المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في قصيدة العمري: نحت وتعرية



بهجت عبدالغني
03-10-2012, 02:55 PM
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=60145




قصيدة ( نحت وتعرية )
علامات على الطريق ..

جاءت قصيدة ( نحت وتعرية ) للشاعر الكبير الدكتور سمير العمري نقداً كاشفاً لزيف الحداثة التي باتت تنخر كالسوس في العظم ، ومن وحي هذه القصيدة الناقدة سوف أقف على أبرز ملامح الحداثة حسبما قادني فهمي وإدراكي للقصيدة ومعانيها ومراميها .. مستعيناً بالله تعالى ..

هل النقد مشروع شاعر فاشل ؟
أحياناً نعم وأحيانا لا ..
لكني سأجزم هنا أن قصيدة ( نحت وتعرية ) أحرقت هذا السؤال وأفحمته ، ليس بالإجابة عنه بـــ"لا" فقط ، بل بقلب الطاولة على أصحابها ..
نحن أمام نقد مختلف .. فالشاعر أصالي لكنه في الوقت نفسه ملّم بالحداثة ، حاك نقداً لها بأساليبها هي ، نحت في صخرها وبأدواتها تمثالاً على شاكلتها ثم قال لهم انظروا كم هو قبيح ..
نقد مختلف لا شك .. لاذع وساخر أيضاً لشكل ومضمون ما يسمى بالحداثة ..
والكلام عن الحداثة ذو شجون ..
فالأصالة والمعاصرة .. القديم والحديث .. جدل لا ينتهي ، لفّت بذراعه الساحة البشرية شرقها وغربها .. شمالها وجنوبها .. وباتت قضايا الأدب والفن داخل هذا الجدل منفلتة إلى حد كبير من توازنها وانضباطها ، لأن أصحابها الذين كان يرجى منهم ضبطها وموازنتها وتحريكها من عمق ماضينا بما يلبي حاجاتنا ويعبر عن آمالنا وآلامنا ، أصبحوا ببغاوات لا تجيد سوى تكرار المكرر ..

ومرة أخرى نقع فريسة شباك المستورد ..
أوهمونا بأن الاستيراد كان حتمياً فرض علينا ووجب أن نقبله برحابة صدر ضريبة لجمودنا وتخلفنا وإغلاقنا أبواب الاجتهاد والإبداع ، ولكن ـ سؤالاً يلح على الفهم ـ ألم تكن أوروبا أيضاً غارقة في الجهل والجمود والتخلف أكثر مما كنا ؟ فما الذي افترق إذن ؟ ولماذا صاروا مُقلَدين وصرنا مُقَلِدين ؟
والحقيقة أن الفارق الذي حدث بيننا وبين أوربا هو أن الأخيرة عندما بدأت تتخلص من براثن الكنيسة وقبضة السلطة البيوقراطية كانت تخيط لنفسها ثوباً يليق بها ومن مقاسها ، فتحركت صوب أهدافها التي تحقق حاجتها وذاتها ، ثم بدأت تتطور على هذا النسق ..
بينما بدأنا نحن برفض الجمود بلبس الثوب الذي حيك هناك في أوربا وليس عند خياطنا المسلم العربي !
أضرمت أوربا النار فانتقل دخانها ورمادها إلينا خانقاً أجواءنا مضيقاً أنفاسنا مغشياً بصائرنا .
نعم .. هذه هي مشكلة الحداثة في عالمنا العربي .. إنها حداثة نعم ولكنها ليست عربية على أية حال .. لم تنشأ في تربتنا ولم تُسق من مائنا ولا تنشقت هواءنا ..
يقول الدكتور عبدالعزيز حمودة في كتابه ( المرآيا المحدبة ) :
( حاول الحداثيون العرب منذ أوائل السبعينيات مباشرة ، أي في السنوات التي تلت النكسة وسقوط الحلم العربي ، تقديم نسخة عربية لحداثة تتعامل مع واقع الحضارة الغربية ) . ص23 .

