تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : استبدال



د. سمير العمري
18-10-2012, 12:20 PM
لم يعرفْ كيفَ خرجَ منَ السوقِ ينتَهِبُ الخُطواتِ نَهبًا مُتلفِّتًا ورَاءَهُ بَينَ الفَينةِ والفينةِ في جَزَعٍ كَبيرٍ. شَعرَ بِأنَّ عَرَبتَهُ المُزيَّنة َهَذهِ تَتَآمرُ عَليهِ بِثِقَلهَا الذِي يكادُ يَقطعُ أنفَاسَهُ ، وَبِصريرِ عَجَلاتِهَا الذي يَكادُ يَشِي بِهِ ، وَلِلمرَّةِ الأولى شَعرَ بِمَقتِهِ لَهَا فَتوقَّفَ عن دَفعِهَا وَجَمَعَ مَا عَليهَا منْ مُجوهراتٍ في صُرَّةٍ، ثُمَّ مدَّ يدَهُ إلى تلكَ يُخْرجُهَا من مَخبَئِهَا يَلفُّهَا بِثوبِهِ وَيحملُهَا بينَ يديهِ بِحِرصٍ وَعِشقٍ قَبلَ أنْ ينطلقَ رَاكِضًا لا يلوِي عَلى شَيءٍ. أَغلقَ بابَ غُرفَتِهِ المُتهالِكَةِ وَتهاوَى بِهَا إِلى أَرِيكتهِ القَديمةِ يُجاهدُ أَنفَاسَهُ المُتلاحقَةَ، يَنْظُرُ إِليهَا تَارَةً يَكادُ يَلتَهمُهَا، وَإِلى البَابِ أُخرى خَائفًا يترَقَّبُ.

أَخرجتْ اعْتِمَادٌ صُندوقَ المُجوهراتِ المُزَركشِ الذِي وَرِثتهُ عن جَدَّتِها الثَّريَّةِ تبحثُ فيه عمَّا تَتَزيَّنُ بهِ في حَفلةِ عِيدِ مِيلادِهَا الذي اعتَادتْ أنْ تُقيمَهُ بَاذخًا وَتدعُو إليهِ الكثيرَ ممَّنْ يُشبِعوَن لَهَا شَهِيَّتَهَا لِلمَديحِ. صَاحتْ تُنادي الخَادمَةَ دونَ أنْ تلتفتَ عن المرآةِ تَسألُهَا عن رَأيِهَا في القِلادَةِ وَهِيَ تَتَحَسَّسهَا عَلى جِيدِهَا بِبَعضِ امتعاضٍ. أدركتِ الخادمَةُ الماكِرةُ بِخُبْثِهًا المَوقِفَ فأَسمعتْ سَيدتَهَا مَا كَانتْ تُريدُ، ثُمَّ اقترَحتْ أَنْ تَخرجَ بِصُحبتِهَا إلى السوقِ فَتَسْتَبدِلَ بِهَا قِلادةً حَدِيثةً تَلِيقُ بِهَا وتُناسبُ عصرَهَا وَتُبعدُ عنهَا هذا الشُّعورَ بِالتَّبعِيَّةِ وَالاخْتِنَاقِ.

هدَأَتْ أنفاسُهُ قليلا وَشعرَ ببعضِ اطمئنانٍ فَمَدَّ يَدَهُ الوَاجفةِ نَحْوهَا لا يَكادُ يُصَدِّقُ أَنَّهَا هُنا أَمامَهُ ينظُرُ إليهَا. كَانَ جَمالُهَا أَخَّاذًا وَبريقُها يَسْحرُ الألبابَ. تَأَمَّلَ بِشغَفٍ كُلَّ تلكَ النفَائِسِ التِي تَزِيدُ ألقَ جُرْمِهَا الصَّقيلِ بَهَاءً وَهَيبةً. كانتْ من أجملِ مَا رأَى في حياتِهِ وَأثمنِ مَا مَلكتْ يدَاهُ، فَابتَسمَ لهَا أخيرًا وهوَ يتمنَّى في سرِّهِ أنْ تكونَ لهُ دونَ مُنازعٍ فَتُغيِّرَ حَيَاتَهُ كُلَّها ، وَتمسحُ عن كاهلِهِ كلَّ عَناءٍ عَاشهُ مُنذُ وَلَدتُهُ أُمُّهُ.

لمْ تُحِب اعتمَاد يومًا جدَّتَهَا إِذْ رَأتهَا دَومًا مُتسَلِّطَةً لا تُراعِي اختِلافَ عَصْرِهَا وَلا اعترافَ عُذرِهَا. كَانتْ تَمقتُ صَرَامتَهَا وَجِدِّيتهَا في أنْ تُنْشِئَهَا نَشْأةً مُحافظةً على التقاليدِ وَالقيَمِ، فَتَكونَ امتدادًا طَبيعيًا لِلسلالَةِ وَلِلحَضَارَةِ التِي قَامتْ عَليهَا. وكَمْ كَانَ يُزعجُهَا انتقادُ جدَّتِهَا لِسطْحِيَّتِهَا وَعُزُوفِهَا عن كلِّ ما يُمثِّلُ قِيمةً أو مَا يحتاجُ جُهدًا. وَلَمْ تَجِدْ فِي نَفسهَا يَومًا قَبولا لِنُصحهَا القَاسِي حِينمَا كَانتْ تَنْهرُهَا كُلمَّا آثَرتْ المَدحَ عَلى الحَمْدِ وَالهَزْلَ عَلى الجدِّ بِأنَّ قيمةَ الإِنسانِ في مُحتوَى ذَاتِهِ لا في كَثيرِ مَالهِ أو عظِيمِ سطوَتِهِ أو رَخيصِ مَدحٍ يكيلُهُ مُغرضٌ أو مُخاتِلٌ.
لمْ يكنْ أصعبُ على نفسِهَا من قرارِ جَدَّتِها تسريحَ الخادمَةِ التي ارتاحت لها بعد أن رَأتْ أَنَّهَا تُغوِيهَا بِالمَدحِ وَتُخَذِّلُها عَن كُلِّ نُصحٍ. ولمْ تجدْ مخرجَا لهَا ممَّا هيَ فيهِ سُوى أنْ تَتَمنَّى لِجدَّتِها المَوتَ عَاجِلا غَيرَ آجلٍ. وَمَاتتِ الجَدَّةُ، فَكَانَ أولَ مَا فعلتهُ اعتمادُ هُو أنْ أَعادَتِ الخَادمَةَ الأَثيرَةَ، ثُمَّ مَا لَبثتْ إِلا وقَدِ استَجابَتْ لِمُقترحِهِا؛ فَبَاعتِ القَصرَ الجَميلِ القائِمِ عَلَى قِمَّةِ التَّلةِ المُشْرفَةِ عَلَى المَدِينةِ لأَحَدِ الغُرَبَاءِ والذِي حَوَّلهُ بِدَورِه لِمتحفٍ لِمقْتَنياتٍ دَخِيلةٍ؛ لِتنفِقَ المَالَ عَلى تَقَلُبِهَا المُستَمرِّ أَسفلَ الوادِي بَينَ الفَنَادِقِ وَالشَّاليهَاتِ وَعَلى حَفلاتِ الأُنسِ الصَّاخِبةِ.

لمْ تَشعرِ اعتمَادُ وَهيَ تَدخلُ السوقَ الذِي قَادَتهَا إِليهِ الخَادِمةُ بِالاخْتِناقِ الذي كانتْ تشعرُ به كلمَّا دخَلتْ ذلكَ المَعرضَ الفَاخِرَ الذِي اعتَادَت أنْ تَصْحبَهَا إليهِ جَدَّتُها. كَانتْ تشعرُ هناكَ بِالتِّيهِ وَبِالضِّيقِ من تِلكُمُ الهُدُوءِ الرَّصِينِ وَالتعَامُلِ المَهيبِ وَالتناولِ الدقيقِ لكلِّ مَا يُعْرضُ فيهِ. كَانَ كُلُّ شَيءٍ هُناكَ لا يَروقُ لَهَا خُصُوصًا تلكَ الانتِقَاداتِ التي كانتْ تَسمَعُهَا كُلمَّا اختَارتْ ثَوبًا تُحِبُّ أَو حِليةً تُؤثِرُ.

أمْسكَ بالقِلادَةِ يُقلبُّهَا بينَ يديِهِ وَقَدْ أَذْهَلَتهُ بِثِقَلِها وَدِقَّةِ صُنْعِهَا. كَانتْ مِنَ الذَّهَبِ الخَالصِ زَيَّنتهَا فُصُوصٌ من عَقِيقٍ وَزُمُرَّدْ تَتَوَسَّطُهَا مَاسَةٌ كَبيرةٍ بِنَقشٍ فَريدٍ. لمْ يكُنْ لِيُصدِّق مَا يسمعُ مِن عَرْضِ اعتِمَادٍ - أَو مُودِي كَمَا تُحِبُّ أنْ تُنادَى - أَنْ تَستَبدِلَ بِهَا بَعضِ قَلائِدَ ممَّا يَعرضُهَا عَلَى عَربَتِهِ. هَزَّ رَأسَهُ بِالمُوافقةِ كَالأبلهِ بَينَا هِي تَنتَقِي مِن بينِ تلكَ المَصُوغَاتِ الصِّينِيَّةِ من سَبَائِك ذَهَبٍ رديءٍ قَد زَيَّنتهَا قِطَعٌ مِنْ لُؤلُؤٍ مُصنَّعٍ ومزخْرفٍ بِألوانٍ بَرَّاقَةٍ. شَدَّهَا اخْتلافُ الشَّكْلِ وَبَريقُ القِشْرَةِ ، وَسَرَّهَا كَثيرًا أَنْ تَسمعَ منهُ بِأَنَّها مَنْ يُزيِّنُ الحُلِيَّ لا العَكْسِ، وَأنَّ جَمَالهَا كَبيرٌ وَذَوقَهَا رَاقٍ. وَبَينَ دَهْشتِهَا وَدَهشتِهِ قَدَّمَ لهَا قِرْطًا وَسِوَارَينِ كَهديَّةٍ إِضَافيَّةٍ قَبلَ أنْ ينطلقَ بِعَربَتِهِ فِرَارًا بِمَا غَنِمَ وَتنطَلقَ هِيَ خَلْفَ خَادِمَتِهَا سَعِيدَةً غَانِمَةً إلى حيث اخْتَارتْ أَنْ تَكُونَ.

محمد مشعل الكَريشي
18-10-2012, 12:53 PM
قصة جميلة استمتعت بقراءتها وقد أعجبني تداخل المشهدين مع بعضهما حتى النهاية التي التي تفرعتْ منها بداية القصة ومشاهدها اللاحقة...
دمت بخير وود استاذنا الدكتور سمير العمري ...

نادية بوغرارة
18-10-2012, 02:36 PM
للزيف بريق يعمي البصيرة أحيانا ، فلا يشعر المرء بأنه استبدل الذي هو أدنى بالخير هو خير ،

فيكون الاستبدال منحة لطرف ومحنة لطرف آخر .

هنيئا للقلادة بمالك جديد يعرف أصالتها ويدرك قيمتها وأثرها في حياة من يمتلكها .

ترى ، لو لم يكن دور الخادمة الخبيث ، هل كانت اعتماد ستحافظ على إرث جدّتها ؟؟

قصة جميلة هادفة عميقة الدلالة بالغة الأثر ، فيها استرجاع للكثير، منه المؤلم ، المؤسف والمنسي.

تألقت في النص - كما عودتنا - فكرة، إبداعا ، رسالة وفكرا .

الدكتور سمير العمري ،

دمت و الواحة .

آمال المصري
18-10-2012, 03:25 PM
ليس كل مايلمع ذهبا ربما كلما اشتد البريق ارتفعت درجة الزيف
ككثير من الخلائق من البشر
قلادة كان نصك سيدي
وللتثبيت استحقاقا ولي عودة أكيدة بقراءة أكثر عمقا
دمت والواحة بالخير
تحاياي

عماد أمين
18-10-2012, 03:49 PM
إذن حُقَّ له أن ينتهب الخطوات نهبا وأن يلتفت في جزع وأن لا يعطي قيمة لتلك العربة.
بل حق له أن يمقتها وهي تحمل ما تحمل من زيف.
أما هي فقد أعماها الطمع وبهرجة المُزَيَّف على ما في يدها الذي لا يقدر بثمن ولا يباع ولا يشترى خاصة وهو ارث من كان قبلها.
تمنيتُ أن تسهب قليلا بعد أمنيتها أن تموت جدتها ..لأن عبارة "وماتت الجدة" جاءت بسرعة وقد اختزلت زمنا ومواقف يمكن التطرق إليهما.
.........
بما أن كاتب القصة "سمير العمري" فيَحِقُّ لي أن أُسقط القصة وأحداثها وشخصياتها على "القضية الفلسطينية " والقدس تحديدا.
بحيث يريد أن يتنازل عليها -مالكها- والذي يرمز له هنا -بالأنثى - وليس حتى بالذكر كي لا تكون فيه ولو تلميحا للرجولة (وكذلك خادمتها التي توسوس لها بذلك)...يتنازل عنها بزيف يراه من بهرجته أنه غالي الثمن وأنه رمز الحضارة والتقدم بينما يراها ناهبها أنها أغلى عنده من كل ما كان يملك من قبل .
ولكن هيهات لم تنته القضية بعدُ كما القصة تماما. .

قصة بديعة وهادفة بأسلوب جميل محبب
كصاحبها

محبتي وتقديري

بهجت عبدالغني
18-10-2012, 04:02 PM
لا أدري .. قفزت الى ذهني قصة ( الحلية ) للأديب الفرنسي غي دو موباسان وأنا اقرأ هنا ..
ربما هو الانبهار بالبريق الكاذب ، والركض وراء الأشكال دون النظر الى ما وراءها ..

أستاذي الحبيب الدكتور سمير العمري
سلم اليراع الذي الذي أنت صاحبه

دمت بخير وعافية



تحياتي ..

ربيحة الرفاعي
18-10-2012, 04:14 PM
قصة جديدة بشكل مختلف وقالب قصي مبتكر اعتمد التنقل المشهدي بين شخصيتين رئيستين، يحكي ما سبق الحدث الذي جمعهما ليشكل محور القصة وموضوعها الأساس، برمزية ذكية كانت القلادة النفيسة فيها دلالة على كل متروك عظيم والحلي المصنعة من رديء الذهب دلاله على ما يتعلق به الغاوون الباحثون عن زائف الزخرف، والجدة تعبيرا عن السلطة الأصولية القوية الممقوته من قبل الراغبين بمد فروعهم للخارج يتلقفون ما يزركش -ليعميهم- بفاقع الألوان من فكر وثقافة مضيّعة، في صورة بديعة لمزاعم الحداثة وما تعنيه في واقعها من تمرد على الأصالة والجذور.

