المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في قصة " اعتراض "



نادية بوغرارة
29-08-2012, 11:18 AM
قراءة في قصة " اعتراض " للأديب المغربي الفرحان بوعزة

https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=59547

نص القصة






... تهت في الشارع الكبير ، والأيام تسقط من يدي كأكياس فارغة .. أخطو ، أتفقد خطواتي ، الناس كالفئران ، يختبئون تحت الرذيلة ليلا .. ويظهرون أنقى من المطر نهاراً .. حاولت أن أتملص منه ، كان يلازمني ، يسكن معي ، يشاركني في سريري .. تركته نائماً وخرجت خلسة ، لكن اللئيم كــان يقظاً ، يقراً بعينيه سقف البيت على مهل ..
التفت بسرعة ، وجدته يتعقبني .. وفي غفلة منه ، انعرجت إلى درب ضيق ، لملمت ملابسي في فمي وجريت هارباً ، وهو يصيح من ورائي ..
ــ انتظر .. أنسيت عشرتنا يا هذا ..؟
توقفت أستجمع قوتي .. فجأة ، نط أمامي غاضباً ومعاتباً.. حاولت الهرب .اعــترضني ،هـم بضربي ، والواقع أحسست بالضعف أمامه .. أشهر أمامي وشاح الموت بعدما لـوى فتحة جلبابي على عنقي ، فقفزت كل ملابسي فوق ركبتي .. وكاد يخنقني ، ثم طوح بي على الأرض اليابسة .. جرني مسافة إلى حانة متآكلة .. الناس يمرون ، يتوقفون ، يضحكون ، يتصايحون ، صرخت فيهم أين هو ؟ قالوا : من ..؟ قلت الشيطان .. قالوا : أنت ..؟



======




" اعتراض "

عنوان خاطف نجده في استقبالنا ، نحاول أن نلتقط منه سراجا ينير لنا تغلغلنا في ردهات القصة ،

أهو بمعنى الاعتراض عن الشيء من " اعترض " أم اعتراض الشيء ، من " عرَض" أم معنى آخر من معاني الكلمة الكثيرة ؟؟

لا شيء في العنوان يوجهنا لهذا أو لذاك .

"... تهت في الشارع الكبير ، والأيام تسقط من يدي كأكياس فارغة .. أخطو ، أتفقد خطواتي ،
الناس كالفئران ، يختبئون تحت الرذيلة ليلا .. ويظهرون أنقى من المطر نهاراً .."

بدأ القاص بنقاط متتالية كأنما يقتطف المشهد من مسرح الحياة الحافل، يرويه لنا البطل بنفسه كي تصلنا

الصورة كما هي على لسانه ، يعبر عن انفعالاته ومشاعره .

تهت / تسقط / فارغة / فئران / رذيلة ، كلها كلمات أدخلتنا في جو سوداوي ، وكأن البطل في محنة ،

يتأمل حاله فلا يجد ما يسر، وينظر في أحوال الناس فلا يرى بصيص نور .

" حاولت أن أتملص منه ، كان يلازمني ، يسكن معي ، يشاركني في سريري .."

من هذا الذي كان يحاول التخلص منه ،ويلتصق به التصاقا ؟؟

خياله ؟؟ ظله ؟؟ صورته ؟؟ رفيقه ؟؟ كل ذلك محتمل ، لكن الأكيد أنه غير مرغوب فيه،

ما أصعب أن نُجبر على قرب من لا نحبّ !!

" تركته نائماً وخرجت خلسة ، لكن اللئيم كــان يقظاً ، يقراً بعينيه سقف البيت على مهل .. "

في محاولة يائسة بائسة للفرار من سيطرة الرفيق ، يكشف لنا الكاتب بعضا من أسرار القصة ،

ونشرع في مقت ذلك القرين ، اللئيم كما وصفه الكاتب ، لا ينام عن مراقبة صاحبه ،

ولا يمل من مضايقته ، يقرأ سقف البيت على مهل مستهترا بقلق البطل .

