تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في قصّة الشّاطئ لدينا نبيل



مُنتظر السوادي
15-08-2012, 03:36 PM
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=59544



وقفة مع قصة الشاطئ*
تروي أحداث القصة شخصاً قاتلاً حائراً في أمر جثة الضحية ، ثم يقرر بأنّ الدفن على شاطئ البحر هو الخيار الأفضل للتخلص منها ، ويتم الدفن ، ثم يفقد البطل وعيه وكأنه ينام ، أو كان ما تصوّره مجرد حلم ، ويحاول البحث عن واقعيته بدخوله البحر والبحث عن ذلك الهاجس الذي غشاه طويلاً ، وقد اعتمدت القصة على لعبة التناص ، بصورة ذكية وتجعل القارئ يتيه مع المتناصات الكثيرة التي تجيء في القصة وتراود أفكاره وثقافته ، وفيه تتجلى القدرة العقلية للكاتبة ، وذلك بتلاعبها على أكثر من نصّ لتنتج نصّاً واحداً ، فلا يعرف مع أي حكاية اعتمدتها الكاتبة للتناص ، ويمكننا القول أنّ القصة كتبت بذكاء ، وتمويه كبير ، ولاسيما مع العتبات ( العنوان والتوقيع ) . وسنتطرق الآن إلى بعض الأماكن التي يظهر بها التناص بآلية من آلياته :

أولاً : قصة قابيل ودفن الجثة ، وكيف أصيب الجاني قابيل بحيرة شديدة بأنّه سيفضح أمره ، ولم يعرف ما سيعمل بالجثة ، فجاء الغراب ، وتم الدفن ، بعدها أصبح نادماً ، وفي للقصة نجد (( عاد يحمل معه شخصاً آخر .. يحمله حيناً ويجرجره أحياناً .. لا وقت لمحو الآثار وصاحب الآثار ملقى على الشاطئ [ ...] هدير الموج يشتته .. يبعثر تركيزه .. جلب مجرفته وأخذ يحفر .. وبيده يعمّق الحفر ..
يأتي الموج يناكفه .. يناكده .. يملأ حفره .. يسكنها ويذوب داخلها )) . العميلة واحدة وهي إخفاء جثة ، والحيرة التي تسبق الدفن ، فالبطل لا يعرف ما سيعمل بالجثة حتّى جاء القرار الأخير ، وهو في كلتا الحكايتين الدفن ، والغاية من وراء الدفن نهاية أمر الجثة وإِلى الأبد .

ثانياً : قصة أصحاب الكهف ( ع ) ، ولاسيما بعد استيقاظهم ، قالوا كم لبثتم ؟ ، السؤال الغريب الذي يبيّن جهل الإنسان وعجزه عن معرفة أبسط شيء ، فلا يعلم جواب ذلك سوى الخالق ، وكان التناص ظاهراً هاهنا لفظياً ، فتقول القصة : (( ونام لا يدري كم .. ربما يوما أو بعد يوم )) . والنهاية مقاربة وهي تناص أيضاً فأصحاب الكهف طلبوا من الله الموت والخلاص من آثام الدنيا ، فرحلوا عن عالم الحياة وعن المضايقات البشريّة وإلى الأبد ، وكذلك البطل فإنّه بعد الاستيقاظ هام على وجهه في البحر ليتخلص من أفكاره التي لازمته ، وقد رحل تحت الموج وإلى الأبد .

ثالثاً : القصة القرآنيّة الرجل صاحب الحمار الذي قال أنّى يحيي الله هذه الأرض ، فبعد الاستيقاظ من موته وغفوته التي لا يعرف أمدها ، لم يجد الحمار ، وتغير شكل الرجل نفسه ، وهنا نفس الأمر مع البطل فطول لحيته بعد استيقاظه ، وجهله بمدة نومه ، وخفاء الجثة التي كانت معه ، يتناص مع تلك القصة القرآنيّة .

