المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدلالة المطلقة للفعل الماضي القرآني .



أ د خديجة إيكر
27-07-2012, 03:55 PM
الفعل هو ما تضمن حدثا مقترنا بزمن معين . فالأفعال تنقسم بانقسام الزمن، و لكل فعل حدٌّ زمني ثابت بحيث لا يتحدد الفعل إلا بتعيين زمن وقوعه.
ويعتبر الفعل الماضي لبنة أساسية من لبنات اللغة العربية عامة والقرآن خاصة ، والماضي كذلك هو الزمن الأصلي للفعل في اللغة العربية بينما الأزمنة الأخرى ، كالمضارع والمستقبل والأمر، متفرعة عنه.
غير أن القرآن القرآن الكريم قد تعالى و سَما عن الإسناد الوضعي للأزمنة الفعلية كما نعرفها : فالفعل القرآني معجز، حيث يجمع بين مناسبته للسياق والمقام ، و بين أدائه للمعنى وتحقيقه لمقصد الخطاب القرآني .
وبتتبعنا للفعل الماضي في القرآن الكريم ، يتبين لنا أن الزمن ــ في الكثير من الأحيان ــ قد يكون مُلغىً تماما من الفعل الماضي ، إذ يصبح الماضي دالاًّ على الدوام و الأبدية .
و معنى هذا أن الفعل الذي يسميه النحاة ماضياً يخرج - في القرآن الكريم - عن دلالته الحرفية التي عُرِف بها إلى دلالة أكبر، وهي الإطلاق والأبدية حيث تنتفي فيه الزمنية ، ليصبح فعلا معجزا أبديا ومستقبليا دالا على الزمن المطلق . و لو حاولنا الاستدلال على ذلك لوجدنا الكثير من الآيات القرآنية التي تتجلى فيها هذه الظاهرة بوضوح ، و سنكتفي بالتمثيل لها ببعض الآيات :
* قال سبحانه : (خلق الإنســــــان علّمه البيــــــان ) الرحمن / 2 ــ 3 ، وقال عز و جل كذلك : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه و بالوالدين إحسانا ) الإسراء / 23 ، فمَنْ مِنّا حين يتلو هاتين الآيتين يفهم منهما غير الإطلاق و الأبدية ، فالله تبارك و تعالى خالق الإنسان و بارؤه منذ الأزل ، و هو أيضا الذي قضى و يقضي و سيقضي إلى الأبد بألا يُعبَد سواه و بأن يُحْسَن للوالدين .
* وقال جل جلاله : ( وكان الله عفوا غفورا ) النساء / 99 . إنَّ (كان) في هذه الآية فعل ماض من حيث الصيغة، ولكن دلالته على الزمان تفيد الأبدية ، ذلك أن الله سبحانه متعالٍ عن الزمان والمكان، وصفاته سبحانه كذلك غير محدودة في الزمان والمكان ، بل هي أزلية لا بداية لها و لا نهاية ، وهي ملازمة له جل و علا . و من هذه الصفات صفتا العفو والمغفرة المذكورتان في الآية الدالتان على كمال ألوهيته وعظمته .
* و يقول عز و جل : ( أخرج منها ماءها و مرعاها ) النازعات / 31 ، و يقول تعالى أيضا : (وسع كرسيه السماوات و الأرض ) البقرة / 255 ، ويقــول : ( إنا هديناه السبيل إما شاكرا و إما كفورا ) الإنسان / 3 ، حيث نلاحظ أن الأفعال التي اشتملت عليها الآيات – إن صح أن نسميها أفعالاً و هي من الخالق تبارك و تعالى - وهي إخراج الماء والمرعى ، وسَعَة الكرسي ، وهداية البشر، كلها أفعال مطلقة. فهي منسوبة إلى الله جل جلاله المتعالي عن الزمن، فلا يمكن أن تدل على زمن معين وإن كانت في ظاهرها دالة على الماضي.
و بالإضافة إلى ما ذُكِر من أفعال صادرة عنه سبحانه هناك أفعال ماضية في القرآن الكريم خرجت كذلك عن معناها النحوي وألغيت فيها الظاهرة الزمنية ، دون أن تكون منسوبة إليه تبارك و تعالى :
* قال عز و جل : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) النساء / 102 ، فشعيرة الصلاة باعتبارها ركنا من أركان الإسلام وعمادَ الدين، كانت ولم تزل وستظل فريضة موقوتة، لا يمكن تعطيلها في المجتمع الإسلامي، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
* وقال سبحانه : (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إلا الذين تابوا وأصلحوا و اعتصموا بالله و أخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين ) النساء / 145- 146 حيث وردت فيه أفعال تُشرَط على المنافقين في أي زمن كان ماضيا أوحاضرا أو مستقبلا ، ألا وهي التوبة والإصلاح والاعتصام بحبل الله لكي يُصنَّفوا ضمن المؤمنين .
*و قال جل و علا أيضا : ( قد أفلح المؤمنون ) المؤمنون / 1 . حيث نلاحظ أن فعل (أفلح) غير مقترن بزمن رغم إسناده للماضي لأن فلاح المؤمنين كان وسيكون دائما طالما تحقَّقَ فيهم شرط الإيمان وما يستتبعه من صفاتٍ وأعمالٍ مرتبطة به ، والتي عدَّدَتْها السورة القرآنية .

عبد الرحيم بيوم
01-09-2012, 12:00 PM
وفي "كان" قال الزمخشري في كشافه: "عبارة عن وجود الشيء في زمان ماض على سبيل الإبهام ، وليس فيه دليل على سابق عدم ولا على انقطاع طارىء ، ومنه قوله تعالى : { وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً } [ النساء : 96 ]".

فوائد لغوية مهمة لدارسي القران الكريم
بوركت وجزيت على الطرح الطيب
تحياتي لك اخت خديجة
وحفظك المولى

أ د خديجة إيكر
03-09-2012, 12:19 AM
الأخ عبد الرحيم

شكر الله لك حسن اطلاعك

دمت في رعاية المولى .

ربيحة الرفاعي
04-09-2012, 03:00 AM
نرى مما تقدم أن الفعل الماضي ليس محصور الدلالة على زمن مضى وفعل تم وانتهى, وأنه أوسع تعبيرا حيث يفيد وقوع الحدث بشكل مطلق, وأظنني خطرت لي الآن من آي الذكر الحكيم وبوحي من موضوعك الرائع شواهد بدلالالته على الحال أو الاستقبال او الاستمرار التجددي في الازمنة الثلاث
فهل استعماله بهذه الدلالات محصور بالقرآن، أم أنه وراد في شواهد من الشعر والنثر؟
وهل نستدل على وروده بهذه الدلالات بوجود قرينة دالة أو أننا نصل إليها بعلمنا المسبق بالقصد؟

نشكر لك جهودك الكريمة وحضورك الرائع
وأهلا بك في واحتك

تحاياي