تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في قصة مدفع الإفطار للأديب وليد عارف الرشيد



نادية بوغرارة
27-08-2012, 01:06 PM
نص القصة

كانَ كلَّما سمع صوتَ انفجارِ قذيفةِ مدفعٍ يتذكرُ لحظةَ الإفطار .. يتحركُ بفعلٍ لا إراديٍّ باتِّجاه طاولةٍ كان من المفترضِ أن تكون عامرةً كما جرتْ عليه العادةُ بأصنافَ شهيةٍ من الأطعمةِ والمشروبات ..
تغلَّب على شعوره بالعطش والجوع اللذين هيَّجتْهُما أصواتُ المدافع، واستحضرَ جميعَ تركيزِه فوق تلك الطاولةِ، وحاول بما حباهُ اللهُ من رغبةٍ في النَّجدةِ، وأخذ يبحثُ عن الرَّصاصةِ الغائرةِ في أحشاءِ هذا الصَّبي !!!!


القراءة

قرأت قصصا كثيرة تحكي عن يوميات الثورة ، آلامها آمالها ، دموعها ، دمها ،،،

لكنها برغم ما فيها من روعة ، لم تعلق بالذاكرة مثلما سكنتها قصة :

" مدفع الإفطار "

يوحي العنوان بأننا أمام قصة عن رمضان ، و لا يحمل خصوصية ويتلقاه القارئ مباشرا لا يحتاج لإعمال فكر أو تأمل .

هل الأمر كذلك ؟؟

فلنقرأ لنكتشف ...


"كانَ كلَّما سمع صوتَ انفجارِ قذيفةِ مدفعٍ يتذكرُ لحظةَ الإفطار"

مشهد متكرر في الزمان ( كلما سمع ) يوحي بأننا في خضم الحدث ، كما يشير إلى أننا في زمن رمضان

بذكر المدفع و الصيام ، لكن ، هل المدفع هنا يؤثث المشهد الرمضاني الإيماني المعتاد ؟

ربما نقول نعم لو لم يستخدم الكاتب كلمة " قذيفة "

لأنها أوحت لنا أن المدفع قاتل ، آلة مجرمة يُحركها الظُلاّم .

وهذه البداية جعلت القارئ يشرع مبكرا في طرح الأسئلة : ترى من هو بطل القصة ؟؟

من ذاك الذي نسي أنه صائم و تذكر عند سماع طلقة المدفع ؟؟

ما الذي كان يشغله ؟؟

فتأتي الصدمة قوية تلغي تأويلات عدة لاحت في أفق مطلع القصة ، يقول الكاتب :

" يتحركُ بفعلٍ لا إراديٍّ باتِّجاه طاولةٍ كان من المفترضِ أن تكون عامرةً كما جرتْ عليه العادةُ
بأصنافَ شهيةٍ من الأطعمةِ والمشروبات .."

فالطاولة إذن فارغة من طيبات الأكل ، هي ليست مائدة إفطار و كان من المفترض أن تكون ،لكنه حُرم مما ينعم به كثير من المسلمين ،

ومنهم للأسف من لا يشعر بمأساة الآخرين .

"يتحركُ بفعلٍ لا إراديٍّ باتِّجاه طاولةٍ "

لماذا كان الفعل لا إراديا ؟؟

لعل الكاتب يريدنا أن نعي و نفهم جيدا أننا أمام طفرة حياتية ، وحالة مختلفة ،ويوم خاص من أيام رمضان .

نظن أن البطل يتوجه إلى الطاولة ليتناول إفطاره كما يفعل كل الصائمين ، و كأننا نريد أن نبتعد عن مشهد مخيف

نشعر أن النص سيكشفه لاحقا ، هروب لن نمكث فيه طويلا ...

في ظل أوضاع مختلفة تفقد بعض الأشياء طبيعتها ، وبعض التفاصيل خصوصيتها ،فالصائم هنا تحيط به أجواء حرب و عنف و هلع ،

وكثيرا ما تكون الدوافع لا إرادية ،وسط زخم من الفوضى والقلق والمهام .

" تغلَّب على شعوره بالعطش والجوع اللذين هيَّجتْهُما أصواتُ المدافع، "

لم يكن الأمر يتعلق بطلقة واحدة مسالمة ، بل بطلقات تأمر بها عنجهية الظلم ،

ويطلقها مركزة مضغوطة الجورالمتمكن والطغيان المسيطر .

أية موائد مهما بلغت زينتها تغري في مثل هذا الموقف ؟؟

فصوت المدافع يقبر الشعور بالجوع و العطش و يحيي الشعور بالواجب ،فتتغير معالم الطاولة ،

لتتحول من مائدة طعام لشيء آخر استأثر بكل تركيز البطل ،الطاولة هي هي لكن بساط لما لا يمت للطعام بصلة .

يقول الكاتب :

" واستحضرَ جميعَ تركيزِه فوق تلك الطاولةِ، "

مازات الحيرة تأخذ بنا ، و مازال الفكر يسرح بفهمنا ،

إن لم تكن مائدة طعام الإفطار ، فما الذي يمكن وضعه عليها ؟؟

" وحاول بما حباهُ اللهُ من رغبةٍ في النَّجدةِ، وأخذ يبحثُ عن الرَّصاصةِ الغائرةِ في أحشاءِ هذا الصَّبي "

هو ذا ،،، بطلنا طبيب ...

أخذ بنا القاص للحظات في جولة سريعة في ضمير البطل ، " رغبته في النجدة "

هي رسالة الأطباء و برّ بقسمهم المهني ، بل إن بطلنا يمثل أعلى حالات الإخلاص ، حيث يصرف النظر عن تلبية حاجاته ،

ويواصل صومه لينقذ حياة الآخرين ، ناكرا ذاته و حاجياته و حقوقه .

نعم ، إنه يحاول فقط ،والله تعالى هو المنجي وهو الحافظ ، وأيضا يحاول لأن الجرح غائر والإصابة بليغة ..

الضحية طفل !!!

إنهم يقتلون البراءة ، ويجرحون الزهور ، ويبيدون الجمال ،حتى في رمضان والناس صيام .

كون الضحية من عالم الطفولة يزيد من فداحة الجرم ، ويرفع درجة السخط والاستنكار إلى أعلى النسب .

ويبقى السؤال في الأخير غصة تخنق فينا الأنفاس، ورجفة قلب يرتعش فرقا ،

هل نجا ؟؟ هل أفلح الطبيب في إنقاذ الطفل المصاب ؟؟

متى ستتوقف قذائف المدافع الآثمة لتفسح الفضاء لطلقات الحرية ، وأصوات تكبيرات الصائمين فرحا بيوم عيدهم ،

عيد النصر ؟؟

لا ريب أن ما قرأناه يستحق أفضل وأعمق من قراءةِ متذوقة، كل ما قامت به هو تحويل مشاعرها

و إحساسها بالقصة إلى كلمات ،فاقبلوا مني راجية الصفح عن أي سهو أو خطأ .

=======

الأديب المتألق وليد عارف الرشيد ،

إن مضمون بعض القصص نراه متمثلا أمام العين ، بارز الفكرة قريب الشخوص ،

نعيش معه الأحداث لحظة لحظة ، ننسجم مع ماهيته وكينونته ، نتوحد مع جزيئات مشاهده كلها .

هي قصة شعرنا بثقل أحزانها ، وأتبعنا آخر كلمة فيها زفرة لم تزد جوفنا إلا التهابا .

أحييك على نصك الثائر بامتياز ، و من خلال ومضتك الإنسانية الرائعة ، أحيي الصابرين المرابطين المجاهدين ،

وأحيي كل من سخر علمه وجهده لإسعاف ضحايا الظلم ، ورحم الله من استشهد منهم في سبيل ذلك .

بوركت ونبضك .


http://a6.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc7/577395_377543995632831_642948015_n.jpg

نادية بوغرارة
28-08-2012, 03:04 AM
أشكر من تفضل بنسخ قراءتي المتواضعة إلى قسم النقد ، وقد كانت مفاجأة بحق ،

أرجو أن يكون ما كتبته يستحق أن يجاور إبداعات النقاد في واحة الأدب، وأن ينال قبول واستحسان المارين والأعضاء الكرام .

و إنه لشرف لي أن يكون أول موضوع لي في هذا القسم الأدبي المميز ،

نظرة في أدب المتألق الأخ وليد عارف الرشيد ، الذي أحييه على القصة الرائعة .

بارك الله فيكم .

:os:

ربيحة الرفاعي
28-08-2012, 06:31 AM
قراءة رائعة ومهارة في تحليل الصورة ودلالاتها في نص جميل مؤثر زهى بها وزهت به

شكرا أديبتنا لجميل ما قرأت هنا
وأهلا بك في واحتك

تحاياي

وليد عارف الرشيد
28-08-2012, 07:43 AM
نعم قرأتها هناك وها أنا أعيد قراءتها مرات .. ما أروع هذه القراءة وما أعمقها وما أجمل أسلوبها الماتع الثري الشائق
قرأت نفسي هنا أكثر مما افترضت قد تكون اللحظات التي كتبت فيها قصتي قد تزاحمت بها الصورة لتخرج كما خرجت ولكني هنا أعدت قراءتي من جديد بأدق تفاصيل اللحظة والمشاعر
رائعة من صناعة مبدعتنا القديرة التي تصر على إدهاشنا في كل محفل إبداعي .. وكنت اليوم بالتأكيد هنا الأكثر دهشة
أثريت نصي الفقير أخت نادية وجعلته أكثر وهجًا واتساعًا وألوانا
لك الود والتقدير ودعائي بالمزيد من الألق

ربيع بن المدني السملالي
29-08-2012, 12:36 PM
الشّاعرة المغربية المتألقة في سماء الواحة نادية النّدية كم هي جميلة هذه القراءة النقدية لقصة المبدع الرّشيد وليد ، أحسنتِ أحسن الله إليك ...

كم أكون مسروراً وأنا أصافح إبداعاتك .. أتدري لمَ لأنني ألمس فيها مغربيتي !!

دمت مشرقةً أيتها الأاصيلة

تحيتي ومحبتي

كاملة بدارنه
29-08-2012, 12:51 PM
قراءة مميّزة وشرح واف لكلّ أحداث القصّة
شكرا لإبداعك المتعدّد الرّوافد أخت نادية
والشّكر للأخ وليد على قصّته
بوركتما

نادية بوغرارة
29-08-2012, 04:13 PM
قراءة رائعة ومهارة في تحليل الصورة ودلالاتها في نص جميل مؤثر زهى بها وزهت به

شكرا أديبتنا لجميل ما قرأت هنا
وأهلا بك في واحتك

تحاياي
=======


يسرني أن ينال هذا العمل رضاك ،

شكرا لك .

بوركت .

نادية بوغرارة
29-08-2012, 04:18 PM
نعم قرأتها هناك وها أنا أعيد قراءتها مرات .. ما أروع هذه القراءة وما أعمقها وما أجمل أسلوبها الماتع الثري الشائق
قرأت نفسي هنا أكثر مما افترضت قد تكون اللحظات التي كتبت فيها قصتي قد تزاحمت بها الصورة لتخرج كما خرجت ولكني هنا أعدت قراءتي من جديد بأدق تفاصيل اللحظة والمشاعر
رائعة من صناعة مبدعتنا القديرة التي تصر على إدهاشنا في كل محفل إبداعي .. وكنت اليوم بالتأكيد هنا الأكثر دهشة
أثريت نصي الفقير أخت نادية وجعلته أكثر وهجًا واتساعًا وألوانا
لك الود والتقدير ودعائي بالمزيد من الألق
=========


أسعدني ردك ، وحمدت الله أنك تقبلته قبولا حسنا ، وأعلم أن قصتك تستحق أكثر من هذا .

أخي المبدع وليد عارف الرشيد ،

أشكر لك تواضعك وكرمك .

دمت بكل خير .

نادية بوغرارة
29-08-2012, 04:23 PM
الشّاعرة المغربية المتألقة في سماء الواحة نادية النّدية كم هي جميلة هذه القراءة النقدية لقصة المبدع الرّشيد وليد ، أحسنتِ أحسن الله إليك ...

كم أكون مسروراً وأنا أصافح إبداعاتك .. أتدري لمَ لأنني ألمس فيها مغربيتي !!

دمت مشرقةً أيتها الأاصيلة

تحيتي ومحبتي

==========


الأخ الأديب ، ربيع بن المدني السملالي ،

رأيك فيما أكتبه يهمني ، ورضاك عنه يسرني ،

فألف شكر لك على التشجيع لاستمرار التعلم والتأمل والدربة .

دمت وحضورك .

نادية بوغرارة
29-08-2012, 04:33 PM
قراءة مميّزة وشرح واف لكلّ أحداث القصّة
شكرا لإبداعك المتعدّد الرّوافد أخت نادية
والشّكر للأخ وليد على قصّته
بوركتما

============


مجرد مرور الأستاذة كاملة أعتبره شهادة ، فكيف وهي تبدي رضاها عن قراءتي المتواضعة ؟؟

جزيل الشكر لك ،

و كلي أمل في أن أستطيع تقديم الأفضل مستقبلا ، والذي يقترب من الدراسة النقدية ويتجاوز مرحلة القراءة ،

ليكون أكثر اكتمالا وحرفية بعون الله تعالى .

دمت .

كاملة بدارنه
29-08-2012, 04:39 PM
مجرد مرور الأستاذة كاملة أعتبره شهادة ، فكيف وهي تبدي رضاها عن قراءتي المتواضعة ؟؟

جزيل الشكر لك ،

و كلي أمل في أن أستطيع تقديم الأفضل مستقبلا ، والذي يقترب من الدراسة النقدية ويتجاوز مرحلة القراءة ،

ليكون أكثر اكتمالا وحرفية بعون الله تعالى .

دمت .
ما شاء الله عليك أخت نادية! أشكر تواضعك وثناءك
أنت تجيدين السّباحة في بحار الإبداع وأنهاره، وإبداعاتك متعدّدة الألوان
بوركت وإلى مزيد من الإبداع دائما
تحيّاتي