وما لي أذهب بكم بعيد للمذاهب والقصيدة حاضرة شاهدة بيننا في تعرية الحداثي الذي جلس بصحن الحديقة يرتشف قهوته مسترجعاً ليلة أمس ، وما أدراك ما ليلة أمس ؟
بُطُولاتَ جِنْسِ
وَنَشْوَةَ كَأْسِ
وَرَقْصَةَ أُنْسِ
وَمَيْسِرَ شَهْوَةْ

وهي صورة تعيدنا بإلحاح إلى الحياة التي يعيشها أولئك ، وينطلقون منها إلى بناء أدبهم الخاص ، شارل بودلير الذي اعتبره غالي شكري نبياً للشعر الحديث ، أديب فرنسي نادى بالفوضى الجنسية والفكرية والأخلاقية ، كان يعيش حياة الفسق والانحلال ، وأصيب بداء الزهري ، عاش في شبابه عيشة تبذل وعلاقات شاذة مع مومسات باريس ، ولاذ في المرحلة الأخيرة من حياته بالمخدرات والشراب ، حتى ان فرنسا نفسها منعت نشر بعض قصائده ، وكان حياة أستاذه إدغار آلان بو مترعة بالقمار والخمر والعلاقات الفاسدة .
أما البنيوي ميشل فوكو وإصابته بالايدز جراء ممارسته الشذوذ الجنسي الذي يعتبرونه تجربة اكتشاف فليس ببعيد !
ونزار قباني ومحمود درويش .. وآخرون ..
وخلاصة الأمر هي كما قال أحدهم في شعر بودلير : ( إنك لا تشم في شعره الأدب والفن ، وإنما تشم منه رائحة الأفيون ) ..

وهنا تتساقط أقنعة الكذب والتزييف والادعاء بأن الأدب ليس إلا للأدب وان الفن للفن ، ولا شيء غير ذلك ، فالأدب حسب زعمهم ليس مرآة عاكسة للحياة وإنما كيان مستقل ، لكن مقارنة حالهم بأدبهم تزيل الغشاوة عن العيون ، فترى كتاباتهم ما هي إلا انعكاس لحالتهم البائسة الغارقة في فوضى العقيدة والفكر والروح ..
نعم .. يتساءل المرء كيف سيكون أدب هؤلاء مرآة لمجتمعهم ولوحة شفافة له ، وقد قلبوا الأدب إلى ثقب صغير ضيق تنبعث منه رائحة فكرهم الفاسد ومزاجهم الثمل وأخيلتهم الفاسقة بعيداً عن هموم وطنهم وتحدياته وصلاحه !
ولذا فها هو شاعرنا الحداثي يقلب جريدته ، ويمر بصور ومشاهد .. قصف ..شهداء .. نار .. حرق .. دماء .. اغتيال .. تخمة ومجاعة ..
ثم لا شيء غير تثائب وتراخٍ ، وما يهمه في الأمر كله ؟ لا شيء .. سوى ما يريد هو ..
مباراة .. نجوى فؤاد .. هيفاء وهبي .. لا بل عيونها ..
ثم
ويُمْسِكُ بِالقَلَمِ المُخْمَلِيِّ المُذَهَّبْ
وليس قلم الحرقة والمعاناة من أجل قضية عادلة أو نصرة مظلوم أو دفع شر .. بل قلم مستريح يدغدغ الغرائز والشهوات ، ويثير الشك والفوضى ..
وَيَكْتُبْ :
براءة ..
ولكن براءة من ماذا ؟ ولماذا ؟
من قوالب شعرية وأوزان وبحور ، بحجة قدمها وتغير الذائقة العربية ؟ براءة من الأشكال والصور الفنية ؟
كلا .. فليست الحداثة مدرسة أدبية في الكتابة والشعر والقصة والنقد فحسب ، وليست خروجاً عن قوالب أدبية وفنية واستبدالها بأخرى فحسب .. كلا ..
الحداثة شيء أكبر من كل ذلك وأعمق .. إنها منهج شمولي ونظرة شمولية لله والكون والإنسان .. وما الأدب والفن إلا غطاء يتستر به ذلك المنهج ..
( تبرأت ) إعلان صارخ لهوية الحداثة ، لدين الحداثة ..
إنها دين ضد دين ..
يقول غالي شكري في كتابه ( شعرنا الحديث إلى أين ؟ ) :
( مفهوم الحداثة عند شعرائنا الجدد مفهوم حضاري أولاً ، هو تصور جديد للكون والإنسان والمجتمع ... فلا يكون الشاعر معاصراً بمجرد أن يصف الصاروخ أو التلفزيون أو عظمة الاشتراكية ، مثل هذا الشاعر بالنسبة للمفهوم الحديث للشعر هو رجعي عظيم الرجعية ... الشعر الحديث موقف من الكون كله ، لهذا كان موضوعه الوحيد " وضع الإنسان في هذا الوجود " ) . ص114 .
ويقول سعيد السريحي :
( للحداثة مفهوم شمولي ، هو أوسع مما منح لنا ومما ارتضينا لأنفسنا ، ذلك أن الحداثة نظرة للعالم أوسع من أن تؤطر بقالب للشعر ، وآخر للقصة وثالث للنقد ، إنها النظرة التي تمسك الحياة من كتفيها، تهزها هزاً ، وتمنحها هذا البعد الجديد ) . الحداثة في ميزان الإسلام ، عوض القرني ، ص54 .

وهذا المنهج الشمولي والنظرة الكلية لا تتأتى إلا بعد أن تحدث ( البراءة ) من كل ما هو قديم وتراثي ( هَرْطَقَاتِ العَجَائِزْ ) وهي الإسلام وعقيدته ، وهذا ما يؤكده التبرؤ من كل ( مَا لا يَجُوزُ وَمَا هُوَ جَائِزْ ) ، أي لا دين ولا شريعة ، لا حلال ولا حرام ، لا قيم ولا فضيلة ولا عرف ..
تَبَرَّأْتُ مِنْ سَفْسَفَاتِ الفَضِيلَةْ
وَمَزَّقْتُ عَنِّي ثِيَابَ القَبِيلَةْ

ويعلن تحرره من نهج ( التقليديين ) الذين اغتالوا الخيال والنضال والجمال ..
وما الخيال عند الحداثيين ؟
هل إذا قلنا هو خيال انتهاكي مجنون أكثر مما هو إبداع واختراع سنبتعد عن المصداقية ؟
فأي خيال هذا الذي يضيع في متاهاته المعنى ويكتنفه الإغماض والسخرية من ذائقة المتلقي ؟ بل أي خيال كافر هذا الذي يتجاوز حده إلى التطاول على الذات العلية العظيمة ؟
وما النضال عنده إذا كانت كل إحداث الأمة الجسام ومصائبها المفجعة لا تهم شاعرنا الحداثي ولا تفعل فيه أثراً سوى تثاؤب ..
تثاءَبَ كَالقِطِّ حِينَ اخْتِيَالٍ
تَرَاخَى قَلِيلا وَعَادَ يُقَلِّبُ عَمَّا يُرِيدُهْ
وما الجمال عنده ؟ أهو دفء الغروب والتغزل بعيني ظبية شاردة في الفلاة أم هو كأس وجسد ، ليس له علاقة بالحق والأخلاق ، يجذب الإنسان إلى عالم الطين والتراب ، ولا يرفعه إلى عالم الرفعة والسمو ..

وبعد أن أعلن براءته وتحرره ، كشف عن أيمانه وعقيدته ، فإذا هي عشق وكأس وخمر الحقائق ، والحقائق عنده ليست حقائق الدين والأخلاق والفضيلة فقد تبرأ منها جميعاً ، وإنما حقائق الشك والضياع والفوضى ، حيث لا عوائق أي لا حرام أو لا يجوز ، فكل شيء مباح مشاع ..
وَآمَنْتُ بِالعِشْقِ يَمْلأُ كَأْسِي بِخَمْرِ الحَقَائِقْ
بِحُرِّيَتِي بَينَ زَهْرِ الحَدَائِقْ
بِلا أَيِّ عَائِقْ

ثم هو ـ أي الشاعر الحداثي ـ يميل إلى استحضار الرموز الوثنية ويتغنى بها ، كعادة الحداثيين الذين يريدون إحياء التراث الفرعوني والآشوري واليوناني والروماني على حساب التراث الاسلامي ، لذا تراهم يكثرون من استخدام الاساطير وأبطالها ورموزها ، بل إن من تولى كبر الحداثة غير اسمه من ( علي أحمد سعيد ) إلى ( أدونيس ) تيمناً بأسطورة أدونيس الفينيقية !
بِعشْتَارَ تَحْمِلُ فِي رَاحَتَيهَا الزَّنَابِقْ
بِفِينُوسَ حِينَ تَشِي لِلخُلُودِ بَأَسْرَارِ عَاشِقْ
ويدعون إلى إشاعة الشعوبية والدعوات الصوفية المنحرفة ، وعقيدة الخطيئة والصلب والفداء النصرانية ..

ثم يتوغل الحداثي في عقيدة كفرية ويبوح بها ..
فالإنسان غير الحداثي برأيه يعيش هباء ، دون هدف ولا غاية ، يتعلق بهرطقات العجائز ويغلق على نفسه سجن الحياة والجمال بيجوز ولا يجوز ! ثم يرفع يديه داعياً إلهاً لا يجيب الدعاء !
ومن هو الإله عند الحداثي أصلاً ؟
إذ تنضح كتاباتهم كفراً وإلحاداً واستهزاءً بالمقدسات الإسلامية ، وتطاولاً على الله تعالى وعلى أنبيائه وكتبه وشريعته ..
( سبحانك ربي هذا بهتان عظيم ) .

ويستدل على تخلفنا بحالنا الذي نعيشه ، وهو حال يعتبره نابعا من تمسكنا بالقديم والتراث والعادات التي هي جهل لا يُنبت ولا يُزهر حباً ، صمت لا يحصد شيئاً ..
دعوه وشأنه .. لا تقيدوه بأوهامكم ، هو سندباد يسافر أينما شاء ، ويثمل من أية خمرة شاء ، ويهيم في أية آلهة شاء .. دعوه وماذا تريدون منه وقد كفر بقيد القداسة ، وكفر بكل وصية ، وتبرأ من كل موروثاتكم ، وترككم وأمنياتكم التي تخدعون بها البسطاء .. دعوه فقد ملّ من كل شيء ، يريد حياة الهوى والغزل والأمل ، وطاووس أنثى يداعبه بأشهى القبل !
مَلَلْتُ الدِّمَاءَ مَلَلْتُ الكَيَاسَةْ
وَمِنْ نَهْرِ حَقِّي وَعُهْرِ السِّيَاسَةْ
وَمِنْ كُلِّ قَهْرٍ بِقَيدِ القَدَاسَةْ
أُرِيدُ حَيَاةَ الهَوَى وَالغَزَلْ
أُرِيدُ الأَمَلْ
.............
دَعُونِي فَإِنِّي كَفَرْتُ بِكُلِّ وَصِيَّةْ
..................
فَيَا مَنْ تَعِيشُونَ عَيْشَ الهَبَاءْ
وَتَدْعُونَ مَنْ لا يُجِيبُ الدُّعَاءْ
وَهَذَا التَّخَلُّفُ فِيكُمْ دَلِيلٌ عَلَيكُمْ
فَلا الحُبُّ يُزْهِرُ فِي طِينِ جَهْلٍ
وَلا مِنْجَلُ الصَّمْت ِيَحْصِدُ عُشْبَ الكَلامِ
دَعُونِي وَشَأْنِي
أَنَا السِّنْدِبَادُ أُسَافِرُ فِي الأَزْمِنَةْ
.................
وَطَاوُوسِ أُنْثَى يُدَاعِبُ صَدْرِي بِأَشْهَى القُبَلْ

هكذا يريد شاعر الحداثة ، الانفلات والانخلاع من كل مقدس وفضيلة وخلق ، ليبني لنفسه عالمه الخاص الذي لا يتجاوز في أرقى حالاته إشباع بطن وإيغال في عالم الشهوة والملاهي ، في تطبيع صارخ مع الشيطان ..

وهكذا يريد بأمته ووطنه ، أن تكون مطيّة أفكار مستورة وعقائد ضالة ، لا همّ لها ولا قضية سوى تقليد الغرب والانبهار بمنجزاته المادية والركض وراءه حتى لو كان الهدف سراباً أو جحيماً ..

وها هو الآن يطوي الجريدة ، ويلملم أوراق القصيدة ، وينظر في الصورتين كما بدأ أول مرة ، ليأتي الختام كما الابتداء دون أن يتغير شيء في وعي الحداثي وفي فكره ..

هل نجح الشاعر الأصالي سمير العمري في إيصال الرسالة ؟
بكل تأكيد .. وعلى مستويات ثلاثة ..
الأول في إثبات أن الشاعر الأصالي ليس عاجزاً أن يستوعب الحداثة وأن يفهمها ، نعم .. وليس عاجزاً أن يأتي بمثل ما أتوا بل ويفوقهم إذا أراد ذلك ، لكنه وببساطة ليس مستعداً أن يدخل هذا الغثاء والسخافة والضحالة ، وإنه ليقدر نعمة الوقت والحياة فلا يهدرهما هباءً أو يستخدمها في هدم أمته ودينها وثقافتها وتراثها ..

والثاني في كشف عوار الحداثة وأهدافها الخبيثة في ضرب هوية الأمة ودينها ، وإرجاع الناس إلى الوثنية من جديد تحت مسميات شتى وأساليب متنوعة ..

والثالث في تنبيه الأدباء والكتاب والمثقفين من الانجرار وراء هذا الزيف الخطير والوهم الشرير والسراب الذي يحسبه الظمآن ماء ، وأنه ليس هناك من طريقة إلى النهضة الحقيقية والتجديد الواعي إلا بالرجوع إلى دين الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ..

قصيدة ( نحت وتعرية ) نقد مختلف .. يحتاج إلى وقفات أخرى ..


تقبل أيها العزيز الدكتور سمير العمري
مروري وقراءتي


تحياتي ..

