تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لائحة الانتظار



عبد السلام هلالي
29-09-2012, 07:39 PM
لائحة الانتظار

استيقظ باكرا كعادته ، بشوشا طلق المحيا على غير عادته. توجه إلى المطبخ حيث أمه في المكان الذي ما عهدها في غيره. ألقى عليها تحية الصباح محلاة بقبلة بر على رأسها ، بادلته التحية ملفوفة بدعوات الرضى التي أصبحت لازمة لأغلب أحاديثها معه.
أمدته بالماء الساخن، توضأ وصلى ثم التحق بمائدة الإفطار العرجاء الهزيلة البين هزالها حتى أن مساميرها باتت بارزة. بالنسبة له؛ أحلى ما يؤثثها وجود أمه . جلس إلى جانبها ثم أمال رأسه على كتفها في حركة دلال طفولية أدمنها منذ صغره، وقد خلا له وجه أمه إذ لم يكن له إخوة ينازعونه هذا الحضن الدافئ والملاذ الآمن. أحس برودة غريبة لم يألفها . تطلع إلى وجهها . لم تبادله النظرة، واصلت صب الشاي وقد صبغ وجهها تجهم غريب وانقبضت أساريره .
تساءل إن كان فعل ما يغضبها دون أن ينتبه. استعاد بسرعة شريط الأربع وعشرين ساعة الماضية ، لم يكن الامر عسيرا فحياة عاطل سرعان ما تكون فارغة إلا من مشاوير البحث عن عمل. كل شيء روتيني، لم يجد في الشريط حدثا أو تصرفا شذ عن المعهود.
خمن أن ذالك ربما يكون بسبب التوتر والقلق من نتيجة المقابلة التي تنتظره هذا الصباح مع مدير إحدى الشركات التي استدعته مؤخرا بعد أن تقدم بطلب عمل. لكن هذا لم يحدث حتى مع أصعب الإمتحانات التي اجتازها خلال مسيرته الدراسية الطويلة بل إنه طالما استمد قوته من تشجيعاتها ودعواتها قبيل كل موعد. و كثيرا ما رافقته إلى الجامعة أيام الإمتحانات وبقيت مسمرة عند بابها حتى ينهي. كان ذلك يحرجه أمام زملائه فيبذل قصارى جهوده لإخفاء حرجه. تذكر أنها لطالما طمأنته قائلة " ستقبل إنشاء الله لن يجدوا أحسن منك خلقا وعلما وجدية" .
لكن ما الخطب هذا الصباح؟ هل يكون الشك واليأس قد تسربا إلى دواخلها؟ هل انقضى مخزونها الإحتياطي والإستراتيجي من التفاؤل مع كثرة ما عاد إليها خائبا؟
هل هدها شظف العيش و تدبير معاش بالكاد يكفي لنصف الشهر ؟ أم أعياها طول السقم ووخز الإبر وهي القوية الشامخة التي تعلمت أن تتعايش مع قلبها العليل؟
أفاق من استرجاعاته وتخميناته على صوت أمه يذكره أنه لم يتناول بعد فطوره، وأن الشاي قد برد.
هم أن يبادرها بالسؤال عن سبب تجهمها ثم بدا له السؤال عبثيا وغير ذي جدوى، ما دامت أمه اعتادت أن تكتم آلامها وهواجسها.
قرر أن يمرر إليها ما يحسه من انشراح وارتياح وتفاؤل على جرعات مع رشفات الشاي مثلما اعتاد أن يفعل معها كلما رفضت تناول الدواء فيدسه لها في كأس الحليب.
حدثها بالذي أخبره أحد العاملين في الشركة عن طيبة مديرها وسماحته وحبه للكفاءات، ذكرها بمؤهلاته ودبلوماته التي تبحث عنها الشركات "بالريق الناشف". ردت الأم على جمله المفعمة بالتفاؤل بجملة مثقلة بأحاسيس لم يتبين ماهيتها " الله يدير اللي فيها الخير"
انتبه إلى خلو المائدة من فنجان القهوة المعتاد، بادر بالسؤال. أجابته أنها نسيت أن تعده . ابتسم ليقينه انها تناست ولم تنس، فلديها اعتقاد راسخ بان كل ما هو أسود يعتبر نذير شؤم لا يناسب صبيحة مثل هذه. لم يقف كثيرا عند الامر فقد تعلم ان يتعايش مع قناعات والدته .
بعد انتهاء مراسيم الإفطار جاءته امه ببذلته السوداء التي لم تكن لتسمح له بارتدائها لولا أنه لا يملك غيرها.بدلة رافقته لسنوات، وشهدت معه كل لحظات الخيبة ؛ المباريات والمقابلات التي انتهت في احسن الاحوال بمقعد في لائحة الإنتظار. تساءل دوما متى يحين دور اسمي ليغادر قاعة الإنتظار؟ ترسخت لديه حقيقة أن الحياة كلها عبارة عن قاعة انتظار كبيرة.
- لقد نظفتها وكويتها.
- لا يفوتك شيء أمي !
- بل فاتتني أشياء كثيرة..
فهم قصدها ووجد من الافيد أن يتظاهر بالغباء لكي لا يوغل في الجرح.
ارتدى قميصه الابيض المائل إلى الصفرة والبذلة السوداء التي غزاها الشيب ثم الحذاء البني الذي تحول بفعل الزمن وكثرة المشي إلى قطعة جلدية مهترئة تستغيث بقدميه لتستند إليهما وتستعيد هويتها .
استنجد بأمه كالعادة لتعديل ربطة العنق معلقا : " سأصبح موظفا محترما ولا أجيد ربط هذه المشنقة" أردف التعليق بضحكة لم تلق صداها.
هم بالخروج، تذكر شيئا هاما؛ الساعة اليدوية. ساعة لا تحمل قيمتها في ذاتها بل تستمدها من الذكرى التي تخلدها. لفها برفق حول معصمه فأعادته عقاربها 10 سنوات إلى الوراء .عندما كان أبوه على فراش الموت ، ناداه ذات يوم ثم مده بالساعة طالبا منه أن يحافظ عليها بعد أن أسهب في الحديث عن تاريخها ، عن صاحبها الذي قضى عمره ونحبه في الصحراء يحمي البلد من أعداء الخارج وهو لا يعلم أن الوطن ينهب من الداخل. حدثه عن انضباطها وكيف أنها لم تتأخر يوما عن أوقات العمل وعن المواعيد المهمة والبسيطة.
أطلق زفرة ألم حارة معلقا : " رحمك الله يا أبي ، لقد تخلفت عن الحياة كلها، والوطن الذي أفنيت عمرك في الذود عنه تنكر لزوجتك وابنك !"
أعادته أمه إلى الحاضر وهي تستعجله وتنبهه إلى أن الموعد يقترب والوقت ينفلت منه. علق ساخرا وهو يشير إلى الساعة : " كيف بنفلت وأنا أمسكه في يدي؟ "
حمل الملف الذي أعده ليلة البارحة ،تخيله سلاحا حشاه بكل أنواع الذخيرة : شهادة جامعية عليا ؛ دبلومات؛ شواهد كفاءة وتدريب؛ ولم ينس شهادة حسن النية .تساءل وهو يعد الملف عن فاعلية هذه الاسلحة . تراءت له تقليدية مقارنة مع أسلحة اليوم الفاتحة لكل الأبواب المغلقة. تمنى لو توفر على بعض منها ليحشو بها ملفه حتى يصبح سمينا محنكا.
ألقى نظرة خاطفة على المرآة. عند الباب قبل رأس أمه، مرة أخرى أغرقته في سيل من الدعوات، انهمرت دموعها وكأنما كانت تتحين الفرصة للإنفلات. حضنته بقوة . أحس أنفاسه تختنق، انفلت منها وتوارى خلف الباب وقد علت وجهه علامات الدهشة من حال أمه. فكر : " هل تكون استشعرت دنو أجلها؟؟" أرعبه السؤال حرك رأسه بقوة كأنما ليسقط عنه هذه الفكرة الكابوس. " ما هذه الافكار الحمقاء ؟؟ ...سيطول عمرك يأمي انشاء الله و سأعمل وأحقق أمنيتك بزيارة الأرض الطاهرة."
"لابد من طاكسي" لطالما اعتبره رفاهية يستعيض عنها بساعات من المشي أو – في أحسن الأحوال - الانحشار مع أكوام اللحم داخل الاتوبيس. لكنه الآن مكره على الاستعانة بسيارة الأجرة لأن مقر الشركة يوجد في الجهة الأخرى من المدينة.تساءل : "لماذا علينا دائما البحث عن العيش في جهة أخرى؟" تذكر أبناء الحي الذين ركبوا البحر تحت جنح الظلام ليبحثوا عن الحياة في الضفة الأخرى من العالم فما وصلوا وما عادوا !
دفعه بعد الشركة للتساؤل : لماذا تكون الشركات والمصانع دائما بعيدة عن العمال والمستخدمين الذين تبنى و تزدهر على أكتافهم؟ تذكر أنها في الوقت نفسه تكون قريبة من أصحابها ، ربما لأنهم لا يأتمنوننا عليها لذالك يفضلون الاحتفاظ بها إلى جانبهم ليتحسسوا عليها بين الفينة والأخرى ويستشعروا مجدهم.
"ألا يمكن أن تسرع قليلا ؟ " سأل سائق التاكسي بلغة المتوسل تمنى لو أبدل كلمة (قليلا)ب (كثيرا ) لكنه وجدها غير مناسبة.
- كما ترى يا بني الطريق مزدحمة إنها معاناتنا اليومية !
- لن أصل في الوقت بهذه الطريقة.
- هون عليك واسأل الله السلامة، فالقضاء مقيد بتقدير الخالق ولا يلتفت إلى الساعات التي تقيد معاصمنا.
فكر أن المدير قد يكون من الذين لا يؤمنون بالقدر وتقويمه الزمني الخاص. اصحاب الشركات وكبار رجال المجتمع لا يعيرون اهتماما للظروف والطوارئ واختناقات المرور و الأعطاب . لأن لهم ساعاتهم الخاصة وطرقا لا يزاحمهم فيها غيرهم، وسيارات لا يمسها نصب ولا وصب لذلك لا يمكن أن يتفهموا أعذارنا.
أراد أن يقول كل ما دار في ذهنه للسائق غير أن الأخير فاجأه : ( على سلامتك)
ترجل بعد أن دفع الأجرة .عدل ملابسه، تحسس تسريحة شعره، أعاد تفحص اوراقه كأنما ليبثها آخر وصاياه، خوفا أن تخذله في لحظات الحسم. تطلع إلى البناية في الجهة المقابلة من الشارع . أمعن النظر في واجهتها الزجاجية وتتبعها بعينيه من الأسفل إلى الأعلى. بدت له شاهقة شامخة، أحسها أكبر من أحلامه بكثير. عاد ليركز نظره على المدخل الكبير والذي تعلوه لوحة ضخمة كتب عليها اسم الشركة بأحرف بارزة مذهبة. خفق قلبه بقوة ، سرت رعشة في كامل جسده ، علت الحمرة وجهه. انتفض، استجمع قواه وانفلت من سحر البناية. تذكر وصايا أمه، تذكر تجهمها وحزنها الغامضين . " لا ... يجب أن أركز الآن على هدفي " استرجع الدروس التي تلقاها عن الثقة بالنفس والتفكير الإيجابي . أخذ نفسا عميقا ثم اندفع عابرا نحو الضفة الأخرى ونظره مركز على باب الشركة.
تذكر الوقت ألقى نظرة على ساعته إنها العاشرة إلا ثوان . تمتم : " دقيقة أو اثنتين لا بأس " التفت يمينا على صوت سيارة مندفعة بسرعة . لم تمهله . سقط أرضا وسقطت ساعته إلى جانبه كما لو أنها استشعرت نهاية مهمتها. تبعثرت أوراقه، أدرك أنه لم يخلف الموعد ولم يتأخر ولو بدقيقة. شخص بصره إلى السماء ثم انطفا بريق عينيه.أخيرا آن لا سمه أن يغادر لائحة الإنتظار، لينضاف إلى لائحة ضحايا العبور.
[/SIZE][/SIZE][/FONT]

آمال المصري
30-09-2012, 03:42 AM
هي الساعة حتمية لافرار منها لحظة انقضاء الأجل أينما يكون يأته
وكأنه كان يتزين بكل طاقته للقاء ربه
التصوير جد رائع حين انتقل بنا بتسلسل خفيف من على مائدة الإفطار الفقيرة من كل شيء وحالة الأم هذا الصباح والتي جاءت على غير عادة وتأنقها للابن ظنا منا أنها النهاية
ولكن نهاية من ؟ أعتقد الكثير ممن قرأوا سيعتقدون أنها نهايتها
وبعد إسهاب غير شاذ تأتي بعدها الخاتمة المباغتة
تمنيت لو اختتمت القصة بـ
" التفت يمينا على صوت سيارة مندفعة بسرعة . لم تمهله . أسقطت أوراقه , وأردته أرضا وساعته إلى جانبه .!
دام ألقك
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

محمد مشعل الكَريشي
30-09-2012, 05:12 AM
الخط غير واضح ارجو ملاحظوة ذلك...

وليد عارف الرشيد
30-09-2012, 06:19 AM
رائعة السرد واللغة عميقة مؤلمة رغم أن نفسية الرجل كادت تنتشلنا من آلام الواقع الصعب
فقط رأيت إسهابًا مرده أنك مبدعنا أردت تحميلها الكثير من القضايا ولو عابرًا
وعلى العموم استمتعت بقصٍ محترف شدني من أول حرفٍ وحتى الخاتمة المأساوية المفاجئة فعلا
محبتي وإعجابي وتقديري

ربيحة الرفاعي
30-09-2012, 09:03 PM
قصة رائقة قوية الفكرة عميقة الحزن جميلة السرد مشوقة بلغتها الطيبة ومضمونها الهادف

أظنها كانت تحتمل بعض تكثيف في جزء منها

شكرا لبديع حرفك

تحاياي

خالد بناني
01-10-2012, 02:27 AM
أخي عبد السلام
أهلا وسهلا ومرحبا بك في واحة الخير والابداع الراقي، وانت جدير بالتواجد هنا بين الكبار
منذ قرأت هذي القصة قبل سنوات لم أخفك إعجابي الشديد بها
الآن أيضا لم يتغير شيء سوى أن العمر مضى بنا شيئا ما... وما تزال القصة رائعة رائعة رائعة
مزيدا مزيدا بما أنت له أهل
مودتي

عبد السلام هلالي
01-10-2012, 10:43 PM
سيدة آمال المصري، حياك الله وأدام عليك نعمه شكرا على الإلتفاتة الطيبة،
واعتبري أن القصة انتهت كما تتمنين.
حياك الله

عبد السلام هلالي
01-10-2012, 10:46 PM
رائعة السرد واللغة عميقة مؤلمة رغم أن نفسية الرجل كادت تنتشلنا من آلام الواقع الصعب
فقط رأيت إسهابًا مرده أنك مبدعنا أردت تحميلها الكثير من القضايا ولو عابرًا
وعلى العموم استمتعت بقصٍ محترف شدني من أول حرفٍ وحتى الخاتمة المأساوية المفاجئة فعلا
محبتي وإعجابي وتقديري

سيدي الكريم وليد عارف الرشيد،
المحبة في الله متبادلة والإعجاب بالقصة تواضع منكم، والتواضع شيمة الكبار.
شكرا لكم وحياكم الله.

عبد السلام هلالي
03-10-2012, 11:19 AM
أخي خالد بناني،
وأنت أهل للثناء ، أهلا بالحرف الذي ساقك إلي للنلتقي في هذه الواحة الطيبة.
حفظك الله.

عبد السلام هلالي
05-10-2012, 12:58 AM
قصة رائقة قوية الفكرة عميقة الحزن جميلة السرد مشوقة بلغتها الطيبة ومضمونها الهادف

أظنها كانت تحتمل بعض تكثيف في جزء منها

شكرا لبديع حرفك

تحاياي

السيدة الكريمة ربيحة الرفاعي،
بل الشكر الموفور لتواضعك عند حروفي المتواضعة.
حاولت التكثيف ما أمكن ، لكن الكلمات كانت تتشبث بورقتي كتمسك أهل الأرض بأرضهم ،
فاعذريني فيما تملكين ولا أملك.
حياك الله.

محمد النعمة بيروك
05-10-2012, 03:56 AM
يالها من نهاية مفجعة، لكنها بالقدر نفسه مُعبّرة..
إنه ذات الموت الذي جعل الآخرين يعبرون البحر/الشارع ولا يعودون..
وإنها ذات الأم/الوطن التي تعرف أن إبنها لن يعود، ويحس هو بوهن الوطن ذاته لأنه لم بستطع أن يوفر له رغيفا شريفا رغم مستواه الدراسي..

نص تراجيدي جميل بوصفه للمشاعر والأحاسيس، وبحواره الخاطف ومونولوجه المُوفّق.. موفّق حتى في ألمه.. وحبكة موفّقة أخذتنا برفق إلى موت في سبيل أدنى شروط الكرامة.. كرامة مواطن يبحث عما يسد رمقه وأمه في بلده.. وطن تنكر لتاريخه ممثلا في الأب الذي كافح وضحى..

أدهشتني في النص تقنية "المعلومة المبطنة" في سياق الحدث، بدل المعلومة التعريفية المباشرة، ذلك أننا نعلم ببطالة البطل، وخدمة أبيه، وبمرض أمه، من خلال حيثيات لا تسير في صلب المعلومة المُضمنة، بل في الساق الطبيعي العام لمجريات الأحداث وهذه لعمري تقنية جميلة.

أحييك.
.
.
.
.
.
.
ستقبل إن شاء الله
سيطول عمرك يا أمي إن شاء الله

عبد السلام هلالي
05-10-2012, 07:13 PM
يالها من نهاية مفجعة، لكنها بالقدر نفسه مُعبّرة..
إنه ذات الموت الذي جعل الآخرين يعبرون البحر/الشارع ولا يعودون..
وإنها ذات الأم/الوطن التي تعرف أن إبنها لن يعود، ويحس هو بوهن الوطن ذاته لأنه لم بستطع أن يوفر له رغيفا شريفا رغم مستواه الدراسي..

نص تراجيدي جميل بوصفه للمشاعر والأحاسيس، وبحواره الخاطف ومونولوجه المُوفّق.. موفّق حتى في ألمه.. وحبكة موفّقة أخذتنا برفق إلى موت في سبيل أدنى شروط الكرامة.. كرامة مواطن يبحث عما يسد رمقه وأمه في بلده.. وطن تنكر لتاريخه ممثلا في الأب الذي كافح وضحى..

أدهشتني في النص تقنية "المعلومة المبطنة" في سياق الحدث، بدل المعلومة التعريفية المباشرة، ذلك أننا نعلم ببطالة البطل، وخدمة أبيه، وبمرض أمه، من خلال حيثيات لا تسير في صلب المعلومة المُضمنة، بل في الساق الطبيعي العام لمجريات الأحداث وهذه لعمري تقنية جميلة.

أحييك.



.
.
.
.
.
.
ستقبل إن شاء الله
سيطول عمرك يا أمي إن شاء الله

حياك الله أخي محمد.
كم نكون سعداء حين يعبر الناس عن إعجابهم بكتاباتنا خصوصا إذا كانوا من أهل الإختصاص .
ونسعد أكثر حينما يغوصون في عمق الحرف ليمدوا الجسور إلى دواخلنا .
وأنا سعيد لقراءتك للسطور وما بين السطور.
شكرا لك.

زهرة السفياني
16-10-2012, 05:31 PM
الله الله يا عبد السلام
إني لألمس فيك بحق معالم كاتب متمرس، وأظن الطريق أمامك لهذا المنال سهل قصير.
سحرتني قصتك بكل مكوناتها وقد كنت أبحث في صفحات هذه الواحة الجميلة عما يطفيء عطشي ويشبع نهمي للقراءة، حتى عثرت على هذه التحفة التي شدني أول ما شدني إليها عنوانها.
خلقت من شخصية واحة تقريبا وفضائين عالما من السرد الماتع والمنساب، حيث يسهل على قارئ القصة الإنغماس فيها منذ الوهلة الأولى.
واسمح لي بالقول أنك فعلت معنا مثلما كان يفعل صاحبك مع أمه. حيث دسست لنا قضايا ثقيلة شائكة وأسئلة حارقة في طبق لغوي وقصصي رائع.
وما أعجبني أكثر تحديك المبطن للقارئ ومراوغتك الذكية لتخميناته. بل إنك جعلتنا نخمن ما أردتنا أن نخمن. وكانت النهاية في خلدك أنت وحدك.
تعرف متى تسرد ومتى تقف. متى تسترجع ومتى تصف، وماذا تصف. وقلت بالتلميح ما يقال في صفحات بالتصريح.
تمنيت فقط لو جعلت العنوان نكرة : (لائحة انتظار) أظنه سيكون أبلغ. مجرد رأي
رائعة رائعة رائعة
جامعة مانعة بارعة
واصل بإذن الله ستصل.

كاملة بدارنه
16-10-2012, 09:35 PM
. شخص بصره إلى السماء ثم انطفا بريق عينيه.أخيرا آن لا سمه أن يغادر لائحة الإنتظار، لينضاف إلى لائحة ضحايا العبور.
يا لها من نهاية أقفلت كلّ شيء!
نفس في السّرد يوحي بولادة كاتب روائي مستقبلا
قصّة جميلة في سردها وأساليبه وذات معان كثيرة
بوركت
تقديري وتحيّتي

ناديه محمد الجابي
16-10-2012, 10:59 PM
استيقظ بشوشا طلق المحيا على غير عادته ..
بينما هى بقلب الأم صبغ وجهها تجهم غريب وإنقبضت أساريره .
أستطعت أيها الأديب فى هذة القصة الرائعة , ومن خلال سردية مشوقة
أن تأخذنا لنعيش مع البطل تفاصيل حياته المؤلمة .. من بطالة , وشظف
العيش , وأم أعياها طول السقم والقلب العليل .. والساعة التى تمثل ذكرى
الأب الذى أفنى العمر فى الزود عن الوطن ..
ثم تلك النهاية المؤلمة المأساوية التى لم نكن نتوقعها .
لقد ربطت القارىء متابعا متشوقا مع التداعيات الموفقة فجعلتنا ندخل إلى
القصة ونعيش فيها ومعها .
أشكرك لهذا العمل الرائع الذى أمتعنى .

عبد السلام هلالي
17-10-2012, 01:04 PM
الله الله يا عبد السلام
إني لألمس فيك بحق معالم كاتب متمرس، وأظن الطريق أمامك لهذا المنال سهل قصير.
سحرتني قصتك بكل مكوناتها وقد كنت أبحث في صفحات هذه الواحة الجميلة عما يطفيء عطشي ويشبع نهمي للقراءة، حتى عثرت على هذه التحفة التي شدني أول ما شدني إليها عنوانها.
خلقت من شخصية واحة تقريبا وفضائين عالما من السرد الماتع والمنساب، حيث يسهل على قارئ القصة الإنغماس فيها منذ الوهلة الأولى.
واسمح لي بالقول أنك فعلت معنا مثلما كان يفعل صاحبك مع أمه. حيث دسست لنا قضايا ثقيلة شائكة وأسئلة حارقة في طبق لغوي وقصصي رائع.
وما أعجبني أكثر تحديك المبطن للقارئ ومراوغتك الذكية لتخميناته. بل إنك جعلتنا نخمن ما أردتنا أن نخمن. وكانت النهاية في خلدك أنت وحدك.
تعرف متى تسرد ومتى تقف. متى تسترجع ومتى تصف، وماذا تصف. وقلت بالتلميح ما يقال في صفحات بالتصريح.
تمنيت فقط لو جعلت العنوان نكرة : (لائحة انتظار) أظنه سيكون أبلغ. مجرد رأي
رائعة رائعة رائعة
جامعة مانعة بارعة
واصل بإذن الله ستصل.

سيدتي الكريمة زهرة.
ولله لقد أزهرت هذه الصفحة بتعليقك الرائع وكلماتك الطيبة التي أخجلتني كثيرا ووضعتني في مرتبة أنا أقل منها بن كثير.
وما سعدت لإطرائك وحسن ثنائك بقدر ما أبهجتني قراءتك المتفحصة والمتعمقة للقصة، والتي تنم عن كونك صائغة ماهرة خبرت معادن الحرف.
بالنسبة للملاحظة حول العنوان فأنا أتفق معك ومسألة التعريف هي مجرد خطا ارتكبته أثناء الرقن.
شكرا لك.

عبد السلام هلالي
17-10-2012, 08:19 PM
يا لها من نهاية أقفلت كلّ شيء!
نفس في السّرد يوحي بولادة كاتب روائي مستقبلا
قصّة جميلة في سردها وأساليبه وذات معان كثيرة
بوركت
تقديري وتحيّتي


شكرا لك سيدة كاملة . قراءتك للقصة أسعدتني وكلماتك شهادة أعتز بها.
شكر اله لك وبارك فيك.

عبد السلام هلالي
18-10-2012, 09:41 PM
استيقظ بشوشا طلق المحيا على غير عادته ..
بينما هى بقلب الأم صبغ وجهها تجهم غريب وإنقبضت أساريره .
أستطعت أيها الأديب فى هذة القصة الرائعة , ومن خلال سردية مشوقة
أن تأخذنا لنعيش مع البطل تفاصيل حياته المؤلمة .. من بطالة , وشظف
العيش , وأم أعياها طول السقم والقلب العليل .. والساعة التى تمثل ذكرى
الأب الذى أفنى العمر فى الزود عن الوطن ..
ثم تلك النهاية المؤلمة المأساوية التى لم نكن نتوقعها .
لقد ربطت القارىء متابعا متشوقا مع التداعيات الموفقة فجعلتنا ندخل إلى
القصة ونعيش فيها ومعها .
أشكرك لهذا العمل الرائع الذى أمتعنى .

وأشكرك أختي نادية على هذه الكلمات الطيبة، وعلى القراءة المتمعنة والإهتمام الكبير
أعتز بشهادتك . بارك الله فيك

د. سمير العمري
23-11-2012, 09:54 PM
كان أول ما أثار انتباهي في هذا النص هو هذا الإسهاب الكثير فيما كاد يشوش علي التركيز فيما أريد منه ولكني قد أقنعت نفسي بأن الإسهاب كان مقصودا للتحضير لهذه النهاية المؤثرة وغير المتوقعة ، رغم يقيني أن هناك حاجة أيضا لتكثيف الإسهاب واللغة ليكون أشد وقعا.