من هنا قرأنا في الفتاة فئة الشباب المتطلع بكل ما فيه للارتماء في أحضان الغرب فكرا وثقافة بتبعية وانصهار حتى وإن يكن في حقيقتة دون نسيل ريش طاووس تاريخه وحضارته المغيبة وراء مدخلات الفكر المستورد، فكان ان ضيّع الدين وفلسطين وتضعضعت البنية القيمية للأمة
وقرأنا القصر قدسا ضاعت والقلادة النفيسة وطنا ضيّع واستبدل لتحل مكان أرض شتات للاجئ المهجّر والمغترب المهاجر والغريب في وطنه وعلى أرضه، وحضارة بيعت بمدنية لا أساس له ولا دعائم تقوم عليها ، ولغة يحاولون النخر في جذعها بكل شائه مختلق.
وقرأنا في حفنة المجوهرات الرخيصة التي بها استبدلت قلادتها كل ما يقتحم عالمنا من مستورد يزيدنا تيها ويحرمنا فرصة الاتصال بجذورنا لبناء أمتنا وحضارتنا من جديد.

قصة قرأت فيها الكثير وحلقت معها في فضاء إسقاطات تنوعت وكلها جميل

شكرا لقراءة ماتعة محفوفة بالنفع والعمق نعيشها في نصوصك

ودمت بألق أميرنا

تحاياي

ربيحة الرفاعي
18-10-2012, 04:19 PM
هل من يلومني إن قلت :

ولعلي قرأت فيها أيضا واحتنا الحبيبة ومن يستبدلون بصدقها ونبلها وعراقتها التيه والضياع في صحارى الانترنت بحثا عن انتشار بلا معنى


دمتم أهل الواحة بكل الألق

كريمة سعيد
18-10-2012, 06:20 PM
ما أكثر من يلهث خلف القشور ويترك اللب
قصة هادفة تحمل تأويلات متعددة لسياقات مختلفة
تقديري

د. سمير العمري
18-10-2012, 08:09 PM
قصة جميلة استمتعت بقراءتها وقد أعجبني تداخل المشهدين مع بعضهما حتى النهاية التي التي تفرعتْ منها بداية القصة ومشاهدها اللاحقة...
دمت بخير وود استاذنا الدكتور سمير العمري ...

نعم أردت بهذا أسلوبا سرديا جديدا في نصوصي القصصية القليلة على الأقل.

أشكر لك مرورك الكريم ورأيك السليم!

دام دفعك!

ودمت بخير وعافية!

وأهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.


تحياتي

كاملة بدارنه
19-10-2012, 08:35 AM
قصّة بدأت بحركة الشّخصية المعروضة، مُرفقة بخوف وحرص لدرجة الفزع. فالحركة جسمانيّة ونفسيّة قلقة. التّلفّت هو القلق الجسدي والجزع هو النّفسي. والعربة هي الحياة ودورة الزّمن، فحركتها تمثّل المسيرة الحياتيّة الصّعبة والثّقيلة غير المرضية... فالرّجل قد تعب بسبب حياته وما تبعها من (صرير العجلات) وشعر بالمقت لحياته للمرّة الأولى، وفضّل الاحتفاظ بالقليل الذي يهمّه وهو (المجوهرات) المزيّنة للعربة...
ترك العربة والعالم الواسع المفتوح المرتبط بها، وهَمّ عائدا إلى بيته المتهالك.. المكان الضّيق المغلق، وكأنّه يبغي الإغلاق على نفسه، لكنّ حركته الجسديّة بالتّلفّت ووجيب قلبه وحرصه على ما يحتضنه، كلّ ذلك يوحي بأنّ هناك أمرا ما. وتنتهي الفقرة بحركة الشّخصيّة من البرّاني إلى الجوّانيّ .
بالمقابل هناك شخصيّة أخرى أنثويّة (اعتماد) تظهر في الفقرة الثّانية، وحركتها مغايرة لشخصيّة الرّجل ( الشخصيّة بلا اسم). لقد أخرجت صندوق المجوهرات المزركش والذي يشير إلى زركشة حياتها الموروثة عن الجدّة . وهدفها إخراج زينة تتزيّن بها في حفلة عيد ميلادها التي اعتادتها باذخة... تنادي خادمتها المتّسمة بالخبث فتشير عليها بتغيير القلادة القديمة بأخرى جديدة. ومن خلال الأحداث نرى الحركة عكسيّة من الجوّاني إلى البرّاني.
تُظهر الفقرتان الثّنائيّة الضدّيّة التي اعتُِمدَت في أسلوب الكتابة: رجل وامرأة، مكان مفتوح (السّوق) ومكان مغلق(البيت) ، حركة ضديّة ، ذكر وأنثى ، وفيما الأنثى تحظى باسم، يظلّ الرّجل منكر الاسم. ولكن اختيار الاسم للأنثى جاء موفّقا هنا - ولاحقا سيظهر الاختيار ساخرا - فهي اعتماد التي تعتمد على الآخرين في حياتها ( إرث الجدّة، ومشورة الخادمة) .
هناك حركة أيضا في أسلوب الكتابة، فالكاتب ينقلنا من مشهد لآخر، وكأنّنا أمام عرض شريط سينمائي لبطل وبطلة يتناوبان الأدوار ، إذ تعود المشاهد للرّجل في الفقرة الثّالثة. فقد بدا أكثر اطمئنانا وهدوءا ممّا ظهر في البداية( هدأت أنفاسه وشعر ببعض اطمئنان). بريق المجوهرات بهره وسحره وأثار ابتسامته. وكأنّا بالشّخصيّة قد بدأت تستقرّ أمورها ويأمل الرّجل أن يكون ما بيديه ملكه وحده كي تستقرّ حياته إلى الأبد بعد المعاناة التي مثّلتها حركة الغربة.
في الفقرة الرّابعة، يعود المشهد لاعتماد متذكّرة جدّتها المتقوقعة داخل آرائها، ولا تجاري تطوّرات العصور، حيث ربّتها تربية محافظة. والمحافظة هنا ذات بعد كبير. فالجدّة تمثّل السّلطة المرفوضة بالنّسبة لاعتماد الوريثة لكلّ ما ما تملك، والمتمرّدة على الموروث وصاحبته. الجدّة هي الحفاظ على الحضارة والهويّة والتّراث، واعتماد لا تريد امتدادا لهذه الجذور. فقد رفضت كلّ ما جاءت به الجدّة. ولكن في الواقع الجدّة كانت حريصة على حماية الحفيدة من الأغراب المفسدين لاستمراريتها حين سرّحت الخادمة. فالخادمة تمثّل السّوسة النّاخرة في عصا الفكر والتّراث التي تتوكّأ عليها الجدّة، وتريد أن تجعلها جذع شجرة يورق، لا أن يأكلها السّوس. تمثّل الخادمة الفكر الاستعماري الذي يقدّم لنا وجباته باسم الخدمة.
موت الجدّة الذي رغبته وتمنّته اعتماد يمثّل التّنازل عن موروث وحكمة الأجداد، مقابل التشبّث ببريق زائف يقدَّم لنا ونظنّه مريحا وذا فائدة. فبعد موت الجدّة باعت اعتماد القصر لغرباء- نسلّم ذواتنا وأرضنا وحضارتنا ذات الرّفعة والعلو(القصر) لغرباء يفعلون بها ما يحلو لهم، ونبقى تحت في الحضيض أسفل الوادي نقضي العمر بتفاهات ولهو بعد الانسلاخ عن الأصل.
دخول السّوق وهو العالم الجديد الذي قادتها له الخادمة (العولمة) لم يشعر اعتماد بالضّيق مثلما كان وهي مع جدّتها في الأماكن التي دخلتاها معا .
ويرجع المشهد للرّجل الذي يقلّب القلادة ويذهل لثقلها ودقّة صنعها ... إنّها قلادة من الذّهب ومزيّنة بالزّمرّد والعقيق وتتوسّطها ألماسة كبيرة، ولم يصدّق ما سمع من البائعة اعتماد أو (مودي) – إشارة أخرى للتّنازل عن الأصل – التي ترغب أن تبدّلها ببعض قلائد معروضة على العربة ...
من هذه النّقطة تتضّح رؤية المتلقّي للأحداث أكثر من ذي قبل، فالرّجل إذ ترك عربته، ليس يأسا أو زهدا إنّما طمعا بحياة فارهة جديدة بعدما حصل على كنز ( القلادة) وعاد مرتبكا يتلفّت، وقلبه يخفق حاضنا كنزا! وصاحبة القلادة تملك بدلا منها مصوغات صينيّة لا قيمة لها...
يعرض لنا الكاتب هنا وضعا خطيرا... التّنازل عن الثّمين والمتمثّل باعتماد التي اختير اسمُها مُظهِرا سخرية، إذ لا يُعتمد عليها في حفظ ما يجب أن يحفظ! فلقد بدّلت الهويّة المشرّفة وتنازلت عمّا يمثّلها ممّا بناه الأجداد أو الجدّات ليورثوه للخلف. ولكن هذا الخلَف ركض خَلْفَ التّفاهة وقدّم النّفيس الذي يملكه للأغراب مقابل الباخس، ورضي بالذّليل الذي تلقّاه بدلا من نفائسه. فبائع العربة المنهك تعبًا، السّاكن في بيت متهالك صار صاحب (القصر)، واعتماد ابنة القصر اختارت حياة السّخف وقلّة القيمة تمشي خلف خادمتها ، حتّى إنّها لا توازي في حياتها مشية من هي أقلّ منها !
اختتمت القصّة بمشهد صاحب العربة سابقا وقد ملك الكثير، بل كلّ شيء لندرك أنّ مبنى القصّة كان استرجاعيّا، حيث بدأ بمشهد الرّجل واختتم به. وكيف لا وهو هنا الأهمّ الذي فاز بالكثير وترك اعتماد تعيش بما قدّمه لها مقابل قلادتها النّفيسة.
قصّة مغرقة في رمزيّها الرّائعة، فالأغراب الذين كانوا سائقي عربات أخذوا منّا لجهلنا بقيمة ما نملك، كلّ مثمر وذي قيمة، وأعطونا بالمقابل ما رخص بل وأغدقوا علينا منه ( قرطا وسوارين كهديّة ) . لقد أعطينا الغالي وأخذنا الرّخيص ، تنازلنا عن حضارتنا وأصلنا لنلحق بما يذلّنا وبالزّيف ونقبع خلف مذلّينا ولا نمشي بموازاتهم .
ظلّت الثّنائيّة الضدّية التي بدأت بها القصّة مسيطرة : غنى وفقر، قصور وشاليهات قرب الوادي، علو ورفعة وقلّة شأن، قلادة نفيسة وقلائد رخيصة، قديم وحديث، مجد وذلّ، دهاء وغباء ، سلطة وخضوع وما إلى ذلك ... وكانت النّتيجة قصّة رائعة المضامين والأساليب والحبك.

بوركت أخي الدّكتور سمير العمري
تقديري وتحيّتي

سامية الحربي
20-10-2012, 01:12 AM
قصة ثرية ماتعة حملت مغازي عديدة و أنا أقرأها قفزت قصة (القلادة) لدي موبسانت في ذهني لكن هنا زيادة في التكثيف و دلالات أكثر جعلت كل حدث يوشي بعبرة ما . تحية وتقدير دكتور سمير العمري دمت بخير .

وليد عارف الرشيد
20-10-2012, 11:31 AM
كأنني جئت متأخرا، وبالتأكيد لا يمكنني أن أضيف الكثير لقراءات الأساتذة والأستاذات لقصة تعج بالجماليات، ابتداء من كم الأفكار التي يمكن استخلاصها والمقولة الرئيسية والأسلوب الأخاذ الماتع وبالتأكيد اللغة الرائعة، وانتهاءً بالمفارقة التي تصنع الحدث بمهارة واقتدار.
ربما رأيت أكثر من غيري الدور الشيطاني البارز للخادمة .. ورأيت الأنا حينما تضخمت عن جهلٍ وافتتان في نفس اعتماد، فأصبحت ترى الأشياء تأخذ قيمتها من شخصها فقط وتلك معضلة كبيرة أسقطت الكثيرين .
بوركت أيها الحبيب الكبير .. لنا موعد مع الألق والأدب الراقي والفكر النبيل عندما نلمح لك نصا أو موضوعا في كل صفحة إبداعٍ متفرد.
محبتي وإعجابي وتقديري على الدوام

د. سمير العمري
20-10-2012, 03:44 PM
للزيف بريق يعمي البصيرة أحيانا ، فلا يشعر المرء بأنه استبدل الذي هو أدنى بالخير هو خير ،

فيكون الاستبدال منحة لطرف ومحنة لطرف آخر .

هنيئا للقلادة بمالك جديد يعرف أصالتها ويدرك قيمتها وأثرها في حياة من يمتلكها .

ترى ، لو لم يكن دور الخادمة الخبيث ، هل كانت اعتماد ستحافظ على إرث جدّتها ؟؟

قصة جميلة هادفة عميقة الدلالة بالغة الأثر ، فيها استرجاع للكثير، منه المؤلم ، المؤسف والمنسي.

تألقت في النص - كما عودتنا - فكرة، إبداعا ، رسالة وفكرا .

الدكتور سمير العمري ،

دمت و الواحة .

أحسنت بإمساكك المفتاح الأساسي للنص فكم من الناس من يوهمه ظنه فيغتر ويستبدل الذي أدنى بالذي هو خير ويندم ولات حين ندم!

ويحق لك التساؤل الذكي هذا ، وسأترك الإجابة للجميع وإن كنت أراه سؤالا تقريريا وليس استفهاميا.

أشكر لك رأيك ومرورك الكريم!

دام دفعك!

ودمت بخير وعافية!

وأهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.


تحياتي

الفرحان بوعزة
20-10-2012, 05:19 PM
الأخ الفاضل والمبدع المتميز .. الدكتور سمير العمري .. تحية طيبة ..
تعتمد قصة / استبدال / على نظرات عابرة للماضي والمستقبل ، فالسارد لخص الأحداث الحاصلة بالفعل ، فحدث الجدة أصبح قطعة من الماضي ، لذلك عمد السارد إلى الاستعراض السريع لفترة قصيرة من ماضيها ، ماض تشخصه الجدة في الحرص على كل التقاليد والقيم التي تربت عليها دون محاولتها الاندماج ومجاراتها تغير الحياة على اعتبارــ في نظرها ــ أن الجديد ما هو إلا زيف وإجهاز على القديم .. بفنية أدبية متميزة لفت السارد انتباهنا إلى شخصياته الرئيسية / صاحب العربة / اعتماد / الخادمة / عن طريق تقديمها في مشاهد قد نتخيلها منفصلة ، لكنها مترابطة دلالياً .. فالسارد يعود بنا إلى الوراء ، ثم يقفز بنا إلى الأمام لكي يقدم لنا ملخصاً مركزاً عن قصة الجدة كخلاصة إرجاعـية بهدف ترسيخ التناقض الحاصل بين ما هو حقيقي ومزيف ..
شخصيات القصة هي شخصيات اجتماعية منتزعة من الواقع الاجتماعي / صاحب العربة أو بائع المجوهرات المزيفة / اعتماد / الخادمة / الجدة /.. فكل شخصية تجد نفسها إزاء خصمها في النص / الفتاة خصم للجدة ، فهي تتمنى موتها ، والجدة خصم للخادمة لأنها تشجع الفتاة اعتماد على التمرد ، وصاحب العربة خصم للمرأة والمجتمع / إنها شخصيات منتظمة على مستوى المسار السردي الذي يحتل وضعاً تراتبياً ، لكنها متناقضة ومتصارعة على مستوى النفس والذات والفكر والمكانة الاجتماعية ..
للنص نكهة أدبية ترتكز أساساً على الإنسانية بكل أشكالها ، حيث أعطى السارد أهمية كبرى للطبائع والنفسيات ،طبائع مختلفة ومتباعدة ، فكل شخصية تتميز بصفات جوهرية تسمها وتميزها ، فكأنها مطبوعة في الذات والنفس مما شكل مساراً وتوجهاً لا يمكن تغييره أو محوه أبداً.. فالجدة محافظة على القيم الموروثة ، من منظورها هي قيم ثابتة ولا يمكن تجاوزها أو القفز عنها .. واعتماد متهورة ومتواكلة ومتباهية وأنانية ، لا تعرف قيمة الشيء الموجود لديها لأنها حصلت عليه بدون تعب ومجهود كبير.. والخادمة انتهازية ومستغلة للحظة ، بل منافقة ومدارية تحافظ على مكانتها داخل الأسرة .. وصاحب العربة محتال كبير ونصاب لا يقيم للضمير والأخلاق وزناً ...
ومما أثار انتباهي في هذه القصة الغنية ، أن السارد عمد إلى ذكر اسم الفتاة المغرورة بنفسها / اعتماد /، والمعتدة بمكانتها الاجتماعية والمادية ،والمعتمدة على غيرها .. دون أن يعطي اسماً للمحتال والجدة والخادمة .. حرصاً منه ــ في نظري ــ على أن هذه الشخصيات المجهولة الاسم هي مثيرة للاهتمام للقارئ أكثر .. وقابلة لتأويل أسماء مشتقة من أفعالها وسلوكاتها .. فكل قارئ يتخيل أن هذه الشخصيات موجودة بالفعل في المجتمع ، مما يتسنى له أن يطابق بينها وبين من يعرفها ويحتك بها في محيطه .. إنه نوع من استدراج فني لللقارئ لكي يضمن الكاتب مقروئية هادفة للنص ، قد يتوخى منها نقل القارئ من رحم النص المتخيل إلى الواقع المعيش مما يضفى على النص ــ بقوة ــ طابعاً واقعياً يتنسم حياته تحت غطاء إنسانية موزعة بين الناس على شكل مراتب ودرجات متناقضة ..
حقيقة أقحمت نفسي في هذا النص الكبير الذي يستدعي دراسة متخصصة ومتابعة لنبش دلالته العميقة ، وما قراءتي ما هي إلا ذاتية وانطباعية ، تنضاف إلى ما قاله إخواني وأخواتي في حق هذا النص الدقيق والمركز .. أتمنى أن أكون قد لامست بعض جوانبه الأدبية المتميزة ..
تقديري واحترامي ..
الفرحان بوعزة ..

براءة الجودي
22-10-2012, 05:51 PM
قدمتُ من معترك الحياة ومصارعة النفس وخرجتُ بخسارة أحسبها أول طريقٍ للنجاح , فولجتُ هنا أطبطب على ظهر جراحي وابحث عمن يواسيها من النصوص علَّها تعود
إلى سابقها بشكل أفضل , فرزقني الله غنيمة غير متوقعة , ومفاجأة عظيمة , نعم فهذه القصة أعادت بسمتي وعزيمتي على محاولة الانتصار غير آبهة بمن اتحدى أجتهد وأمراس الكتابة وفقط وبعدها قد نلحظ خطوة من تطور , أشعرُ أن القصة قُجمت إلي في طبق ذهبي أتذوقها كيف أشاء , واحكم كيفما يريد , حقيقة يادكتورنا لاأعلمُ دوما مانوع السحر في قلمك ؟
يأخذ بالألباب وينير الفكر , أهم مايميز القصة فكرتها أو تناول موضوعها القديم باسلوب وعرض جديدين مدهشين ثم يأتي دور الصياغة واللغة والبلاغة التي لها دور كثير في رسوخ الافكار في الذهن والتصورات العميقة التي تحيي القلوب الجدباء
وأخالُ أني رأيتُ بريقًا أصليًّا تنبعث منه احرفك , فمثلك ن كتب كتب بقلبه قبل قلمه يحمل رسائل هادفة للأمة
معلمنا الفاضل وطبيبنا صاحب القلم الأصيل والعلم الكثير / سمير العمري
إنَّ بني إسرائيل قالوا لموسى عليه السلام نريد فوما وبصلا لاالمن والسلوى فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير
فبئس التفكير السطحي هذا وبئس الطلب ..!
وكثير من الناس اليوم كمثلهم يغرهم كل بريق مزيف وكل لامع يحسبونه ذهبا , غرتهم المظاهر , الأشكال الألوان فابتعدوا عن الجوهر والأصالة والجمال الأساسي
كرجل غره شكل فاتنة فائقة الجمال فلما صاحبها بدا سوءها وحقيقتها النتنة
كوطنٍ استبدله أهله بأوطانٍ زعمت أنها أساس التقدم فتغربوا وتشدوا واقتنعوا بما يردهم من الخارج
كالأمة الإسلامية حينما باعت أمجادها بأزهد الأثمان ودهست عزتها بنفسها وظنت ان الفخر والعيش الرغيد تحت ظلال الغرب الوارفة
ماذكرته في القصة هي قاعدة مهمة نتعامل معها في جميع نواحي الحياة في اختيار صاحب في التعامل مع الغاشين في البيع والشراء في كل شئ يجب على الإنسان عموما والمسلم خاصة أن يحذر وينتبه
ويدرس الأمر ويتاكد قبل ان يكون إمعة يصدق اية مديح ويغتر بأي مظهر كان
هنا ليست فكرة عابرة وقصة عادية إنما درس من دروس الحياة نتعلمها على يديك
فلاحرمك ربي الجنة وجزاك أعالي الجنان
شكرا كثيرا لك

تلميذتك / براءة

د. سمير العمري
22-10-2012, 08:20 PM
ليس كل مايلمع ذهبا ربما كلما اشتد البريق ارتفعت درجة الزيف
ككثير من الخلائق من البشر
قلادة كان نصك سيدي
وللتثبيت استحقاقا ولي عودة أكيدة بقراءة أكثر عمقا
دمت والواحة بالخير
تحاياي

صدقت أيتها الراقية فليس كل ما يلمع ذهبا وليس كل ما يشتهى يفيد!

أشكر لك رأيك الكريم وأقدر عاليا تثبيتك للنص وأهلا بك دوما في أية عودة!

دام دفعك!

ودمت بخير وعافية!


تحياتي

أحمد عيسى
22-10-2012, 11:34 PM
تداخل المشاهد وتقنية المونتاج في قصة العمري (استبدال)

لعل الدارس لفن السينما يعرف بادئ ذي بدء كيف يتم تقطيع المشاهد وتوصيلها ، وبث المفيد منها وحذف الزائد ، والحفاظ على الفكرة العامة للمشاهد ، ويتعلم معها كيف يدمج خطين متوازيين من الأحداث ، بحيث يسير الحدث الأول في اتجاه ، مواز لخط الحدث الثاني فالثالث فالرابع ، لنصل الى نقطة التقاء الخطوط ببعضها ، في لحظة التنوير ، حين نكتشف أن ضابط الشرطة الذي ظهر في المشهد الأول سيقابل ابنة المليونيرالتي ظهرت في المشهد الثاني ليتم اختطافها على يد البلطجي الذي ظهر في المشهد الثالث وتبدأ خيوط القصة في التفكك ، وكلما ازدادت تشابك الخيوط كلما اقتربت الذروة واقتربت معها أكثر كلمة النهاية .
والمونتاج هو العنصر المميز للغة السينمائية ، وقد ارتبط باسم غريفث الذي استخدم اسلوب الانقاذ في آخر لحظة .
ولأن الصورة هي التعبير الأول والأكبر عن الحدث ، بحيث صارت الصورة أكثر قدرة على التعبير عن جملة أحداث ، فاننا نعترف بدور السرد في صناعة المشهد ، ونعترف أيضاً ، أن ما يبنيه السرد في عدة صفحات يعبر عنه مشهد واحد .
يقول الأستاذ : ليث الربيعي :
"أما الحكائي فهو فوق سينمائي ما دام يتضمن المسرح والرواية والسينما والأحداث اليومية، أي أن أنظمة الحكي ظهرت قبل وجود السينما، فالسينمائي إذا خاص، تقني، نتج عن التطور التكنولوجي، أما الحكائي فهو عام، سابق، متعدد، إنساني، حاضر في كل الأزمنة والأمكنة، أي انه عبر تاريخي وعبر ثقافي "
"- مدخل الى تقنيات السينما : محمد زغبي
استبدال العمري كانت واحدة من هذه المشاهد ، المترابطة والمتباعدة في آن ، مترابطة في التصاقهما معاً في ذروة المشهد ، ومتباعدان في خلفياتهما الثقافية والفكرية والبيئية .
المشهد الأول :
"لم يعرفْ كيفَ خرجَ منَ السوقِ ينتَهِبُ الخُطواتِ نَهبًا مُتلفِّتًا ورَاءَهُ بَينَ الفَينةِ والفينةِ في جَزَعٍ كَبيرٍ. شَعرَ بِأنَّ عَرَبتَهُ المُزيَّنة َهَذهِ تَتَآمرُ عَليهِ بِثِقَلهَا الذِي يكادُ يَقطعُ أنفَاسَهُ ، وَبِصريرِ عَجَلاتِهَا الذي يَكادُ يَشِي بِهِ ، وَلِلمرَّةِ الأولى شَعرَ بِمَقتِهِ لَهَا فَتوقَّفَ عن دَفعِهَا وَجَمَعَ مَا عَليهَا منْ مُجوهراتٍ في صُرَّةٍ، ثُمَّ مدَّ يدَهُ إلى تلكَ يُخْرجُهَا من مَخبَئِهَا يَلفُّهَا بِثوبِهِ وَيحملُهَا بينَ يديهِ بِحِرصٍ وَعِشقٍ قَبلَ أنْ ينطلقَ رَاكِضًا لا يلوِي عَلى شَيءٍ. أَغلقَ بابَ غُرفَتِهِ المُتهالِكَةِ وَتهاوَى بِهَا إِلى أَرِيكتهِ القَديمةِ يُجاهدُ أَنفَاسَهُ المُتلاحقَةَ، يَنْظُرُ إِليهَا تَارَةً يَكادُ يَلتَهمُهَا، وَإِلى البَابِ أُخرى خَائفًا يترَقَّبُ."
ولو أردنا الدقة ، لقلنا أنه المشهد الأخير ، أو هو الأول والأخير في آن ، الأول من حيث الترتيب المكاني في القصة\الفيلم والأخير من حيث الترتيب الزماني والحكائي في الحدوتة ،
هنا يستخدم العمري أسلوباً آخر من أساليب السينما ، عندما يستخدم الكاميرا المتجولة traveling
لتتحد عين الراوي مع عين الكاميرا لتنقل لنا مشهداً ما .
لتقريب الصورة أكثر هي كاميرا ثابتة تتحرك على قاعدة ، تنتقل مع البطل \ البائع المتجول ، تدخل معه منزله ، لتصور لنا مشهداً داخلياً ، بعد أن تابعته خارجياً ، وهو يعدو عبر السوق ، ليدخل منزله وينظر الى ما يحمل بين يديه – غنيمته التي فاز بها ، تلك الجوهرة الثمينة التي لم نعرف كنهها في المشهد الأول حين نقرأه لكنا يقيناً سنعرف لو رأيناه .
الآن تنقلنا التقنية الثانية عبر الفلاش باك الى المشهد التالي مكانياً والأسبق زمنياً :
"أَخرجتْ اعْتِمَادٌ صُندوقَ المُجوهراتِ المُزَركشِ الذِي وَرِثتهُ عن جَدَّتِها الثَّريَّةِ تبحثُ فيه عمَّا تَتَزيَّنُ بهِ في حَفلةِ عِيدِ مِيلادِهَا الذي اعتَادتْ أنْ تُقيمَهُ بَاذخًا وَتدعُو إليهِ الكثيرَ ممَّنْ يُشبِعوَن لَهَا شَهِيَّتَهَا لِلمَديحِ. صَاحتْ تُنادي الخَادمَةَ دونَ أنْ تلتفتَ عن المرآةِ تَسألُهَا عن رَأيِهَا في القِلادَةِ وَهِيَ تَتَحَسَّسهَا عَلى جِيدِهَا بِبَعضِ امتعاضٍ. أدركتِ الخادمَةُ الماكِرةُ بِخُبْثِهًا المَوقِفَ فأَسمعتْ سَيدتَهَا مَا كَانتْ تُريدُ، ثُمَّ اقترَحتْ أَنْ تَخرجَ بِصُحبتِهَا إلى السوقِ فَتَسْتَبدِلَ بِهَا قِلادةً حَدِيثةً تَلِيقُ بِهَا وتُناسبُ عصرَهَا وَتُبعدُ عنهَا هذا الشُّعورَ بِالتَّبعِيَّةِ وَالاخْتِنَاقِ."
وكما قادنا المشهد الأول لنتعرف على بائع الخردة المفكك المتردد الخائف الذي يخالجه شعور باللهفة والرغبة ويختلطان مع خوفه وتردده ، دون أن نتعرف مزيداً على كنهه وكنه الكنز الذي يقبض عليه في يديه ، يقودنا المشهد التالي الى حدث هو الأسبق زمنياً ، ليعرفنا على البطل الموازي \ البطلة ، التي تدعى اعتماد
على النقيض من الأول ، اعتماد تملك كل شيء ، صندوق مجوهرات مزركش ، وخادمة ، ورفاهية في العيش ، لكنها تشترك مع الأول في شعور بالضيق والاختناق ، ورغبة في التحرر والتجربة والخروج عن المألوف .
البطل المساعد هنا هو الخادمة ، وجملة تصرفات غير مفهومة من الوهلة الأولى : نفاقها ، نصائحها الغريبة لسيدتها ، وقدرتها العجيبة على التأثير في سيدتها مهما كان اقتراحها غريبا أو مكلفاً .
وباستخدام تقنية المونتاج وتقطيع المشاهد تعود بنا الكاميرا مرة أخرى الى الحدث الأول : البائع المتجول
لنكتشف أن الحدث الأول يسير أمامنا في الوقت الراهن – يدور حالياً ، أما الحدث الثاني –خط سير اعتماد ، فانه يدور في فترة سابقة ، لتلتقي نهايته ، مع بداية الأول .
"هدَأَتْ أنفاسُهُ قليلا وَشعرَ ببعضِ اطمئنانٍ فَمَدَّ يَدَهُ الوَاجفةِ نَحْوهَا لا يَكادُ يُصَدِّقُ أَنَّهَا هُنا أَمامَهُ ينظُرُ إليهَا. كَانَ جَمالُهَا أَخَّاذًا وَبريقُها يَسْحرُ الألبابَ. تَأَمَّلَ بِشغَفٍ كُلَّ تلكَ النفَائِسِ التِي تَزِيدُ ألقَ جُرْمِهَا الصَّقيلِ بَهَاءً وَهَيبةً. كانتْ من أجملِ مَا رأَى في حياتِهِ وَأثمنِ مَا مَلكتْ يدَاهُ، فَابتَسمَ لهَا أخيرًا وهوَ يتمنَّى في سرِّهِ أنْ تكونَ لهُ دونَ مُنازعٍ فَتُغيِّرَ حَيَاتَهُ كُلَّها ، وَتمسحُ عن كاهلِهِ كلَّ عَناءٍ عَاشهُ مُنذُ وَلَدتُهُ أُمُّهُ"
الحدث الأول يستمر ، البائع المتجول الذي حصل على جوهرة ثمينة يضع عليها أحلاماً يتمنى أن تتحقق ، وعناء يتمنى أن يزول معها ، وكرب لازمه طوال حياته يرجو زواله بقدومها .

ويستمر الحدث الثاني ، بترتيب مربك ولكنه محترف ، فهو ورغم أنه جاء في زمن سابق ، الا أن المشهد الذي يليه كان يسبقه مباشرة ، في المشهد الأول لاعتماد كانت جدتها متوفية ، وفي المشهد الثاني لاعتماد كانت تستحضر أيضاً ذكرى جدتها على قيد الحياة ، قسوتها وتسلطها –كما تراها – وهي في حقيقة الأمر لم تكن تدعوها الا لخير وحق ، حين كانت تذكرها أن قيمة الانسان في ذاته لا في ماله أو سطوته .
الجدة تسرح خادمتها ، تتوفى ، فتسارع اعتماد الى اعادة الخادمة – التي تمثل الجانب السيء فيها ، وانغمست في حياة اللذات والضياع ، الى أن جاء اقتراح الخادمة الذي عرفناه في المشهد الأول لاعتماد : أن تستبدل العقد الثمين بحلية رخيصة أخرى !
الآن نقطة التعادل كما نسميها في علم الاقتصاد ، نقطة الالتقاء في لغة السينما ، الذروة في لغة القصة ، حين يلتقي المشهدان ، ويلتقي الخطان ، فتلتقي اعتماد بالبائع المتجول لتعرض حليتها الثمينة وتطلب استبدالها بأخرى أرخص ثمناً بكثير
" أمْسكَ بالقِلادَةِ يُقلبُّهَا بينَ يديِهِ وَقَدْ أَذْهَلَتهُ بِثِقَلِها وَدِقَّةِ صُنْعِهَا. كَانتْ مِنَ الذَّهَبِ الخَالصِ زَيَّنتهَا فُصُوصٌ من عَقِيقٍ وَزُمُرَّدْ تَتَوَسَّطُهَا مَاسَةٌ كَبيرةٍ بِنَقشٍ فَريدٍ. لمْ يكُنْ لِيُصدِّق مَا يسمعُ مِن عَرْضِ اعتِمَادٍ - أَو مُودِي كَمَا تُحِبُّ أنْ تُنادَى – أَنْ تَستَبدِلَ بِهَا بَعضِ قَلائِدَ ممَّا يَعرضُهَا عَلَى عَربَتِهِ. هَزَّ رَأسَهُ بِالمُوافقةِ كَالأبلهِ بَينَا هِي تَنتَقِي مِن بينِ تلكَ المَصُوغَاتِ الصِّينِيَّةِ من سَبَائِك ذَهَبٍ رديءٍ قَد زَيَّنتهَا قِطَعٌ مِنْ لُؤلُؤٍ مُصنَّعٍ ومزخْرفٍ بِألوانٍ بَرَّاقَةٍ. شَدَّهَا اخْتلافُ الشَّكْلِ وَبَريقُ القِشْرَةِ ، وَسَرَّهَا كَثيرًا أَنْ تَسمعَ منهُ بِأَنَّها مَنْ يُزيِّنُ الحُلِيَّ لا العَكْسِ، وَأنَّ جَمَالهَا كَبيرٌ وَذَوقَهَا رَاقٍ. وَبَينَ دَهْشتِهَا وَدَهشتِهِ قَدَّمَ لهَا قِرْطًا وَسِوَارَينِ كَهديَّةٍ إِضَافيَّةٍ قَبلَ أنْ ينطلقَ بِعَربَتِهِ فِرَارًا بِمَا غَنِمَ وَتنطَلقَ هِيَ خَلْفَ خَادِمَتِهَا سَعِيدَةً غَانِمَةً إلى حيث اخْتَارتْ أَنْ تَكُونَ."
هو يقلبها بين يديه مذهولاً من روعتها ودقتها وغلائها ، مصدوماً من عرض السيدة التي تقف أمامه ، أتستبدل الحلية الثمينة التي يمكن لها أن تجعل أحلامه كلها طوع يمينه بقلائد رخيصة بالية ليس لها قيمة تذكر
والنتيجة أنهما انصرفا كل سعيد بما فعل ، هي سعيدة بامتلاكها لتلك القلائد الرخيصة ، حين استجابت دون أن تدري لنصائح جدتها ، فاستبدلت الثمين بالرخيص علها تجد نفسها ، ولو أنها دققت في كلام جدتها واستجابت لنصائحها لعرفت منذ البداية أن السعادة ليست بالرخيص أو الثمين انما بالقيمة التي توجد داخلها ذاتها
أما هو فانصرف أيضاً سعيداً ، ظاناً أن امتلاكه للمال يعني امتلاكه للحياة ، ومن يدري لعله يدرك أخيراً أنه كان أكثر سعادة حين كان أكثر فقراً ، أو لعله يجمع بين الأمرين ، فيمتلك السعادة والمال ، وهو لعمري أمر ليس بالسهل أو اليسير ..
انه الاستبدال ، حين يتم بين قيمتين ، وبين علاقتين متباعدتين ، وحالتين مختلفتين ، هي بقصرها العاجي ، وهو بعربته المتنقلة وفراشه الرث ، استبدلت حياتها بحياته ، تبحث عن سعادته وهو يبحث عن مالها ، ولعلهما لا يجدان ما يبحثان عنه وان حاولا ..

انها لحظة النهاية ، في قصة كتبت بعناية فائقة ، فجمعت بين تقنيات السرد الحديثة ، وبين تقنيات السينما المحترفة ، وحملت من الحكمة عبر سطورها ما حملت ، فالتقدير والعرفان للكاتب لما كتب ، ولو أنه أرهقنا ويرهقنا ، فكل قصة هكذا تحتاج قراءة طويلة متعمقة ، وقصصه لا تقرأ أبداً سيراً على البيض ، والا لكان الكل قرأ وعلق ، لكنه حقل ألغام يجب على من يدخله أن يكون متمرساً ، وأتمنى أن أكون قد دخلت وخرجت دون اصابات تذكر ..

تقديري واحترامي

لمى ناصر
23-10-2012, 07:45 AM
مشاهد من صلب الواقع
وكثير منا من يفقدها
رائع في الأسلوب كاتبنا وأستاذنا
المميز في اقتناص اللحظة
عذيري على قصر الردود.

فاطمه عبد القادر
27-10-2012, 06:27 PM
بِأنَّ قيمةَ الإِنسانِ في مُحتوَى ذَاتِهِ لا في كَثيرِ مَالهِ أو عظِيمِ سُطوتِهِ أو رَخيصِ مَدحٍ يكيلُهُ مُغرضٌ أو مُخاتِلٌ.

السلام عليكم
قصة جميلة جدا ,وهي تتنقل بالقارىء بخفة بين ما يجري هنا وهناك
كان التشويق عاليا ,والحبكة موفقة ورائعة
يظهر أن الجدة رغم كل مولصفاتها التي بدت ممتازة ,قد أطبقت الخناق على الحفيدة ,ولم تترك لها متنفسا ولو القليل .
وظهر لي أن هذة الجدة صارمة فوق العادة ,وتريد أن تجعل من الحفيدة نسخة عنها ,وهذا خطأ فادح سيؤدي للخسارة التامة للجيل الجديد.
والحفيدة المدللة ,والتي لم ينقصها شيء إلا تجارب الحياة نفسها ,,نشأت نشأة فاسدة ,,فعارضت كل شيء,قفط لإثبات هويتها الشخصية التي أحست أنها طُمست بسبب الجدة وتقاليدها , وبدون دراية لما تفعله .
لم تعي الحفيدة أن الإستبدال عمل فائق الخطورة ,وخاسر على كل الأحوال ,فاستبدلت النفيس الغالي بالمزيف والرخيص ,,كأنها تنتقم .
كان من واجبها أن تحتفظ بمجوهراتها الأصلية ,وتعض عليها بالنواجذ لأنها كنز حقيقي .
ولتشتري بعدها ما طاب لها من أي مجوهرات أخرى مزيفة طالما تستطيع أن تتخلص منها وقت تملها ,دون أن يكلفها ذلك شيء .
جزؤ من الخطأ كان من الجدة نفسها ,لا يكفي أن نلقن صغارنا ما يجب عليهم فعله ,بل نترك لهم مجالا للتفكير والحوار ,وفسحة لفعل أمورا بريئة لا تضيرهم
شكرا لك أخي د.سمير
قصة جميلة
ماسة

د. سمير العمري
28-10-2012, 06:54 PM
إذن حُقَّ له أن ينتهب الخطوات نهبا وأن يلتفت في جزع وأن لا يعطي قيمة لتلك العربة.
بل حق له أن يمقتها وهي تحمل ما تحمل من زيف.
أما هي فقد أعماها الطمع وبهرجة المُزَيَّف على ما في يدها الذي لا يقدر بثمن ولا يباع ولا يشترى خاصة وهو ارث من كان قبلها.
تمنيتُ أن تسهب قليلا بعد أمنيتها أن تموت جدتها ..لأن عبارة "وماتت الجدة" جاءت بسرعة وقد اختزلت زمنا ومواقف يمكن التطرق إليهما.
.........
بما أن كاتب القصة "سمير العمري" فيَحِقُّ لي أن أُسقط القصة وأحداثها وشخصياتها على "القضية الفلسطينية " والقدس تحديدا.
بحيث يريد أن يتنازل عليها -مالكها- والذي يرمز له هنا -بالأنثى - وليس حتى بالذكر كي لا تكون فيه ولو تلميحا للرجولة (وكذلك خادمتها التي توسوس لها بذلك)...يتنازل عنها بزيف يراه من بهرجته أنه غالي الثمن وأنه رمز الحضارة والتقدم بينما يراها ناهبها أنها أغلى عنده من كل ما كان يملك من قبل .
ولكن هيهات لم تنته القضية بعدُ كما القصة تماما. .

قصة بديعة وهادفة بأسلوب جميل محبب
كصاحبها

محبتي وتقديري

يا لكم يسعدني أن تمر بقراءتك المميزة على مواضيعي فتكشف فيها جوانب قد تغمض ومعان قد تتعدد!

أحسنت الإسقاط هنا أيها الحبيب رغم أنني أؤكد أنه لم يقف هنا فحسب بل وتعداه أيضا لحالة الأمة كلها التي استبدلت الخسيس بالنفيس ، والبديل بالأصيل، والرفيع بالوضيع.

أما عدم إسهابي واختصاري لمرحلة ما قبل موت الجدة فهذا مما تركته للقارئ والتفت إلى ما وصل إليه الحال وأرى أن هذا هو مما يخدم الأرب الذي أردت.

دام دفعك!

ودمت بخير وبركة!

وأهلا ومرحبا بك في أفياء واحة الخير.


تحياتي

زهرة السفياني
28-10-2012, 08:29 PM
درس أدبي ابداعي بامتياز سيدي العمري.
جميل ما قرأت هنا. تحيتي واحترامي

مازن لبابيدي
29-10-2012, 08:50 AM
أحببت قبل أن أضع تعليقي وانطباعي أن أحرر نفسي من قراءة مداخلات الإخوة والأخوات الكرام ، مع تقديري الشديد لهم جميعا ، فأنا هنا أشبه بمن يطمع بالقطعة الأولى لقالب الحلوى .

أول وأكثر ما أمتعني في هذه القصة هذا التداخل البارع في الزمن ، وتجلت البراعة أكثر عند التقاء الزمنين الحاضر بالماضي في لحظة الإنارة المدهشة للقارئ .
هذه قصة يمكن النظر إليها من أكثر من زاوية كما هو متوقع وجميع هذه الزوايا مقصود وناجح في تعاطي الكاتب له .
صراع الأجيال كان واضحا بما فيه من التناقضات ، الرأي مقابل التهور والحكمة مقابل الهوى والخبرة مقابل الجهل والرصانة مقابل التهور والحمق حتى ، كل ذلك ترجم مع موت الجدة بانهيار كامل للتراث والثروة وما يحمله من دلالات .
الرمزية واضحة جدا كذلك في تشبيه الأصالة والتراث والموروث بالذهب الخالص المرصع ، وتشبيه التبعية والشهوة العارضة والانبهار بالزخرف على حساب الجوهر بالذهب المقلد الرخيص وإن كثر وطغا ، وهنا يأتي نجاح اتخاذ كلمة استبدال عنوانا للقصة .
نعم لقد أضاعت شعوبنا "الفتية" قصور العز وذهب الحكمة وغنى الأصالة وشرته بثمن بخس وكانت فيه من الزاهدين .
السرد هادئ مشوق ممتع بلغته الرصينة المعبرة
تصوير الحدث بجوانبه المتعددة معبر وصفي مشبع لذائقة القارئ .

تستحق القصة تحليلا محترفا ربما يضطلع به مشكورا أحد مبدعينا الناقدين .
واسمح لي أستاذي أن أضعها في المرتبة الثانية بعد "فروسية"

مودتي وتحيتي

كاملة بدارنه
29-10-2012, 09:50 AM
تستحق القصة تحليلا محترفا ربما يضطلع به مشكورا أحد مبدعينا الناقدين .
السّلام عليكم دكتور مازن ... وعذرا من الدّكتور العمري للرّد
لقد حظيت القصّة بقراءتين احترافيتين أهديك أيّاهماعلى الرّابطين التّاليين:
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=60935
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=61106
تقديري وتحيّتي

مازن لبابيدي
29-10-2012, 10:16 AM
السّلام عليكم دكتور مازن ... وعذرا من الدّكتور العمري للرّد
لقد حظيت القصّة بقراءتين احترافيتين أهديك أيّاهماعلى الرّابطين التّاليين:
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=60935
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=61106
تقديري وتحيّتي

لك الشكر أختي الكريمة كاملة ، وما ذاك إلا لتقصير أخيك وضيق وقته .
ولك التقدير والتحية

ناديه محمد الجابي
30-10-2012, 08:45 AM
قصة رائعة .. وقد أشبعوها الأخوة والأخوات نقدا وتحليلا
ولن أستطيع أن أضيف عليهم شيئا . إلا أنى أود أن أقول
كلمة واحدة .. إذا علم الإنسان قيمة ما يملك فسوف يتمسك
به ويحافظ عليه .. أما الجهل بقيمته هو ما يجعله يفرط فيه
ويستبدله بما هو أدنى .
جهلى بالحضارة العربية العريقة يجعلنى أفرط فيها وأستبدلها
بالزائف والتافهة من الحضارات الأوربية .
جهلى بقيمة الشريعة الإسلامية التي خلقها الله لتكون ميزان
العدل في الحياة .. نستبدلها بقوانين وضعية من صنع البشر
ولذا فهي معرضة للنقص والخطأ .
وكيف يستوي المخلوق والخالق سبحانه .
جهلي بنعيم الآخرة يجعلني أتهافت على دنيا فانية زائلة
لا تساوى عند الله جناح بعوضة .
أشكر لك لغتك الراقية وأفكارك العميقة المثيرة للتأمل والخيال .

د. سمير العمري
04-11-2012, 10:22 PM
لا أدري .. قفزت الى ذهني قصة ( الحلية ) للأديب الفرنسي غي دو موباسان وأنا اقرأ هنا ..
ربما هو الانبهار بالبريق الكاذب ، والركض وراء الأشكال دون النظر الى ما وراءها ..

أستاذي الحبيب الدكتور سمير العمري
سلم اليراع الذي الذي أنت صاحبه

دمت بخير وعافية

تحياتي ..


بارك الله بك أيها الحبيب وأشكرك على ردك الكريم ورأيك المعبر.

دام دفعك!

ودمت بخير وبركة!


تحياتي

د. سمير العمري
11-11-2012, 07:43 PM
قصة جديدة بشكل مختلف وقالب قصي مبتكر اعتمد التنقل المشهدي بين شخصيتين رئيستين، يحكي ما سبق الحدث الذي جمعهما ليشكل محور القصة وموضوعها الأساس، برمزية ذكية كانت القلادة النفيسة فيها دلالة على كل متروك عظيم والحلي المصنعة من رديء الذهب دلاله على ما يتعلق به الغاوون الباحثون عن زائف الزخرف، والجدة تعبيرا عن السلطة الأصولية القوية الممقوته من قبل الراغبين بمد فروعهم للخارج يتلقفون ما يزركش -ليعميهم- بفاقع الألوان من فكر وثقافة مضيّعة، في صورة بديعة لمزاعم الحداثة وما تعنيه في واقعها من تمرد على الأصالة والجذور.

من هنا قرأنا في الفتاة فئة الشباب المتطلع بكل ما فيه للارتماء في أحضان الغرب فكرا وثقافة بتبعية وانصهار حتى وإن يكن في حقيقتة دون نسيل ريش طاووس تاريخه وحضارته المغيبة وراء مدخلات الفكر المستورد، فكان ان ضيّع الدين وفلسطين وتضعضعت البنية القيمية للأمة
وقرأنا القصر قدسا ضاعت والقلادة النفيسة وطنا ضيّع واستبدل لتحل مكان أرض شتات للاجئ المهجّر والمغترب المهاجر والغريب في وطنه وعلى أرضه، وحضارة بيعت بمدنية لا أساس له ولا دعائم تقوم عليها ، ولغة يحاولون النخر في جذعها بكل شائه مختلق.
وقرأنا في حفنة المجوهرات الرخيصة التي بها استبدلت قلادتها كل ما يقتحم عالمنا من مستورد يزيدنا تيها ويحرمنا فرصة الاتصال بجذورنا لبناء أمتنا وحضارتنا من جديد.

قصة قرأت فيها الكثير وحلقت معها في فضاء إسقاطات تنوعت وكلها جميل

شكرا لقراءة ماتعة محفوفة بالنفع والعمق نعيشها في نصوصك

ودمت بألق أميرنا

تحاياي

قراءة موفقة زادت النص ورصدت فيه الكثير مما أريد منه ، وكم من أبناء الأمة يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ويحسب أنه على خير.

دام دفعك!

ودمت بخير وعافية!


تحياتي

نداء غريب صبري
17-11-2012, 01:17 AM
لا يغتر بالبريق الزائف إلا الحمقى، ولا يفرط بما عنده إلا من لا يستحقه
واعتماد إتكالية باحثة عن الضجيج والتصفيق المخادع لجمالها وأناقتها وبريق جواهرها التقليدية ممن يتسلون بها وليست جديرة بالقلادة الأصلية لهذا ضحت بها لتنال ما يعجبها وتستحقه من بهرجة زائفة

قصة جميلة جدا يا أميرنا
دلالاتها كثيرة تبدأ من أصغر أشيائنا وتصل لأعظمها مثل الوطن والقيم

قرأت جميع الردود الرائعة عليها وأتمنى أن أقتبسها جميعا وأخص ردا ملحقا لأستاذتنا ربيحة الرفاعي

هل من يلومني إن قلت :

ولعلي قرأت فيها أيضا واحتنا الحبيبة ومن يستبدلون بصدقها ونبلها وعراقتها التيه والضياع في صحارى الانترنت بحثا عن انتشار بلا معنى

دمتم أهل الواحة بكل الألق

وأقول أني أراك مصيبة سيدتي حتى لو لم يقصد الأمير هذا المعتنى في قصته


أمتعتني قراءة القصة كأني اشاهد تمثيلية
شكرا لك سيدي

بوركت

د. سمير العمري
18-11-2012, 03:52 PM
هل من يلومني إن قلت :

ولعلي قرأت فيها أيضا واحتنا الحبيبة ومن يستبدلون بصدقها ونبلها وعراقتها التيه والضياع في صحارى الانترنت بحثا عن انتشار بلا معنى


دمتم أهل الواحة بكل الألق

بل قد أصبت بهذا كبد الحقيقة المرة التي يكرهها الكثير ممن نأمل منهم أن يقرأوا الأمور بعين جادة ومنصفة لأنفسهم قبل غيرهم.

دام دفعك!

ودمت بخير وعافية!


تحياتي

د. سمير العمري
23-11-2012, 11:42 PM
ما أكثر من يلهث خلف القشور ويترك اللب
قصة هادفة تحمل تأويلات متعددة لسياقات مختلفة
تقديري

بارك الله بك وأشكرك من القلب على هذا الرأي الكريم وهذا الرد الأنيق!

دام دفعك!

ودمت بخير وعافية!

وأهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.


تحياتي

د. سمير العمري
07-01-2013, 01:41 AM
قصّة بدأت بحركة الشّخصية المعروضة، مُرفقة بخوف وحرص لدرجة الفزع. فالحركة جسمانيّة ونفسيّة قلقة. التّلفّت هو القلق الجسدي والجزع هو النّفسي. والعربة هي الحياة ودورة الزّمن، فحركتها تمثّل المسيرة الحياتيّة الصّعبة والثّقيلة غير المرضية... فالرّجل قد تعب بسبب حياته وما تبعها من (صرير العجلات) وشعر بالمقت لحياته للمرّة الأولى، وفضّل الاحتفاظ بالقليل الذي يهمّه وهو (المجوهرات) المزيّنة للعربة...
ترك العربة والعالم الواسع المفتوح المرتبط بها، وهَمّ عائدا إلى بيته المتهالك.. المكان الضّيق المغلق، وكأنّه يبغي الإغلاق على نفسه، لكنّ حركته الجسديّة بالتّلفّت ووجيب قلبه وحرصه على ما يحتضنه، كلّ ذلك يوحي بأنّ هناك أمرا ما. وتنتهي الفقرة بحركة الشّخصيّة من البرّاني إلى الجوّانيّ .
بالمقابل هناك شخصيّة أخرى أنثويّة (اعتماد) تظهر في الفقرة الثّانية، وحركتها مغايرة لشخصيّة الرّجل ( الشخصيّة بلا اسم). لقد أخرجت صندوق المجوهرات المزركش والذي يشير إلى زركشة حياتها الموروثة عن الجدّة . وهدفها إخراج زينة تتزيّن بها في حفلة عيد ميلادها التي اعتادتها باذخة... تنادي خادمتها المتّسمة بالخبث فتشير عليها بتغيير القلادة القديمة بأخرى جديدة. ومن خلال الأحداث نرى الحركة عكسيّة من الجوّاني إلى البرّاني.
تُظهر الفقرتان الثّنائيّة الضدّيّة التي اعتُِمدَت في أسلوب الكتابة: رجل وامرأة، مكان مفتوح (السّوق) ومكان مغلق(البيت) ، حركة ضديّة ، ذكر وأنثى ، وفيما الأنثى تحظى باسم، يظلّ الرّجل منكر الاسم. ولكن اختيار الاسم للأنثى جاء موفّقا هنا - ولاحقا سيظهر الاختيار ساخرا - فهي اعتماد التي تعتمد على الآخرين في حياتها ( إرث الجدّة، ومشورة الخادمة) .
هناك حركة أيضا في أسلوب الكتابة، فالكاتب ينقلنا من مشهد لآخر، وكأنّنا أمام عرض شريط سينمائي لبطل وبطلة يتناوبان الأدوار ، إذ تعود المشاهد للرّجل في الفقرة الثّالثة. فقد بدا أكثر اطمئنانا وهدوءا ممّا ظهر في البداية( هدأت أنفاسه وشعر ببعض اطمئنان). بريق المجوهرات بهره وسحره وأثار ابتسامته. وكأنّا بالشّخصيّة قد بدأت تستقرّ أمورها ويأمل الرّجل أن يكون ما بيديه ملكه وحده كي تستقرّ حياته إلى الأبد بعد المعاناة التي مثّلتها حركة الغربة.
في الفقرة الرّابعة، يعود المشهد لاعتماد متذكّرة جدّتها المتقوقعة داخل آرائها، ولا تجاري تطوّرات العصور، حيث ربّتها تربية محافظة. والمحافظة هنا ذات بعد كبير. فالجدّة تمثّل السّلطة المرفوضة بالنّسبة لاعتماد الوريثة لكلّ ما ما تملك، والمتمرّدة على الموروث وصاحبته. الجدّة هي الحفاظ على الحضارة والهويّة والتّراث، واعتماد لا تريد امتدادا لهذه الجذور. فقد رفضت كلّ ما جاءت به الجدّة. ولكن في الواقع الجدّة كانت حريصة على حماية الحفيدة من الأغراب المفسدين لاستمراريتها حين سرّحت الخادمة. فالخادمة تمثّل السّوسة النّاخرة في عصا الفكر والتّراث التي تتوكّأ عليها الجدّة، وتريد أن تجعلها جذع شجرة يورق، لا أن يأكلها السّوس. تمثّل الخادمة الفكر الاستعماري الذي يقدّم لنا وجباته باسم الخدمة.
موت الجدّة الذي رغبته وتمنّته اعتماد يمثّل التّنازل عن موروث وحكمة الأجداد، مقابل التشبّث ببريق زائف يقدَّم لنا ونظنّه مريحا وذا فائدة. فبعد موت الجدّة باعت اعتماد القصر لغرباء- نسلّم ذواتنا وأرضنا وحضارتنا ذات الرّفعة والعلو(القصر) لغرباء يفعلون بها ما يحلو لهم، ونبقى تحت في الحضيض أسفل الوادي نقضي العمر بتفاهات ولهو بعد الانسلاخ عن الأصل.
دخول السّوق وهو العالم الجديد الذي قادتها له الخادمة (العولمة) لم يشعر اعتماد بالضّيق مثلما كان وهي مع جدّتها في الأماكن التي دخلتاها معا .
ويرجع المشهد للرّجل الذي يقلّب القلادة ويذهل لثقلها ودقّة صنعها ... إنّها قلادة من الذّهب ومزيّنة بالزّمرّد والعقيق وتتوسّطها ألماسة كبيرة، ولم يصدّق ما سمع من البائعة اعتماد أو (مودي) – إشارة أخرى للتّنازل عن الأصل – التي ترغب أن تبدّلها ببعض قلائد معروضة على العربة ...
من هذه النّقطة تتضّح رؤية المتلقّي للأحداث أكثر من ذي قبل، فالرّجل إذ ترك عربته، ليس يأسا أو زهدا إنّما طمعا بحياة فارهة جديدة بعدما حصل على كنز ( القلادة) وعاد مرتبكا يتلفّت، وقلبه يخفق حاضنا كنزا! وصاحبة القلادة تملك بدلا منها مصوغات صينيّة لا قيمة لها...
يعرض لنا الكاتب هنا وضعا خطيرا... التّنازل عن الثّمين والمتمثّل باعتماد التي اختير اسمُها مُظهِرا سخرية، إذ لا يُعتمد عليها في حفظ ما يجب أن يحفظ! فلقد بدّلت الهويّة المشرّفة وتنازلت عمّا يمثّلها ممّا بناه الأجداد أو الجدّات ليورثوه للخلف. ولكن هذا الخلَف ركض خَلْفَ التّفاهة وقدّم النّفيس الذي يملكه للأغراب مقابل الباخس، ورضي بالذّليل الذي تلقّاه بدلا من نفائسه. فبائع العربة المنهك تعبًا، السّاكن في بيت متهالك صار صاحب (القصر)، واعتماد ابنة القصر اختارت حياة السّخف وقلّة القيمة تمشي خلف خادمتها ، حتّى إنّها لا توازي في حياتها مشية من هي أقلّ منها !
اختتمت القصّة بمشهد صاحب العربة سابقا وقد ملك الكثير، بل كلّ شيء لندرك أنّ مبنى القصّة كان استرجاعيّا، حيث بدأ بمشهد الرّجل واختتم به. وكيف لا وهو هنا الأهمّ الذي فاز بالكثير وترك اعتماد تعيش بما قدّمه لها مقابل قلادتها النّفيسة.
قصّة مغرقة في رمزيّها الرّائعة، فالأغراب الذين كانوا سائقي عربات أخذوا منّا لجهلنا بقيمة ما نملك، كلّ مثمر وذي قيمة، وأعطونا بالمقابل ما رخص بل وأغدقوا علينا منه ( قرطا وسوارين كهديّة ) . لقد أعطينا الغالي وأخذنا الرّخيص ، تنازلنا عن حضارتنا وأصلنا لنلحق بما يذلّنا وبالزّيف ونقبع خلف مذلّينا ولا نمشي بموازاتهم .
ظلّت الثّنائيّة الضدّية التي بدأت بها القصّة مسيطرة : غنى وفقر، قصور وشاليهات قرب الوادي، علو ورفعة وقلّة شأن، قلادة نفيسة وقلائد رخيصة، قديم وحديث، مجد وذلّ، دهاء وغباء ، سلطة وخضوع وما إلى ذلك ... وكانت النّتيجة قصّة رائعة المضامين والأساليب والحبك.

بوركت أخي الدّكتور سمير العمري
تقديري وتحيّتي

ماذا تركت بربك من قول فأستعين به على رد يليق؟!

أليس الصمت بالعرفان هنا أجدى وأنجى؟

أشكرك من صميم القلب وأثني ممتنا على ما تفضلت به من قراءة واعية أثرت النص وأثرت فيه!

دام دفعك!

ودمت بخير وعافية!


تقديري

د. سمير العمري
05-02-2013, 06:41 AM
قصة ثرية ماتعة حملت مغازي عديدة و أنا أقرأها قفزت قصة (القلادة) لدي موبسانت في ذهني لكن هنا زيادة في التكثيف و دلالات أكثر جعلت كل حدث يوشي بعبرة ما . تحية وتقدير دكتور سمير العمري دمت بخير .

بارك الله بك وأكرمك ، وأنا شخصيا لا أعرف شيئا عن القلادة ولا عن موبسانت.

دام دفعك!

ودمت بخير وعافية!


تقديري

محمد النعمة بيروك
05-02-2013, 10:44 AM
مصائب قوم عند قوم فوائد..

نص عميق في طرحه العام، قابل للتأويل رغم وضوح شخوصه وحبكته، من خلال بعض اللمحات التي تجعل النص أكثر من مجرد قصة لامرأة تستهويها الزينة والمدح، فقد تخلصت من أصالتها بموت جدتها، وباعت محل سكناها للغريب، وكلها تلميحات للتخلي عن الهوية والجذور..

في النص أيضا تجديد على مستوى العرض السردي من خلال الانتقال السينمائي بين بطلي القصة..

تشكيل النص خطوة شجاعة تنم عن مقدرة الكاتب، لكنها ليست ضرورية من وجهة نظري، إلا في حالات معينة يستشعر فيها الكاتب احتمال وقوع التباس ما على القاريء، لأن اللغة العربية لغة فهم وسياق، كما أن التشكيل يعرض الكاتب للوقوع في هفوات مطبعية، فنجد في النص مثلا "لم يجدُ يوما قبولا" و "عظيم سُطوته" و التعاملِ المهيبَ".. وكلها أخطاء مطبعية لمعرفتنا بالمقدرة اللغوية للكاتب، وحجمه الأدبي المعروف..

أحيي طرحك القصصي المجدد أخي العميد د.العمري، وأتمنى لك التوفيق.

لانا عبد الستار
19-04-2013, 02:15 AM
الذين يغريهم بريق الذهب كثر والحلي التقليدية أكثر بريقا وتوهجا، وأكثر إغراء للحمقى
لكن لهذه الصورة الميدالية وجها آخر لمن يتمعن فيها
فهناك من يعميهم عدم تقدير لقيمة الذهب الذي بين أيديهم فيبخسونه حقه وقدره ويفقدونه
وقد اجتمعت في اعتماد الصفتين، لهذا خسرت كل ثمين في حياتها ابتداء من جدتها وقصرها وانتهاء بقلادتها
قصة جميلة بأسلوب سردي مختلف سينمائي تنقلنا فيه بين الأماكن المختلفة في زمن قصير
شكرا لك أيها الكاتب المدرسة
في صحبتك سنتعلم أيها الأمير
أشكرك

د. سمير العمري
18-05-2013, 06:18 PM
كأنني جئت متأخرا، وبالتأكيد لا يمكنني أن أضيف الكثير لقراءات الأساتذة والأستاذات لقصة تعج بالجماليات، ابتداء من كم الأفكار التي يمكن استخلاصها والمقولة الرئيسية والأسلوب الأخاذ الماتع وبالتأكيد اللغة الرائعة، وانتهاءً بالمفارقة التي تصنع الحدث بمهارة واقتدار.
ربما رأيت أكثر من غيري الدور الشيطاني البارز للخادمة .. ورأيت الأنا حينما تضخمت عن جهلٍ وافتتان في نفس اعتماد، فأصبحت ترى الأشياء تأخذ قيمتها من شخصها فقط وتلك معضلة كبيرة أسقطت الكثيرين .
بوركت أيها الحبيب الكبير .. لنا موعد مع الألق والأدب الراقي والفكر النبيل عندما نلمح لك نصا أو موضوعا في كل صفحة إبداعٍ متفرد.
محبتي وإعجابي وتقديري على الدوام

حفظك ربي وأكرمك أيها الأديب الكريم والأخ الفاضل ، وقراءتك جميلة ومميزة بارك الله بك!

دام دفعك!

ودمت بخير وعافية!

تقديري

فائز حسن العوض
23-05-2013, 11:49 AM
أستاذي وأستاذ الأجيال /
العميد / سمير العمري
قرأت النص مرة وأعدت قراءته وقرأت التعليقات فسعدت بها وبه
أهنئك بالنص وأهنئ الإخوة والأخوات أعضاء الرابطة على حسن
قراءتهم للنص وعمق فهمهم له ولثقافتهم الضاربة بجذورها في
الأعماق.
قرأت في بعض التعليقات إنها تشبه قصة (الحلية) لموبسان ورغم
إحترامي لهذا الرأي إلا أنني أختلف معهم فيما ذهبوا إليه ففي حلية
موبسان وإستبدالكم (النص) فرق كبير ، والشبه الوحيد هوالموضوع
(القلادة) ، أما المضمون فأرى أنك تفوقت عليه (رغم حفظي مقام
موبسان كقاص عالمي ) ، قصة موبسان القلادة مزيفة أضاعتها البطلة
دون أن تعرف أنها زائفة !!!، وفي قصتك البطلة إستبدلت القلادة وهي
تعرف أنها قيمة ولكنها لاتناسب ذوقها ورؤيتها العصرية كما ترى هي
وهذا فرق كبير لصالح نصك (أستاذي)
ثانياً تفوق نصك في طريقة السرد فأنت تسرد وتروي بطريقتان متداخلتان
أولاهما طريقة الفلاش باك أي تعود بالزمن القهقري وأدهشتني( التزامن)
في الروي، أي تسرد ما يحدث في نفس اللحظة في الطرف الآخر من القصة
وموبسان كان يسير بالقصة للأمام فقط كما هو السير الطبيعي للأحداث،
ورغم أن ميزة موبسان في قلادته كان الزمن الروائي الذي إمتد لعشرة
أعوام، جعلت تلك القصة إستثناءاً لزمن القصة القصيرة التي هي موجة
في نهر الأحداث ، إلا إن زمن قصتك أيضاً إمتد حتى موت الجدة وإعادة
الخادمة للعمل وزمن إستبدال القلادة (زمن غير محدد بفترة زمنية )
وأرى أنك تفوقت على موبسان وهذا رأي أتحمل مسئوليته .
كما أرى التفوق في قصتك يتمثل في قوة مضمونها وطريقة السرد.
أحييك أستاذي الرائع وأحيي كل من قال وأدلى برأي دون مجاملة
وأتفق مع أخي الذي شاركني الرأي بكثرة الضبط بالشكل الذي إستنفذ
جهداً ووقتاً كبيرين .
مجرد رأي سريع وربما أحاول لاحقاً إبداء رأي بعد عميق تفكير.
باقة أزهار (لكم) جميعاً ولأستاّي كل التقدير والإمتنان.

د. سمير العمري
06-09-2013, 08:27 PM
الأخ الفاضل والمبدع المتميز .. الدكتور سمير العمري .. تحية طيبة ..
تعتمد قصة / استبدال / على نظرات عابرة للماضي والمستقبل ، فالسارد لخص الأحداث الحاصلة بالفعل ، فحدث الجدة أصبح قطعة من الماضي ، لذلك عمد السارد إلى الاستعراض السريع لفترة قصيرة من ماضيها ، ماض تشخصه الجدة في الحرص على كل التقاليد والقيم التي تربت عليها دون محاولتها الاندماج ومجاراتها تغير الحياة على اعتبارــ في نظرها ــ أن الجديد ما هو إلا زيف وإجهاز على القديم .. بفنية أدبية متميزة لفت السارد انتباهنا إلى شخصياته الرئيسية / صاحب العربة / اعتماد / الخادمة / عن طريق تقديمها في مشاهد قد نتخيلها منفصلة ، لكنها مترابطة دلالياً .. فالسارد يعود بنا إلى الوراء ، ثم يقفز بنا إلى الأمام لكي يقدم لنا ملخصاً مركزاً عن قصة الجدة كخلاصة إرجاعـية بهدف ترسيخ التناقض الحاصل بين ما هو حقيقي ومزيف ..
شخصيات القصة هي شخصيات اجتماعية منتزعة من الواقع الاجتماعي / صاحب العربة أو بائع المجوهرات المزيفة / اعتماد / الخادمة / الجدة /.. فكل شخصية تجد نفسها إزاء خصمها في النص / الفتاة خصم للجدة ، فهي تتمنى موتها ، والجدة خصم للخادمة لأنها تشجع الفتاة اعتماد على التمرد ، وصاحب العربة خصم للمرأة والمجتمع / إنها شخصيات منتظمة على مستوى المسار السردي الذي يحتل وضعاً تراتبياً ، لكنها متناقضة ومتصارعة على مستوى النفس والذات والفكر والمكانة الاجتماعية ..
للنص نكهة أدبية ترتكز أساساً على الإنسانية بكل أشكالها ، حيث أعطى السارد أهمية كبرى للطبائع والنفسيات ،طبائع مختلفة ومتباعدة ، فكل شخصية تتميز بصفات جوهرية تسمها وتميزها ، فكأنها مطبوعة في الذات والنفس مما شكل مساراً وتوجهاً لا يمكن تغييره أو محوه أبداً.. فالجدة محافظة على القيم الموروثة ، من منظورها هي قيم ثابتة ولا يمكن تجاوزها أو القفز عنها .. واعتماد متهورة ومتواكلة ومتباهية وأنانية ، لا تعرف قيمة الشيء الموجود لديها لأنها حصلت عليه بدون تعب ومجهود كبير.. والخادمة انتهازية ومستغلة للحظة ، بل منافقة ومدارية تحافظ على مكانتها داخل الأسرة .. وصاحب العربة محتال كبير ونصاب لا يقيم للضمير والأخلاق وزناً ...
ومما أثار انتباهي في هذه القصة الغنية ، أن السارد عمد إلى ذكر اسم الفتاة المغرورة بنفسها / اعتماد /، والمعتدة بمكانتها الاجتماعية والمادية ،والمعتمدة على غيرها .. دون أن يعطي اسماً للمحتال والجدة والخادمة .. حرصاً منه ــ في نظري ــ على أن هذه الشخصيات المجهولة الاسم هي مثيرة للاهتمام للقارئ أكثر .. وقابلة لتأويل أسماء مشتقة من أفعالها وسلوكاتها .. فكل قارئ يتخيل أن هذه الشخصيات موجودة بالفعل في المجتمع ، مما يتسنى له أن يطابق بينها وبين من يعرفها ويحتك بها في محيطه .. إنه نوع من استدراج فني لللقارئ لكي يضمن الكاتب مقروئية هادفة للنص ، قد يتوخى منها نقل القارئ من رحم النص المتخيل إلى الواقع المعيش مما يضفى على النص ــ بقوة ــ طابعاً واقعياً يتنسم حياته تحت غطاء إنسانية موزعة بين الناس على شكل مراتب ودرجات متناقضة ..
حقيقة أقحمت نفسي في هذا النص الكبير الذي يستدعي دراسة متخصصة ومتابعة لنبش دلالته العميقة ، وما قراءتي ما هي إلا ذاتية وانطباعية ، تنضاف إلى ما قاله إخواني وأخواتي في حق هذا النص الدقيق والمركز .. أتمنى أن أكون قد لامست بعض جوانبه الأدبية المتميزة ..
تقديري واحترامي ..
الفرحان بوعزة ..

بمثل هذا النقد وبمثل هذه القراءة يرتقي الأدب أيها الأديب الرائع والناقد الحصيف.
هو رد يبهج النفس ويشجع على مزيد من العطاء الأدبي فلا حرمنا الله من ألقك!
دام دفعك!
ودمت بكل الخير والبركة!

تقديري

د. سمير العمري
05-10-2013, 12:35 AM
قدمتُ من معترك الحياة ومصارعة النفس وخرجتُ بخسارة أحسبها أول طريقٍ للنجاح , فولجتُ هنا أطبطب على ظهر جراحي وابحث عمن يواسيها من النصوص علَّها تعود
إلى سابقها بشكل أفضل , فرزقني الله غنيمة غير متوقعة , ومفاجأة عظيمة , نعم فهذه القصة أعادت بسمتي وعزيمتي على محاولة الانتصار غير آبهة بمن اتحدى أجتهد وأمراس الكتابة وفقط وبعدها قد نلحظ خطوة من تطور , أشعرُ أن القصة قُجمت إلي في طبق ذهبي أتذوقها كيف أشاء , واحكم كيفما يريد , حقيقة يادكتورنا لاأعلمُ دوما مانوع السحر في قلمك ؟
يأخذ بالألباب وينير الفكر , أهم مايميز القصة فكرتها أو تناول موضوعها القديم باسلوب وعرض جديدين مدهشين ثم يأتي دور الصياغة واللغة والبلاغة التي لها دور كثير في رسوخ الافكار في الذهن والتصورات العميقة التي تحيي القلوب الجدباء
وأخالُ أني رأيتُ بريقًا أصليًّا تنبعث منه احرفك , فمثلك ن كتب كتب بقلبه قبل قلمه يحمل رسائل هادفة للأمة
معلمنا الفاضل وطبيبنا صاحب القلم الأصيل والعلم الكثير / سمير العمري
إنَّ بني إسرائيل قالوا لموسى عليه السلام نريد فوما وبصلا لاالمن والسلوى فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير
فبئس التفكير السطحي هذا وبئس الطلب ..!
وكثير من الناس اليوم كمثلهم يغرهم كل بريق مزيف وكل لامع يحسبونه ذهبا , غرتهم المظاهر , الأشكال الألوان فابتعدوا عن الجوهر والأصالة والجمال الأساسي
كرجل غره شكل فاتنة فائقة الجمال فلما صاحبها بدا سوءها وحقيقتها النتنة
كوطنٍ استبدله أهله بأوطانٍ زعمت أنها أساس التقدم فتغربوا وتشدوا واقتنعوا بما يردهم من الخارج
كالأمة الإسلامية حينما باعت أمجادها بأزهد الأثمان ودهست عزتها بنفسها وظنت ان الفخر والعيش الرغيد تحت ظلال الغرب الوارفة
ماذكرته في القصة هي قاعدة مهمة نتعامل معها في جميع نواحي الحياة في اختيار صاحب في التعامل مع الغاشين في البيع والشراء في كل شئ يجب على الإنسان عموما والمسلم خاصة أن يحذر وينتبه
ويدرس الأمر ويتاكد قبل ان يكون إمعة يصدق اية مديح ويغتر بأي مظهر كان
هنا ليست فكرة عابرة وقصة عادية إنما درس من دروس الحياة نتعلمها على يديك
فلاحرمك ربي الجنة وجزاك أعالي الجنان
شكرا كثيرا لك

تلميذتك / براءة

قراءة مميزة يا براءة وتفاعل رائع مع المعنى المراد .. ما شاء الله تبارك الرحمن!
سررت بهذا التناول وهذا التفاعل وأشكرك على ما تفضلت به هنا!
دام دفعك!
ودمت بخير ورضا!