رابعاً : قصة سيدنا يونس ( ع ) وخروجه من البحر وحاجته إلى الظل والشجرة ، وهنا كان التحوير في القصة ، فهو على الشاطئ ثم غاص بالبحر ، والتقارب بين النصين الجهل بالمصير في كلتا القصتين ، فهذا يخرج من الظلمات والحيرة إلى نور العفو والمغفرة ، فضلاً عن أنه تلقن درساً وحكمة من لدن السماء تجاه أفعاله ، وكذلك البطل في القصة ، فهو يتلقن درساً ثم سعيه في البحث عن المصير لنهاية الجثة أو البحث عن المعرفة فأين تذهب الجثة ؟ ، أو الخلاص ممّا فعله ، وهنا يحتمل الأمر شدة الندم التي يعيشها .

خامساً : الحكمة من الحياة التي ترويها الأحاديث ، التي تقول الناس أموت فإنّ ماتوا أحيوا ، فالبطل هنا يدفن الجثة وهو مستيقظ ، وهو حالنا نحن البشر أمام الميت ساعة موته وحتى ساعة دفنه ، لكنّنا بمجرد أن نعود من الدفن ننسى المصير الذي ينتظرنا ، فتأخذنا الدنيا في غفوة ، ولا نستفيق حتى يقرع الموت أسماعنا ، وعندها لا ندري كم لبثنا في سكرتنا ، ويرجع لنا البصر ، فالبطل بعد أن دفن الجثة عاد إلى غيبوبة وإلى لهوه ومتعته في الحياة أشبه بالميت ، ويستيقظ بعدما تكون لحيته قد طالت (( أخذ يتحسس وجهه هل طالت لحيته ؟ .. هل شابت ؟ )) وعندها يغوص في البحر رمز الفناء والنهاية والضياع لمن كان في الدنيا أعمى عن التفكير بمصيره ، فهو راح وإلى الأبد في البحر (( هرول نحو البحر بكل ما بقي فيه من قوة [ ... ] لا يدري .. ربما يوماً أو إلى الأبد! )) .

سادساً : رواية مونتي كريستو وكيف يتخلص البطل ممّا يحمله معه من أثقال حديديّة ، التي وضعت كي تنقله إلى أعماق البحر ، فيشق الكفن ويخرج إلى الساحل ، وهنا يتخلص البطل من الجثة التي كانت معه أو من الأثقال التي تسحبه إلى القعر ، لكن الموقف مغاير هنا في القصة فالبطل يصيبه الذهول والندم والحيرة والجنون ، وربما هو الأمر ذاته مع ( دانتس ) بطل الرواية مونتي كريستو ، الذي ظهر بلحيته الطويلة وثيابه المتهرئة ، وكأنه مجنون ، لكن صاحبنا هنا في القصة كان وحيداً وقرر النهاية في البحر .
خاتمة
العنوان يبدو لا علاقة له بالدلالات التأويلية المحتملة سوى المكان ، وهو ما أكدته الكاتبة في ذيل القصة وذلك عبر التوقيع ، بوضع مكان سكناها ( الإسكندرية ) ، فالقصة لها علاقة وثيقة بالمكان ، وربّما هدف الكاتبة يختبئ خلف ذلك المكان . يتضح ممّا تقدم - من متناصات وقفنا عندها - التمويه الذي قدمته الكاتبة عبر العنوان الذي كان بريئاً ، وظهر كأنه محايد ( الشاطئ ) ، إذ لا يحمل من الدلالات سوى المكانيّة ، وبإضافته إِلى التوقيع الذي يُذيلُ النصّ ( الإِسكندرية ) يكتسب من الواقعيّة شيئاً ، وعندها تجيء بعض الأفكار للقارئ ذات علاقة وطيدة بالواقع المعيش ، لكن المتأمل يكشف الخدعة ، ويقول ما جاءت به الكاتبة ما كان سوى تحوير وإبعاد للتناص المفضوح أو المكشوف أَو إِبعاد القارئ عن معرفة التناص بسهولة ويسر ، عبر خدعة العتبات النصيّة ، وعندها تنتصر القصة على قارئها المستهلك ، ويختفي التناص القرآنيّ - وهو كثير أو هو مع أكثر من نص - خلف بعض التلاعب في العتبات التي اعتمدتها الكاتبة .
---------

كاملة بدارنه
15-08-2012, 07:32 PM
قراءة رائعة لقصّة هادفة للأخت دينا سردت بأسلوب جميل
شكرا لك أخ منتظر على هذه القراءة المفيدة
يوركتما
تقديري وتحيّتي