أهو الشيطان ؟؟ أهو نفسه الأمارة بالسوء ؟؟

" التفت بسرعة ، وجدته يتعقبني .. وفي غفلة منه ، انعرجت إلى درب ضيق ،
لملمت ملابسي في فمي وجريت هارباً ، وهو يصيح من ورائي ..
ـ انتظر .. أنسيت عشرتنا يا هذا ..؟ "

يستميت البطل في الهروب من غريمه ، ويجدّ في التخفي عنه ، و اللئيم مستمر في غيه ،

لا يتعب ولا يرجع ، بل أكثر من ذلك يحاول أن يستفزه بذكر العشرة .

" توقفت أستجمع قوتي .. فجأة ، نط أمامي غاضباً ومعاتباً.. حاولت الهرب "

يبدو أنه مصر على الاتصاق بصاحبه ، غير آبه بإرادته و اختياره و ميوله .

( كنت أظن أن كلمة " نط " عامية ، واستغربت استخدامها في النص دون ما يشير لعاميتها ،

لكنني حين عدت للقاموس وجدتها كلمة فصيحة لكن معانيها بعيدة قليلة عن المعنى المراد في النص .)

"اعــترضني ،هـم بضربي ، والواقع أحسست بالضعف أمامه .. أشهر أمامي وشاح الموت بعدما لـوى فتحة جلبابي على عنقي ،
فقفزت كل ملابسي فوق ركبتي .. وكاد يخنقني ، ثم طوح بي على الأرض اليابسة .. جرني مسافة إلى حانة متآكلة .."

إن القارئ يلاحظ هنا بعد أن تابع مشهد الهروب و محاولة التملص من القرين ،

أن عزيمة الفارّ قد خبت ، وبدأ الضعف يتسلل إلى قلبه ، وربما سيركن لسيطرته عليه ،

هي معركة خاسر فيها إصراره ، منهزمة فيها عزيمته .

و بالفعل ، يسلم البطل نفسه للقرين ، يضربه ويمزق ثوبه ويجره ويقوده، إلى أين ؟؟

إلى حيث ترمي الشياطين ضحاياها ، وتسخر من همتهم وهاماتهم ، إلى حانة متآكلة ،

كعمره السقيم .

الحانة ، وكر الفسق والفجور ، حيث يأمن القرين من صحوة قرينه فيتركه مطمئنا وينام حين ذلك .

وكر كم دمر من أسر ،وكم أهلك من ضمائر وكم أمات من نفوس .

" الناس يمرون ، يتوقفون ، يضحكون ، يتصايحون ، صرخت فيهم أين هو ؟ قالوا : من ..؟ قلت الشيطان .. قالوا : أنت ..؟ "

هذا هو مصير من باع نفسه لشيطانه ولهواه ، أضحوكة ومصدر إزعاج ،ركام قمامة ، ممسوخ الهوية و مهان الكرامة .

يصرخ البطل في الناس يسأل عن قرينه الذي اطمأن فاختفى ، لكن أثره باق باد على هيئة المحزون وحالته ،

فكان أن تلبسه قرينه فأصبح هو نفسه شيطانا في نظر الناس ، حين قالوا :

" : أنت ..؟ "

وهي قفلة مميزة للنص ، توحي بأن الصراع الذي ظننا طوال القصة أنه بين طرفين ،

ما كان إلا صراعا داخليا تنقسم فيه ذات البطل إلى طرفي نقيض ، باعث مقاوم و باعث يغري بالرذيلة .

نسأل الله العافية لكل مبتلى و لكل ضعيف أمام شهواته والمغريات .

=====

قصة قصيرة في حيزها الزمني ، لكنها مستمرة في الحياة تتكرر كل يوم ،

هو ذلك الصراع الأبدي بين الخير والشر ، بين هوى النفس والخير الكامن فيها ،

صراع كتبه الله تعالى على عباده ليميز الخبيث من الطيب ، القوي من الضعيف .

و بعد كل هذا نعود إلى العنوان من جديد " اعتراض " ، لنجد - من وجهة نظر شخصية - أن النص

لم يساعد كثيرا في تمييز المعنى الحقيقي والدال للعنوان، ومع ذلك يمكننا فهمه على أنه اعتراض

البطل على غواية شيطانه ، لكن يميل القارئ إلى أن الكاتب كانت له خيارات أوسع لاختيار عنوان أنسب و أقرب .

الأديب الفرحان بوعزة ،

أرجو أن تتقبل قراءتي لنص رأيت فيه " سارتر" في حلة مغربية خاصة ، مائزة الأدوات ، عارفة بالصنعة ،

وما كان وقوفي في أفياء القصة إلا إملاء إعجابي و تقديري لما كتبت .

دمت وأدبك الرفيع .

كاملة بدارنه
29-08-2012, 12:56 PM
السّلام عليكم أخت نادية
أرى أنّك أجدت الغوص في بحر الكلمات والمعاني بقراءتك الواعية لهذا النّصّ
شكرا لك وللأخ الكاتب على قصّته
بوركتما
تقديري وتحيّتي

نادية بوغرارة
29-08-2012, 04:39 PM
السّلام عليكم أخت نادية
أرى أنّك أجدت الغوص في بحر الكلمات والمعاني بقراءتك الواعية لهذا النّصّ
شكرا لك وللأخ الكاتب على قصّته
بوركتما
تقديري وتحيّتي
=========


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ،

الأخت والأديبة كاملة بدارنة ،

مرة أخرى تشرق لإطلالتك صفحاتي ، وتبتهج سطور قراءتي برأيك المشجع .

بارك الله فيك وأدام لك الألق .

بهجت عبدالغني
29-08-2012, 08:19 PM
قراءة ناقدة ومتميزة للقصة
اكتشفنا من خلالها الزوايا المخبوءة بين ثنايا نص رصد حالة انسانية متكررة يمر بها كل إنسان ..
متمثلة في لحظات صراع مع النفس الأمارة بالسوء
و ( قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها )

وأوافقك أستاذتنا نادية في الملاحظة التي أبديتيها على العنوان ، فقد كان للقاص متسع في لغتنا الثرية لاقتناص عنوان يكون أقرب الى روح النص ..

تقبلي مروري


وخالص دعائي وتحاياي

محمد النعمة بيروك
30-08-2012, 12:40 AM
بدا لي أن أن القراءة تحليلية وصفية أكثر منها انطباعية.. وهذا لا يعيبها، فهي طريقة نقدية لها حسناتها.. وقد اعتمدتْ طريقة تجزيء النص لإعطاء كل جزء منه حقه من القراءة..

شخصيا، أفضل قراءة النص ككل، ثم أخذه بالقراءة ككل أيضا، مع ذكر الجوانب الإيجابية ثم السلبية..

هذا انطباعي الأول أختي المبدعة نادية، لكنني سأعود بعد مرور امتحانات الدورة الإستدراكية التي سأجتازها بعد أيام بحول الله..

تحياتي.

نادية بوغرارة
30-08-2012, 05:08 PM
قراءة ناقدة ومتميزة للقصة
اكتشفنا من خلالها الزوايا المخبوءة بين ثنايا نص رصد حالة انسانية متكررة يمر بها كل إنسان ..
متمثلة في لحظات صراع مع النفس الأمارة بالسوء
و ( قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها )

وأوافقك أستاذتنا نادية في الملاحظة التي أبديتيها على العنوان ، فقد كان للقاص متسع في لغتنا الثرية لاقتناص عنوان يكون أقرب الى روح النص ..

تقبلي مروري
وخالص دعائي وتحاياي


================


الأخ الكريم بهجت الرشيد ،

أشكرك على المرور وإبداء الرأي في ما كتبت ، وقد سرني أن القراءة شقت طريقها إلى رضاك .

بارك الله فيك .

نادية بوغرارة
30-08-2012, 05:11 PM
بدا لي أن أن القراءة تحليلية وصفية أكثر منها انطباعية.. وهذا لا يعيبها، فهي طريقة نقدية لها حسناتها.. وقد اعتمدتْ طريقة تجزيء النص لإعطاء كل جزء منه حقه من القراءة..

شخصيا، أفضل قراءة النص ككل، ثم أخذه بالقراءة ككل أيضا، مع ذكر الجوانب الإيجابية ثم السلبية..

هذا انطباعي الأول أختي المبدعة نادية، لكنني سأعود بعد مرور امتحانات الدورة الإستدراكية التي سأجتازها بعد أيام بحول الله..

تحياتي.

============


الأخ الأديب محمد بيروك ،

أشكرك على حضورك ، ورأيك الناقد الموجه ، وسأنتظر تفاصيل أكثر حين عودتك بإذن الله تعالى .

أعانك الله ووفقك .

أحلام أحمد
31-08-2012, 12:02 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لن أكذب وأقول إنني استمتعت بقراءة هذا النقد والتحليل
لأن الحقيقة أنني استمتعت به كثيييييييييييييييييييييرا
ولك أرفع :hat:
.....
لأول مرة أقرأ هذه القصة الممتعة والتي ازدادت جمالا بحروف غاليتنا نادية
هذه الأخت التي أرى أن حروفها حينما تلمس التراب فإنها تُحوّله إلى تبر
فكيف بها حينما تلمس الحرير
....
بالنسبة للعنوان فأنا معك فيما تقولين لأنني فهمت منه معنى آخر غير الرفض
أجدني أميل إلى القول إن الاعتراض هنا معناه الحيلولة بين شيء وآخر
بمعنى أن الشيطان اعترض أو حال بين البطل وعودته إلى جادة الصواب أو طريق الهداية
....


( كنت أظن أن كلمة " نط " عامية ، واستغربت استخدامها في النص دون ما يشير لعاميتها ،
لكنني حين عدت للقاموس وجدتها كلمة فصيحة لكن معانيها بعيدة قليلة عن المعنى المراد في النص .)
وأنا أيضا ظننتها كذلك D:
أتعلمين يا حلوتي أن هناك الكثير من الكلمات التي نظنها عامية ثم يتضح أنها فصحى
ونحن تعوّدنا على استخدام الفعل (قفز) عند كتابتنا بالفصحى
وأنا أجده أجمل من (نط)
لكن ربما يكون لدى القاص الكريم سبب لاختياره هذا اللفظ دون ذاك
......


ما أصعب أن نُجبر على قرب من لا نحبّ !!
:008::008::008::008::008:
ذكّرتني عبارتك الحزينة هذه ببيت المتنبي القائل:
أما تغلط الأيام فيّ بأن أرى *** بغيضا تُنائي أو حبيبا تُقرّب
أسأل الله ألا يحرمنا من قُرب أحبتنا
.....
أُخيتي الحبيبة نادية
دعواتي لك بالتوفيق في كل مجال تخوضين غِماره
وتقبّلي شكري وتقديري:014:

ربيحة الرفاعي
31-08-2012, 12:26 AM
قراءة تحليلية متأنية لنص تستحث جمالياته القاريء على الغوص وراء دلالات مفردته، وفلسفة اختيار مسرحه
وتستحث القراءة بمهارة على زيارة النص بعين متأملة وأناة تليق به

جهد كريم أديبتنا الراقية

أهلا بك في واحتك

تحاياي

مُنتظر السوادي
31-08-2012, 06:53 PM
أتمنى لك النجاح والموفقية

قراءة شارحة جميلة

بوركت

مصطفى حمزة
31-08-2012, 08:55 PM
قولٌ على قول
سأحاول في أسطر مختصرة أن أمرّ سريعاً على القراءة النقديّة لأديبتنا الفذّة الأستاذة نادية بوغرارة على قصّة ( اعتراض ) للأديب الأستاذ الفرحان بو عزّة ، لا مرور ناقد بل مرورُ من يودّ أن يسير والناقدَ لينهلَ منه .
يبدو للوهلة الأولى أنّ نقد الأستاذة يتبع المنهج التأثريّ الانطباعيّ ، لكنْ بقليلٍ من التأمّل فيه نجد أنه تناول النصّ بوعي نقديّ على مستوياتٍ عدّة .
- ( عنوان خاطف نجده في استقبالنا ، نحاول أن نلتقط منه سراجا ينير لنا تغلغلنا في ردهات القصة ، أهو بمعنى الاعتراض عن الشيء من " اعترض " أم اعتراض الشيء ، من " عرَض" أم معنى آخر من معاني الكلمة الكثيرة ؟؟ لا شيء في العنوان يوجهنا لهذا أو لذاك )
البدء بالوقوف على عتبة العنوان ، وطرح احتمالات لمعناه اللغويّ ، في محاولة للاستعانة به في الوصول إلى بنية دلاليّة ما في النصّ . وخيّل إليّ أنّ الأستاذة استسلمت بسرعة ، ولم تغص إلى الأعمق ، لكن تبيّن بعدُ أنها أجّلت استنطاق العنوان إلى آخر قراءتها النقديّة للنص في خطوة ذكيّة مترويّة ، حيث تقول : (و بعد كل هذا نعود إلى العنوان من جديد " اعتراض " لنجد - من وجهة نظر شخصية - أن النص لم يساعد كثيرا في تمييز المعنى الحقيقي والدال للعنوان، ومع ذلك يمكننا فهمه على أنه اعتراض البطل على غواية شيطانه لكن يميل القارئ إلى أن الكاتب كانت له خيارات أوسع لاختيار عنوان أنسب و أقرب ) .
ثمّ نتابع السير مع الأديبة الناقدة :
- تداخلت في القراءة النقديّة المستويات المختلفة للمقاربة النقديّة للقصّة القصيرة جداً ، ولا ضيرَ في ذلك ؛ إذ للناقد أن يُقدّم مستوىً ويؤخر آخر ، أو يُداخل بينها .. فالنقد عمليّة إبداعيّة أيضاً ، والأسلوب من ملامح الإبداع ..
- (بدأ القاص بنقاط متتالية كأنما يقتطف المشهد من مسرح الحياة الحافل ... ) هنا كانت الناقدة تنظر إلى النص على المستوى البصري ، النص على الورق ، لترى وظيفة علامات الترقيم في أداء الدلالة والمعنى ، لكنها لم تتناول من علامات الترقيم إلاّ النقاط ! على ما لعلامات الترقيم من قيمة دلالية في القصّة القصيرة جداً .
- (تهت / تسقط / فارغة / فئران / رذيلة ، كلها كلمات أدخلتنا في جو سوداوي ، وكأن البطل في محنة يتأمل حاله فلا يجد ما يسر، وينظر في أحوال الناس فلا يرى بصيص نور " حاولت أن أتملص منه ، كان يلازمني ، يسكن معي ، يشاركني في سريري .." من هذا الذي كان يحاول التخلص منه ،ويلتصق به التصاقا ؟؟ خياله ؟؟ ظله ؟؟ صورته ؟؟ رفيقه ؟؟ كل ذلك محتمل ، لكن الأكيد أنه غير مرغوب فيه ( ما أصعب أن نُجبر على قرب من لا نحبّ !! ) :
" تركته نائماً وخرجت خلسة ، لكن اللئيم كــان يقظاً ، يقراً بعينيه سقف البيت على مهل .. "
في محاولة يائسة بائسة للفرار من سيطرة الرفيق ، يكشف لنا الكاتب بعضا من أسرار القصة ،
ونشرع في مقت ذلك القرين ، اللئيم كما وصفه الكاتب ، لا ينام عن مراقبة صاحبه ،ولا يمل من مضايقته ، يقرأ سقف البيت على مهل مستهترا بقلق البطل . )
الناقدة هنا على المستوى الدلاليّ ، تستنطق الكلمات والعبارات لتخرجَ دلالتها النفسيّة والاجتماعيّة .
- ( أهو الشيطان ؟؟ أهو نفسه الأمارة بالسوء ؟؟ ) : تساؤلٌ استفهاميّ على المستوى الافتراضيّ في محاولة لمعرفة المقصود من الضمير المتصل ، والضمير المستتر .
- ( التفت بسرعة ، وجدته يتعقبني .. وفي غفلة منه ، انعرجت إلى درب ضيق ،لملمت ملابسي في فمي وجريت هارباً ، وهو يصيح من ورائي .. ـ انتظر .. أنسيت عشرتنا يا هذا ..؟ يستميت البطل في الهروب من غريمه ، ويجدّ في التخفي عنه ، و اللئيم مستمر في غيه ،لا يتعب ولا يرجع ، بل أكثر من ذلك يحاول أن يستفزه بذكر العشرة ) : عودة إلى المستوى الدلاليّ لاستنطاق الكلمات والعبارات .
- ( توقفت أستجمع قوتي .. فجأة ، نط أمامي غاضباً ومعاتباً.. حاولت الهرب . يبدو أنه مصر على الالتصاق بصاحبه ، غير آبه بإرادته و اختياره و ميوله . كنت أظن أن كلمة " نط " عامية ، واستغربت استخدامها في النص دون ما يشير لعاميتها ،لكنني حين عدت للقاموس وجدتها كلمة فصيحة لكن معانيها بعيدة قليلة عن المعنى المراد في النص ) : في المستوى الجماليّ هنا وقفة خجولة أمام كلمة نطّ ومعناها الموظّف في النصّ . ولعلّ الأستاذة الناقدة لم تبسط للنصّ في هذا المستوى ، فقدرت عليه وقفات جماليّة أخرى مُتاحة ، كما في قوله : وشاح الموت – قفزت كلّ ملابسي فوقَ ركبتي ..
- ( الناس يمرون ، يتوقفون ، يضحكون ، يتصايحون ، صرخت فيهم أين هو ؟ قالوا : من ..؟ قلت الشيطان .. قالوا : أنت ..؟ هذا هو مصير من باع نفسه لشيطانه ولهواه ، أضحوكة ومصدر إزعاج ،ركام قمامة ، ممسوخ الهوية و مهان الكرامة ) : تقف بنا الناقدة هنا في المستوى الرؤيويّ عندَ رؤيتها القيميّة والخلقيّة للحدث . وستقف بنا مرة أخرى في هذا المستوى حيث تقول قبيل نهاية القراءة : " نسأل الله العافية لكل مبتلى و لكل ضعيف أمام شهواته والمغريات .. هو ذلك الصراع الأبدي بين الخير والشر ، بين هوى النفس والخير الكامن فيها ، صراع كتبه الله تعالى على عباده ليميز الخبيث من الطيب، القوي من الضعيف "
- ( يصرخ البطل في الناس يسأل عن قرينه الذي اطمأن فاختفى ، لكن أثره باق باد على هيئة المحزون وحالته ،فكان أن تلبسه قرينه فأصبح هو نفسه شيطانا في نظر الناس ، حين قالوا :
" : أنت ..؟ وهي قفلة مميزة للنص ، توحي بأن الصراع الذي ظننا طوال القصة أنه بين طرفين ،ما كان إلا صراعا داخليا تنقسم فيه ذات البطل إلى طرفي نقيض ، باعث مقاوم و باعث يغري بالرذيلة ) : وقفة أخرى في المستوى الجماليّ عندَ ركنٍ مهم – وربما الأهمّ – من أركان القصّة القصيرة جداً وهي القفلة أو الومضة ، وتعود مرة أخرى إلى هذا المستوى في قولها : " قصة قصيرة في حيزها الزمني ، لكنها مستمرة في الحياة تتكرر كل يوم " .
- ( الأديب الفرحان بوعزة ، أرجو أن تتقبل قراءتي لنص رأيت فيه " سارتر" في حلة مغربية خاصة .. ) : المستوى الأخير الذي تنتقل إليه الأستاذة الناقدة هو المستوى التصنيفيّ ، حيث رأت أن النصّ يُمكن أن يوضع في تيار فني أو فكريّ معيّن .
أديبة : شاعرة و قاصّة وناقدة ، تحمل حساً شفيفاً ، وهمّاً أخلاقياً ثقيلاً ، وثقافة متنوّعة ثرّة وتملك قلماً غنيّاً كريماً ، تلك هي أختنا الفاضلة الأستاذة نادية بوغرارة ، حفظها الله تعالى .

وليد عارف الرشيد
31-08-2012, 10:59 PM
قراءة جميلة أنيقة لنص جميل .. وجدتُني أقرؤه مرات، وأضافت له هذه القراءة وجهًا مختلفًا عن قراءتي المجردة وسرني أن قرأت رد صاحب النص تعقيبا هناك وكيف وجد فيها إضاءة مثرية للنص الإبداعي .. وسرني ما قرأت من مرور الأستاذ الحبيب مصطفى وأضاف لي الموضوع برمته الكثير
هي موهبة أخرى تضيفينها مبدعتنا إلى سجلك الحافل بالإبداع .. دمت والألق رفيقين .
لك مودتي وإعجابي وتقديري كما يليق بحضورك المميز

نادية بوغرارة
01-11-2012, 12:30 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لن أكذب وأقول إنني استمتعت بقراءة هذا النقد والتحليل
لأن الحقيقة أنني استمتعت به كثيييييييييييييييييييييرا
ولك أرفع :hat:
.....
لأول مرة أقرأ هذه القصة الممتعة والتي ازدادت جمالا بحروف غاليتنا نادية
هذه الأخت التي أرى أن حروفها حينما تلمس التراب فإنها تُحوّله إلى تبر
فكيف بها حينما تلمس الحرير
....
بالنسبة للعنوان فأنا معك فيما تقولين لأنني فهمت منه معنى آخر غير الرفض
أجدني أميل إلى القول إن الاعتراض هنا معناه الحيلولة بين شيء وآخر
بمعنى أن الشيطان اعترض أو حال بين البطل وعودته إلى جادة الصواب أو طريق الهداية
....

وأنا أيضا ظننتها كذلك D:
أتعلمين يا حلوتي أن هناك الكثير من الكلمات التي نظنها عامية ثم يتضح أنها فصحى
ونحن تعوّدنا على استخدام الفعل (قفز) عند كتابتنا بالفصحى
وأنا أجده أجمل من (نط)
لكن ربما يكون لدى القاص الكريم سبب لاختياره هذا اللفظ دون ذاك
......

:008::008::008::008::008:
ذكّرتني عبارتك الحزينة هذه ببيت المتنبي القائل:
أما تغلط الأيام فيّ بأن أرى *** بغيضا تُنائي أو حبيبا تُقرّب
أسأل الله ألا يحرمنا من قُرب أحبتنا
.....
أُخيتي الحبيبة نادية
دعواتي لك بالتوفيق في كل مجال تخوضين غِماره
وتقبّلي شكري وتقديري:014:




=========



وعليكم السلام ورحمة الله و بركاته ،

العزيزة الغالية أحلام ،

أسعدني مرورك ولمسات أدبك الجميل وذوقك الرفيع التي أنارت لها صفحاتي ،

و ابتهجت بها الأماكن .

لا عدمت جمال روحك .

:0014: