المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أبن الشــــارع (ق.ق)



محمد مشعل الكَريشي
12-09-2012, 05:15 PM
تتقلبُ في سريرها ، تُمازح بوجلٍ وحدتها ، جلستْ تتأملُ ما يحيطها حيثُ لا أحد يُشاركها الفراش ، والليلُ منذ نيف من السنين يلف عباءته حولها ...
تسلقتْ جدار عواطفهِ وتسللتْ إلى قلبه خلسة لتندسَ تحتَ أنفاسه وتهِبهُ بعضَ ما كان ينشده ، هامَ بها وهامتْ به...
يدعكُ بها غربَتهُ حين يُخيمُ السكون أرجاءه فلا يجري في سكونه غيرُ أنفاسهِ تُسابقُ بعضها ، تَجولُ ثم تهدأ تُسلمُ عصا بريد صدره لخيول فكره تدور ويعتلي سروجها حديثه مع نفسه ، يقطعُ الليل جيئة وذهابا حتى تكلَ شفتاه عن لثم سيجارته ويخفت ضياؤها فيعفر ظاهر كفه ببقيتها ...
هي ضالتهُ التي ينشدُها لتساهم في تغير يومٍ لا يختلفُ عن أمسه ، هي من تملكُ إكسيرَ الفرح ، وتَحمِلُ بين أنفاسها عَبقَ الملائكة ، تَمسحُ عن جبينه تعبَ السنين ؛هكذا يُخيلُ إليه أن امرأة في الكون يمكن أن تحمل هذه الصفات.
كانَ كتوماً لا يُطلع أحداً ولا يستشيرُ فيما يُريدُ فعله ، يُعاملُ الأشياءَ بظواهرها ...
نمتْ شجرةُ الحبِ في قلبه ، فكانت إليه من نفسهِ أحبُ وأدنى ..
كان حُبها منظاره لما يرى ولسانه لما يقول، وهبها دفء المشاعر وإخلاصَ القلبِ ، فاستقرتْ في خلدهِ وتمددتْ على طول خارطته ، منحها مفاتح مملكته فتسورتْ من خلفهِ جدارَ الثقة ، عبثتْ في الجوار ثم عادتْ إليه بزهريتها تملؤها وردا ذبلَ بعضه فالورد تخنقه العتمة ، استمر معها لا يخلع مودته عنها ، يغطيها بمزيد من الثقة مع تقادم الأيام ، لم يعريها فتنكشف له وينكشف ما تخبئ تحت أنفاسها ؛ بقية من نصالٍ غادرة طَعنت بها غيره وطُعنت بها ، وزفرة من حقدٍ والقليلُ جداً من الوفاء ...
تُفارقه وتعودُ إليه وصورتها القبيحة يؤطرها برواز ذهبي نقشتْ عليه بعض سورٍ من القران الكريم فلا شيء كتزييف الأشياء تتقنه وتبرع فيه...
يحاولُ كبحَ جماحه ويلم شتاته ليروغَ بعيداً عن مرمى خطاها ، ثم يعود فيغزل لنفسه منها حبيبة عشقها أزلي ...
يراوده حلم يقض مضجعه سلب النوم من عينيه ، يبينُ له حقيقتها فتغريه ببعض الأوراق الملونة المتهرئة تفوح منها بعض الروائح الغريبة ليس سوى أضغاث أحلام ما ترى وما ترى إلا ما أرى...
جمال الأوراق وجهله بكنهها حال دون فضح تلك الروائح المتعفنة ...
ماهرةٌ في إخفاءِ زيفها فجلبابُها المعتقِ سواداً له وجهان ظاهره سَوادُ الحياء ، وباطنهُ سواد الوجه ...
تُعطرُ لقاؤها معه ببعض الأحاديث الشريفة ؛ يستقرُ حاله معها فما أن يختفي مفعول واحدةٍ زرقتهُ بجرعة أخرى ، ماهرةٌ في أكل الكتف بأكملها ، لكنها ما فتئت تنفلتُ من بين أنيابها بعضُ ومضات الشر كالشرر ..
وليته فعل واستنقذ نفسه منها بعد أن اكتشفتَ أن في جوفها أفعى تمتصُ كيانهُ وتُحيلهُ إلى مسخ ...
ظلَ يُمني نفسهُ بإصلاح حالها معتقداً أن أفعاها ستسيبُ مع الأيام ، لكن حدسهُ لم يكن صادقاً ؛ لدغته في وضحِ النهار فأسرع بنصفِ قوتهِ وأمسك بمعولٍ استورثهُ من أبيه يُهشمُ صورتها والإطار ، وهي تصرخ في وجهه آيات القران لا تمزقها ...!
يدركُ ذيلها يصيبهُ ، ينبُشها يحث الخطى صوب راسها ،ولقد أعياه التعب فمسيرته إلى الرأسِ قد تكلفه بقية العمر ...
توقف عند حافة بئر حقيقتها فوجدها على غير ماتصور ، شاهد صوراً من ذئابٍ تتسولُ أزقة حيّها تلتهمُ كسراً من فواضل ماترميه لها في ساعات الليل الأخير..
خرجَ مسرعاً هارباً يخافُ أن تلتفَ عليه من جديد ؛ فالأفعى لاتموت إلا بقطعِ رأسها...
بلا أي شئ ، بلا ثياب ولا كرامة نحيف اليقين والمعتقد ، لا يراه أحد حتى يظنه مسلوباً على أيدي قاطعي طريق استفردوه وخلو سبيله بعد ابراحهِ تعذيبا ...
لم يمتلك لسانهُ القدرة على التعبير ليفصحَ للناس علته فشماتة الأصحاب أشدُ مما وقع عليه ...
رضى بالقدر فالغصة أخرسته ، سترَ حالها وحاله ، أن الله يُحب الساترين ..
نكصَ عائداً من حربه الضارية مع النفاق والخداع ، ناده مسخ خلعَ الحقُ أضراسهُ فبانَ لسانهُ متدلياً لايملك القدرة لارجاعه حيث يحبس بني البشر ألسنتهم..
قال له بصوتٍ أجش: يالك من أحمق لم تركتَ صورتكَ معلقة بكلاليب العهر في أزقة النخاسة ؛ تكفينا أوصافكَ لا نحتاج الى اجتهاد لنستدل عليك ...
أهلا بك معنا فنحنُ من فصيلةٍ واحدة ...أعرفكَ بنفسي (أبن الشارع)...
لالا أنا لستُ منكم أنا رجل قادم من النهار والشمسُ تعرفني سأثبت لك ذلك ،
فتشَ بيَن أضلعه عن هويته لم يجد شيئاً ..أعادَ يديهِ يَسترُ عورته ؛ فضحك المسخ منه عاليا : أي شيء تريد إخفاءه لقد سرقوا منك كل شئ ؛ فالحال سيان ..
استدار حيث الوجهة الى المحك ليستبين حاله أخيرا ؛ فالشمس قد لاح سفيرها ؛ الفجر يبزغ مبشراً بها...
سار حتى نهاية الطريق ....
عندما بزغت الشمس ؛ تلاشت أشلاؤه....











محمد مشعل الكَريشي / 12-9-2012

محمد فتحي المقداد
12-09-2012, 07:54 PM
أستاذ محمد مشعل
أسعدت الله
نص جميل واقعي, ويحدث للكثير من البشر
ومع الكثير منهم..
للرافعي قول :" من المرأة حلوٌ يؤكل منه بلا شبع
ومن المرأة مرٌ كريه يشبع من بلا أكل"..
الكذب والخداع والمراوغة والخيانة لا تدوم
(تُعطرُ لقاؤها- وأظن الأصح - لقاءها- )*
تحياتي وتقديري لك أيها البهي

عمر الحجار
12-09-2012, 08:01 PM
استاذ محمد تحية تليق


اعتقد انه يجب ان يؤسس علم خاص يسمى علم المرأة كي ندرس طباعها مزاجها شغفها كرهها
صدقها خيانتها



قصة جميلة استاذ محمد
دمت مبدعا

محمد مشعل الكَريشي
12-09-2012, 08:10 PM
أستاذ محمد مشعل
أسعدت الله
نص جميل واقعي, ويحدث للكثير من البشر
ومع الكثير منهم..
للرافعي قول :" من المرأة حلوٌ يؤكل منه بلا شبع
ومن المرأة مرٌ كريه يشبع من بلا أكل"..
الكذب والخداع والمراوغة والخيانة لا تدوم
(تُعطرُ لقاؤها- وأظن الأصح - لقاءها- )*
تحياتي وتقديري لك أيها البهي


اهلاالاديب الاستاذ محمد فتحي المقداد
شكرا لوجودكم الكريم اخي العزيز ...
ونحن بلا امرأة لانسوي شيا ابدا :v1:
تحياتي وودي واحترامي ...

محمد مشعل الكَريشي
12-09-2012, 08:13 PM
استاذ محمد تحية تليق


اعتقد انه يجب ان يؤسس علم خاص يسمى علم المرأة كي ندرس طباعها مزاجها شغفها كرهها
صدقها خيانتها



قصة جميلة استاذ محمد
دمت مبدعا

اهلا الاديب الاستاذ عمر الحجار
اي علم يحتوي المراة وهي بحد ذاتها عالم متكامل فيه كل شيء ياسيدي ؟!!
اشكر لك التعليق والمرور العطر ...
بوركت لك الود :sm:

محمد فتحي المقداد
12-09-2012, 08:48 PM
اهلاالاديب الاستاذ محمد فتحي المقداد
شكرا لوجودكم الكريم اخي العزيز ...
ونحن بلا امرأة لانسوي شيا ابدا :v1:
تحياتي وودي واحترامي ...





أستاذ محمد مشعل
أسعدك الله
عندما نفقد نصفنا الآخر بكل تأكيد أنني نفقد ذاتنا.
المعاني السامية لا يشبع منها, فهي نبع متجدد
بطاقات تجعل جحيم الحياة .. محببة
دمت بكل تقدير

محمد مشعل الكَريشي
12-09-2012, 09:35 PM
أستاذ محمد مشعل
أسعدك الله
عندما نفقد نصفنا الآخر بكل تأكيد أنني نفقد ذاتنا.
المعاني السامية لا يشبع منها, فهي نبع متجدد
بطاقات تجعل جحيم الحياة .. محببة
دمت بكل تقدير

توجتَ الحديث يا أخي المقداد ...
علينا ان نقبل بما لا مفر من قبوله ...فهي الحياة
دمت بعافية وسرور ...

آمال المصري
12-09-2012, 09:36 PM
المرأة قاموس يستعصي على البعض فك رموزه وطلاسمه
نص فاخر وسردية تألقت فيها أديبنا الرائع وصياغة بديعة
دام ألقك
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

سعاد محمود الامين
13-09-2012, 05:28 AM
عندما يكون الرجل صادقا وعفيفا تستقيم الحياة. ولذلك الذئاب البشرية رجال كما فى السرد.المرأة تفصح عن أسرارها دوما لذلك وصفت بالثرثرة ولكن الرجل كتوم يستطيع أن يعيش حياة ملونة غامضة حتى الممات. الجاسوس والمخبر ورجال الأمن. الذى يستحق الدراسة هو الرجل . اخرجنا من الجتة ونزلنا الأرض وكون المجتمعات حسب رغبته دونك المجتمع الذكورى العربى.نصك رائع استوقفنى السرد الجميل. دمت

محمد مشعل الكَريشي
13-09-2012, 07:05 AM
المرأة قاموس يستعصي على البعض فك رموزه وطلاسمه
نص فاخر وسردية تألقت فيها أديبنا الرائع وصياغة بديعة
دام ألقك
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

أهلا أديبتنا الرائعة آمال المصري
نعم صدقتِ قاموس للطلاسم والاحجيات ، وكذلك للجمال والحياة ايضا...
شكرا لزيارتك وتعليقك المميز أختي الكريمة...
لك ودي واحترامي ...:sm:

محمد مشعل الكَريشي
13-09-2012, 07:12 AM
عندما يكون الرجل صادقا وعفيفا تستقيم الحياة. ولذلك الذئاب البشرية رجال كما فى السرد.المرأة تفصح عن أسرارها دوما لذلك وصفت بالثرثرة ولكن الرجل كتوم يستطيع أن يعيش حياة ملونة غامضة حتى الممات. الجاسوس والمخبر ورجال الأمن. الذى يستحق الدراسة هو الرجل . اخرجنا من الجتة ونزلنا الأرض وكون المجتمعات حسب رغبته دونك المجتمع الذكورى العربى.نصك رائع استوقفنى السرد الجميل. دمت
اهلا الاديبة سعاد محمود الامين
سيدتي الرجل العربي خارج عن المقياس ، ومن يعترض على كلامي ساقول له ان لكل قاعدة شواذ...
المراة العربية مهرة جامحة يروضها الطبع والتطبع فتكون بعد ذلك الام تصنع الاجيال وتبني الاوطان وقد تكون غير ذلك تفنيها وتدمر رجالاتها
لا اتوقف عند سيئة واحدة فقط ، لايستحق الامر العناء بل اتوقف عند الايجابيات الكثيرة التي تستحق الايضاح ومنها اننا بحاجة الى بعضنا حاجة الارض الى الماء..
دمت بخير لك ودي واحترامي...:sm:

ربيحة الرفاعي
14-09-2012, 12:34 AM
كان حُبها منظاره لما يرى ولسانه لما يقول، وهبها دفء المشاعر وإخلاصَ القلبِ ، فاستقرتْ في خلدهِ وتمددتْ على طول خارطته ، منحها مفاتح مملكته فتسورتْ من خلفهِ جدارَ الثقة ، عبثتْ في الجوار ثم عادتْ إليه بزهريتها تملؤها وردا ذبلَ بعضه فالورد تخنقه العتمة ، استمر معها لا يخلع مودته عنها ، يغطيها بمزيد من الثقة مع تقادم الأيام ، لم يعريها فتنكشف له وينكشف ما تخبئ تحت أنفاسها ؛ بقية من نصالٍ غادرة طَعنت بها غيره وطُعنت بها ، وزفرة من حقدٍ والقليلُ جداً من الوفاء ...
تُفارقه وتعودُ إليه وصورتها القبيحة يؤطرها برواز ذهبي نقشتْ عليه بعض سورٍ من القران الكريم فلا شيء كتزييف الأشياء تتقنه وتبرع فيه...
يحاولُ كبحَ جماحه ويلم شتاته ليروغَ بعيداً عن مرمى خطاها ، ثم يعود فيغزل لنفسه منها حبيبة عشقها أزلي ...

عدت إليها مرتين، وفي كل وجدتني أبدأوها عند تسلقت جدار عواطفه

لغة شاعرية ساحرة تستحوذ على القارىء وتكبله للنص بتصاعد انفعاله واحتدام صوره في تفاصيل يتبلور من خلالها الحدث الرئيس، فقد تورط بها حد التلاشي، واستسلم راضيا لخديعة كان شريكا في ردم حقيقتها كلما كشف بعض زواياها ظرف، أو انزاح عن عمق بشاعتها ستار...


هل أفلت زمام الحرف أحيانا من كاتبنا !!

ماهرةٌ في إخفاءِ زيفها فجلبابُها المعتقِ سواداً له وجهان ظاهره سَوادُ الحياء ، وباطنهُ سواد الوجه ...
بل أظنه سواد القلب ...
لقاءها

بديع ما قرأت هنا فكرة وقولا

أهلا بك شاعرنا في واحتك

تحاياي

محمد مشعل الكَريشي
14-09-2012, 05:04 AM
عدت إليها مرتين، وفي كل وجدتني أبدأوها عند تسلقت جدار عواطفه

لغة شاعرية ساحرة تستحوذ على القارىء وتكبله للنص بتصاعد انفعاله واحتدام صوره في تفاصيل يتبلور من خلالها الحدث الرئيس، فقد تورط بها حد التلاشي، واستسلم راضيا لخديعة كان شريكا في ردم حقيقتها كلما كشف بعض زواياها ظرف، أو انزاح عن عمق بشاعتها ستار...


هل أفلت زمام الحرف أحيانا من كاتبنا !!

ماهرةٌ في إخفاءِ زيفها فجلبابُها المعتقِ سواداً له وجهان ظاهره سَوادُ الحياء ، وباطنهُ سواد الوجه ...
بل أظنه سواد القلب ...
لقاءها

بديع ما قرأت هنا فكرة وقولا

أهلا بك شاعرنا في واحتك

تحاياي
اهلا بالمبدعة الاديبة ربيحة الرفاعي
اشكر لك تعليقك وقراءتك التي تسرني دائما

"ماهرةٌ في إخفاءِ زيفها فجلبابُها المعتقِ سواداً له وجهان ظاهره سَوادُ الحياء ، وباطنهُ سواد الوجه ...
بل أظنه سواد القلب ..."
لا ادري كلما نظرت في هذا السطر اغتم كثيرا فاجدني قد جنيت عليها وخصوصا عند (سواد الوجه) ولكني وجدتها جملة دارجة تستخدم للويل والثبور في مجتمعاتنا تدل على مصيبة لاتتعلق بالشرف بل بغيرها وهو ما اكد استخدامي لها مع كرهي للجملة البته
اعترف ان (سواد القلب) ارقى وادق في المعنى وارفع بكثير من( سواد الوجه )...
تحية وتقدير ... لكم الود والاحترام ...:001:

نداء غريب صبري
14-04-2013, 09:47 PM
قصة بلون مختلف ومذاق مختلف
لغة شاعرية قراءتها وحدها ممتعة وفكرة جميلة

رائع أخي

شكرا لك

بوركت

محمد مشعل الكَريشي
17-04-2013, 07:00 AM
قصة بلون مختلف ومذاق مختلف
لغة شاعرية قراءتها وحدها ممتعة وفكرة جميلة

رائع أخي

شكرا لك

بوركت
أهلا شاعرتنا الغالية نداء غريب صبري ومرحبا
أشكر لك قراءة هذه القصة، تعليقك يضيف الي كثيرا
مودتي دائما :0014: