المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجذور العربية لعلم اللغة المقارن



أ د خديجة إيكر
18-08-2012, 07:28 PM
(كتبت المقال هنا في ملتقى الصرف لأني لم أجد في الواحة ملتقى خاصاً باللسانيات )

يهتم علم اللغة المقارن ( Linguistique comparative ) بدراسة الظواهر الصوتية و الصرفية و التركيبية و المعجمية في اللغات التي تنتمي إلى أسرة لغوية واحدة ، وتوضيح العلاقات التاريخية بين اللغات التي تعود إلى أسرة لغوية واحدة .
أما عن أهدافه فيمكن إجمالها في ما يلي :
أ ـ الرؤية التاريخية : بغرض التوصل إلى اللغة الأقدم و اللغة الأحدث تاريخياً .
ب ــ البحث عن القوانين التي تفسر الظواهر اللغوية : مثل ما نجد في قانون Jacob Grimm الذي أجرى العديد من البحوث التطبيقية الصوتية قارنَ فيها بين بعض اللغات .و من بين ما توصل إليه أن هناك تبادلا بين اللغات فيما يتعلق بحرفي f و p فالكلمة اللاتينية patsr ) أب ) مثلا تحوَّل فيها حرف p إلى f في الإنجليزية (father ) بينما ظل كما هو في الفرنسية ( père ) إلى غير ذلك من القوانين اللغوية وضعها Grimm .
ج ــ محاولة تصنيف و تبويب اللغات : كما يفعل علماء النبات للنباتات المتنوعة فيعملون على تصنيفها و تسميتها على أساس أشكالها و خصائصها و طرق نموها و تكاثرها . .
و إذا كان اكتشاف السنسكريتية ( لغة الهند القديمة ) من طرف وليام جونز في نهاية القرن الثامن عشر السبب الأساس لظهور هذا الفرع من علوم اللغة عند الأوربيين ( أي علم اللغة المقارن) ، و لتحوّل أنظار اللسانيين إليه ، فإن علم اللغة المقارن وُجد عند العرب في فترة مبكرة جداً ، أي منذ القرن الرابع الهجري على يد لغويين متخصصين في المغرب و الأندلس ، نذكر منهم :
1ـ جودة بن قريش التاهريتي ( القرن 4 هـ ) الذي أكد أن العربية و العبرية ناتجتان عن أصل لغوي واحد وأنهما تفرعتا بسبب الاختلاط والاحتكاك بلغات أخرى والاقتراض منها . وقد قام بمقارنات للأصوات الساكنة في العربية و العبرية مع ترتيبها ألفبائيا ، كما بين بعض أوجه التشابه بين اللغتين من حيث الجذور . ويعتبر ابن قريش أب الدراسات السامية المقارنة .
2 ـ ابن حزم الأندلسي ( 456 ه ) الذي اكتشف القرابة اللغوية الموجودة بين العربية و العبريــــــة و السريانية ، يقول في كتابه "الإحكام في أصول الأحكام " : ( الذي وقفنا عليه و علمناه يقينا أن السريانيــة و العبرانية و العربية لغة واحدة تبدلت مساكن أهلها ، فحدث فيها جرش كالذي يحدث من الأندلسي إذا رام نغمة أهل القيروان ، ومن القيرواني إذا رام نغمة الأندلسي ... وهكذا في كثير من البلاد فإنه بمجاورة أهل البلدة بأمة أخرى تتبدل لغتها تبدلا لا يخفى على من تأمله... فمن تدبر العربية و العبرانية و السريانية أيقن أن اختلافها إنما هو من نحو ما ذكرنا من تبديل ألفاظ الناس على طول الأزمان و اختلاف البلدان ، و مجاورة الأمم و أنها لغة واحدة في الأصل " ج1/30
3ـ إسحاق بن بارون ( القرن 5 هـ ) في :" كتاب الموازنة بين اللغة العبرية و العربية" الذي قارن فيه بين اللغتين على المستوى الصرفي و النحوي فتوصل مثلا إلى أن التثنية و الجمع يتمَّان في العربية بإضافة النون بينما العبرية تضيف الميم ، وأيضاً على المستوى المعجمي حيث جمع كل الجذور التي يتشابه نطقها و معناها في كلتا اللغتين .
و جاءت الدراسات اللغوية المقارنة الحديثة بعد قرون طويلة من ظهور علم اللغة المقارن عند العرب فقامت بتصنيف اللغات إلى أسر أو مجموعات ، أهمها :
- اللغات الهند أوربية : تضم عددا كبيرا من اللغات المنتشرة في منطقة شاسعة من الهند وإيران إلى أوربا .
- اللغات السامية : تشمل العربية و العبرية و الآرامية و الأكادية و الحبشية .
وقد قسمت اللغات هذه التقسيمات بناء على مقارنات بينها أثبتت أن هناك أوجهَ شبه بينها على المستوى الصوتي و الصرفي و النحوي و المعجمي ، مما يعني أن اللغات المنتمية إلى الأسرة نفسها قد انحدرت من أصل واحد مشترك تفرعت عنه لغات الأسرة كلها .

بهجت عبدالغني
19-08-2012, 05:57 PM
معلومات قيمة وجديرة بالتأمل ..

لدي سؤال :
إذا كان آدم وحواء عليهما السلام عندما خرجا من الجنة كانا يتكلمان بلغة واحدة ، وهي اللغة التي ورثها عنهما أبناؤهما
فكيف أصبحت هناك لغات متعددة ؟

أستاذتنا العزيزة خديجة إيكر
بارك الله في علمك وعملك
وجزاك خيراً
وكل عام وأنت بألف خير وعافية



تحياتي ..

أ د خديجة إيكر
21-08-2012, 10:30 PM
معلومات قيمة وجديرة بالتأمل ..

لدي سؤال :
إذا كان آدم وحواء عليهما السلام عندما خرجا من الجنة كانا يتكلمان بلغة واحدة ، وهي اللغة التي ورثها عنهما أبناؤهما
فكيف أصبحت هناك لغات متعددة ؟

أستاذتنا العزيزة خديجة إيكر
بارك الله في علمك وعملك
وجزاك خيراً
وكل عام وأنت بألف خير وعافية

تحياتي ..






تشرّفت كالعادة بجميل عبورك و حسن اطلاعك ، أستاذ بهجت الرشيد
دام تأمّلك ، و كل عام و أنت بخير و عافية ونعمة وستر .


أما عن تساؤلك ، فإن تقسيم اللغات الإنسانية إلى فصائل و سلالات كما ذكرنا وهي :
- المجموعة السامية ، و منها السامية الشمالية و الجنوبية
- و المجموعة الهند أوربية ، التي تشمل ثماني مجموعات ، منها لغات ميتة انقرضتْ ، و لغات حيّة لا زالت متداوَلَة .
- و مجموعة اللغات الطورانية التي لا تجمع بينها صلات قرابة ، و إنما جمعها العلماء في مجموعة واحدة لأنهم لم يستطيعوا تصنيفها لا ضمن السامية و لا ضمن الهند أوربية، هذا التقسيم فيه دليلٌ على أن اللغة كانت واحدة فطرأت عليها تغييرات ، و حدثت فيها تطوّرات مع مرور الزمن . و إلا فكيف نفسّر التشابه بين اللغات ؟
لقد وُجدت اللغة مع وجود الإنسان و الله تعالى أوحى بها إلى الإنسان ( و علم آدم الأسماء كلها ) دون غيره من الكائنات و خلق بداخله قدرة و ملكة لغوية غير موجودة عند الكائنات الأخرى كالحيوانات والحشرات والطيور التي لها طريقة خاصة في التواصل لا يمكن تسميتها ( لغة ) لأنها غير مركّبة من صوت و نحو و صرف و دلالة. و قد أكد اللسانيون أن اللغة مرّت بثلاث مراحل :
- مرحلة اللغة الأولى
- مرحلة اللهجة : حيث أدى تكاثر الإنسان المتكلّم للعربية ، و تفرُّق أبنائه و ذريته في أماكن كثيرة من البسيطة سوى الجزيرة العربية إلى تغيّر في مميّزات هذه اللغة صوتاً و صرفاً و تركيباً و دلالة و دخول ألفاظ جديدة إلى لغته فنشأ ما يسمى باللهجات أو العاميات التي نلاحظ كثرتها و تنوّعها .
- مرحلة اللغات : فمَع مرور الحقب ، وتكاثر الإنسان و تنوّع صفاته و قدراته من حيث نُطقه السليم و فهمُه للدلالات ، و اختلاف الأماكن و البيئات التي عاش فيها و ظهور أشياء جديدة في محيطه تطوّرت هذه اللهجات إلى لغات بفعل التغيّر الكبير الذي حصل في المستويات الأربعة لهذه اللهجات و هي الأصوات و التراكيب و الاشتقاقات الصرفية و المعاني الجديدة .
و يستمرّ هذا التطور الهرمي للغة الأولى واللهجات واللغات التي تتوالد الواحدة من الأخرى إلى أن يتوقّف هذا التطور في فترة من فترات الإنسانية حين اكتُشفت المطبعة واحتاج الناس إلى الكتابة و نما الشعور و الرغبة عند كلّ شعب في المحافظة و التشبّت بلغته الأم .