تقديري

خلود محمد جمعة
26-10-2013, 02:19 AM
أمير الحرف
تتدحرج حروفك كحبات لؤلؤ، يفرحنا تناثرها في أرجاء قلوبنا، ملاحقتها، جمعها والتأمل بها .
دمت شاملاً
ياسمينة لحرفك

د. سمير العمري
17-02-2014, 11:02 PM
تداخل المشاهد وتقنية المونتاج في قصة العمري (استبدال)

لعل الدارس لفن السينما يعرف بادئ ذي بدء كيف يتم تقطيع المشاهد وتوصيلها ، وبث المفيد منها وحذف الزائد ، والحفاظ على الفكرة العامة للمشاهد ، ويتعلم معها كيف يدمج خطين متوازيين من الأحداث ، بحيث يسير الحدث الأول في اتجاه ، مواز لخط الحدث الثاني فالثالث فالرابع ، لنصل الى نقطة التقاء الخطوط ببعضها ، في لحظة التنوير ، حين نكتشف أن ضابط الشرطة الذي ظهر في المشهد الأول سيقابل ابنة المليونيرالتي ظهرت في المشهد الثاني ليتم اختطافها على يد البلطجي الذي ظهر في المشهد الثالث وتبدأ خيوط القصة في التفكك ، وكلما ازدادت تشابك الخيوط كلما اقتربت الذروة واقتربت معها أكثر كلمة النهاية .
والمونتاج هو العنصر المميز للغة السينمائية ، وقد ارتبط باسم غريفث الذي استخدم اسلوب الانقاذ في آخر لحظة .
ولأن الصورة هي التعبير الأول والأكبر عن الحدث ، بحيث صارت الصورة أكثر قدرة على التعبير عن جملة أحداث ، فاننا نعترف بدور السرد في صناعة المشهد ، ونعترف أيضاً ، أن ما يبنيه السرد في عدة صفحات يعبر عنه مشهد واحد .
يقول الأستاذ : ليث الربيعي :
"أما الحكائي فهو فوق سينمائي ما دام يتضمن المسرح والرواية والسينما والأحداث اليومية، أي أن أنظمة الحكي ظهرت قبل وجود السينما، فالسينمائي إذا خاص، تقني، نتج عن التطور التكنولوجي، أما الحكائي فهو عام، سابق، متعدد، إنساني، حاضر في كل الأزمنة والأمكنة، أي انه عبر تاريخي وعبر ثقافي "
"- مدخل الى تقنيات السينما : محمد زغبي
استبدال العمري كانت واحدة من هذه المشاهد ، المترابطة والمتباعدة في آن ، مترابطة في التصاقهما معاً في ذروة المشهد ، ومتباعدان في خلفياتهما الثقافية والفكرية والبيئية .
المشهد الأول :
"لم يعرفْ كيفَ خرجَ منَ السوقِ ينتَهِبُ الخُطواتِ نَهبًا مُتلفِّتًا ورَاءَهُ بَينَ الفَينةِ والفينةِ في جَزَعٍ كَبيرٍ. شَعرَ بِأنَّ عَرَبتَهُ المُزيَّنة َهَذهِ تَتَآمرُ عَليهِ بِثِقَلهَا الذِي يكادُ يَقطعُ أنفَاسَهُ ، وَبِصريرِ عَجَلاتِهَا الذي يَكادُ يَشِي بِهِ ، وَلِلمرَّةِ الأولى شَعرَ بِمَقتِهِ لَهَا فَتوقَّفَ عن دَفعِهَا وَجَمَعَ مَا عَليهَا منْ مُجوهراتٍ في صُرَّةٍ، ثُمَّ مدَّ يدَهُ إلى تلكَ يُخْرجُهَا من مَخبَئِهَا يَلفُّهَا بِثوبِهِ وَيحملُهَا بينَ يديهِ بِحِرصٍ وَعِشقٍ قَبلَ أنْ ينطلقَ رَاكِضًا لا يلوِي عَلى شَيءٍ. أَغلقَ بابَ غُرفَتِهِ المُتهالِكَةِ وَتهاوَى بِهَا إِلى أَرِيكتهِ القَديمةِ يُجاهدُ أَنفَاسَهُ المُتلاحقَةَ، يَنْظُرُ إِليهَا تَارَةً يَكادُ يَلتَهمُهَا، وَإِلى البَابِ أُخرى خَائفًا يترَقَّبُ."
ولو أردنا الدقة ، لقلنا أنه المشهد الأخير ، أو هو الأول والأخير في آن ، الأول من حيث الترتيب المكاني في القصة\الفيلم والأخير من حيث الترتيب الزماني والحكائي في الحدوتة ،
هنا يستخدم العمري أسلوباً آخر من أساليب السينما ، عندما يستخدم الكاميرا المتجولة traveling
لتتحد عين الراوي مع عين الكاميرا لتنقل لنا مشهداً ما .
لتقريب الصورة أكثر هي كاميرا ثابتة تتحرك على قاعدة ، تنتقل مع البطل \ البائع المتجول ، تدخل معه منزله ، لتصور لنا مشهداً داخلياً ، بعد أن تابعته خارجياً ، وهو يعدو عبر السوق ، ليدخل منزله وينظر الى ما يحمل بين يديه – غنيمته التي فاز بها ، تلك الجوهرة الثمينة التي لم نعرف كنهها في المشهد الأول حين نقرأه لكنا يقيناً سنعرف لو رأيناه .
الآن تنقلنا التقنية الثانية عبر الفلاش باك الى المشهد التالي مكانياً والأسبق زمنياً :
"أَخرجتْ اعْتِمَادٌ صُندوقَ المُجوهراتِ المُزَركشِ الذِي وَرِثتهُ عن جَدَّتِها الثَّريَّةِ تبحثُ فيه عمَّا تَتَزيَّنُ بهِ في حَفلةِ عِيدِ مِيلادِهَا الذي اعتَادتْ أنْ تُقيمَهُ بَاذخًا وَتدعُو إليهِ الكثيرَ ممَّنْ يُشبِعوَن لَهَا شَهِيَّتَهَا لِلمَديحِ. صَاحتْ تُنادي الخَادمَةَ دونَ أنْ تلتفتَ عن المرآةِ تَسألُهَا عن رَأيِهَا في القِلادَةِ وَهِيَ تَتَحَسَّسهَا عَلى جِيدِهَا بِبَعضِ امتعاضٍ. أدركتِ الخادمَةُ الماكِرةُ بِخُبْثِهًا المَوقِفَ فأَسمعتْ سَيدتَهَا مَا كَانتْ تُريدُ، ثُمَّ اقترَحتْ أَنْ تَخرجَ بِصُحبتِهَا إلى السوقِ فَتَسْتَبدِلَ بِهَا قِلادةً حَدِيثةً تَلِيقُ بِهَا وتُناسبُ عصرَهَا وَتُبعدُ عنهَا هذا الشُّعورَ بِالتَّبعِيَّةِ وَالاخْتِنَاقِ."
وكما قادنا المشهد الأول لنتعرف على بائع الخردة المفكك المتردد الخائف الذي يخالجه شعور باللهفة والرغبة ويختلطان مع خوفه وتردده ، دون أن نتعرف مزيداً على كنهه وكنه الكنز الذي يقبض عليه في يديه ، يقودنا المشهد التالي الى حدث هو الأسبق زمنياً ، ليعرفنا على البطل الموازي \ البطلة ، التي تدعى اعتماد
على النقيض من الأول ، اعتماد تملك كل شيء ، صندوق مجوهرات مزركش ، وخادمة ، ورفاهية في العيش ، لكنها تشترك مع الأول في شعور بالضيق والاختناق ، ورغبة في التحرر والتجربة والخروج عن المألوف .
البطل المساعد هنا هو الخادمة ، وجملة تصرفات غير مفهومة من الوهلة الأولى : نفاقها ، نصائحها الغريبة لسيدتها ، وقدرتها العجيبة على التأثير في سيدتها مهما كان اقتراحها غريبا أو مكلفاً .
وباستخدام تقنية المونتاج وتقطيع المشاهد تعود بنا الكاميرا مرة أخرى الى الحدث الأول : البائع المتجول
لنكتشف أن الحدث الأول يسير أمامنا في الوقت الراهن – يدور حالياً ، أما الحدث الثاني –خط سير اعتماد ، فانه يدور في فترة سابقة ، لتلتقي نهايته ، مع بداية الأول .
"هدَأَتْ أنفاسُهُ قليلا وَشعرَ ببعضِ اطمئنانٍ فَمَدَّ يَدَهُ الوَاجفةِ نَحْوهَا لا يَكادُ يُصَدِّقُ أَنَّهَا هُنا أَمامَهُ ينظُرُ إليهَا. كَانَ جَمالُهَا أَخَّاذًا وَبريقُها يَسْحرُ الألبابَ. تَأَمَّلَ بِشغَفٍ كُلَّ تلكَ النفَائِسِ التِي تَزِيدُ ألقَ جُرْمِهَا الصَّقيلِ بَهَاءً وَهَيبةً. كانتْ من أجملِ مَا رأَى في حياتِهِ وَأثمنِ مَا مَلكتْ يدَاهُ، فَابتَسمَ لهَا أخيرًا وهوَ يتمنَّى في سرِّهِ أنْ تكونَ لهُ دونَ مُنازعٍ فَتُغيِّرَ حَيَاتَهُ كُلَّها ، وَتمسحُ عن كاهلِهِ كلَّ عَناءٍ عَاشهُ مُنذُ وَلَدتُهُ أُمُّهُ"
الحدث الأول يستمر ، البائع المتجول الذي حصل على جوهرة ثمينة يضع عليها أحلاماً يتمنى أن تتحقق ، وعناء يتمنى أن يزول معها ، وكرب لازمه طوال حياته يرجو زواله بقدومها .

ويستمر الحدث الثاني ، بترتيب مربك ولكنه محترف ، فهو ورغم أنه جاء في زمن سابق ، الا أن المشهد الذي يليه كان يسبقه مباشرة ، في المشهد الأول لاعتماد كانت جدتها متوفية ، وفي المشهد الثاني لاعتماد كانت تستحضر أيضاً ذكرى جدتها على قيد الحياة ، قسوتها وتسلطها –كما تراها – وهي في حقيقة الأمر لم تكن تدعوها الا لخير وحق ، حين كانت تذكرها أن قيمة الانسان في ذاته لا في ماله أو سطوته .
الجدة تسرح خادمتها ، تتوفى ، فتسارع اعتماد الى اعادة الخادمة – التي تمثل الجانب السيء فيها ، وانغمست في حياة اللذات والضياع ، الى أن جاء اقتراح الخادمة الذي عرفناه في المشهد الأول لاعتماد : أن تستبدل العقد الثمين بحلية رخيصة أخرى !
الآن نقطة التعادل كما نسميها في علم الاقتصاد ، نقطة الالتقاء في لغة السينما ، الذروة في لغة القصة ، حين يلتقي المشهدان ، ويلتقي الخطان ، فتلتقي اعتماد بالبائع المتجول لتعرض حليتها الثمينة وتطلب استبدالها بأخرى أرخص ثمناً بكثير
" أمْسكَ بالقِلادَةِ يُقلبُّهَا بينَ يديِهِ وَقَدْ أَذْهَلَتهُ بِثِقَلِها وَدِقَّةِ صُنْعِهَا. كَانتْ مِنَ الذَّهَبِ الخَالصِ زَيَّنتهَا فُصُوصٌ من عَقِيقٍ وَزُمُرَّدْ تَتَوَسَّطُهَا مَاسَةٌ كَبيرةٍ بِنَقشٍ فَريدٍ. لمْ يكُنْ لِيُصدِّق مَا يسمعُ مِن عَرْضِ اعتِمَادٍ - أَو مُودِي كَمَا تُحِبُّ أنْ تُنادَى – أَنْ تَستَبدِلَ بِهَا بَعضِ قَلائِدَ ممَّا يَعرضُهَا عَلَى عَربَتِهِ. هَزَّ رَأسَهُ بِالمُوافقةِ كَالأبلهِ بَينَا هِي تَنتَقِي مِن بينِ تلكَ المَصُوغَاتِ الصِّينِيَّةِ من سَبَائِك ذَهَبٍ رديءٍ قَد زَيَّنتهَا قِطَعٌ مِنْ لُؤلُؤٍ مُصنَّعٍ ومزخْرفٍ بِألوانٍ بَرَّاقَةٍ. شَدَّهَا اخْتلافُ الشَّكْلِ وَبَريقُ القِشْرَةِ ، وَسَرَّهَا كَثيرًا أَنْ تَسمعَ منهُ بِأَنَّها مَنْ يُزيِّنُ الحُلِيَّ لا العَكْسِ، وَأنَّ جَمَالهَا كَبيرٌ وَذَوقَهَا رَاقٍ. وَبَينَ دَهْشتِهَا وَدَهشتِهِ قَدَّمَ لهَا قِرْطًا وَسِوَارَينِ كَهديَّةٍ إِضَافيَّةٍ قَبلَ أنْ ينطلقَ بِعَربَتِهِ فِرَارًا بِمَا غَنِمَ وَتنطَلقَ هِيَ خَلْفَ خَادِمَتِهَا سَعِيدَةً غَانِمَةً إلى حيث اخْتَارتْ أَنْ تَكُونَ."
هو يقلبها بين يديه مذهولاً من روعتها ودقتها وغلائها ، مصدوماً من عرض السيدة التي تقف أمامه ، أتستبدل الحلية الثمينة التي يمكن لها أن تجعل أحلامه كلها طوع يمينه بقلائد رخيصة بالية ليس لها قيمة تذكر
والنتيجة أنهما انصرفا كل سعيد بما فعل ، هي سعيدة بامتلاكها لتلك القلائد الرخيصة ، حين استجابت دون أن تدري لنصائح جدتها ، فاستبدلت الثمين بالرخيص علها تجد نفسها ، ولو أنها دققت في كلام جدتها واستجابت لنصائحها لعرفت منذ البداية أن السعادة ليست بالرخيص أو الثمين انما بالقيمة التي توجد داخلها ذاتها
أما هو فانصرف أيضاً سعيداً ، ظاناً أن امتلاكه للمال يعني امتلاكه للحياة ، ومن يدري لعله يدرك أخيراً أنه كان أكثر سعادة حين كان أكثر فقراً ، أو لعله يجمع بين الأمرين ، فيمتلك السعادة والمال ، وهو لعمري أمر ليس بالسهل أو اليسير ..
انه الاستبدال ، حين يتم بين قيمتين ، وبين علاقتين متباعدتين ، وحالتين مختلفتين ، هي بقصرها العاجي ، وهو بعربته المتنقلة وفراشه الرث ، استبدلت حياتها بحياته ، تبحث عن سعادته وهو يبحث عن مالها ، ولعلهما لا يجدان ما يبحثان عنه وان حاولا ..

انها لحظة النهاية ، في قصة كتبت بعناية فائقة ، فجمعت بين تقنيات السرد الحديثة ، وبين تقنيات السينما المحترفة ، وحملت من الحكمة عبر سطورها ما حملت ، فالتقدير والعرفان للكاتب لما كتب ، ولو أنه أرهقنا ويرهقنا ، فكل قصة هكذا تحتاج قراءة طويلة متعمقة ، وقصصه لا تقرأ أبداً سيراً على البيض ، والا لكان الكل قرأ وعلق ، لكنه حقل ألغام يجب على من يدخله أن يكون متمرساً ، وأتمنى أن أكون قد دخلت وخرجت دون اصابات تذكر ..

تقديري واحترامي



قراءة ناهزت النص وأضافت له تدل علبى ذائقة راقية ووعي عميق النص وبالقص والآليات. فبارك الله بك أيها الأديب الكريم والحبيب أحمد، وأشكر لك ما تفضلت به من هذه القراءة المبهرة وهذا الرد المورق والرأي الكريم المغدق!

دام دفعك!

ودمت بخير ورضا!

تقديري

د. سمير العمري
24-04-2014, 02:12 AM
مشاهد من صلب الواقع
وكثير منا من يفقدها
رائع في الأسلوب كاتبنا وأستاذنا
المميز في اقتناص اللحظة
عذيري على قصر الردود.

بارك الله بك أيتها الأديبة الكريمة وحفظك ربي وأشكر لك رأيك المغدق ومرورك المورق!

دام دفعك!

ودمت بخير وعافية!

تقديري

أمــيــرة توحــيــد
24-04-2014, 04:56 AM
أستاذي الكريم د. سمير العمري
راقت لي كثيراً هذه القصة بمحمولها القيم وطريقة عرضها الشيقة
كانت لي تجربة قديمة لكتابة القصة لكن لم استمر ، ربما تكون لي عودة

دمتَ مبدعاً ، خالص التحية والتقدير

د. سمير العمري
15-05-2014, 12:59 AM
بِأنَّ قيمةَ الإِنسانِ في مُحتوَى ذَاتِهِ لا في كَثيرِ مَالهِ أو عظِيمِ سُطوتِهِ أو رَخيصِ مَدحٍ يكيلُهُ مُغرضٌ أو مُخاتِلٌ.

السلام عليكم
قصة جميلة جدا ,وهي تتنقل بالقارىء بخفة بين ما يجري هنا وهناك
كان التشويق عاليا ,والحبكة موفقة ورائعة
يظهر أن الجدة رغم كل مولصفاتها التي بدت ممتازة ,قد أطبقت الخناق على الحفيدة ,ولم تترك لها متنفسا ولو القليل .
وظهر لي أن هذة الجدة صارمة فوق العادة ,وتريد أن تجعل من الحفيدة نسخة عنها ,وهذا خطأ فادح سيؤدي للخسارة التامة للجيل الجديد.
والحفيدة المدللة ,والتي لم ينقصها شيء إلا تجارب الحياة نفسها ,,نشأت نشأة فاسدة ,,فعارضت كل شيء,قفط لإثبات هويتها الشخصية التي أحست أنها طُمست بسبب الجدة وتقاليدها , وبدون دراية لما تفعله .
لم تعي الحفيدة أن الإستبدال عمل فائق الخطورة ,وخاسر على كل الأحوال ,فاستبدلت النفيس الغالي بالمزيف والرخيص ,,كأنها تنتقم .
كان من واجبها أن تحتفظ بمجوهراتها الأصلية ,وتعض عليها بالنواجذ لأنها كنز حقيقي .
ولتشتري بعدها ما طاب لها من أي مجوهرات أخرى مزيفة طالما تستطيع أن تتخلص منها وقت تملها ,دون أن يكلفها ذلك شيء .
جزؤ من الخطأ كان من الجدة نفسها ,لا يكفي أن نلقن صغارنا ما يجب عليهم فعله ,بل نترك لهم مجالا للتفكير والحوار ,وفسحة لفعل أمورا بريئة لا تضيرهم
شكرا لك أخي د.سمير
قصة جميلة
ماسة

بارك الله بك أيتها الأديبة الكريمة وحفظك ربي وأشكر لك رأيك المغدق ومرورك المورق!

دام دفعك!

ودمت بخير وعافية!

تقديري

د. سمير العمري
10-06-2014, 12:57 AM
درس أدبي ابداعي بامتياز سيدي العمري.
جميل ما قرأت هنا. تحيتي واحترامي

بارك الله بك أيتها الكريمة وأشكرك على تقريظك الكريم!
دام دفعك!
ودمت بخير وعافية!

تقديري

د. سمير العمري
06-09-2014, 02:01 AM
أحببت قبل أن أضع تعليقي وانطباعي أن أحرر نفسي من قراءة مداخلات الإخوة والأخوات الكرام ، مع تقديري الشديد لهم جميعا ، فأنا هنا أشبه بمن يطمع بالقطعة الأولى لقالب الحلوى .

أول وأكثر ما أمتعني في هذه القصة هذا التداخل البارع في الزمن ، وتجلت البراعة أكثر عند التقاء الزمنين الحاضر بالماضي في لحظة الإنارة المدهشة للقارئ .
هذه قصة يمكن النظر إليها من أكثر من زاوية كما هو متوقع وجميع هذه الزوايا مقصود وناجح في تعاطي الكاتب له .
صراع الأجيال كان واضحا بما فيه من التناقضات ، الرأي مقابل التهور والحكمة مقابل الهوى والخبرة مقابل الجهل والرصانة مقابل التهور والحمق حتى ، كل ذلك ترجم مع موت الجدة بانهيار كامل للتراث والثروة وما يحمله من دلالات .
الرمزية واضحة جدا كذلك في تشبيه الأصالة والتراث والموروث بالذهب الخالص المرصع ، وتشبيه التبعية والشهوة العارضة والانبهار بالزخرف على حساب الجوهر بالذهب المقلد الرخيص وإن كثر وطغا ، وهنا يأتي نجاح اتخاذ كلمة استبدال عنوانا للقصة .
نعم لقد أضاعت شعوبنا "الفتية" قصور العز وذهب الحكمة وغنى الأصالة وشرته بثمن بخس وكانت فيه من الزاهدين .
السرد هادئ مشوق ممتع بلغته الرصينة المعبرة
تصوير الحدث بجوانبه المتعددة معبر وصفي مشبع لذائقة القارئ .

تستحق القصة تحليلا محترفا ربما يضطلع به مشكورا أحد مبدعينا الناقدين .
واسمح لي أستاذي أن أضعها في المرتبة الثانية بعد "فروسية"

مودتي وتحيتي

بارك الله بك أيها الأديب الحبيب الكريم ، واشكر لك أبا عبد الرحمن رأيك الزاهر وردك الراقي وتفاعلك العميق، وأشكرك على تقريظك الكريم!

دام دفعك!

ودمت بخير وعافية!

تقديري

رويدة القحطاني
20-11-2014, 11:08 PM
تبادل ذكي بين اللقطات ينقل القارئ بين موقعين وشخصيتين رئيسيتين تتحركان في نفس الوقت وتصنعان الأحداث التي صنعت الكارثة؛ استبدال القلادة الثمينة بأخرى مزيفة براقة
كم هذا جميل .. أسلوب مبتكر ، كأننا نتابع عملا سينيمائيا

فوزي الشلبي
28-11-2014, 06:17 AM
الأخ الشاعر الأديب النبيل د. سمير:
تحية محبة وتقديرٍ وود..

نص بهي، ما خط البيان ورصع اليراع من درر النثر والقص الحكيم..إن استبدال الغالي بالرخيص..وعدم تبصر مواطن الحكمة ومواطن الزيغ..واتباع النصح الكاذب من خادمة ..جعلت رزقها في كذبها..والاستسلام لرأي عابر سبيل يبيع كلاما رخيصا..وما حمل الاسم في اعتماد..ليوحي إلى شخصية غير مستقلة..كما أن كلمة التدليل "مودي"..فب اتباع ثقافة دخيلة.. وما عنته الكلمة بالإنجليزية من تقلب المزاج..كل ذلك عكس شخصية طفولية متقلبة..تجعل من السذاجة صيدا ثمينا للطامعين..تودي بصاحبها إلى نهاية مأساوية..
تقديري الكبير وخالص دعائي لقلم يسطع بالبهاء!
أخوكم

د. سمير العمري
01-03-2015, 12:03 AM
السّلام عليكم دكتور مازن ... وعذرا من الدّكتور العمري للرّد
لقد حظيت القصّة بقراءتين احترافيتين أهديك أيّاهماعلى الرّابطين التّاليين:
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=60935
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=61106
تقديري وتحيّتي

بارك الله بك أيتها الأديبة الكريمة والأخت الغالية وأشكرك على رقيك!
دام دفعك!
ودمت بخير وعافية!

تقديري

وليد مجاهد
29-05-2015, 11:32 PM
قصة جننتني بجمالها، وجعلتني أقرأ الردود وأفهم أكثر وأنبهر أكثر
لن أعلق ولا أستطيع أن أعلق بعد ما قرأت من ردود الكبار الأستاذة كاملة بدارنة - الأستاذة ربيحة الرفاعي - الأستاذ الفرحان بوعزّة - الأستاذ أحمد عيسى - الأستاذ مازن لبابيدي - الأستاذ فائز حسن العوض، لأن قصة مثل هذه تستحق ردودا مثل ردودهم
هنا مدرسة كتابة القصة لمن يريد أن يتعلم
تقديري

د. سمير العمري
07-08-2015, 03:28 AM
قصة رائعة .. وقد أشبعوها الأخوة والأخوات نقدا وتحليلا
ولن أستطيع أن أضيف عليهم شيئا . إلا أنى أود أن أقول
كلمة واحدة .. إذا علم الإنسان قيمة ما يملك فسوف يتمسك
به ويحافظ عليه .. أما الجهل بقيمته هو ما يجعله يفرط فيه
ويستبدله بما هو أدنى .
جهلى بالحضارة العربية العريقة يجعلنى أفرط فيها وأستبدلها
بالزائف والتافهة من الحضارات الأوربية .
جهلى بقيمة الشريعة الإسلامية التي خلقها الله لتكون ميزان
العدل في الحياة .. نستبدلها بقوانين وضعية من صنع البشر
ولذا فهي معرضة للنقص والخطأ .
وكيف يستوي المخلوق والخالق سبحانه .
جهلي بنعيم الآخرة يجعلني أتهافت على دنيا فانية زائلة
لا تساوى عند الله جناح بعوضة .
أشكر لك لغتك الراقية وأفكارك العميقة المثيرة للتأمل والخيال .


بارك الله بك أيتها الأخت الكريمة وأشكر لك قراءتك السامقة وردك الراقي ورأيك الكريم !

دام دفعك!
ودمت بخير وعافية ولا أوحش الله منك!

تقديري

د. سمير العمري
04-07-2019, 04:38 PM
لا يغتر بالبريق الزائف إلا الحمقى، ولا يفرط بما عنده إلا من لا يستحقه
واعتماد إتكالية باحثة عن الضجيج والتصفيق المخادع لجمالها وأناقتها وبريق جواهرها التقليدية ممن يتسلون بها وليست جديرة بالقلادة الأصلية لهذا ضحت بها لتنال ما يعجبها وتستحقه من بهرجة زائفة

قصة جميلة جدا يا أميرنا
دلالاتها كثيرة تبدأ من أصغر أشيائنا وتصل لأعظمها مثل الوطن والقيم

قرأت جميع الردود الرائعة عليها وأتمنى أن أقتبسها جميعا وأخص ردا ملحقا لأستاذتنا ربيحة الرفاعي


وأقول أني أراك مصيبة سيدتي حتى لو لم يقصد الأمير هذا المعتنى في قصته


أمتعتني قراءة القصة كأني اشاهد تمثيلية
شكرا لك سيدي

بوركت

بارك الله بك أيتها الأديبة المبدعة، وأشكر لك كريم رأيك وجميل تقريظك!
دام دفعك!
ودمت بخير وعافية!

تقديري

د. سمير العمري
10-06-2020, 02:21 AM
مصائب قوم عند قوم فوائد..

نص عميق في طرحه العام، قابل للتأويل رغم وضوح شخوصه وحبكته، من خلال بعض اللمحات التي تجعل النص أكثر من مجرد قصة لامرأة تستهويها الزينة والمدح، فقد تخلصت من أصالتها بموت جدتها، وباعت محل سكناها للغريب، وكلها تلميحات للتخلي عن الهوية والجذور..

في النص أيضا تجديد على مستوى العرض السردي من خلال الانتقال السينمائي بين بطلي القصة..

تشكيل النص خطوة شجاعة تنم عن مقدرة الكاتب، لكنها ليست ضرورية من وجهة نظري، إلا في حالات معينة يستشعر فيها الكاتب احتمال وقوع التباس ما على القاريء، لأن اللغة العربية لغة فهم وسياق، كما أن التشكيل يعرض الكاتب للوقوع في هفوات مطبعية، فنجد في النص مثلا "لم يجدُ يوما قبولا" و "عظيم سُطوته" و التعاملِ المهيبَ".. وكلها أخطاء مطبعية لمعرفتنا بالمقدرة اللغوية للكاتب، وحجمه الأدبي المعروف..

أحيي طرحك القصصي المجدد أخي العميد د.العمري، وأتمنى لك التوفيق.


بارك الله بك أيها الأديب المبدع الكريم، ونعم .. هي أخطاء سهو في التشكيل ليس إلا، وأشكر لك تنبيهك وكريم رأيك وجميل تقريظك!
دام دفعك!
ودمت بخير وعافية!

تقديري