المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشاطئ / دينا نبيل



دينا نبيل
14-08-2012, 03:31 PM
الشاطئ



لم يكن جديداً أن يأتي إلى هنا .. لا لسببٍ إلا لأنه يقطن هنا.
عند الشاطئ .
على الرمال المرمرية .. بين الصخور النخرة ، حيث عشّته الصغيرة التي لا تتسع لأكثر من شخص واحدٍ .. حتى وإن أتى زوّار ، فمن يحبس ناظريه عن الأفق الفيروزي في الظهيرة أو العسجدي وقت الغروب! .

وحده الذي لا يرى جديداً في المكان، فالبحر في مكانه منذ أن رأت عيناه النور .. منذ أن انتشى لأول لفحة يُودٍ في صيف قائظٍ ، وبعدها اعتاد الأمر .
الجديد أنّه عاد تلك الليلة يصطحب معه شخصاً آخر .. يحمله حيناً ويجرجره أحياناً ، ألقاه على الشاطئ ريثما يجد له مخبأ.
العشّة ليست مكاناً آمناً يخبئ فيه صاحبه ، حتماً سيرتاب الناس فيه إذا رأوه نائماً خارج عشّته.
لم يفكّر .. هدير الموج يشتته ، يبعثر تركيزه.
جلب مجرفته وأخذ يحفر .. وبيديه يعمّق الحفر.
يأتي الموج يناكفه .. يناكده ، يملأ حفره .. يسكنها ويذوب داخلها.
الرمال هلامية تطفو فوق حساء الموج المائع ، شعره يلتصق بعرق جبينه .. الملح على وجهه وبين يديه.


لم يتوقف ..
وكذلك الموج .. يعود من جديد جالباً معه طحالب بنيّة يسكبها في الحفر، تعلق بأصابعه ، تلتف عليها.
إلى جانبه جثّة صاحبه يتلاعب بها الموج ، يطوّح رجليه وذراعيه .. يجذبه نحو البحر رويداً رويداً .
جرى نحو الجثّة يشدّها، لا يمكن أن يتركها للبحر وإلّا سيقذفها في الصباح على شاطئ آخر.. وينكشف الأمر.

الرمال أفضل من البحر.
الرمال تستر .. تقبر، الماء ينضح .. يفضح .
أسرع بالحفر .. واستغرق فيه ، كما لو كان سيحفر إلى الأبد.
جذب صاحبه من ثيابه وألقاه في الحفرة ، لم تكن عميقة كفاية لإخفائه .
الرمال تتفلّت من بين أصابعه .. تتساقط على صاحبه كوحل لين ينزلق ويعود إلى الشاطئ .
الرمال اليابسة بعيدة .. هناك مارّة وأضواء ، هنا هو والظلام .
صار الردم لصقاً وترقيعاً بحفنات الرمال الحسائية .

وانتهى .
لا يدري متى .. سقط بجانب الردم بلا حراك.
ونام لا يدري كم .. ربما يوما أو بعض يوم.
واستيقظ ..
كان وحده .. لا جثة .. لا آثار دفن.
أخذ يتحسس وجهه هل طالت لحيته؟ .. هل شابت؟
هل اهترأت الجثة من الملح ، فتحللت وذابت وسط الرمال ؟ .. أم حملها البحر وابتلعها ؟
هرول نحو البحر .. يصرخ بكل ما بقي فيه من قوة .. عبثاً يتّقي بكفيه السقوط في الماء ، يزحزح رجليه بين الأمواج كجبلين .. يبحث عن الجثّة علّها ترتطم بقدميه .. وغاص باحثاً .
كم لبث تحت الماء؟
لا يدري .. ربما يوماً أو إلى الأبد!

ربيع بن المدني السملالي
15-08-2012, 08:49 PM
قد قام أخونا الأديب منتظر السوادي بقراءة رائعة لهذه القصة الهادفة والجميلة ، لغة ومضموناً وسرداً ..لعلّ من الخير جعل رابطه هنا للاطلاع ..

https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?p=733832#post733832

دمتما في خير وعافية

تحياتي

مصطفى حمزة
15-08-2012, 09:12 PM
أقتباس كامل النص
------------
أختي الفاضلة ، الأديبة دينا
أسعد الله أوقاتك
قصّة لا أشك في أنك أردتِ بها رمزاً أو رموزاً لأفكارٍ لديكِ ... لعلّ الأستاذ منتظر السوادي كشف عن بعضها في قراءته النقديّة ، وقد أبدع في ذلك
ملاحظتي في الشكل والتنسيق ، فهو مهم جداً في القصّة القصيرة من حيثُ التعبير والتأثير
تحياتي وتقديري

ربيحة الرفاعي
16-08-2012, 05:48 PM
تتمتعين بلغة قصية رائعة، وخيال خصب يرسل الرموز وفيرة ويرسم الصور بديعة
قصة رائعة ماتعة بلغتها واسقاطاتها وشيق سردها

وددت لو أنك كتبتها مرسلة بأسلوب الفقرة وعلامات الترقيم ، فذلك أجمل للقصة وأقرب للمتلقي

أهلا بك ايتها الكريمة في واحتك

تحاياي

نداء غريب صبري
10-05-2013, 02:40 AM
قصة مشوقة سردها جميل
لكن فكرتها غائبة وأسلوب كتابتها زادها غموضا

شكرا لك أختي

بوركت

كريمة سعيد
10-05-2013, 03:29 PM
قصة جميلة بسردها الماتع وأسلوبها الشائق
بورك النبض
تقديري

مصطفى الصالح
18-06-2014, 01:56 PM
أيعقل أن يكون هو قاتل صاحبه وهو بتلك السذاجة؟

سرد مشوق جدا أخفى ولم يعط إلا بالقدر الذي يريد

يعود من جديد جالباً معه طحالب بنيّة>> لم أر في حياتي إلا طحالب خضراء‏

النهاية مفتوحة ومحيرة

كما عهدناك دائما.. مبدعة

كل التقدير

د. سمير العمري
27-04-2015, 06:05 PM
أثني بداية على هذا الأسلوب العالي في السرد وفي الطرح الأدبي سواء من حيث لغة النص أو من حيث الأسلوب والاقتباسات التي أشار لها السوادي في قراءته موفقا.

ثم أجدني أرى في النص طرحا فلسفيا بإسقاطات غامضة بما يجعل المعنى عسير المنال هذا إن كان ثمة معنى تريده الكاتبة من النص أكثر من إطهار المقدرة الأدبية في الطرح ، والغموض المربك هذا لا يحسب للنص كما يروج بعض الحداثيين.

دمت بخير وعافية!

تقديري

خلود محمد جمعة
16-05-2015, 05:31 PM
عاش وحيدا ومات وحيدا وحمل قصة خوفه معه
سرد ماتع وأسلوب جاذب وفكرة تحتاج لبعض التوضيح
بوركت وكل التقدير

ناديه محمد الجابي
29-08-2016, 07:28 PM
نص رائع لكاتبة متمكنة ، وقصة ماتعة ولغة شيقة
وجاءت القراءة النقدية للأخ/ منتظر السوادي مبدعة لتضيف على الجمال جمالا
لقلمك الخلاب سحره ـ وحروفك تكشف عن موهبة متألقة
فهل من جديد. :001: