المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الله أم الكاميرا ؟ ..



بهجت عبدالغني
04-09-2012, 12:45 PM
الله أم الكاميرا ؟ ..

جلست هناك في مقعد من مقاعد استعلامات إحدى عمادات الجامعة بعدما طلب مني الموظف الانتظار ربع ساعة لإنهاء المعاملة ، وبدأت ألاحظ المكان الذي أدخله أول مرة ، يميناً ويساراً ، واستوقفتني ( كاميرتا مراقبة ) منصوبتان عل السقف ، إحداها تراقب المدخل والثانية تراقب صالة الانتظار ..
أخرجت ( موبايلي ) ولعبت قليلاً لعبة ( الكولف ) ، ثم قفزت في ذهني إحدى مقالات الدكتور عمادالدين خليل قرأتها قبل أكثر من عشر سنوات في كتابه ( مؤشرات إسلامية في زمن السرعة ) حيث كانت المقالة تتحدث عن خطوط الدفاع الأربعة التي تعترض الإنسان إذا ما حاول أن يتجاوز المشروع ويمارس الظلم ، وأن أول خط من هذه الخطوط التي سوف تعترضه هو ( الضمير ) ..
الضمير .. المراقبة الذاتية .. استحضار مراقبة الله تعالى ..
كاميرات المراقبة باتت ظاهرة منتشرة بشكل ملحوظ وربما مقلق في الدول ، وخاصة الغربية منها ، حيث صار إنسان القرن الواحد والعشرين وتحت دعاوى الحريات ، أصبح مراقباً في حركاته وسكناته ، في الأسواق والمولات والسوبر ماركت والدوائر والمستشفيات والمدارس والشوارع .
وفي العراق تعرفنا على هذه الثقافة الدخيلة بعد سنوات من الاحتلال البغيض .
ولست هنا أريد إصدار فتوى جواز أو منع تلك الكاميرات ، فلست أهلاً لذلك ، كما لا أريد أن أعرض ايجابيات وجودها أو سلبياتها ، فلا شك من وجود دواعي وأسباب لاستخدام الكاميرات في اكتشاف الجريمة والمخالفات المرورية ومراقبة أداء الموظفين ، وكذلك لا شك في سلبيات قد تحملها إذا ما سُلطت على رقاب العباد بشكل تعسفي وجائر ، بحجة فوبيا الأمن ..
والسؤال الذي يبدو على جانب من الأهمية هنا ، لماذا تحول الناس من مراقبة الله تعالى إلى مراقبة الكاميرا ؟
وهل يمكن أن تحل تلك الكاميرات تلك الإشكاليات الدينية والفكرية والأخلاقية فعلاً ؟ وخاصة بتطور العلوم والتكنولوجيا وحتى آليات الجريمة .
وهل سيأتي اليوم الذي سنضع فيه كاميرات مراقبة في غرف بيوتنا على حساب تقلص فكرة المراقبة الإلهية ؟
وهل الأصل هو الحد من الممارسات المنحرفة بالتوعية والتثقيف أم بالكاميرات والمراقبة ؟
أسئلة تحتاج حقاً إلى أجوبة فعلية ..

حدثني جدي .. الذي تعلمت القرآن على يديه وكان يلوح بعكازته تأديباً لنا كأنها الدرّة العمرية .. حدثني أن صديقه كان نائماً في البرّ أيام الحصاد ويوم كان الناس على صلة وثيقة بالطبيعة ، وقد كان له ثلاثة أشهر لم يرَ أهله، أنه أحس بحركة في الجوار ، وإذا بامرأة في زينتها تسعى مع حمارها ، وقد كانت النسوة تخرج وقت الفجر لجمع الحطب ، لكنها أخطأت الوقت فخرجت في عتمة الليل على ضوء القمر ، وعندما استفسر منها قالت أنها عروس منذ ثلاثة أيام خرجت تحتطب ، فما كان من هذا الرجل الأمين إلا أن جهزها بالحطب ونصحها بأن لا تخرج قبل التأكد من وقت الاحتطاب ...
أظن الأمر لا يحتاج إلى تعليق ..
فأين كانت الكاميرات لحظتها ومخابرات CIA والانتربول العالمي ؟
كل ذلك لا يحتاج إذا كانت المتحسسات ( Sensors ) الإيمانية يقظة تستشعر رقابة الله تعالى من عليائه ..

ولكن ـ بالعودة إلى مقال الدكتور عمادالدين خليل ـ يوم يتجاوز المرء ضميره ، سيعترضه خط الدفاع الثاني ، الأنظمة والمؤسسات وكاميرات المراقبة ، وإذا تجاوزه سيعترضه خط الدفاع الثالث ، السنن الطبيعية التي ما تلبث أن تتحرك بأمر الله تعالى لكي تضرب ضربتها وتنزل قصاصها العادل ، وإذا ما أفلت الإنسان من آخر خطوط الدفاع الأرضية ، فإنه في الأخير لن يستطيع الإفلات من قبضة الله تعالى في اليوم الآخر ..

وتخبرنا الروايات أن المؤمنين الفاتحين أرسوا إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه كنوز كسرى وفارس ، فلما صارت بين يديه قال : إن قوماً أدوا هذه لأمناء .
فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه : يا أمير المؤمنين ، عففت فعفوا ، ولو رتعت لرتعوا .

قوم أمناء .. يقطعون النهر والفيافي والوديان .. ليلاً ونهاراً .. دون أن يخطر على بال أحدهم أن يمدّ يده على ما يغري غيرهم من لمعان الذهب .. قبل أن يكتشف الحسن بن الهيثم مبادئ اختراع الكاميرا بأكثر من 350 سنة .

سلام عليك يا عمر .. وسلام على درّتك .. اشتقنا لكما ..

ربيع بن المدني السملالي
04-09-2012, 03:48 PM
مقالة واعية ، وأسلوب جميل يجعل المتلقي لا يملّ من القراءة ، ولغة ميسورة ومميزة ...


أشكرك أخي الأستاذ بهجت على هذا الطّرح المفيد الذي لا يتطرّق له إلا من كان يأوي إلى ركن شديد ..

فقط لي تحفّظ على كلمة الضّمير وتأنيب الضّمير ، لأنها من المصطلحات الدّخيلة على المسلمين ، ويكثر من استعمالها الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ..

ولي عودة بإذن الله

دمتَ موفقاً


تحياتي

أ د خديجة إيكر
04-09-2012, 06:32 PM
أخي بهجت

موضوع قيّم عن ظاهرة ابتُليت بها المجتمعات الإسلامية بعد أن انعدمت مراقبتها لله سبحانه في سرّها و علنها ، و بعد أن ماتت ضمائرها .

نسأل الله العافية

سلم يراعك

فلا شك من وجود دواعي = في وجود دواعٍ

بهجت عبدالغني
09-09-2012, 11:23 AM
أهلاً بك أخي الحبيب ربيع
شكراً لحضورك وقراءتك المميزة

وبانتظار ما يجود به قلمكم المبدع ..



تحياتي ..

بهجت عبدالغني
09-09-2012, 12:17 PM
أستاذتنا العزيزة خديجة إيكر
أشكر لك حضورك المتميز ومرورك الكريم

كما أشكرك على تصحيح الكلمة الخاطئة ..

تقبلي دعائي وخالص تحياتي ..

عبد الرحيم بيوم
09-09-2012, 12:44 PM
ذكرني هذا بما اورده ابن عساكر في تاريخ دمشق (70/ 253) من حديث أسلم قال: بينا أنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يعس بالمدينة إذ أعيا فاتكأ على جانب جدار في جوف الليل فإذا امرأة تقول لابنتها قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء فقالت يا أمتاه وما علمت ما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم ؟ قالت وما كان من عزمته ؟ قالت إنه أمر مناديا فنادى لا يشاب اللبن بالماء فقالت لها يا ابنتاه قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء فإنك في موضع لا يراك عمر ولا منادي عمر فقالت الصبية والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء.
فهما امران متلازمان
الضعف الديني (وهو سبب عدم استحضار المراقبة الربانية الفاعلة) يلازمه كثرة الزواجر والقوانين مما يؤدي لطغيان الطابع الأمني وتحجيم للحريات

موضوع قيم
تحياتي اخي بهجت

بهجت عبدالغني
10-09-2012, 10:00 AM
الضعف الديني (وهو سبب عدم استحضار المراقبة الربانية الفاعلة) يلازمه كثرة الزواجر والقوانين مما يؤدي لطغيان الطابع الأمني وتحجيم للحريات


نعم .. هذا هو ما يعانيه الناس ، لم يستحضروا مراقبة الله لهم في أعمالهم وأقوالهم ، فكثرت القوانين والزواجر
وعندما أرادات الولايات المتحدة الأمريكية منع الخمور ، أصدرت قراراً بمنعها في عام 1920 ، وصرفت الملايين من الدولارات في الدعايات والإعلانات في الصحف والمجلات ، فما الذي حدث ؟
زاد شرب الخمور وانتشرت الحانات الخفية ، وتجارتها ، حتى تمّ إلغاء القرار في عام 1933 .
لماذا ؟
لأن القوانين والقرارات لا تكفي إذا كانت القناعة غير منبثقة من إيمان الشخص ومراقبته لله عزّ وجلّ .
في المدينة المنورة وقبل 1400 سنة مضت ، نزلت قول الله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ )
قال الصحابة : انتهينا يارب ..
فأفرغت براميل الخمر ، وكأن شيئاً لم يكن ..

الأخ الكريم عبد الرحيم صابر
شكراً لك على هذه الإضاءات القيمة
وبارك الله فيك


تحياتي ..

عبد الرحيم بيوم
11-09-2012, 09:46 AM
فنشر التدين الصحيح ركيزة لبناء نظام أمني متماسك وفعال
والامن احد الاساسيات الثلاثة:
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا". الترمذي

تحية لك

بهجت عبدالغني
11-09-2012, 08:03 PM
جزاك الله أخي الكريم عبدالرحيم صابر
على هذا الإثراء
والمتابعة الصادقة ..


تقبل خالص تحياتي ..

ربيحة الرفاعي
12-09-2012, 10:41 PM
" .... وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "
يترتب على الشعور بالمعية واليقين منها حرص على اتقاء الله في كل ما نقول ونفعل، نقبل على طاعته ونجتنب معصيته ، وإذا كنا نخاف أن يضبطنا قيّم أو مسؤول متلبسين باقتراف ما لا يرضيه، فكيف بنا ونحن نستشعر معية الله واطلاعه على خبايا جوانحنا وما تأتي جوارحنا !!
ألا نخاف أن يطلع علينا في ما لا يرضاه لنا ولا يرضيه عنا ؟!

أورد الغزالي في إحياء علوم الدين قصة عن سهل بن عبد الله التستري يقول فيها :
قال سهل بن عبدالله التستري : كنت وأنا ابن ثلاث سنين أقوم ليلا فأنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار فقال لي يوما : ألا تذكر الله الذي خلقك ، فقلت : كيف أذكره ؟ فقال : قل بقلبك عند تقلبك بثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك ، الله معي ، الله ناظري ، الله شاهدي
قال فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته ، فقال : قل في كل ليلة سبع مرات ، فقلت ذلك ثم أعلمته فقال : قل ذلك كل ليلة إحدى عشرة مرة، فقلته ، فوقع في قلبي حلاوته، فلما كان بعد سنة، قال لي: يا سهل احفظ ما علمتك ، ودم عليه إلى أن تدخل القبر فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة ، فلم أزل على ذلك سنين ، فوجدت لذلك حلاوة في سري ، ثم قال لي خالي يوما : يا سهل من كان الله معه وناظرا إليه وشاهده ، أيعصيه ؟ إياك والمعصية

موضوع رائع يطرق في النفوس أبوابا للتذكرة تنتظر كلمة خير وموعظة

أهلا بك ايها الكريم في واحتك

تحاياي

بهجت عبدالغني
17-09-2012, 04:56 PM
أستاذتي العزيزة ربيحة الرفاعي
أشكر لك حضورك المبدع هنا
وإضافتك هذه الأسطر الإيمانية النورانية
التي هي مدار الموضوع ..

بارك الله فيك وحفظك


وتحياتي ..

د عثمان قدري مكانسي
17-09-2012, 05:14 PM
في حياة المسلم مراقبة الله
في حياة غيره مراقبة الكاميرا
دعني من الضمير ، فالضمير شماعة من لا دين له
في الولايات المتحدة الأمريكية صيف 2003 انقطعت الكهرباء عن ست ولايات منها واشنطن ونيويورك لمدة خمس ساعات .....
سجلت الشرطة ثلاثة أرباع مليون جريمة سرقة في هذه الساعات

بهجت عبدالغني
17-09-2012, 07:39 PM
وصدق شاعر الاسلام محمد اقبال إذ قال :
إذا الإيمان ضاع فلا أمان
................... ولا دنيا لمن لم يحيي دينا


الأستاذ الدكتور عثمان قدري مكانسي
أشكر لك مرورك الكريم وإضافتك المفيدة
بارك الله فيك وحفظك


تحياتي ..