تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حدث و يحدث في الشتات



بنت عكا
20-02-2003, 03:55 AM
اسمه أحمد و كنيته أبو محي الدين ، يقول إن عمره ثمانية و تسعون عاماً ، و يقول أقاربه أنه أصغر من ذلك .
لا يذكر شيئاً حتى عمره . فعل مرض "الزهايمر" فعله فيه .. نسي كل شيء ، و لكنه لم يفقد الأمل و لم يفقد الحقيقة .
تقول زوجته إنه لو رآها في الطريق لا يعرفها، هو فقط يعرف أنها زوجته لأنها تشاركه البيت الذي يعدّ فيه أيامه .
يتكلم.. يأكل.. ينام.. يقوم.. يمشي، و لكنه لا يتذكر. كل ما يتذكره هو أنه كلما كلم زوجته يقول لها : {يللا يا مرى قومي نروّح عَ البلد}.
نسي كل أيام الشتات و تذكر البلد {قريته في فلسطين}، تلك التي تركها باتجاه لبنان في ليلة ليلاء، في 19/11/1948، بعد انسحاب {جحافل!} الجيوش العربية.
هذا الرجل نسي كل شيء ، تذكر شيئاً واحداً – و هو في منزله في مدينة صيدا في جنوب لبنان – تذكر أنه يجب أن يعود ولا بد أن يعود، و بسرعة الضيف الذي أحس أنه أطال الجلوس و أثقل الزيارة، و أنه يجب أن يعود إلى بيته ليرتاح .
و من الطريف أن هذا الرجل التسعيني لا يدرك – عقلاً – لماذا يعتمر الحطة و العقال، و لا يحس بها و هي على رأسه، و لكنه يفتقدها حين يخلعها، و يسأل عنها، كأنها مزروعة على رأسه زرعاً .
هذه الحطة و العقال كفلسطين، قد لا يدرك عقل أحدنا و تحليلاته إمكانيات و أشكال و سبل العيش في فلسطين، و قد يقطع الأمل قلبه بأن يعود حياً إليها، لكنه في كلتا الحالتين يدرك أنها ليست بعيدة عنه و ليست مزروعة في عقله و قلبه فحسب، بل مزروعة فيه زرعاً .
و الفلسطيني بات لا يحتاج أن يبذل جهداً عقلياً أو قلبياً لفلسطين، فهي مزروعة فيه بالفطرة لا تحييها ولادة ثورة و أن كانت تنعشها، و لا يقتلها موت الثورة أو سقوطها في "الزهايمر" كما حصل مع صاحبنا .
و إن كان "الزهايمر" استطاع أن يقضي على ذاكرة هذا الرجل فإنه لم و لن يستطيع أن ينال مما زرع فيه.. فلسطين .
فلا تقتصر فلسطين على ذاكرة هذا الرجل الذي هو واحد من ملايين الفلسطينيين في الشتات، ففلسطين باتت هي الذاكرة الجماعية المتجذرة في تراب قلوب اللاجئين و المتسامية إلى فضاءات آفاقهم و عقولهم .
و تنسحب ظروف هذه القصة على الأدباء و الشعراء و الفنانين الفلسطينيين، فإذا عاينّا إنتاجهم {غير الوطني الثوري} لوجدنا أن فلسطين تسكن أو تنزرع في قصائدهم و موضوعاتهم و تجاربهم و حياتهم و صحوهم و نومهم.. و لرأينا في كل أغراض الشعر طيف فلسطين.

منقول من مجلة فلسـطين المسـلمة

و قد نقلت هذا الموضوع لأن حال هذا الرجل يشبه إلى حد كبير حال جدتي رحمها الله التي بلغت من العمر 95 عام ، فلم تعد تذكر من واقعها شيء ، نسيت أحفادها و أبناءها لكنها لم تنسى فلسطين و أيامها فيها ، و عادت بها الذكريات إلى بلدتها الحبيبة و أصدقاءها في تلك المرحلة .

د. سمير العمري
20-02-2003, 08:48 PM
لله أنت يا بنت عكا بروايتك هذه إذ أجريت دمعي حاراً مدراراً ....

كم هو عظيم أن ينتصر فينا الانتماء حتى على المرض والغربة ...

رحم الله الرجل ورحم جدتك ورحم الوطن بأمثالهم ممن استوطنتهم فلسطين ولم يستوطنوها ...

أشعر بأنني سأسجل هذا الموقف شعراً .....

تحياتي وامتناني

روح
09-04-2003, 10:32 PM
بنت عكا
++++

كم من القصص في الشتات مؤلمة

وكم هناك من اجدادنا من فعلا كما ذكرتي نسي كل شيء الا ذكريات فلسطين

تجدينهم يتخبطون في كثير من الاحاديث الا فلسطين لا ينسونها فسبحان الله

اشكرك يا ابنة عكا على ما كتبت ونقلت لنا.

عظيم امتناني لهذا الموضوع المهم.