مصطفى حمزة
15-08-2012, 09:08 PM
نحن أما م إبداعين : إبداع كاتبة القصّة الأديبة دينا ، وإبداع صاحب القراءة النقديّة الأستاذ منتظر . وكم من نقد ألبسَ الأدبَ أدباً !
رأيتُ أن إرجاع الأخ منتظر جزئيات النص إلى أكثر من تناص مقنع إلى حد بعيد ، ويدل على ثقافة منوعة لديه وقراءة ثاقبة ، ما عدا التضمين الثقافي الذي أرجعه إلى قصة الكونت دي مونت كريستو فقد وجدتُه غير مناسب أو غير مقنع ..
تحياتي وتقديري أخي العزيز منتظر
ودمتَ بألف خير

مُنتظر السوادي
16-08-2012, 01:25 PM
شاهدت فلم رواية مونتي كريستو ، وأظنّ الجزء الثاني منه بالتحديد ، عندما يتخطى دانتنس البحر ويلقيه الموج على الشاطئ ، يستيقظ على الشاطئ وللمرة الأولى بعد زمن بعيد إذ كان سجيناً يرى الرمال والموج وشعاع الشمس ، على الشاطئ فيصيبه الجنون هناك ، ويبقى يركض ويلج البحر ، ولا يعرف ما يصنع غير مصدق تماماً بما جرى معه ، وهو قد ترك جثة حبيبه وصديقه في السجن ، لا يعرف عنها شيئا ، ثم لتبدأ الرحلة معه من جديد ويبقى صديقه مرافقا لخياله .
لا أعتقد أن هذا لا علاقة له بالقصة ، بل أرى المشهد قريب جداً من البطل هنا ، وطبعا مع التحوير والتغير ، الذي يعد جزءاً رئيساً من الإبداع ، وأعتقد نجحت الكاتبة فيه .
لكم تحيتي وباقات من البنفسج ....

مُنتظر السوادي
16-08-2012, 01:27 PM
الأستاذة كاملة بدرانة
الأستاذ مصطفى حمزة

لكما كل الشكر والتقدير على القراءة والتعليق

لكما باقات من الياسمين والبنفسج

ولدكم
منتظر

ربيحة الرفاعي
16-08-2012, 05:34 PM
مدهش
أقرأك هنا ناقدا متمكنا يغوص بعمق في كهوف النص مستجليا روائعة بيراع ضارب الجذور في ثقافة واسعة وقدرات نقدية مائزة، فيشرق النص ببهاء قوله وبزداد ألقا

أبدعت أيها المنتظر لا حرمك البهاء

واهلا بك في واحتك

تحاياي

وليد عارف الرشيد
17-08-2012, 10:57 PM
قراءة نقدية موفقة تنم عن ثقافة عالية وعمق في الرؤيا لنص قصصي جميل
سعدت بقراءة النص وقراءته الواعية البديعة
شكرًا لك مبدعنا والشكر موصول لصاحبة النص المبدعة
محبتي وتقديري وكل عام وأنتم بخير

مُنتظر السوادي
05-11-2012, 06:11 PM
مدهش
أقرأك هنا ناقدا متمكنا يغوص بعمق في كهوف النص مستجليا روائعة بيراع ضارب الجذور في ثقافة واسعة وقدرات نقدية مائزة، فيشرق النص ببهاء قوله وبزداد ألقا

أبدعت أيها المنتظر لا حرمك البهاء

واهلا بك في واحتك

تحاياي

أستاذة الحرف

لك التحية أينما كنت

بوركت مساعيك وخطاك

مُنتظر السوادي
25-11-2012, 06:46 PM
قراءة نقدية موفقة تنم عن ثقافة عالية وعمق في الرؤيا لنص قصصي جميل
سعدت بقراءة النص وقراءته الواعية البديعة
شكرًا لك مبدعنا والشكر موصول لصاحبة النص المبدعة
محبتي وتقديري وكل عام وأنتم بخير



الأستاذ عارف المحترم

ما كتبته شهادة أعتزّ بها

شكرا جزيلا لك أيها الغالي