كاملة بدارنه
03-10-2012, 03:27 PM
السّلام عليكم أستاذ بهجت
قراءة رائعة للقصيدة ومعلومات قيّمة عن الحداثيين وشعر الحداثة الذي بات الكثير من الشّعراء يتهافتون عليه، ويغوصون في بحر اللامفهوم من الفكرة والصّورة ليقال عنهم شعراء حداثة، ويعتلون موجة (التّطور الإبداعي).
شكرا لك وبارك الله فيك
تقديري وتحيّتي

ربيحة الرفاعي
03-10-2012, 03:30 PM
هل نجح الشاعر الأصالي سمير العمري في إيصال الرسالة ؟
بكل تأكيد .. وعلى مستويات ثلاثة ..
الأول في إثبات أن الشاعر الأصالي ليس عاجزاً أن يستوعب الحداثة وأن يفهمها ، نعم .. وليس عاجزاً أن يأتي بمثل ما أتوا بل ويفوقهم إذا أراد ذلك ، لكنه وببساطة ليس مستعداً أن يدخل هذا الغثاء والسخافة والضحالة ، وإنه ليقدر نعمة الوقت والحياة فلا يهدرهما هباءً أو يستخدمها في هدم أمته ودينها وثقافتها وتراثها ..

والثاني في كشف عوار الحداثة وأهدافها الخبيثة في ضرب هوية الأمة ودينها ، وإرجاع الناس إلى الوثنية من جديد تحت مسميات شتى وأساليب متنوعة ..

والثالث في تنبيه الأدباء والكتاب والمثقفين من الانجرار وراء هذا الزيف الخطير والوهم الشرير والسراب الذي يحسبه الظمآن ماء ، وأنه ليس هناك من طريقة إلى النهضة الحقيقية والتجديد الواعي إلا بالرجوع إلى دين الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ..



القراءة رائعة علمية متعمقة وواعية
وقد استمتعت بمتابعة تناول مفكرنا الرائع بهجت الرشيد لسطور القصيدة ومراميها واستفدت

ولعلي أضيف للمستويات التي تجلى فيها نجاح الشاعر بتوصيل الرسالة أنه ونظرا لكون الشاعر المبدع لشخصيتي الشاعرين في القصيدة أصاليا، فقد جاءت نشرة الأخبار الشعرية التي كتبها على لسان الشاعر الأصالي، أصالية الرسالة، عميقة، موجهة، من خلال عناوين جاءت في سطور سريعة مكثفة منتقاة الخبر لتعرّي سوءات الأمة وتكشف الحال التي آلت إليها على الصعد السياسية والفكرية والاجتماعية بما تشرّبت من مستورد الفكر والقوالب الغربية الجاهزة التي جاءتنا بها دفعة سابقة من خريجي مدرسة الحداثة هدّت كيان الأمة وخلخلت علاقتها بموروثها، فجعلت منها بيئة تائهة معتلّة مسلوخة عن جذورها يرتع فيها الحداثيون الجدد ويكرسون ضياعها ويستثمرونه.


قراءة بديعة تفتح أبوابا رائعة ربما كانت مدار حوارات تفصيلية فيما وقف عليه مفكرنا الرائع بهجت الرشيد من ملامح رئيسة في القصيدة

شكري لروعة ما قرأت هنا

وتحاياي

نادية بوغرارة
03-10-2012, 04:53 PM
قراءة واعية أبدع فيها صاحب الفكر النير الأستاذ بهجت الرشيد ،

تحية تليق بحجم الألق في عرضك الشائق ،

مع التحية إلى صاحب القصيدة المميزة والرسالة الأديبة الدكتور سمير العمري .

دمتما والواحة بخير .

خليل حلاوجي
03-10-2012, 09:44 PM
السلام عليكم :

1- كم تمنيت أن نبتعد عن شخصنة النقد ، فلانجعل ادونيس ودرويش ضمن سياق شارل بودلير رغم تحفظي على رأي غالي شكري فيه ، ثم ماعلاقة البنيوي ميشل فوكو - وهو فيلسوف له ثقله الفكري - بإصابته بالايدز والشذوذ الجنسي .

شخصياً : أحترم الكلمة من أي وعاء صدرت
وقيمة الكلمة في مضمون ماتفعله

وعندي أن نزار قباني ومحمود درويش .. وآخرون .. أحياناً هم أشد عمقاً وكرامة من سواهم .

فالله الله والنقد الموضوعي .

/

أخي المبدع : الأستاذ بهجت الرشيد.
تقول :
وهنا تتساقط أقنعة الكذب والتزييف والادعاء بأن الأدب ليس إلا للأدب وان الفن للفن ، ولا شيء غير ذلك ، فالأدب حسب زعمهم ليس مرآة عاكسة للحياة وإنما كيان مستقل ، لكن مقارنة حالهم بأدبهم تزيل الغشاوة عن العيون ، فترى كتاباتهم ما هي إلا انعكاس لحالتهم البائسة الغارقة في فوضى العقيدة والفكر والروح ..
فأقول :
هل نسيت أقنعة الشعراء الذين كتبوا طوال عقود كبرى قصائد المديح للطاغوتية العربية ... حيث الأدب في خدمة الزعيم ... فأين هي مرآتنا العاكسة لحياتنا ، وأين هو الكيان الأدبي الغارق في تقزيم القيمة الأدبية

تقول :

نعم .. يتساءل المرء كيف سيكون أدب هؤلاء مرآة لمجتمعهم ولوحة شفافة له ، وقد قلبوا الأدب إلى ثقب صغير ضيق تنبعث منه رائحة فكرهم الفاسد ومزاجهم الثمل وأخيلتهم الفاسقة بعيداً عن هموم وطنهم وتحدياته وصلاحه !
ولذا فها هو شاعرنا الحداثي يقلب جريدته ، ويمر بصور ومشاهد .. قصف ..شهداء .. نار .. حرق .. دماء .. اغتيال .. تخمة ومجاعة ..
ثم لا شيء غير تثائب وتراخٍ ، وما يهمه في الأمر كله ؟ لا شيء .. سوى ما يريد هو ..
مباراة .. نجوى فؤاد .. هيفاء وهبي .. لا بل عيونها ..

فأقول :
إن شاعرنا - العمري - وهو صوت تصحيحي شاع صدق نبضه ... ليقف الآن مذهولاً ، ولكنه ليس الذهول من فواجع الحداثة بل من تناقضات المتلقي الذي ماعاد يستكشف الماكنة الإعلامية التي سرقت العقل الناقد من الفضاء الأدبي اليوم حيث ثقافة الصورة تنافس ثقافة الكلمة .... فتضع لحظتنا الراهنة أمام شاعرنا - العمري - مهام مضاعفة في استنهاض واستنطاق جمهوره ... وقد فعل ذلك فكانت قصيدته صادقة في هذا التوجه ... بعيداً عن لعن الحداثوية ذاتها ... فنحن أخي بهجت نعاني ( القابلية للإستعمار) على حد تعبير مالك بن نبي ، وعندك في الصعيد الأدبي تشوهات الترجمات مثالاً صارخاً لهذه القابلية ..


/

القراءة شدت الوعي عندي وكنت فيها : راصداً يجيد استخدام الأدوات المعرفية ... بصيراً بمراد الشاعر ... مسلطاً الضوء وبكثافة على مفاصل جوهرية في نص القصيدة

أنها قراءة مفصلية ....

مودتي للجميع.

نداء غريب صبري
06-10-2012, 12:00 AM
أوهمونا بأن الاستيراد كان حتمياً فرض علينا ووجب أن نقبله برحابة صدر ضريبة لجمودنا وتخلفنا وإغلاقنا أبواب الاجتهاد والإبداع ، ولكن ـ سؤالاً يلح على الفهم ـ ألم تكن أوروبا أيضاً غارقة في الجهل والجمود والتخلف أكثر مما كنا ؟ فما الذي افترق إذن ؟ ولماذا صاروا مُقلَدين وصرنا مُقَلِدين ؟
والحقيقة أن الفارق الذي حدث بيننا وبين أوربا هو أن الأخيرة عندما بدأت تتخلص من براثن الكنيسة وقبضة السلطة البيوقراطية كانت تخيط لنفسها ثوباً يليق بها ومن مقاسها ، فتحركت صوب أهدافها التي تحقق حاجتها وذاتها ، ثم بدأت تتطور على هذا النسق ..
بينما بدأنا نحن برفض الجمود بلبس الثوب الذي حيك هناك في أوربا وليس عند خياطنا المسلم العربي !
أضرمت أوربا النار فانتقل دخانها ورمادها إلينا خانقاً أجواءنا مضيقاً أنفاسنا مغشياً بصائرنا .
نعم .. هذه هي مشكلة الحداثة في عالمنا العربي .. إنها حداثة نعم ولكنها ليست عربية على أية حال .. لم تنشأ في تربتنا ولم تُسق من مائنا ولا تنشقت هواءنا ..
قراءة اعجبتني دقتها ومهارة كاتبها
وهذا أجمل ما قرأت في تحليل وفهم هذه القصيدة الرائعة
لقد وضعت يدك أخي بهجت على الجرح ، وشرطته بمبضعك كجراح، وبينت جمال الصور - وروعة الكتابة - ومهارة الشاعر في تعرية الحقيقة

أشكرك أخي على قراءة استفدت منها جدا

بوركت

نداء غريب صبري
06-10-2012, 12:05 AM
شخصياً : أحترم الكلمة من أي وعاء صدرت
وقيمة الكلمة في مضمون ماتفعله

وعندي أن نزار قباني ومحمود درويش .. وآخرون .. أحياناً هم أشد عمقاً وكرامة من سواهم .

فالله الله والنقد الموضوعي .


الكلمة لا تخرج من وعاء أخي ... بل اللقمة
فهل تأكل لقمتك من أي وعاء تصدر عنه ولو كان قذرا ؟؟
أنا متأكدة أنك لا تأكلها إلا من وعاء نظيف
والكلمة التي تخرج من فكر وسخ تفعل في امتنا مصائب

أنا تعجبني أحيانا قصائد لنزار قباني، لكني لا أراه أكثر عمقا من أحد فهو برأيي واحترم رايك جدا ليس عميقا على الاطلاق بل هو على سطح الكلام الذي يثير النزوات ويهيج المشاعر الحيوانية، و قصائدة التي ليست كذلك قليلة
ومحمود درويش وأدونيس أسوأ وأسوأ

والموضوعية ان تعترف بسوء السيء ولا نخشى في الله لومة لائم

شكرا أخي

بوركت

بهجت عبدالغني
06-10-2012, 08:11 PM
السّلام عليكم أستاذ بهجت
قراءة رائعة للقصيدة ومعلومات قيّمة عن الحداثيين وشعر الحداثة الذي بات الكثير من الشّعراء يتهافتون عليه، ويغوصون في بحر اللامفهوم من الفكرة والصّورة ليقال عنهم شعراء حداثة، ويعتلون موجة (التّطور الإبداعي).
شكرا لك وبارك الله فيك
تقديري وتحيّتي


الاستاذة الكريمة الأديبة كاملة بدرانه
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أسعدني جداً حضورك المشرق
وقراءتك ورأيك

بارك الله فيك وأعلى قدرك

طلب :
بعد كلام سعيد السريحي ، توجد كلمة ( ويقول ) وهي زائدة ، فأرجو أن تمسحيها ..


لك مني خالص دعائي وتحياتي ..

بهجت عبدالغني
06-10-2012, 08:17 PM
أستاذتي العزيزة ربيحة الرفاعي
شكري وتحياتي القلبية لك على دعمك وتشجيعك لي
فبارك الله فيك وجزاك خيراً

كما أشكر إضافتك المبدعة التي أثرت الموضوع ، وأثار نقطة جوهرية في أصل القضية ..

لك مني خالص الدعاء

وتحياتي ..

بهجت عبدالغني
06-10-2012, 08:22 PM
قراءة واعية أبدع فيها صاحب الفكر النير الأستاذ بهجت الرشيد ،

تحية تليق بحجم الألق في عرضك الشائق ،

مع التحية إلى صاحب القصيدة المميزة والرسالة الأديبة الدكتور سمير العمري .

دمتما والواحة بخير .


أن تستحسن شاعرة أصالية كبيرة ما كتبت ، فذاك إذن شهادة فخر أضعها تاجاً على رأسي

أستاذتي العزيزة نادية بوغرارة
ولك مني خالص تحاياي وتقديري
لمرورك العطر وقراءتك لنصي


دمت بخير وعافية ..

بهجت عبدالغني
19-10-2012, 07:19 PM
أخي الحبيب خليل ..

أنا مثلك لا يعجبني شخصنة النقد ، لكن المشكلة التي نعانيها اليوم هي إضفاء هالة من القدسية حول من انتجوا لنا هذا الغثاء المعرفي والثقافي !
وكذلك ادعاء أصحاب الحداثة الأدبية فصل الأدب عن الخارج ، والتركيز على النص ، لكن وبمقارنة إنتاجهم بحياتهم يرى المرء عكس ما ادعوه تماماً ، فالأدب عندهم ليس للأدب والفن ليس للفن ، بل هو انعكاس صارخ لمزاجهم الملوث وحياتهم المعكوسة ، ومرآة تعكس عقيدتهم وفكرهم ..
فوجب التحذير من هؤلاء لأن ما يدعوه ليس ما يضمروه في الحقيقة !

أما أدب القصور الذي يدور في فلك الملك والحاكم ويسبح بحمده ، فذلك أزمة أخرى ، وأضف إليها أزمة تدخل المال والإعلام الذي شوه صورة الأدب وحوله إلى سلعة في بورصة أو صورة براقة بتقنية ( HD ) ..



فأقول :
إن شاعرنا - العمري - وهو صوت تصحيحي شاع صدق نبضه ... ليقف الآن مذهولاً ، ولكنه ليس الذهول من فواجع الحداثة بل من تناقضات المتلقي الذي ماعاد يستكشف الماكنة الإعلامية التي سرقت العقل الناقد من الفضاء الأدبي اليوم حيث ثقافة الصورة تنافس ثقافة الكلمة .... فتضع لحظتنا الراهنة أمام شاعرنا - العمري - مهام مضاعفة في استنهاض واستنطاق جمهوره ... وقد فعل ذلك فكانت قصيدته صادقة في هذا التوجه ... بعيداً عن لعن الحداثوية ذاتها ... فنحن أخي بهجت نعاني ( القابلية للإستعمار) على حد تعبير مالك بن نبي ، وعندك في الصعيد الأدبي تشوهات الترجمات مثالاً صارخاً لهذه القابلية ..


نعم أستاذي الكريم .. قابلية المتلقي على الذوبان في كل شيء قادم من الخارج دون التأكد من صلاحيته إشكالية خطيرة تواجه المشهد الفكري والثقافي ، والذي يحمل القلم الأصالي يواجه في آنٍ غزواً خارجياً وجهلاً داخلياً ..
وأما تشوهات الترجمة فتلك لعمري تحتاج إلى دراسات ودراسات ..


أشكر لك حضورك العطر
ووضعك علامات أخرى على الطريق



دمت بخير


وتحياتي ..

بهجت عبدالغني
19-10-2012, 07:24 PM
الأخت الكريمة الأستاذة نداء غريب صبري

يسعدني ويشرفني قراءتك الفاعلة وحضورك
وأشكرك

حفظك المولى ورعاك
ودمت بخير وعافية


تحياتي ..

براءة الجودي
23-10-2012, 03:32 PM
أستاذ بهجت ..
وإني لمن المتابعين لك في قراءاتك لنصوص الأستاذ العمري
جزاك الله خيرا على شرحك ووقفاتك
فنحن نحتاج إلى ذلك خصوصا مع نصوص الكبار
لاحرمكما الله جنة الفردوس الأعلى
في حفظ الله

بهجت عبدالغني
06-11-2012, 06:52 PM
شاعرتنا الكريمة براءة الجودي
سعيد بمشاركتك معنا
وحضورك الجميل
بارك الله فيك ووفقك لكل خير


دعائي وتحياتي ..

د. سمير العمري
24-11-2012, 05:35 PM
الحبيب بهجت:

حين تلبس عباءة النقد تبدو أكثر وسامة وأعمق فكرا وأنت تنقب في أعماق المعاني لتستخرج منه الدرر والجواهر.

أعلم أن أي قول لي هنا سيكون مجروحا كوني صاحب النص وكذلك لما لك من مكانة كبيرة في قلبي ولذا أسوق الصمت لغة ثناء وامتنان على هذا التألق الأدبي الفكري.

دام دفعك أيها المبدع!

ودنت بخير وعافية!

تحياتي

خليل حلاوجي
01-12-2012, 07:51 PM
أنا تعجبني أحيانا قصائد لنزار قباني، لكني لا أراه أكثر عمقا من أحد فهو برأيي واحترم رايك جدا ليس عميقا على الاطلاق بل هو على سطح الكلام الذي يثير النزوات ويهيج المشاعر الحيوانية، وقصائدة التي ليست كذلك قليلة
ومحمود درويش وأدونيس أسوأ وأسوأ
والموضوعية ان تعترف بسوء السيء ولا نخشى في الله لومة لائم




أحترم وجهة نظرك ... الصادرة من زاويتك الشخصية ، ولكل زاويته ، ولكل قبلة هو موليها .
عيسى عند اليهود : كذاب ، وعند النصارى إله ، وعندنا : كلمة الله
فشتان :

أشكر حضورك أختي الكريمة:
جزيت جنان الرحمن .

بهجت عبدالغني
10-12-2012, 05:24 PM
الحبيب بهجت:
حين تلبس عباءة النقد تبدو أكثر وسامة وأعمق فكرا وأنت تنقب في أعماق المعاني لتستخرج منه الدرر والجواهر.
أعلم أن أي قول لي هنا سيكون مجروحا كوني صاحب النص وكذلك لما لك من مكانة كبيرة في قلبي ولذا أسوق الصمت لغة ثناء وامتنان على هذا التألق الأدبي الفكري.

دام دفعك أيها المبدع!
ودمت بخير وعافية!

تحياتي


أشرقت الصفحة بإطلالتك أستاذي
وما تلك الوسامة وذلك الفكر إلا قبس من فكركم العميق وأصالة أدبكم وتميز طرحكم ..
فاقبلني عندك تلميذاً يتعلم من إبداع قلمكم وسمو فكركم

حفظك المولى وأعزك

دعائي وتحياتي ..