تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : وجبة شهية



د عثمان قدري مكانسي
21-10-2012, 02:55 PM
وجبة شهية
كنت أود البقاء في مرصد سرية المدفعية على " تل الضهور " فهو مكان مميز.. تتألق فيه الروح الشاعرية على الرغم من أن المكان غير شاعري ، والعمل ميداني .
فنحن في هضبة الجولان عام ثلاثة وسبعين وتسع مئة وألف للميلاد في حرب رمضان على خط المواجهة مع يهود ... بيننا وبينهم سهل طوله عشرة أميال وعرضه ستة ، تحيط به من الشرق تلول يربض عليه جيشنا ، ومن الغرب " تل وردة " و" تل شيخة " وغيرهما يحتلها يهود ، وإلى اليمين منا " جبل الشيخ " الوقور وعليه مرصد العدو الشهير الذي احتله بواسلنا في بداية المعركة .
هذا السهل وإن كثرت فيه التحصينات من الطرفين المتعاديين - وبين مشاة الجيشين كيلو متر واحد- فسلبته بعض جماله إلا أنه يجلو البصر ببعض خضرته وألوانه الطبيعية المتناسقة وامتداده الواسع .
كنا في هدوء بُعَيْد العصر، سبقه رعود المدافع وبريق القذائف ، نراقب الموقف عن كثب ونقدم التقارير الشفوية أولاً بأول . فلا ينبغي أن تغمض عين أو تتوانى همّة ، فعمر الإنسان هنا يقاس بالدقائق والثواني ، وقد تندلع نار المعركة في أية لحظة ...
- ما رأيك ياملازم عثمان ! هل تكلف أحدهم بالمراقبة فنلعب جولتي شطرنج ؟
- لا أرغب في هذا ، لوددت أن ألعب لعبة الأحلام ، فمنذ أن تنفس الصبح ودلّت الشمس أراني على هذه الحال ، لم يذق طرفي لذة الكرى .
وما إن ذكرت النوم حتى بدأ جفناي يتثاقلان .
- عبد َ الله راقب الوضع .. سأخلد إلى النوم دقائق ... لا تقلق راحتي إلا حين يكون الهدف دسماً
- حاضر سيدي .
استلقيت على السرير الحديدي فأنّ ، لا من ثقل ، فقد كنت جلداً على وضم ، ولكنه عاصر – على ما يبدو – إرم ذات العماد . فهو يئن على ذكراها كلما استلقى عليه راغب في الراحة... ومن عادتي إذا ناداني أحد وأنا مستلقٍ عليه أن أهز نفسي ، فيصدر قعقعة وصلصلة تفهم المنادي بأفصح لسان أنني لست نائماً...
- صاح الجندي : هدف رائع أستحق عليه جائزة بعد المعركة .
- أو عقوبة ،إن شاء الله .
- أسرع ياسيدي .. أرجوك ...
وقمت سريعاً، فقد كنت أتوقع أن أظفر بصيد ... ولكنه صيد فاق التصور حقاً ... أمسكت المنظار جيداً وأمعنت في النظر ، فرأيت على " تل وردة " جمعاً من الضباط من بني عمومتنا ، تلمع النجوم الكثيفة على أكتافهم .
- هم سبعة ياسيدي .
- بل ثمانية أو تسعة يا عبد الله .
- إنهما مجموعتان مع كل منهما خارطة .
- إنهم يشيرون إلى أماكننا، ثم يثبتون أشياء عليهما .
- ماذا يريدون ياسيدي؟ .
- لا شيء سوى إرسال الهدايا ... أليس كذلك ؟!
- ماذا ستفعل ياسيدي ؟
- ليسوا بأكرم منا ... هدايانا جاهزة ...
وأمسكت بخارطتي ... وبسرعة " متأنية " ثبّت بقلم الرصاص مكان وقوفهم .. وأصدرت أوامري إلى مربض السرية بالاستعداد ... وهم مستعدون ، طعامهم على مدافعهم ، ونومهم قرب الذخيرة ...
حددت المسافة والزاوية ، وسألت الله تعالى أن لا يخيّبني .. وأصدرت أوامري :
- سدّدْ على المسافة كذا والزاوية كذا .
- المدفع القائد .. نار ..
وانطلقت القذيفة نحوهم .... يارب : أنت اليد التي نبطش بها ، والعين التي نرى بها ، سدِّد الرميَ وأصب الهدف.
خفق القلب سريعا بنبضات متلاحقة ، فالقذيفة بينهم ... ما عدت أرى لهم وجوداً .... الخارطتان تطيران في الهواء مزقا .
- سريّة .. صلية واحدة ... نار ..
ودكّ المكانَ نفسَه اثنتا عشرة قذيفة .
" وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " ...
ظللت أرقب المكان أكثر من ساعة ونصف الساعة حتى غربت الشمس دون أن أرى فيه حركة ..
وجاء المساء .. قال عبد الله :
- العشاء جاهز يا سيدي .
- أنا لست جائعاً ، فقد كانت وجبة الليلة ساخنة شهية ....
وبعد شهور سمعت من إذاعة العدو تقييماً لحرب رمضان .. كان المذيع يقول : كان لمدفعية اللواء " الثامن والستين" السوري تأثير كبير في المعركة .
ذرفت عيناي الدموع ، ورأيتني أرفع كفيّ إلى السماء :
اللهم ’ اجعل هذا في ميزان حسناتي

د: عثمان قدري مكانسي

محمد النعمة بيروك
21-10-2012, 03:45 PM
ما أحلاها من وجبة في زمن الوجبات المرّة..
شكرا لسواعدكم التي أشفت الغليل في هذا العدو المغتصب..
وندعو الله أن يمنّ علينا بنصر لا تُراق فيه الدّماء إلا دفاعا عن أرضنا مضطرّين لا معتدين..

نص معبّر فيه من التشويق ما يجعل القارئ يحس بلحظات الإثارة فيبدو وكأنّه جندي متحمّس لقصف أعدائنا الذين يحتلّون أرضنا..

شكرا لطرحك القصصي الجميل.
.
.
.
.
.
.
.
تلال يربض عليها جيشنا
ودكّت المكانَ نفسَه اثنتا عشرة قذيفة

ربيحة الرفاعي
22-10-2012, 10:44 PM
نص موفق طرحه رائق وفكرته جميلة وسرده شائق
بلغة طيبة وحس أبي تتنفس به اللقلوب الصعداء

أحست أديبنا الكريم
لا حرمك البهاء
وأهلا بك ف يواحتك

تحاياي

د عثمان قدري مكانسي
22-10-2012, 10:55 PM
استاذي محمد النعمة بيروك
أستاذتي ربيحة الرفاعي
يسرني دخولكما صفحتي هذه ،
لكما مني خالص التحية والدعاء
كل عام وأنتما وأهل الواحة بخير

سهى رشدان
22-10-2012, 11:01 PM
اعجبني كثيرا نصك
كلل تقديري
لك التحية

د عثمان قدري مكانسي
22-10-2012, 11:04 PM
أخت سهى رشدان ، جعل الله لك من اسمك الراشد نصيب
سررت أنا كثيرا بدخولك صفحتي المتواضعة
لك خالص تحيتي

لانا عبد الستار
31-12-2012, 09:23 AM
هذا جميل وممتع
وأشفى غليلنا
أشفى الله غليلكم فيمن غلكم
أشكرك

د عثمان قدري مكانسي
28-02-2013, 07:49 PM
أستاذتي لانا عبد الستار ؛ هناك عدو ألعن من اليهود ذكره النبي صلى الله عليه وسلم :
(يقول في هذا العدو: قوم على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها )
قالوا صفهم لنا يا رسول الله ؛ قال( هم من جادتنا ويتكلمون بألسنتنا)
ألا لعنة الله على الكفرة المنافقين
....... شكراً اختي (لانا)

براءة الجودي
01-03-2013, 06:41 PM
قصة تثير الحماسة والإيمان في القلوب
نسأل الله أن يسدد رمي المسلمينعلى أعدائهم في سوريا وفلسطين وفي كل كان
بارك الله بك

ناديه محمد الجابي
01-03-2013, 08:17 PM
اللهم اجعلها في ميزان حسناتك
علي قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي علي قدر الكرام المكارم
صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة
صبرا آل سوريا فإن موعدكم النصر
إن الدماء الطاهرة التي تراق كل يوم بغير وجه
حق ترافقها دموع صادقة من قلوبنا , ولكن الله يمهل ولا يهمل.
أعذرني إن كنت قد خلطت بين حرب قديمة ـ وحرب مازالت نارها مشتعلة
وليس بأيدينا سوي الدعاء وقد قال تعالي :
{ يأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون }
والنصر قادم إن شاء الله .

كاملة بدارنه
04-03-2013, 04:04 PM
سرد رائع وجاذب حتّى النّهاية
بوركت
تقديري وتحيّتي

آمال المصري
01-04-2013, 09:32 PM
وجبة شهية بمحمولها وفكرتها الثرة وسردها الموفق
عشنا معك أحداث تشفي صدور غلت من مرارة الواقع
بوركت أديبنا الفاضل واليراع المبدعة
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

د عثمان قدري مكانسي
01-04-2013, 10:35 PM
عدت مساء من العمل اشعر بالتعب والملل اللذين يذهبهما الدخول إلى الواحة المباركة
أجد نفسي مع الأخوات ( براءة ونادية وكاملة وآمال) يزرعن أمل النصر في أرض سورية المعطاء وسمائها المضيئة
لكنّ كل تحية وإجلال
أخوكنّ عثمان

نداء غريب صبري
01-07-2013, 11:11 PM
ألا لعنة الله على الكافرين

قصة رائعة أخي
شكرا لك

بوركت

د عثمان قدري مكانسي
01-07-2013, 11:15 PM
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
سرني حضورك أختي الكريمة
نفع الله بك

د. سمير العمري
29-08-2013, 05:56 PM
قصة مشوقة تحتاجها الأمة لمسح بعض من حالة الانهزام واليأس التي تعيشها.

ونسأل الله النصر والتمكين لعباده!

تقديري

د عثمان قدري مكانسي
14-09-2013, 09:44 PM
أعود من رحلتي المتكررة إلى سورية المنهكة اليوم ، فأجد أخي الحبيب الدكتور سمير العمري يزورني ...
مررت على كثير من الأحياء في سورية لأجد الناس مصممين على طرد المجرم الذي ورث فساد أبيه وزاد عليه بما يدل على العراقة الإجرامية لآل أسد
العالم كله ضد الإسلام في سورية ، والله خالق العالم مع المجاهدين ، ..
من المنصور يا ترى ؟!!
اللهم أنت الملاذ والملجأ