دمت في طاعة الرحمن .

بهجت عبدالغني
22-08-2012, 11:17 AM
و قد أكد اللسانيون أن اللغة مرّت بثلاث مراحل :
- مرحلة اللغة الأولى
- مرحلة اللهجة : حيث أدى تكاثر الإنسان المتكلّم للعربية ، و تفرُّق أبنائه و ذريته في أماكن كثيرة من البسيطة سوى الجزيرة العربية إلى تغيّر في مميّزات هذه اللغة صوتاً و صرفاً و تركيباً و دلالة و دخول ألفاظ جديدة إلى لغته فنشأ ما يسمى باللهجات أو العاميات التي نلاحظ كثرتها و تنوّعها .
- مرحلة اللغات : فمَع مرور الحقب ، وتكاثر الإنسان و تنوّع صفاته و قدراته من حيث نُطقه السليم و فهمُه للدلالات ، و اختلاف الأماكن و البيئات التي عاش فيها و ظهور أشياء جديدة في محيطه تطوّرت هذه اللهجات إلى لغات بفعل التغيّر الكبير الذي حصل في المستويات الأربعة لهذه اللهجات و هي الأصوات و التراكيب و الاشتقاقات الصرفية و المعاني الجديدة .
و يستمرّ هذا التطور الهرمي للغة الأولى واللهجات واللغات التي تتوالد الواحدة من الأخرى إلى أن يتوقّف هذا التطور في فترة من فترات الإنسانية حين اكتُشفت المطبعة واحتاج الناس إلى الكتابة و نما الشعور و الرغبة عند كلّ شعب في المحافظة و التشبّت بلغته الأم .



أشكرك أستاذتنا على هذه التوضيحات القيمة والمهمة جداً
وكنت قد وصلت بعد تأمل وتفكر الى ما تفضلت به من تقسيم مراحل اللغة ، ولكن لم أكن متأكداً من ذلك ، فلست متخصصاً في اللغة
ولم يكن لديّ دليل على ما وصلت إليه
واليوم أقرأ ذلك بكلمات أستاذة كبيرة في اللغة
فالحمد لله تعالى

أستاذتنا العزيزة خديجة إيكر
أكرر شكري وتقديري
وجزاك ربي خيراً وبارك فيك
وكل عام وأنت بألف خير


مع خالص تحياتي

خليل حلاوجي
23-08-2012, 07:03 PM
هناك فوائد عدة لهذا المبحث ، فالنطق أيضاً مر بمراحل تطورية ضمن السلالات البشرية .

عندما غادر الشافعي بيئته إلى الأعراب لسنين عشر في أول طفولته ... تمكن بعدها من لغة العرب وفصحاتها حتى أنه قال : لايحيط باللغة إلا نبي

اللغة كائن حي ينمو ... كأي مخلوق حي

ولاجرم أن تتبع هذا التطور .. سيرشدنا إلى الكثير من الخلال البنيوية والصفات المفاهيمية .


بورك هذا الجهد الثري .

أ د خديجة إيكر
23-08-2012, 09:02 PM
و بورك هذا الحضور السخيّ

طيّب الله أوقاتك بكلّ خير

ربيحة الرفاعي
22-03-2013, 06:04 PM
و إذا كان اكتشاف السنسكريتية ( لغة الهند القديمة ) من طرف وليام جونز في نهاية القرن الثامن عشر السبب الأساس لظهور هذا الفرع من علوم اللغة عند الأوربيين ( أي علم اللغة المقارن) ، و لتحوّل أنظار اللسانيين إليه ، فإن علم اللغة المقارن وُجد عند العرب في فترة مبكرة جداً ، أي منذ القرن الرابع الهجري على يد لغويين متخصصين في المغرب و الأندلس ، نذكر منهم :
1ـ جودة بن قريش التاهريتي ( القرن 4 هـ ) الذي أكد أن العربية و العبرية ناتجتان عن أصل لغوي واحد وأنهما تفرعتا بسبب الاختلاط والاحتكاك بلغات أخرى والاقتراض منها . وقد قام بمقارنات للأصوات الساكنة في العربية و العبرية مع ترتيبها ألفبائيا ، كما بين بعض أوجه التشابه بين اللغتين من حيث الجذور . ويعتبر ابن قريش أب الدراسات السامية المقارنة .
2 ـ ابن حزم الأندلسي ( 456 ه ) الذي اكتشف القرابة اللغوية الموجودة بين العربية و العبريــــــة و السريانية ، يقول في كتابه "الإحكام في أصول الأحكام " : ( الذي وقفنا عليه و علمناه يقينا أن السريانيــة و العبرانية و العربية لغة واحدة تبدلت مساكن أهلها ، فحدث فيها جرش
3ـ إسحاق بن بارون ( القرن 5 هـ ) في :" كتاب الموازنة بين اللغة العبرية و العربية" الذي قارن فيه بين اللغتين على المستوى الصرفي و النحوي فتوصل مثلا إلى أن التثنية و الجمع يتمَّان في العربية بإضافة النون بينما العبرية تضيف الميم ، وأيضاً على المستوى المعجمي حيث جمع كل الجذور التي يتشابه نطقها و معناها في كلتا اللغتين .

و جاءت الدراسات اللغوية المقارنة الحديثة بعد قرون طويلة من ظهور علم اللغة المقارن عند العرب فقامت بتصنيف اللغات إلى أسر أو مجموعات


و قد أكد اللسانيون أن اللغة مرّت بثلاث مراحل :
- مرحلة اللغة الأولى
- مرحلة اللهجة : حيث أدى تكاثر الإنسان المتكلّم للعربية ، و تفرُّق أبنائه و ذريته في أماكن كثيرة من البسيطة سوى الجزيرة العربية إلى تغيّر في مميّزات هذه اللغة صوتاً و صرفاً و تركيباً و دلالة و دخول ألفاظ جديدة إلى لغته فنشأ ما يسمى باللهجات أو العاميات التي نلاحظ كثرتها و تنوّعها .
- مرحلة اللغات : فمَع مرور الحقب ، وتكاثر الإنسان و تنوّع صفاته و قدراته من حيث نُطقه السليم و فهمُه للدلالات ، و اختلاف الأماكن و البيئات التي عاش فيها و ظهور أشياء جديدة في محيطه تطوّرت هذه اللهجات إلى لغات بفعل التغيّر الكبير الذي حصل في المستويات الأربعة لهذه اللهجات و هي الأصوات و التراكيب و الاشتقاقات الصرفية و المعاني الجديدة .

أجمل ما في مواضيعك عدم حاجتها لشرح بعد شرحك رغم ثرائها وأهميتها

موضوع قيّم ومعلومات هامة

دمت بألق

نداء غريب صبري
12-04-2013, 01:53 PM
يزيد اعتزازي بلغتي وأمتي عندما أعرف معلومات مثل هذه
ويزيد قهري من واقعي ومن الذين يدرسون هذه العلوم وكأن أصبها غربي ولا يذكرون الدنيا بأصولها العربية

شكرا لك دكتورة خديجة إيكر

بوركت

لانا عبد الستار
20-04-2013, 01:57 AM
معلومات في غاية الأهمية والبشاطة والوضوح
وعلى كل مهتم منا أن يوصلها لكل من يصل إليهم
رائعة أ. خديجة
أشكرك