المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في قصّة سيّارة لربيحة الرّفاعي



كاملة بدارنه
20-10-2012, 08:46 PM
قصّة تبدأ بالنّظر إلى المرآة:


مِرآةِ المَدْخَلِ الَّتي وَقَفَتْ أَمامَها فِي كَشْفِ الهَيْئَةِ الصَّباحِيِّ الأَخيرِ، تَتَفَقدُ انْعِكاسَ صورَتِها الجَميلَة
نظرة إيجابيّة للذّات طالما رأت البطلة صورتها جميلة ...

وَما تَزالُ إِرادَةُ الحَياةِ فِيها سَيِّدًا يَتَحَكَّمُ بِحِوارِ اليَأْسِ والأَمَلِ عَلَى مَسْرَحِ عُمْرِها، وَيَشُقُّ الأَرْضَ عَنَ وَعْدٍ بِرَبِيعٍ يَدُومْ.
جميل هذا الرّبط بين الجمال والرّغبة في الحياة، والحلم بالرّبيع ...
يسود جوّ من التّفاؤل، قمّته كانت بلفظة الرّبيع، لكن تتغيّر الأجواء بالعودة إلى الماضي:

نَظْرَةً حائِرَةً عَلَى البُقْعَةِ الضَّيِّقَةِ الّتي كانَتْ مِرْآبًا فِي زاوِيَةِ الفِناءِ لِسَيّارَةٍ صَغِيرَةٍ قَدِيمَةٍ غَادَرَتْها لِلأَبَدِ
كون البطلة تذكّرت السّيارة القديمة، يعني أنّ الفترة المرتبطة بالسّيارة لم تُنس بالرّغم من مغادرة تلك السّيارة. ومن هذه النّقطة تأخذ الأحداث مسارا مغايرا، مسارا فيه تمرّد على الماضي، وتوق لحاضر جديد مغاير، تمثّل بالرّغبة بركوب سيّارة فارهة ... رمز للتّغيير والتّمرّد على الواقع الذي لا يعجب.

وَغَادَرَ مَعَها حُلُمُها القَدِيمُ بِأَنْ تَتَخَلَّصَ مِنْها يَوْمًا، لِتَرْكَبَ عَرَبَةً جَدِيدَةً فارِهَةً
فالسّيارة هي الحياة وهي عجلة الزّمان الذي يدور بنا...

قَضَتْ ساعاتِ القِيادَةِ فِي تَخَيُّلِها وَرَسْمِ صَوَرٍ ساحِرَةٍ لِفَخامَتِها بِطولِها وَلَوْنِها الأَسْوَدِ المَهِيبِ وَرَوْعَةِ اصْطِفافِها بِبابِ مَنْزِلِها
التّغيير الذي تبغيه ليس عشوائيّا، إنّما قضت وقتا في رسمه، أي التّخطيط له . فالفخامة تدلّ على رغبة لما هو مميّز وذي قيمة، وروعة الاصطفاف تدلّ على وضع الأمور في مكانها الملائم، وباب المنزل هو المكان الأكثر أهميّة وقربا وخصوصيّة ( وله دلالة أخرى سآتي على ذكرها) . بعد هذا التّخطيط، شطن الخيال... جاء انتقاء الكلمة رائعا شطن من الشّيطان، الوسوسة والعواطف نادت غير ما نادى به العقل، فبعد التّخطيط وتصوّر الحصول على المبتغى، راحت الوسوسة إلى صور أخرى تعكس الفخامة والخدمة من قبل الآخرين، ولكنّها قد تكون وسوسة للمصلحة إذا ما كانت الخدمة تعكس علوّ شأن!.
تأخذ الأحداث منحى آخر في الفقرة الأخيرة

تَبَسَّمَتْ بِسُخْرِيَةٍ وَهِيَ تَتَأَمَّلُ الدَّوالِيبَ تُصْدِرُ صَوْتًا كَالنَّحيبِ انْزِعاجًا لِقَمْعِ الكَوابِحِ جِماحَ دَوَرانِها، قَبْلَ أَنْ تَرْفَعَ نَظَرَها لِتُوَجِّهَهُ نَحْو السَّائِقِ بِوَجْهِهِ الكَئِيبِ يُغْرِيها بِصَفْعِ وَجْنَتِهِ الشَّاحِبَةِ، كَانَ يَنْظُرُ إِلَيْها بِعَيْنَيْنِ شَرِهَتَيْنِ تَنْدَلِقُ مِنْهُما رَغْبَةٌ وَقِحَةٌ، شَعَرَتْ أَمامَها بِانْقِلابِ مَعِدَتِها وَرَغْبَةٍ مَجْنونَةٍ بِقَذْفِ حِمَمِ بُرْكانِ الغَضَبِ المُسْتَعِرِ فِي أَعْماقِهَا تُحَرِّقُهُ وَالحَافِلَةَ بِرُكّابِها.
تعود البطلة إلى الواقع بنظرة ساخرة حين تأملّت الدّواليب، أي حركة الزّمان التي لا تعجبها، وزاد عصف الجوّ الغاضب حين نظرت للسّائق، الذي يرمز للقائد الذي يدير الأمور، ولكنّه هنا بوجنتين شاحبتين، لا يصلح لما يطلب منه، وليس هذا فحسب فهو نهم طامع باحتواء كيانها، فتثور الثّائرة عليه؛ كونه قائد العربة التي أظهرت لنا أنّها لا زالت في وضعها القديم، ولم تحقّق الرّغبات والطّموحات... أنّها في حافلة تنقلها وتنقل غيرها! . ضاعت الأحلام والتّخطيطات...
وتنهي القصّة ببركان من الغضب والرّفض لكلّ ما هو أمامها، وما اعتقدت أنّه المنقذ بالرّغبة في التّقيّؤ الذي يعني رفض المعدة للطّعام جسديّا، ولكنه رفض هنا وتمرّد.
قد تفسّر الأحداث على الصّعيد العام، إضافة للخاصّ، وترمز إلى الوضع في بلداننا. فالسّيارات القديمة هي الحكومات والرّؤساء التي مشت سنوات طويلة، وحان تغييرها ، وتصوّر الصّور هو التّخطيط فكريّا وليس عمليّا، وكان ذا طموحات كثيرة - سيّارة فارهة سوداء وبباب المنزل- أي بمتناول اليد ولخدمة من يخطّطون. ولكن أمل الطّموحات الزّائدة للشّعوب لم يتحقّق، ولا يزال النّاس كأنّهم في الحافلة نفسها رغم اختلاف الماركة.
قصّة رائعة تحتمل أكثر من تأويل على الصّعيد الخاص والعام
بوركت عزيزتي الأخت ربيحة
تقديري وتحيّتي

سامية الحربي
20-10-2012, 10:01 PM
المزيد من قراءاتك الشيقة المميزة أستاذة كاملة بورك هذا الجهد . تحياتي وتقديري.

ربيحة الرفاعي
21-01-2015, 09:07 PM
الرائعة كاملة بدارنة

جاحدة أختك ومقصرة بتأخرها غير المقصود عن المرور بقراءتك الرائعة في قصة كانت تحتاج فعلا لهذه الإضاءات الإبداعية تنير مجاهل خفيت على الكثيرين، وتضفي على النص بألقها ما زها به وسمق

شكرا لخطوك الدافع في باحة قولي
ولا حرمك البهاء

تحاياي

ناديه محمد الجابي
02-10-2021, 07:31 PM
شكرا لك أستاذة كاملة على هذا الغوص الرائع بين الكلمات
لإكتشاف لؤلؤ المعنى من ذلك النص الجميل
قراءة تحليلة رائعة من متميزة لقصة بديعة
بوركت من ناقدة قدبرة.
ولك تحياتي وتقديري.
:002::011::003::001: