تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حين غاب القمر



أحمد عيسى
01-10-2012, 09:03 PM
حين غاب القمر
.
.
.
عاد أدراجه مرة أخرى ، دون أن يأخذ بثأره !
يا لهذا الرجل ، ألم يع الدرس بعد ؟
ترتاح الشمس إلى أكف الرياح وهي تذوب مسرعة مع أطراف الشفق ، تتمطى تاركة نفسها وادعة حيث تلقي بها رصاصات الأشقاء ، يميناً تارة ويساراً تارة أخرى ، حزينة وان حاولت ألا تبدو ، باهتةً وان أظهرت للأرض دون ذلك .
انتظر يا حسنين ، لا تتركني وأحمد وحيدين هكذا .
تقولها وتعدو خلفه ، تمسك بأطراف جلابيته فيدفعها في غلظة ، وليدها على الأرض يحول بينهما ، وقد كان ليضربها لو لم يفعل ..
ابتعدي عني يا امرأة .
يتعمد أن يكون قاسياً ، لا يريدها أن تحزن ، لا يريد لها أن تتمسك به أكثر ، لا يريد أن يسمع صراخ أحمد ، ولا صوت ضحكاته البريئة ، ظل كما أنت يا حسنين ، فان بالأفق دماء أخيك تنادي ، وصوت الحكمة مكانه بعيداً جداً عن هذا النهار .
- ألا تودع أمك ، ألا تنتظر بجوار زوجك ، ألا تقضي ليلتك مع أحمد وتنصرف صباحاً إلى نار ثأرك المجنونة ..
ينظر دون أن يبالي ، يشيح بوجهه ، يستل بندقيته العتيقة من فوق دولابه الخشبي المهترئ ، يضع في جيبه رصاصة متلهفة ، وعلى عتبة بابه يستدير ، ينظر نظرة أخيرة ويقول وقد بدأ قلبه يرق :
- اعتني بأحمد جيداً ، ولا تغادري منزلك قبل انقضاء عدتك ، فربما لا أعود ..
تشهق كأنه الموت يطرق بابها ، تزحف إليه فيهرع منها ، يضرب الباب بعنف في وجهها قبل أن تدركه ، تستلقي أرضاً وقد صار الكون أحمر ، وصوت الرصاص وصراخ أحمد يختلطان ، فلا تدري أيهما أكثر وجعا ..
***
انه شقيقك يا حسنين ، قتله الغدر مرة أخرى .
يربت على كتفيه ، فيرفع حسنين عينان دامعتان إلى محدثه ، جاره في أرضه ، بزغ من العدم ربما ، من اللامكان !
أوهل فعل ؟
يهز رأسه ويتحرك أمامه ذهاباً واياباً :
- قد فعل ، وأنت ككل مرة لا تحرك ساكناً ، فماذا أنت فاعلٌ اليوم ؟
يتهاوى أرضاً ، تتساقط دموعه دون قيد ، تنساب مسرعة لتبلل الأرض حولهما ، يقول :
- وماذا أفعل ؟ هل آخذ ثأري من ابن عمي ؟ فكيف تطيب الحياة وهو أخو زوجتي وصديق عمري ؟
وكيف أقضي على حياتي وخلفي امرأة وطفل لم يبلغ الفطام بعد ؟
تبدو نظرة سوداء في عيني جاره ، يقترب منه أكثر حتى يلتصقان :
- فافعل يا صديقي ، وزوجتك في رعايتي وابنك هو ابني ، فان عدت فان لك حياة غير الحياة وان لم تعد فهم في ذمتي حتى أموت ..
يمشي حسنين إلى الباب ، يستدير لينظر في وجه الرجل ، يرى الكون قاتماً ، والغربان تحوم في المكان كأنها تأكل من صدر القمر ، لعله يذوي فلا يعود مرة أخرى ..
يتهادى في مشيته كأنه يخشى السقوط ، وفي كل مرة يلتفت خلفه ، فيجد المنزل أكبر ، وجاره أطول قامة ، والحشائش أكثر ارتفاعاً حتى ظن أنه لن يعرف الطريق بعد .
****
إنها بصماته
يقولها جاره ، وينحني ليهمس في أذن حسنين :
- ألا ترى ؟ هذه بصمات أصابعه ، بل هي كفه كلها قد تركت آثارها في المكان ، لقد شرب من دم شقيقك وتركك وحيداً ، هو من فعلها ولا أحد غيره ..
هل يكون هذا ؟ يتذكر ، ليلةً سبقت الجريمة ..
يجلس ابن العم يداعب أحمد ، فيشرق وجهه حين يضحك ويعلو صوته ، يقول وهو يناول الصغير إلى أمه :
- أما آن الأوان يا أبا أحمد ، لكي نضع سوراً واحداً ونزرع الأرض سويا ، فنستفيد من جهدي وجهدك ، ويختلط عرقي بعرقك فنصير بإذن الله من الفالحين ..
هي بصماته ولا شك ، لعله طامعٌ في شيء من المال والأرض ..
لقد قتل أخوك مرة أخرى ..
يدوي صوت الجار ، ينفض حسنين رأسه ، ينتفض وهو يرفع سلاحه ، يضع رصاصة يتيمة ، يتلفت حوله ، فلا يجد جاره ، تدوي رصاصته ، فيسقط ابن عمه ، يترنح ، فيسقط حسنين ، يزحف حتى يلتقي بابن عمه ، يحتضنه ، يبكي ، ينزفان ، يصرخ ابن العم :
قتلتني
ويصرخ حسنين :
بل قتلت نفسي
ويلتفت فلا يجد المنزل القديم ، ولا جاره الذي جاء من العدم ، ويبدو القمر كما توقع ، ناقصاً نصفه أو كله ، وسائر الغربان تحوم في المكان ، تنتظر لحظة تنقطع فيها الأنفاس لتقتات ، ينزع حسنين قميصه ، يمزقه ، وبما تبقى من روح فيه ، يضمد جرح ابن عمه .

محمد النعمة بيروك
02-10-2012, 01:45 AM
إنه وجعنا اليوم ولاشك، لكنه مختصر يروعة القص في هذا النص المُعبّر..
كيف يقتتل الأهل لمجرد تحريض من يستفيد من فرقتهم، وعندما تنطلق الرصاصة الأولى، لن يتوقف القصف أبدا، حين يبدأ الثأر والثأر المضاد في دوامة تقتل الوطن والإنسان، وتأتي على النسل والحرث، وتحصد الأخضر واليابس بدعم من الجار/العدو الذي ما أحب لنا الخير يوما.. قكيف يبدو "فاعل خير" اليوم..

تعبير آسر حبكة، ووصفا وحوارا، ونهاية مؤلمة رغم ما فيها من بصيص أمل، قد تكون معه مفتوحة، مادام "لجار" مستعدا وجاهزا كعادته لتحريك حمية الجاهلية في نفس ابن العم هذه المرة..

هكذا أقرأ هذا النص الذي أخذني بشغف إلى نهايتنا.. أقصد إلى نهايته..
....
.
.
.
.
.
.
.
فيرفع حسنين عينين دامعتين

نداء غريب صبري
17-10-2012, 06:31 PM
قصة جميلة أخي أحمد
وفيها عبرة ومتعة رائعتين

شكرا لك

بوركت

كاملة بدارنه
17-10-2012, 09:10 PM
ويلتفت فلا يجد المنزل القديم ، ولا جاره الذي جاء من العدم ، ويبدو القمر كما توقع ، ناقصاً نصفه أو كله ، وسائر الغربان تحوم في المكان ، تنتظر لحظة تنقطع فيها الأنفاس لتقتات ، ينزع حسنين قميصه ، يمزقه ، وبما تبقى من روح فيه ، يضمد جرح ابن عمه .

نهاية قصّتك ذكّرتني بأغنية فيرور : القمر بضوّي عَ النّاس والنّاس بيتقاتلوا.. ) لو نظر الإنسان لنفسه كالقمر المضيء الذي يبثّ النّور دون مقابل، وأخذ منه عبرة العطاء لما وجدت على الأرض مشكلة.
قصّة هادفة ومعبّرة
بوركت
تقديري وتحيّتي

فاطمه عبد القادر
18-10-2012, 02:16 AM
ألا ترى ؟ هذه بصمات أصابعه ، بل هي كفه كلها قد تركت آثارها في المكان ، لقد شرب من دم شقيقك وتركك وحيداً ، هو من فعلها ولا أحد غيره ..

السلام عليكم
قصة رائعة ,محبوكة بتمكن ظاهر ,أشارت بكل عزم لما يجري
دائما نخوض معارك الكبار ,ونعرض مستقبل أولادنا وأوطاننا للضياع
وعندما يتمكن أحدهما من النصر يتجاهلنا كأننا لم نفعل له شيئا
نحن ندور في حلقة مفرغة
والشعب هو الخاسر الوحيد دائما ,نحن لا نعرف أين مصلحتنا ,ولا مع من ,للأسف
شكرا لك
ماسة

ناديه محمد الجابي
18-10-2012, 10:48 AM
وأنا أرى الغربان تحوم فى كل مكان .. فى مصر .. فى ليبيا .. فى سوريا
والكل يشرب من دم بعض .. والشقيق يقتل شقيقه .. والكل ينزف والأوطان تضيع
لصالح من ؟؟ والغربان مازالت تحوم تنتظر لحظة تنقطع فيها الأنفاس لتقتات ..
يبقى الأمل أن نستيقظ لنضمد جراح بعض وننقذ الأوطان .
هكذا أحببت أن أقر أها ..
نص ملئ بالشجن .. عميق الفكرة , وقد سبكت القصة بالسرد والوصف والحوار
دام لك القلم هادفا لكل خير .

د. سمير العمري
18-10-2012, 06:21 PM
وهل أفسد الأرض إلا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا؟؟

أكان ابن عم أم أخ أم ذات النفس؟؟

والجار الذي جاء من العدم من الذي استمع له وأطاع زخرف نصحه وحرصه وما قصد إلا التهلكة؟؟

ثم ليت الأمر كما صورت هنا يا أحمد فكان الخلاف بينهما على فلاحة الأرض ومشاركة الثمر ، ولكن هو عداء من طرف لطرف حد الحقد والتغول باعتبار ملكيتهم للقضية والتي تاجروا باسمها وأضاعوا الأرض والأهل في أصقاع الشتات.

يا أخي الحبيب ، تالله ما يصلح الأمر إلا التخلص من رؤوس الفساد والإغراض ومحاولة تفكيك معادلة المنفعة الشخصية حتى لا يهتف كل مرتزق باسم القضية ، حينها فقط يمكن أن تكون المصالحة بين النفس والنفس وبين الأخ والأخ ، وأحيلك إلى قصيدتي الأخوة نهج ففيها قلت ما أزعم أنه يمثل الحق والحقيقة.

أشكر لك ألق أدائك القصصي أيها القاص البارع!

دمت بخير وعافية!

وأهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.


تحياتي

ربيحة الرفاعي
18-10-2012, 11:30 PM
تأخرت جدا في التقاط هذه الدرة القصية الرائعة

جاء وصف الشمس بحزنها وانكفائها بديعا أحاط ببشاعة الواقع الذي تطل عليه، وجاء الحوار في رجائها زوجها البقاء أو حتى تأخير ذهابه لثأره، قويا معبرا وصارخا بجنون الواقع
وفي الحوارية التي اختتمت بها القصة اختزال للمشهد السياسي العربي

يصرخ ابن العم : قتلتني
ويصرخ حسنين : بل قتلت نفسي
ويلتفت فلا يجد المنزل القديم ، ولا جاره الذي جاء من العدم ، ويبدو القمر كما توقع ، ناقصاً نصفه أو كله ، وسائر الغربان تحوم في المكان ، تنتظر لحظة تنقطع فيها الأنفاس لتقتات ، ينزع حسنين قميصه ، يمزقه ، وبما تبقى من روح فيه ، يضمد جرح ابن عمه .
الجار الشيطان يشعل فتيل احراق الوطن، والغربان تحوم في الجو بانتظار اكتمال الدمار لتنقض مفترسة
فهل سينزع الغِرّ على أرضنا الجريحة قميصه ليضمد جراح أخيه؟

قصة رائعة سبكها ماتع وحدثها مرسوم بعناية ليحكي وجيعة الوطن وجراحه

شكرا للقراءة الماتعة التي منحتنا أيها الرائع
وأهلا بك في واحتك

تحاياي

أحمد عيسى
24-10-2012, 02:32 PM
إنه وجعنا اليوم ولاشك، لكنه مختصر يروعة القص في هذا النص المُعبّر..
كيف يقتتل الأهل لمجرد تحريض من يستفيد من فرقتهم، وعندما تنطلق الرصاصة الأولى، لن يتوقف القصف أبدا، حين يبدأ الثأر والثأر المضاد في دوامة تقتل الوطن والإنسان، وتأتي على النسل والحرث، وتحصد الأخضر واليابس بدعم من الجار/العدو الذي ما أحب لنا الخير يوما.. قكيف يبدو "فاعل خير" اليوم..

تعبير آسر حبكة، ووصفا وحوارا، ونهاية مؤلمة رغم ما فيها من بصيص أمل، قد تكون معه مفتوحة، مادام "لجار" مستعدا وجاهزا كعادته لتحريك حمية الجاهلية في نفس ابن العم هذه المرة..

هكذا أقرأ هذا النص الذي أخذني بشغف إلى نهايتنا.. أقصد إلى نهايته..
....
.
.
.
.
.
.
.
فيرفع حسنين عينين دامعتين


الأديب القدير : محمد النعمة

اللوم دائماً لا يقع على الجار\الشيطان \ العدو
انما يقع اللوم دائماً وأبداً على من يستمع اليه ، ويسمح لنفسه أن يتهم أقرب الناس اليه دون بينة
ألم نر هذا في صراع الأشقاء في فلسطين ، وخلافات الأشقاء العرب ، واتهامات البعض لغزة بالتورط في حادث سيناء منذ الدقيقة الأولى ودون أي بينة ، حتى أن احدى الأخوات-سامحها الله- كانت تغريدتها : أبشر الفلسطينيون بأيلول أسود جديد ..
ولو تعلمنا أن نغلب الحكمة ولغة المنطق ، وانحزنا الى الدين والدم ، لما كان كل هذا

تقديري لمرورك الكريم

زهراء المقدسية
26-10-2012, 12:44 PM
رائع ما تفضلت به أستاذ أحمد
وعلى قدر الألم زرعت فينا الأمل من جديد
بأن يتصافح الأخوة الفرقاء

وليت ذاك اليوم يكون قريبا

تقديري بحجم ابداعك الكبير
وكل عام وأنت بألف خير

لانا عبد الستار
02-01-2013, 05:01 AM
بين الأخوة وقع الموت
واوقعه كاره لهما
أشكرك

خلود محمد جمعة
06-02-2015, 05:17 PM
حكاية وطن جريح تمزق ولم يجد من يضمد جراحه
جار أشعل النيران وغربان تحوم و دمار يجر دمار
قاص بارع يبهرنا في كل مرة
بوركت وكل التقدير

وليد مجاهد
02-03-2015, 09:53 PM
اختزلت المهزلة السياسية التي تعيشها أمتنا اليوم
شياطين يحرضون وأخوة يقتتلون
أسلوبك رائع يا صاحبي
لك تقديري

رويدة القحطاني
01-06-2015, 12:07 AM
أسلوبك جميل وفي القصة فكرة هامة عرضتها جيدا

آمال المصري
26-12-2015, 08:53 PM
وكأن العدو هنا شيطان يوسوس حتى إذا أوقع ضحيته في الشرك يقهقه عبثا
هو حال الأمة حاليا بصراعاتها الداخلية وضرب اليد بالأخرى بدفع أجنبي
نص يحمل من الوجع ما بداخل كل عربي ولكن كان هناك وميض أمل لنقتفي أثره
دمت مبدعا أديبنا الفاضل
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي