محمد مشعل الكَريشي
18-10-2012, 01:20 PM
صوت واحد فقط ..!
ليس لديه شغل يشغلهُ سوى معرفة آخر أخبار السياسة ...
ما جرى وما سيجرى في دهاليزها ، يُحللُ ، ويُنَظِّر ، ويناقشُ كلَ من يجلس معه ، وأصدقائه مثله يتحدثون كأنهم في حوار تلفزيوني مباشر..
يجلسُ بدبلماسية رفيعة، ويتحدث بعباراتٍ متسقة منظمة ..
يضيفُ في آخر كلامه جمل مثل( على حد تعبيره) ، ( إن صحَ التعبير) ، (على حدِ قوله ) ...
يُدحرجها بين الكلمات فهو يسمعها من مذيعي نشرات الأخبار ؛ وهو يعلم انها المنجية والمخلصة له من أي مأزق يزلقُ بهِ لسانه ...
حالهُ هذا باتَ واقعاً مفروضاً على أسرتهِ الصغيرة ؛ زوجتهُ معلمة تقضي يومها في تدريس التلاميذ وتعود لإعداد الطعام لها ولولديها العائدين بصحبتها ؛ علاء في الصف الثاني الإبتدائي ، ورؤى في الصف الرابع الإبتدائي ، وزوجها الذي يُسجل الحضور والإنصراف اليومي عند صاحب القهوة في وسط الحي..
يجلسُ بعد العاشرة صباحاً ليرتبَ مظهره ، يقلبُ شاشته المتشبثة بالجدار تحيط بها الأسلاك من جميع الإتجاهات وكأنها عنكبوت ؛ ليستمع لآخر الأحداث وهو يقضمُ مايجدهُ من فاكهة متبقية في الثلاجة ..فقد يتأخر عن عمله ؛ إن أعدَ فطوره بيده !!!
يدرجُ ببدلتهِ الأنيقة يتأبط بعض الصحف اليومية المعروفة بتواريخ شتى ، يتوجه الى القهوة ليلتقي زملائه ، فيدور حوارهم السياسي الساخن حتى ينتصف النهار....
عند خروجه ينتزع من جيب بدلته الحساب ...
لم يبقَ لديه مايكفي لتكملة الشهر فما تبقى من مصروفه الشهري سينفذ عن قريب وراتبُ زوجته بعد عشرة أيام ...
قرر أن يتقصد حتى ذلك الموعد..
لملمَ أوراقهُ وصحفه يعود أدراجه إلى المنزل فيجدُ زوجته منشغلة باعداد وجبة الغداء ..
يدخل البيت وكأنه عائد من عمل يومي يبدو عليه الإنهاك ..!
يلقي التحية على زوجته فتردها بابتسامتها العريضة ....
رغم التعب الذي أجهدها فهي تستمرُ واقفة من الصباح حتى هذه الساعة ..
تنظر إليه ويجدُ في خاطرها نفس السؤال فتعيده عليه ..
لماذا ل اتبحث عن عمل يارجل ؟
كي تعينني في تربية الأطفال وتوفير مستلزمات المنزل.. فالحياة اليوم أصبحت أكثر ضغطا وأشد صعوبة من ذي قبل...
يجيبها كالعادة بدبلماسية : يازوجتي العزيزة أنا أعمل من أجل الوطن ، أنا أناضلُ من أجل المواطن ....!
بعد أيام سترينَ كيف سيكون حالنا ؛ بعد أن أرشح نفسي للإنتخابات وأفوز بأغلبية ساحقة ..
الناس يعلمون أني أجيد فن السياسة .. سينتخبوني حتماً...
أيُ وطن وأنت لاتهتم بوطنك الصغير قالتها في نفسها ...والحسرة تملأ قلبها ..
اجتمعت العائلة حول مائدة الطعام ..
رؤى لابيها : بابا أريد صدرية جديدة ..
يبتسم في وجهها : بابا أُمك أعرف مني بذلك.
علاء : بابا أريد بنطالًا جديداً..
ولدي حبيبي اُمك تعرف مقاسك فهي معلمة رياضيات ماهرة..
ساد الصمت قليلاً ..
إلتفتَ الى زوجته : وأنتِ يازوجتي الحبيبة الا ترغبين بشيء ؟
تنهدت وأبتسمت ؛ كي لا يشعر الأطفال بضجرها وقالت : أنت مشغول يازوجي الحبيب وأنا أعرفُ بحاجياتي منك ..
هز رأسهُ يؤيدها منشغلاً يلتهم الرز بملعقتهِ ،لا يرفع رأسه عن الطبق وكأنه يأكل بعينيه...
الأطفال ينظرون الى أُمهم ثم يعيدون نفس النظرة الى أبيهم وقد ارتسمتْ الدهشة في وجوههم..
ينصرفون إلى واجباتهم اليومية...
يذهب الزوج إلى سريره ليرتاح من عناء يومه المجهد !!
وتستمرُ الزوجة واقفة ترتب مطبخها...
تبني وطنها الصغير يزينها الصبر ويشدها العزم على المواصلة حتى النهاية.. لتجعلهُ وطناً يسعُ أسرتها التي ستنطلق منهُ الى الوطن الكبير ..
بعد عام ..جاء موعد الإنتخاتبات وقد رشح نفسه فيها..
في المركز الإنتخابي يعدون النتائج ...
لم يندهش أحد سواه ..!!
حصل على صوت واحد فقط ...
محمد مشعل الكَريشي
ليس لديه شغل يشغلهُ سوى معرفة آخر أخبار السياسة ...
ما جرى وما سيجرى في دهاليزها ، يُحللُ ، ويُنَظِّر ، ويناقشُ كلَ من يجلس معه ، وأصدقائه مثله يتحدثون كأنهم في حوار تلفزيوني مباشر..
يجلسُ بدبلماسية رفيعة، ويتحدث بعباراتٍ متسقة منظمة ..
يضيفُ في آخر كلامه جمل مثل( على حد تعبيره) ، ( إن صحَ التعبير) ، (على حدِ قوله ) ...
يُدحرجها بين الكلمات فهو يسمعها من مذيعي نشرات الأخبار ؛ وهو يعلم انها المنجية والمخلصة له من أي مأزق يزلقُ بهِ لسانه ...
حالهُ هذا باتَ واقعاً مفروضاً على أسرتهِ الصغيرة ؛ زوجتهُ معلمة تقضي يومها في تدريس التلاميذ وتعود لإعداد الطعام لها ولولديها العائدين بصحبتها ؛ علاء في الصف الثاني الإبتدائي ، ورؤى في الصف الرابع الإبتدائي ، وزوجها الذي يُسجل الحضور والإنصراف اليومي عند صاحب القهوة في وسط الحي..
يجلسُ بعد العاشرة صباحاً ليرتبَ مظهره ، يقلبُ شاشته المتشبثة بالجدار تحيط بها الأسلاك من جميع الإتجاهات وكأنها عنكبوت ؛ ليستمع لآخر الأحداث وهو يقضمُ مايجدهُ من فاكهة متبقية في الثلاجة ..فقد يتأخر عن عمله ؛ إن أعدَ فطوره بيده !!!
يدرجُ ببدلتهِ الأنيقة يتأبط بعض الصحف اليومية المعروفة بتواريخ شتى ، يتوجه الى القهوة ليلتقي زملائه ، فيدور حوارهم السياسي الساخن حتى ينتصف النهار....
عند خروجه ينتزع من جيب بدلته الحساب ...
لم يبقَ لديه مايكفي لتكملة الشهر فما تبقى من مصروفه الشهري سينفذ عن قريب وراتبُ زوجته بعد عشرة أيام ...
قرر أن يتقصد حتى ذلك الموعد..
لملمَ أوراقهُ وصحفه يعود أدراجه إلى المنزل فيجدُ زوجته منشغلة باعداد وجبة الغداء ..
يدخل البيت وكأنه عائد من عمل يومي يبدو عليه الإنهاك ..!
يلقي التحية على زوجته فتردها بابتسامتها العريضة ....
رغم التعب الذي أجهدها فهي تستمرُ واقفة من الصباح حتى هذه الساعة ..
تنظر إليه ويجدُ في خاطرها نفس السؤال فتعيده عليه ..
لماذا ل اتبحث عن عمل يارجل ؟
كي تعينني في تربية الأطفال وتوفير مستلزمات المنزل.. فالحياة اليوم أصبحت أكثر ضغطا وأشد صعوبة من ذي قبل...
يجيبها كالعادة بدبلماسية : يازوجتي العزيزة أنا أعمل من أجل الوطن ، أنا أناضلُ من أجل المواطن ....!
بعد أيام سترينَ كيف سيكون حالنا ؛ بعد أن أرشح نفسي للإنتخابات وأفوز بأغلبية ساحقة ..
الناس يعلمون أني أجيد فن السياسة .. سينتخبوني حتماً...
أيُ وطن وأنت لاتهتم بوطنك الصغير قالتها في نفسها ...والحسرة تملأ قلبها ..
اجتمعت العائلة حول مائدة الطعام ..
رؤى لابيها : بابا أريد صدرية جديدة ..
يبتسم في وجهها : بابا أُمك أعرف مني بذلك.
علاء : بابا أريد بنطالًا جديداً..
ولدي حبيبي اُمك تعرف مقاسك فهي معلمة رياضيات ماهرة..
ساد الصمت قليلاً ..
إلتفتَ الى زوجته : وأنتِ يازوجتي الحبيبة الا ترغبين بشيء ؟
تنهدت وأبتسمت ؛ كي لا يشعر الأطفال بضجرها وقالت : أنت مشغول يازوجي الحبيب وأنا أعرفُ بحاجياتي منك ..
هز رأسهُ يؤيدها منشغلاً يلتهم الرز بملعقتهِ ،لا يرفع رأسه عن الطبق وكأنه يأكل بعينيه...
الأطفال ينظرون الى أُمهم ثم يعيدون نفس النظرة الى أبيهم وقد ارتسمتْ الدهشة في وجوههم..
ينصرفون إلى واجباتهم اليومية...
يذهب الزوج إلى سريره ليرتاح من عناء يومه المجهد !!
وتستمرُ الزوجة واقفة ترتب مطبخها...
تبني وطنها الصغير يزينها الصبر ويشدها العزم على المواصلة حتى النهاية.. لتجعلهُ وطناً يسعُ أسرتها التي ستنطلق منهُ الى الوطن الكبير ..
بعد عام ..جاء موعد الإنتخاتبات وقد رشح نفسه فيها..
في المركز الإنتخابي يعدون النتائج ...
لم يندهش أحد سواه ..!!
حصل على صوت واحد فقط ...
محمد مشعل الكَريشي