راق لي في النص الإسقاط الذي حملته الساعة والمعنى العام بأن ساعة المرء تأتي بغتة وأن الألم قد يأتي في ذروة الأمل.

دمت بخير وعافية!

وأهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.


تحياتي

عبد السلام هلالي
24-11-2012, 09:59 PM
أستاذنا سمير العمري ،
مرحبا بمرورك الكريم ، ملاحظتك على الرحب والسعة.
شكرا لك ، ودمت بخير.

نداء غريب صبري
01-12-2012, 11:07 PM
استيقظ مستبشرا على غير عادته
وكيف لا يستبشر وهو على موعد للقاء ربه

قصه رائعة أخي وأنت قاص ماهر

شكرا لك

بوركت

عبد السلام هلالي
03-12-2012, 10:44 AM
استيقظ مستبشرا على غير عادته
وكيف لا يستبشر وهو على موعد للقاء ربه
قصه رائعة أخي وأنت قاص ماهر
شكرا لك
بوركت

روعة أي عمل لا تكتمل إلا بمروركم ، مشاركتمك وتفاعلكم أيها الكرام.
شكرا أختي نداء على كل هذا.
رفع الله قدرك وأدام عليك نعمتي العافية والابداع.

لانا عبد الستار
07-12-2012, 08:24 PM
توقعت أن تكون هي
وصدمتني الخاتمة

قصة جميلة جدا
أشكرك

محمد الشرادي
07-12-2012, 08:45 PM
لائحة الانتظار

استيقظ باكرا كعادته ، بشوشا طلق المحيا على غير عادته. توجه إلى المطبخ حيث أمه في المكان الذي ما عهدها في غيره. ألقى عليها تحية الصباح محلاة بقبلة بر على رأسها ، بادلته التحية ملفوفة بدعوات الرضى التي أصبحت لازمة لأغلب أحاديثها معه.
أمدته بالماء الساخن، توضأ وصلى ثم التحق بمائدة الإفطار العرجاء الهزيلة البين هزالها حتى أن مساميرها باتت بارزة. بالنسبة له؛ أحلى ما يؤثثها وجود أمه . جلس إلى جانبها ثم أمال رأسه على كتفها في حركة دلال طفولية أدمنها منذ صغره، وقد خلا له وجه أمه إذ لم يكن له إخوة ينازعونه هذا الحضن الدافئ والملاذ الآمن. أحس برودة غريبة لم يألفها . تطلع إلى وجهها . لم تبادله النظرة، واصلت صب الشاي وقد صبغ وجهها تجهم غريب وانقبضت أساريره .
تساءل إن كان فعل ما يغضبها دون أن ينتبه. استعاد بسرعة شريط الأربع وعشرين ساعة الماضية ، لم يكن الامر عسيرا فحياة عاطل سرعان ما تكون فارغة إلا من مشاوير البحث عن عمل. كل شيء روتيني، لم يجد في الشريط حدثا أو تصرفا شذ عن المعهود.
خمن أن ذالك ربما يكون بسبب التوتر والقلق من نتيجة المقابلة التي تنتظره هذا الصباح مع مدير إحدى الشركات التي استدعته مؤخرا بعد أن تقدم بطلب عمل. لكن هذا لم يحدث حتى مع أصعب الإمتحانات التي اجتازها خلال مسيرته الدراسية الطويلة بل إنه طالما استمد قوته من تشجيعاتها ودعواتها قبيل كل موعد. و كثيرا ما رافقته إلى الجامعة أيام الإمتحانات وبقيت مسمرة عند بابها حتى ينهي. كان ذلك يحرجه أمام زملائه فيبذل قصارى جهوده لإخفاء حرجه. تذكر أنها لطالما طمأنته قائلة " ستقبل إنشاء الله لن يجدوا أحسن منك خلقا وعلما وجدية" .
لكن ما الخطب هذا الصباح؟ هل يكون الشك واليأس قد تسربا إلى دواخلها؟ هل انقضى مخزونها الإحتياطي والإستراتيجي من التفاؤل مع كثرة ما عاد إليها خائبا؟
هل هدها شظف العيش و تدبير معاش بالكاد يكفي لنصف الشهر ؟ أم أعياها طول السقم ووخز الإبر وهي القوية الشامخة التي تعلمت أن تتعايش مع قلبها العليل؟
أفاق من استرجاعاته وتخميناته على صوت أمه يذكره أنه لم يتناول بعد فطوره، وأن الشاي قد برد.
هم أن يبادرها بالسؤال عن سبب تجهمها ثم بدا له السؤال عبثيا وغير ذي جدوى، ما دامت أمه اعتادت أن تكتم آلامها وهواجسها.
قرر أن يمرر إليها ما يحسه من انشراح وارتياح وتفاؤل على جرعات مع رشفات الشاي مثلما اعتاد أن يفعل معها كلما رفضت تناول الدواء فيدسه لها في كأس الحليب.
حدثها بالذي أخبره أحد العاملين في الشركة عن طيبة مديرها وسماحته وحبه للكفاءات، ذكرها بمؤهلاته ودبلوماته التي تبحث عنها الشركات "بالريق الناشف". ردت الأم على جمله المفعمة بالتفاؤل بجملة مثقلة بأحاسيس لم يتبين ماهيتها " الله يدير اللي فيها الخير"
انتبه إلى خلو المائدة من فنجان القهوة المعتاد، بادر بالسؤال. أجابته أنها نسيت أن تعده . ابتسم ليقينه انها تناست ولم تنس، فلديها اعتقاد راسخ بان كل ما هو أسود يعتبر نذير شؤم لا يناسب صبيحة مثل هذه. لم يقف كثيرا عند الامر فقد تعلم ان يتعايش مع قناعات والدته .
بعد انتهاء مراسيم الإفطار جاءته امه ببذلته السوداء التي لم تكن لتسمح له بارتدائها لولا أنه لا يملك غيرها.بدلة رافقته لسنوات، وشهدت معه كل لحظات الخيبة ؛ المباريات والمقابلات التي انتهت في احسن الاحوال بمقعد في لائحة الإنتظار. تساءل دوما متى يحين دور اسمي ليغادر قاعة الإنتظار؟ ترسخت لديه حقيقة أن الحياة كلها عبارة عن قاعة انتظار كبيرة.
- لقد نظفتها وكويتها.
- لا يفوتك شيء أمي !
- بل فاتتني أشياء كثيرة..
فهم قصدها ووجد من الافيد أن يتظاهر بالغباء لكي لا يوغل في الجرح.
ارتدى قميصه الابيض المائل إلى الصفرة والبذلة السوداء التي غزاها الشيب ثم الحذاء البني الذي تحول بفعل الزمن وكثرة المشي إلى قطعة جلدية مهترئة تستغيث بقدميه لتستند إليهما وتستعيد هويتها .
استنجد بأمه كالعادة لتعديل ربطة العنق معلقا : " سأصبح موظفا محترما ولا أجيد ربط هذه المشنقة" أردف التعليق بضحكة لم تلق صداها.
هم بالخروج، تذكر شيئا هاما؛ الساعة اليدوية. ساعة لا تحمل قيمتها في ذاتها بل تستمدها من الذكرى التي تخلدها. لفها برفق حول معصمه فأعادته عقاربها 10 سنوات إلى الوراء .عندما كان أبوه على فراش الموت ، ناداه ذات يوم ثم مده بالساعة طالبا منه أن يحافظ عليها بعد أن أسهب في الحديث عن تاريخها ، عن صاحبها الذي قضى عمره ونحبه في الصحراء يحمي البلد من أعداء الخارج وهو لا يعلم أن الوطن ينهب من الداخل. حدثه عن انضباطها وكيف أنها لم تتأخر يوما عن أوقات العمل وعن المواعيد المهمة والبسيطة.
أطلق زفرة ألم حارة معلقا : " رحمك الله يا أبي ، لقد تخلفت عن الحياة كلها، والوطن الذي أفنيت عمرك في الذود عنه تنكر لزوجتك وابنك !"
أعادته أمه إلى الحاضر وهي تستعجله وتنبهه إلى أن الموعد يقترب والوقت ينفلت منه. علق ساخرا وهو يشير إلى الساعة : " كيف بنفلت وأنا أمسكه في يدي؟ "
حمل الملف الذي أعده ليلة البارحة ،تخيله سلاحا حشاه بكل أنواع الذخيرة : شهادة جامعية عليا ؛ دبلومات؛ شواهد كفاءة وتدريب؛ ولم ينس شهادة حسن النية .تساءل وهو يعد الملف عن فاعلية هذه الاسلحة . تراءت له تقليدية مقارنة مع أسلحة اليوم الفاتحة لكل الأبواب المغلقة. تمنى لو توفر على بعض منها ليحشو بها ملفه حتى يصبح سمينا محنكا.
ألقى نظرة خاطفة على المرآة. عند الباب قبل رأس أمه، مرة أخرى أغرقته في سيل من الدعوات، انهمرت دموعها وكأنما كانت تتحين الفرصة للإنفلات. حضنته بقوة . أحس أنفاسه تختنق، انفلت منها وتوارى خلف الباب وقد علت وجهه علامات الدهشة من حال أمه. فكر : " هل تكون استشعرت دنو أجلها؟؟" أرعبه السؤال حرك رأسه بقوة كأنما ليسقط عنه هذه الفكرة الكابوس. " ما هذه الافكار الحمقاء ؟؟ ...سيطول عمرك يأمي انشاء الله و سأعمل وأحقق أمنيتك بزيارة الأرض الطاهرة."
"لابد من طاكسي" لطالما اعتبره رفاهية يستعيض عنها بساعات من المشي أو – في أحسن الأحوال - الانحشار مع أكوام اللحم داخل الاتوبيس. لكنه الآن مكره على الاستعانة بسيارة الأجرة لأن مقر الشركة يوجد في الجهة الأخرى من المدينة.تساءل : "لماذا علينا دائما البحث عن العيش في جهة أخرى؟" تذكر أبناء الحي الذين ركبوا البحر تحت جنح الظلام ليبحثوا عن الحياة في الضفة الأخرى من العالم فما وصلوا وما عادوا !
دفعه بعد الشركة للتساؤل : لماذا تكون الشركات والمصانع دائما بعيدة عن العمال والمستخدمين الذين تبنى و تزدهر على أكتافهم؟ تذكر أنها في الوقت نفسه تكون قريبة من أصحابها ، ربما لأنهم لا يأتمنوننا عليها لذالك يفضلون الاحتفاظ بها إلى جانبهم ليتحسسوا عليها بين الفينة والأخرى ويستشعروا مجدهم.
"ألا يمكن أن تسرع قليلا ؟ " سأل سائق التاكسي بلغة المتوسل تمنى لو أبدل كلمة (قليلا)ب (كثيرا ) لكنه وجدها غير مناسبة.
- كما ترى يا بني الطريق مزدحمة إنها معاناتنا اليومية !
- لن أصل في الوقت بهذه الطريقة.
- هون عليك واسأل الله السلامة، فالقضاء مقيد بتقدير الخالق ولا يلتفت إلى الساعات التي تقيد معاصمنا.
فكر أن المدير قد يكون من الذين لا يؤمنون بالقدر وتقويمه الزمني الخاص. اصحاب الشركات وكبار رجال المجتمع لا يعيرون اهتماما للظروف والطوارئ واختناقات المرور و الأعطاب . لأن لهم ساعاتهم الخاصة وطرقا لا يزاحمهم فيها غيرهم، وسيارات لا يمسها نصب ولا وصب لذلك لا يمكن أن يتفهموا أعذارنا.
أراد أن يقول كل ما دار في ذهنه للسائق غير أن الأخير فاجأه : ( على سلامتك)
ترجل بعد أن دفع الأجرة .عدل ملابسه، تحسس تسريحة شعره، أعاد تفحص اوراقه كأنما ليبثها آخر وصاياه، خوفا أن تخذله في لحظات الحسم. تطلع إلى البناية في الجهة المقابلة من الشارع . أمعن النظر في واجهتها الزجاجية وتتبعها بعينيه من الأسفل إلى الأعلى. بدت له شاهقة شامخة، أحسها أكبر من أحلامه بكثير. عاد ليركز نظره على المدخل الكبير والذي تعلوه لوحة ضخمة كتب عليها اسم الشركة بأحرف بارزة مذهبة. خفق قلبه بقوة ، سرت رعشة في كامل جسده ، علت الحمرة وجهه. انتفض، استجمع قواه وانفلت من سحر البناية. تذكر وصايا أمه، تذكر تجهمها وحزنها الغامضين . " لا ... يجب أن أركز الآن على هدفي " استرجع الدروس التي تلقاها عن الثقة بالنفس والتفكير الإيجابي . أخذ نفسا عميقا ثم اندفع عابرا نحو الضفة الأخرى ونظره مركز على باب الشركة.
تذكر الوقت ألقى نظرة على ساعته إنها العاشرة إلا ثوان . تمتم : " دقيقة أو اثنتين لا بأس " التفت يمينا على صوت سيارة مندفعة بسرعة . لم تمهله . سقط أرضا وسقطت ساعته إلى جانبه كما لو أنها استشعرت نهاية مهمتها. تبعثرت أوراقه، أدرك أنه لم يخلف الموعد ولم يتأخر ولو بدقيقة. شخص بصره إلى السماء ثم انطفا بريق عينيه.أخيرا آن لا سمه أن يغادر لائحة الإنتظار، لينضاف إلى لائحة ضحايا العبور.
[/SIZE][/SIZE][/FONT]


أخ عبد السلام
هذا النص بنفس هيتشكوكي إن صح التعبير. التشويق فيه يمسك بك حتى النهاية التراجيدية للبطل. سرد يتلاعب بالقارئ و انتظاراته. طارحا للكثير من القضايا المجتمعية و الإنسانية في ثوب قصصة شفيف و رشيق.
دام الألق لك و ليراعم أخي.

عبد السلام هلالي
08-12-2012, 11:01 AM
توقعت أن تكون هي
وصدمتني الخاتمة
قصة جميلة جدا
أشكرك

أهلا بك أختي لانا ، لم أتقصد أن أخدعك ، ولكنه مسار القصة من فرض ذلك! :sm:
أشكرك على القراءة والثناء.
أعلى الله قدرك ودامت لك الصحة والهناء.

عبد السلام هلالي
08-12-2012, 07:36 PM
أخ عبد السلام
هذا النص بنفس هيتشكوكي إن صح التعبير. التشويق فيه يمسك بك حتى النهاية التراجيدية للبطل. سرد يتلاعب بالقارئ و انتظاراته. طارحا للكثير من القضايا المجتمعية و الإنسانية في ثوب قصصة شفيف و رشيق.
دام الألق لك و ليراعم أخي.

لك موفور الشكر أيها الكريم للمرورالعطر والقراءة القيمة.
يسعدني تواجدك نقدا وثناء وتجيعك يدفعني للمزيد.
حياك الله ودام لك الابداع.

خلود محمد جمعة
16-12-2014, 10:46 AM
جميعنا على لائحة الانتظار فلا تعلم اي نفس ساعة مغادرتها
مؤثرة وجميلة عازها بعض تكثيف
لحرفك حضور قوي
بوركت وكل التقدير

ناديه محمد الجابي
11-12-2023, 06:55 PM
من أجمل ما قرأت ـ نص رائع يسرد سلس جاذب، وحبكة متينة السبك ولغة أنيقة
وملامح انسانية دقيقة لمعاناة إنسان
قصة على قدر كبير من النضج والأكتمال الفني
ورغم النهاية الماساوية فقد استمتعت بما قرأت ـ فشكرا لك.
:009::005::009: