شهادة أعتز بها
من أديبة كبيرة

دمت بخير وعافية


وتقبلي خالص تحاياي ..

بهجت عبدالغني
04-10-2012, 07:53 PM
الأستاذة الشاعرة براءة الجودي
وشكراً لك على حضورك هنا
وقراءتك للنص

رعاك الله ورفع قدرك


مع تحياتي ..

بهجت عبدالغني
04-10-2012, 08:02 PM
حياك الله وبياك أستاذي العزيز وليد عارف الرشيد
وأحمد الله تعالى أن جعلني بين أساتذة كبار فضلاء وكرماء من أمثالكم
نتربى على حرفكم النقي وفكركم الأبي

فشكراً لك

مع وافر تقديري وتحياتي ..

ناديه محمد الجابي
10-12-2013, 11:21 AM
لوحة قصية جميلة مرسومة بحس إنسان ومهارة كاتب
بخاصية الأسترجاع قصصت علينا القصة, وبلغة شاعرية
ومهارة في بناء لوحة مدهشة ترسم مشهد إنساني عميق
ونهاية تحمل الأمل والتفائل.
سلم الفكر والقلم.

بهجت عبدالغني
10-12-2013, 07:32 PM
أستاذتي العزيزة نادية
أشكر لك حضورك المشرق وقراءتك
وكلماتك المشجعة والدافعة لأكمل طريقي ..

دمت بخير


وتحاياي

عبد السلام هلالي
10-12-2013, 09:24 PM
نص سامق في سرده ، بنائه و لغته المسايرة لتفاصيل الأحداث.
أرى أن يقف النص عند "هناك .. في طرفها .. لاحظ نبتة خضراء صغيرة تجاهد لتثبت نفسها وسط كثافة الثلج" وترك القارئ يستنتج منها دونما الحاجة للتوضيح . وجدتها قفلة مميزة و معبرة.
تحيتي و تقديري أخي بهجت

بهجت عبدالغني
13-12-2013, 09:03 AM
وتحياتي لك أخي العزيز الأديب عبد السلام هلالي
وهذا المرور البهيّ العطر .. الذي تشرف به ..

وملاحظتك محل اهتمام وتقدير


دمت بخير وعافية


محبتي وتقديري

خلود محمد جمعة
13-11-2014, 06:54 AM
ذكريات موصولة بعقرب ثواني الذاكرة لا تتوقف ولا تصمت وتقرص الروح مع كل دورة لتعيد شريط الذكريات باتساع دائرته بكل ما فيها من ألم
ومن كوة في جدار الأيام أشرقت شمس الأمل
غاصت قصتك قي العمق
بورك الابداع
تحيتي وكل التقدير

بهجت عبدالغني
14-11-2014, 05:16 PM
وبارك الله فيك أديبتنا العزيزة خلود
شكراً لمرورك المشرق ومداخلتك التي أثرت النص

تحياتي وتقديري

بهجت عبدالغني
14-11-2014, 05:21 PM
مع بعض التعديلات ..


ويأتي الربيع ..

كان الدرج يصرّ تحت قدميه .. جفاهُ الكرى ، فانزلقت به ذكريات الماضي القريب ..
بتثاقلٍ استقر على الدرج الأخير .. قلّب النظر في أرجاء الصالة التي بدأت تحتضن أشعة الشمس الصباح الدافئة .. بدا له كلّ شيء في الصالة فارغاً .. كل جزءٍ وزاوية .. فراغٌ يعكس ذاته الفارغة من كلًّ إحساسٍ بما يحصل حوله وقتذاك ..
لقد غادر روحه .. وترك فؤاده هناك .. بعيداً .. خلف آلاف الأميال من المياه والفيافي .. والوجع والوصب والتأوّه .. ولو كان اللقاء ممكناً لاستبدل حياته كلها بلحظة دفء كفّيها ..
بتثاقل أيضاً أحضر كوباً من الشاي علّه يصحو من نوم الأشهر الفائتة ، بل من ضياعه ..
توجه نحو النافذة المطلّة على حديقة المنزل .. فتحها .. إستقبل بوجهه الشاحب أولى النّسمات الصباحية التي تودع الشتاء .. رغم أن الثلج لا يزال يغطي الأرجاء ، والبرد يبسط سلطانه على الأجواء ..
ـ هل سيكون القادم أفضل ؟
سؤال فَلتَ من ذاكرته من غير ما وعي ..
ـ هل حقاً سأقدر على رسم ابتسامة .. ولو مصطنعة يوماً ما .. على تقاسيم وجهي هذا .. الكئيب النحيل ؟ هل بقيَ لي هناك شربةَ ماءٍ قبل أن يوارى هذا الجسد المثقل بالحنين والأسى في تراب الغربة ؟
غاص في تساؤلاته .. غرق فيها .. وهو يحاول فتح كوّة ولو صغيرةٍ للتفاؤل المستحيل !
لسعةُ بردٍ لدغت جسده النحيل .. فانتبه !
نهارٌ استثنائي بحق .. مساحات من البياض تعكس رونق الشمس بانسيابية خلاّبة .. أغصان الأشجار تنفض عن نفسها كتل الثلج المتراكم ، فيتساقط الثلج محدثاً صوتاً يشبه الخشخشة .. كاسراً الصمت الذي يكتنف المدى ..
تمنّى أن تجود له السماء بقطعة ثلج يطفئ بها جمرة القلب المكتوي بحرارتها اللاذعة ..
لسعة بردٍ أخرى نسغت وجهه الشاحب .. يسقط الكوب من يده .. ينتبه .. يستيقظ .. يداه ترتعشان .. عيناه تتلألآن في غموض .. لون الشاي المسكوب على الأرض أعاد لذاكرته المتهرئة لون الدم الذي حاول جاهداً نسيانه منذ ذلك اليوم الذي قلب حياته رأساً على عقب ..

ـ أخي .. أخي .. لا .. لا ..
ـ أختاه .. أيها الأوغاد الأنذال ..
يسقط شبه مغمى عليه إثر ضربةٍ من بندقية ..
تتداخل الأصوات .. صياح النساء .. بكاء الأطفال .. توسلات .. لعنات .. لا فرق ..
ـ أليس عندكم شيء من غيرة .. نساءٌ تخشون عليهنّ ؟!
تشتعل دواخله .. بركاناً يفور .. لكن الجسد ضعيف ..
لحظاتُ صمت .. هل ستنقشع تلك الغيمة السوداء الكئيبة .. إلهي ؟ وهل ..
يتلاشى الصمت الكاذب .. ألحان الرصاص تخترق الأجساد المتوسلة !
ـ لم يبقَ سواه ..
ـ إذن ؟
حينئذٍ كان يريده بقوة .. يفتح له صدره ..
ـ إفعلوها فحسب أيها الأوغاد .. ولتلعنكم كل مخلوقات الله بكل اللغات ..
السماء حمراء قانية .. اختفت الأصوات .. غارت في عمق الذاكرة ..
فتح عينيه على أنابيب تخترق جسده المضمّخ بالجراح .. أشباحٌ تغدو وتروح .. وشوشة ..
ـ فتح عينيه .. لقد استعاد وعيه ..
يتخاوص في نظره .. يصيح بصوت مبحوح ..
ـ لا .. لا .. لا .. ليس مرة أخرى .. لا .. لا ...

إنتبه على صوت سيارة ( مزيل الثلج ) ، وهو يصيح : لا .. لا .. والعرق البارد يتساقط من جبينه فيختلط مع الشاي المسكوب بلون الدم!
إستعاد القليل من نفسه .. أصغى إلى لغات لم يألفها ، وربما لن يألفها أبداً ..
جالَ بنظره في الحديقة ..
هناك .. في طرفها .. لاحظ نبتةً خضراء صغيرة تجاهد لتثبت نفسها وسط كثافة الثلج المزدحم ..