مشاهدة النسخة كاملة : الثمن
سامية الحربي
25-10-2012, 11:53 PM
ما إن انتهى من إلقاء كلماته حتى دوى تصفيق حار عم أرجاء القاعة . كان يجول بناظريه في وجوههم خشية تمعر لم يكن له أثر. ارتد ليعتدل في جلسته في حبور و قد اتشح بنظرات الرضا و اكتسى بنشوة الاعجاب.
شخص واحد من بين كل الحاضرين كان أكثر منه ترقبًا و يستمع بكل جوارحه . لم يستطع أن يكتم تنهيدة وهو يغادر المكان بسرعة قبل أن يلمحه فارس الأمسية.
جلس "رضا" أمام طاولته التي اكتظت بأكوام من الكتب.كان يدفن رأسه في أحدها و على طرفها بضعة أوراق صفت بعناية , و قد خط فيها سطور اجتهد في كتابتها. كان كلما نظر إليها شعر باشمئزاز , و يسأل نفسه لماذا توقف ذلك الشعور اللذيذ الذي كان يرافقه كلما لبى نداء الكتابة؟ لماذا اصبح للقلم بين يديه وقعًا مؤلمـًا يخيل إليه في كل مرة أنه سيلفظ انفاسه ؟ .
كان كلما شعر بوهن نظر لإبنته "نداء" ذات الستة أعوام التي اعتادت الإنزواء بهدوء في أحد أركان الغرفة لتراقبه بصمت وهي تمسك بلعبتها المهترئة.
قضى النهار كله في البحث عن عمل يسد رمقه, و يجنبه نظرات الإزدراء من زوجته وعبثًا كان سعيه. استلقى على سريره يحدق في سقف غرفته المتهالكة. لم يقطع عليه خلوته سوى صوت صغيرته :
- "بابا ! ذلك الرجل الأنيق يطلبك ثانية عند الباب"
اعتدل في جلسته و أرسل نظرة شاحبة على كومة الأوراق ,ثم قلبها بين كفيه ليضعها في كف إبنته وقال بصوت متهدج:
"ناوليه إياها وارجعي بالنقود".
عبد السلام هلالي
26-10-2012, 12:08 AM
رائعة في قسوتها
ما أتعس ما نعيشه! حين يضطر الأنسان لبيع كرامته أو قطعة من لحمه أو حتى فلذة كبده. وهنا نجد بيعا من نوع آخر، وما أمره أن يبيع بنات أفكاره!
كثيرون هم الذين لا يسعفهم قصر قاماتهم في الوصول إلى مكبرات الصوت فيعتلون ظهور البسطاء أو رؤوسهم .
سطورا
أبدعت كعادتك دام ألقك. وعيد مبارك .
آمال المصري
26-10-2012, 09:58 PM
ما أقسى أن يبيع فكره ليسد رمق أو يتجنب نظرة ازدراء
وهنا كان الوقع عليه جليا حين شعر بالامتهان وماتت لديه لذة الشعور بالكتابة بعد أن جعل منها حرفة لها ثمن
أبدعت أديبتنا الفاضلة
دام ألقك
وكل عام وأنت بخير
تحاياي
كاملة بدارنه
27-10-2012, 04:20 PM
"بابا ! ذلك الرجل الأنيق يطلبك ثانية عند الباب"
اعتدل في جلسته و أرسل نظرة شاحبة على كومة الأوراق ,ثم قلبها بين كفيه ليضعها في كف إبنته وقال بصوت متهدج:
"ناوليه إياها وارجعي بالنقود".
تجارة من نوع جديد ...
هناك الكثير من المضطرين لبيع أفكارهم وعملهم الثّقافي لسدّ الرّمق
يبدو أنّ الغنى الفكري لا يسدّ كلّ الحاجات
رائعة وموجعة
بوركت
تقديري وتحيّتي
سامية الحربي
27-10-2012, 11:15 PM
رائعة في قسوتها
ما أتعس ما نعيشه! حين يضطر الأنسان لبيع كرامته أو قطعة من لحمه أو حتى فلذة كبده. وهنا نجد بيعا من نوع آخر، وما أمره أن يبيع بنات أفكاره!
كثيرون هم الذين لا يسعفهم قصر قاماتهم في الوصول إلى مكبرات الصوت فيعتلون ظهور البسطاء أو رؤوسهم .
سطورا
أبدعت كعادتك دام ألقك. وعيد مبارك .
الأستاذ عبدالسلام هلالي شرفت بمرورك وكلماتك الطيبة دمت في رعاية الله وكل عام و أنت بخير.
زهرة السفياني
28-10-2012, 08:31 PM
قصة جميلة أسلوبا ومضمونا. لامست جرحا من جروح الواقع المرير.
أبدعت كعادتك أختي. تحيتي وتقديري.
ربيحة الرفاعي
29-10-2012, 09:00 PM
سبك جميل حمل فكرة موجعة حدّ القهر
بسرد شائق واداء قصي ماتع وتدرج في الحدث يكشف العقدة بأثر رجعي
وددت لو انتبهت للهمزة وهمزة الوصل
أصبح للقلم بين يديه وقعٌ مؤلمٌ
أهلا بحضورك الفاعل في واحتك
تحاياي
سامية الحربي
08-11-2012, 05:12 AM
قصة جميلة أسلوبا ومضمونا. لامست جرحا من جروح الواقع المرير.
أبدعت كعادتك أختي. تحيتي وتقديري.
الزهرة زهـرة السفياني تحية عطرة لمرورك الطيب . أطيب المُنى. دمتِ في رعاية الله.
مصطفى حمزة
08-11-2012, 08:27 AM
أختي الفاضلة الآستاذة غصن
أسعد الله أوقاتك
لحظة وجدانيّة راقية صورها نصك السرديّ الممتع
نجحت في استخدام المنولوج الداخلي في تقديم فكرة النص ورسم ملامح الشخصية ، أما الومضة فكانت فاعلة جداً في إماطة اللثام عن كل ما تقدم : حالة الكاتب ، وتغير أهله حوله تجاهه ..
لافضّ فو هذا القلم البصير
اصبح للقلم بين يديه وقعًا مؤلمـًا = أصبح للقلم بين يديه وقعٌ مؤلمٌ
تحياتي وتقديري
ناديه محمد الجابي
08-11-2012, 05:51 PM
يبيع موهبته لمن يدفع الثمن ــ من الممكن أن نتوقف هنا لننحى باللوم
على هذا الكاتب ونصفه بالإرتزاق والإفتقار إلى عزة النفس .. هذا سهل
وهو يستحقه .. لكنى أريد تجاوز هذة الحقيقة إلى دلالتها العامة وهى أن
الأدب أصبح سلعة تباع وتشترى ــ وإذا كنا ندين هذا الكاتب فإننا ندين قبله
من رضى أن يشترى منه نتاج ذهنه وأعصابه لكى ينسبها لنفسه . الجريرة
هنا مشتركة بين الطرفين .
إن تصرف هذا الأديب الذى إضطرته مطالب الحياة إلى بيع عصارة أفكاره هو
نوع من الأنتحار مثله مثل الشباب الذين يهربون فى مراكب خربة محاولين
العبور بها إلى أوروبا بحثا عن العمل مخاطرين بحياتهم معرضين أنفسهم إلى
الغرق أو الموت جوعا وعطشا .
الأمر محزن ومؤشر إلى خلل أساسى فى حياتنا وثقافتنا وفى القيم التى نعيشها .
سعدت بقراءتى لهذة القصة التى سرقت كل حواسى ــ سرد ممتع وموفق .
جميل القلم وما سطر وموجع أيضا ــ سلمت والألق .
نداء غريب صبري
17-11-2012, 12:05 AM
ما اكثر الذين يبيعون حروفهم لكي يطعموا أطفالهم
وقد سمعت بأسما كبيرة باعت حرفها وأسما صارت كبيرة بحروف غيرها
قصة جميلة جدا
وصادقة جدا
شكرا لك
بوركت
سامية الحربي
21-11-2012, 10:11 PM
ما أقسى أن يبيع فكره ليسد رمق أو يتجنب نظرة ازدراء
وهنا كان الوقع عليه جليا حين شعر بالامتهان وماتت لديه لذة الشعور بالكتابة بعد أن جعل منها حرفة لها ثمن
أبدعت أديبتنا الفاضلة
دام ألقك
وكل عام وأنت بخير
تحاياي
القديرة الأديبة آمال المصري أسعدني أن نال النصك إعجابك . شكراً جزيلاً لك. دمتِ بخير وعافية.
سامية الحربي
21-11-2012, 10:13 PM
تجارة من نوع جديد ...
هناك الكثير من المضطرين لبيع أفكارهم وعملهم الثّقافي لسدّ الرّمق
يبدو أنّ الغنى الفكري لا يسدّ كلّ الحاجات
رائعة وموجعة
بوركت
تقديري وتحيّتي
نعم أستاذتي الكريمة كثير هم الذين تلتمع أسماءهم على أضواء غيرهم . شكري وعرفاني لمرورك الطيب . خالص تقديري و مودتي.
سامية الحربي
11-12-2012, 07:36 PM
قصة جميلة أسلوبا ومضمونا. لامست جرحا من جروح الواقع المرير.
أبدعت كعادتك أختي. تحيتي وتقديري.
الزهرة اليانعة الأديبة زهرة السفياني شكرًا جزيلاً لكِ على ما نثرته هنا من عبير . تحياتي لك وتقديري.
محمد الشرادي
11-12-2012, 07:48 PM
ما إن انتهى من إلقاء كلماته حتى دوى تصفيق حار عم أرجاء القاعة . كان يجول بناظريه في وجوههم خشية تمعر لم يكن له أثر. ارتد ليعتدل في جلسته في حبور و قد اتشح بنظرات الرضا و اكتسى بنشوة الاعجاب.
شخص واحد من بين كل الحاضرين كان أكثر منه ترقبًا و يستمع بكل جوارحه . لم يستطع أن يكتم تنهيدة وهو يغادر المكان بسرعة قبل أن يلمحه فارس الأمسية.
جلس "رضا" أمام طاولته التي اكتظت بأكوام من الكتب.كان يدفن رأسه في أحدها و على طرفها بضعة أوراق صفت بعناية , و قد خط فيها سطور اجتهد في كتابتها. كان كلما نظر إليها شعر باشمئزاز , و يسأل نفسه لماذا توقف ذلك الشعور اللذيذ الذي كان يرافقه كلما لبى نداء الكتابة؟ لماذا اصبح للقلم بين يديه وقعًا مؤلمـًا يخيل إليه في كل مرة أنه سيلفظ انفاسه ؟ .
كان كلما شعر بوهن نظر لإبنته "نداء" ذات الستة أعوام التي اعتادت الإنزواء بهدوء في أحد أركان الغرفة لتراقبه بصمت وهي تمسك بلعبتها المهترئة.
قضى النهار كله في البحث عن عمل يسد رمقه, و يجنبه نظرات الإزدراء من زوجته وعبثًا كان سعيه. استلقى على سريره يحدق في سقف غرفته المتهالكة. لم يقطع عليه خلوته سوى صوت صغيرته :
- "بابا ! ذلك الرجل الأنيق يطلبك ثانية عند الباب"
اعتدل في جلسته و أرسل نظرة شاحبة على كومة الأوراق ,ثم قلبها بين كفيه ليضعها في كف إبنته وقال بصوت متهدج:
"ناوليه إياها وارجعي بالنقود".
أخت عصن
موقف واقعي يخلو من كل مثالية. فأنبرتو إيكو في روايته الرائعة - بودولينو- قال على لسان البطل الذي هو بودزلينو ما معناه.
بعد ان يضمن المرء عيشه يمكنه ان يفعل شيئا يذكر به.
نص بليغ، به حكمة.
مودتي
لانا عبد الستار
20-12-2012, 09:23 PM
كلاهما لص
لأن الذي يسرق ذاته لص أيضا
ما أبشع هذا الواقع
أشكرك
سامية الحربي
12-01-2013, 12:40 AM
سبك جميل حمل فكرة موجعة حدّ القهر
بسرد شائق واداء قصي ماتع وتدرج في الحدث يكشف العقدة بأثر رجعي
وددت لو انتبهت للهمزة وهمزة الوصل
أصبح للقلم بين يديه وقعٌ مؤلمٌ
أهلا بحضورك الفاعل في واحتك
تحاياي
الأستاذة القديرة و الشاعرة العزيزة ربيحة الرفاعي تشرفت بمرورك و تصويبك . تحيتي ومودتي .
سامية الحربي
12-01-2013, 12:43 AM
أختي الفاضلة الآستاذة غصن
أسعد الله أوقاتك
لحظة وجدانيّة راقية صورها نصك السرديّ الممتع
نجحت في استخدام المنولوج الداخلي في تقديم فكرة النص ورسم ملامح الشخصية ، أما الومضة فكانت فاعلة جداً في إماطة اللثام عن كل ما تقدم : حالة الكاتب ، وتغير أهله حوله تجاهه ..
لافضّ فو هذا القلم البصير
اصبح للقلم بين يديه وقعًا مؤلمـًا = أصبح للقلم بين يديه وقعٌ مؤلمٌ
تحياتي وتقديري
أخي الكريم و أستاذي الفاضل مصطفى حمزة أشكرك جزيل الشكر على التعليق الطيب بورك عطاءك . دمت بخير مع التحية.
د. سمير العمري
05-05-2013, 03:39 PM
الأمر في الحقيقة أشد سوء وسوادا ومرارة مما جاء في نصك أيتها الأديبة المبدعة!
نص امتاز سبكا وطرحا وحبكا بما جعلني أسعد بأسلوبه رغم أنه يقدم فكرة مطروقة لكنه جاء بأسلوب قوي متين ومميز فجاز على التقدير!
دام هذا الألق!
تقديري
سامية الحربي
08-06-2013, 07:58 PM
يبيع موهبته لمن يدفع الثمن ــ من الممكن أن نتوقف هنا لننحى باللوم
على هذا الكاتب ونصفه بالإرتزاق والإفتقار إلى عزة النفس .. هذا سهل
وهو يستحقه .. لكنى أريد تجاوز هذة الحقيقة إلى دلالتها العامة وهى أن
الأدب أصبح سلعة تباع وتشترى ــ وإذا كنا ندين هذا الكاتب فإننا ندين قبله
من رضى أن يشترى منه نتاج ذهنه وأعصابه لكى ينسبها لنفسه . الجريرة
هنا مشتركة بين الطرفين .
إن تصرف هذا الأديب الذى إضطرته مطالب الحياة إلى بيع عصارة أفكاره هو
نوع من الأنتحار مثله مثل الشباب الذين يهربون فى مراكب خربة محاولين
العبور بها إلى أوروبا بحثا عن العمل مخاطرين بحياتهم معرضين أنفسهم إلى
الغرق أو الموت جوعا وعطشا .
الأمر محزن ومؤشر إلى خلل أساسى فى حياتنا وثقافتنا وفى القيم التى نعيشها .
سعدت بقراءتى لهذة القصة التى سرقت كل حواسى ــ سرد ممتع وموفق .
جميل القلم وما سطر وموجع أيضا ــ سلمت والألق .
الأديبة نادية قراءتك لما بين السطور ماتعة و أكثر سعدت بك و بتعقيبك الثر. بوركتِ كل التحايا و أخلصها.
سامية الحربي
08-06-2013, 08:00 PM
ما اكثر الذين يبيعون حروفهم لكي يطعموا أطفالهم
وقد سمعت بأسما كبيرة باعت حرفها وأسما صارت كبيرة بحروف غيرها
قصة جميلة جدا
وصادقة جدا
شكرا لك
بوركت
صدقتِ أختي العزيزة ما أكثر من يتوهجون بملابس غيرهم ! مودتي وتقديري.
سامية الحربي
08-06-2013, 08:02 PM
أخت عصن
موقف واقعي يخلو من كل مثالية. فأنبرتو إيكو في روايته الرائعة - بودولينو- قال على لسان البطل الذي هو بودزلينو ما معناه.
بعد ان يضمن المرء عيشه يمكنه ان يفعل شيئا يذكر به.
نص بليغ، به حكمة.
مودتي
الأستاذ محمد الشرادي صحيح فتحت مقارع العوز والفقر ربما تخلينا عن كثير من مثاليتنا .شكرًا جزيلاً لك . تحياتي الكبيرة.
سامية الحربي
27-08-2013, 08:11 PM
كلاهما لص
لأن الذي يسرق ذاته لص أيضا
ما أبشع هذا الواقع
أشكرك
الشكر لكِ أستاذة لانا ربما "الحاجة" تبرر لكليهما. دمتِ بكل خير.
هشام النجار
04-09-2013, 02:39 PM
قصة " الثمن " للأديبة المُميزة غصْن الحَرْبى تلقى الضوء الكثيف على نموذج إنساني مهم جداً ومؤثر جداً في حياتنا .. ونعولُ عليه جميعاً على طريق التغيير والتطوير والتحديث وعصمة الجموع والأمة من الزلل والانحراف والشطط .. ويا لضياع الأمة ويا لضياع الشعب إذا زلتْ قدمُ هذا النموذج في مستنقع التبعية للجموع والعامة خوفَ الشماتة أو الازدراء أو الاتهام بالجبن والتراجع والتولي يوم المعمعة .. الخ .
أو أن يزلَ ويضيع في متاهات الشهرة والأضواء.. أو أن يقعَ فريسة المال وتجار الأفكار والمواهب .
هذا النموذج الذي تتناوله هذه القصة الهامة جداً هو المفكر والموهوب والكاتب .
وفى استهلال القصة كان بطلها يُلقى كلمة أمام تياره الفكري والسياسي ومريديه وأصدقائه وأتباعه.. وهو في ذلك المَحْفل حريص فقط على نيل الإعجاب وتلقى هدير التصفيق ليشعر بعدها بخدر تلك اللذة الوهمية التي تعطيه نشوة الشعور بالتفوق والأهمية.. ولو على حساب الحقيقة ومواجهة رفاقه بالأخطاء ومواطن الضعف والزلل .
هم لا يريدون من يبصرهم بالخطأ ومن يقول لهم تراجعوا أو قفوا مع أنفسكم وقفة نقد ومحاسبة أو من يقول لهم تعالوا نصحح مواقفنا ونعتذر للناس إن كنا أخطأنا ونبدأ من جديد البدايات الصحيحة .
هم لا يريدون مفكراً ومبدعاً يأتي بالجديد .. إنما مجرد شخص موهوب في الكتابة والتنميق والتزويق يردد كلمات فارغة على طريق التقليد والجمود ترضى طموحاتهم وتدعم مصالحهم.. أما المفكر الناقد الذي يراجع ويعبر عن رأيه بحرية ويسعى لإثراء الساحة بالتنوع والفكر ويطور الأداء ويحمى الجميع من الهبوط والتدهور والانهيار فهذا مصيره الخلع منبوذاً غيرَ مرحب به .
بطل القصة هنا نموذج شائع في حياتنا الثقافية والفكرية والسياسية يُعطى لتياره ورفاقه ومريديه ما يريدون من كلمات ومعان فارغة جامدة .. فيعطونه ما يريد من إعجاب وتصفيق.. وهكذا يدفع فيقبض الثمن .
وعندما يتحول المفكر والكاتب لمجرد آلة وتابع لأغراض وحماسة المريدين يفقد على الفور لذة الإبداع والكتابة.. ويفقد حضورُه معناه وقيمته ويفقد لذة الكتابة بعد أن صارت عملاً عبثياً جباناً.. وهى التي تستمد بطولتها وقيمتها من التبصير والتفكير والتطوير والإفاقة وسوق الجماهير إلى الارتقاء والرفعة والسير في دروب العزة والمنعة بتعلم دروس الماضي واستشراف المستقبل حتى لا يضلوا ولا يهينوا.. لا أن تسوق الجماهيرُ القائدَ والمفكرَ بحماستها إلى المصير المكرر والخسارة المحتومة والهزيمة السريعة .
هنا يصبحُ الكاتب مُستباحاً والمفكر عُرضة للبيع والشراء لدى تجار المواهب ومستثمري الفكر .
ويا للقسوة والوجع عندما نرى مشهدَ النهاية والمصير لهذا المفكر الموهوب الذي قاده رفاقه وتياره بدلاً من أن يقودهم هو عندما نراه يبيعُ فكره وإنتاجه وكتاباته وبنات أفكاره التي تعب في تربيتها وتغذيتها بالعلم والثقافة والقراءة والتأمل طويلاً يبيعها لمن يدفع ويقبض مقابلها الثمن الرخيص البخس .
ازدراء ما بعده ازدراء ومهانة ما بعدها مهانة وما وصلَ إلى هذه الدرجة من الحقارة والامتهان إلا بتنازله في بداية الطريق وكونه رضي من البداية أن يكون مجرد بوق لا أكثر وأن يردد فقط ما يريد القريبون منه أن يردده .
ها قد أوصله خوفه وجبنه إلى هذا المصير المزري.. لقد خاف في البداية من المُصارحة وقول الحقيقة وحث مريديه على التراجع عن الأخطاء والاعتراف بها والاعتذار عنها لينال الرضا والإعجاب والتصفيق وأوصاف الشجاعة والبطولة .
وحتى لا يتهموه بالخور والضعف والتراجع والجبن والقفز من السفينة .. الخ .
وها هو يجنى ما قدمتْ يداه فينتهي به المطاف إلى الانزواء والعزلة ليصبحَ منبوذاً بعدَ أن انهارَ كل شيء وتم العصف بذلك الكيان الذي كان ينتمي إليه .. وكان من الممكن مبكراً إنقاذه .. فها هو يضيع وينزوي ويسجن نفسه داخلَ جدران بيته الذي لا يعرف عنوانه إلا أحد الأثرياء هواة الشهرة ممن يريدون أن يُقال عنهم مثقفون على عكس حقيقتهم .
وقد وظف ذلك المسكين لديه يكتبُ له ما يريد لينشره باسمه ويعطيه الثمن .
انه الجزاء من جنس العمل والنهاية الجديرة به عندما أعطى رفاقه ما يريدون فيعطونه المقابل الذي يريد .. وهاهو يعطى رجل الأعمال والمستثمر ما يريد من بنات أفكاره مقابل الثمن الذي يحتاج إليه اليوم في حال فقره وحاجته وعوزه .
سامية الحربي
12-12-2013, 01:40 PM
الأمر في الحقيقة أشد سوء وسوادا ومرارة مما جاء في نصك أيتها الأديبة المبدعة!
نص امتاز سبكا وطرحا وحبكا بما جعلني أسعد بأسلوبه رغم أنه يقدم فكرة مطروقة لكنه جاء بأسلوب قوي متين ومميز فجاز على التقدير!
دام هذا الألق!
تقديري
شهادة فخر اعتز بها شاعرنا و أديبنا القدير. جزيل الشكر و الإمتنان وفيض من العرفان. تحياتي كما يليق.
عبد السلام دغمش
12-12-2013, 03:16 PM
الأخت الأديبة غصن
الفكر والابداع عصارة القلب ..لكنّ هذا الأديب لم يجد ما ينصف قلمه في زمنٍ توارى فيه الإبداع خلف ستائر الشهرة والمصلحة مما اضطر صاحبنا لبيع النفيس من أجل لقمة العيش.
لفتَ انتباهي في المقدّمة أن الأديب كان جالساً ومشدوداً للالقاء.. انها الرابطة بينه وبين ما كتبه لا تتفكّ عراها.
بوركتـم.
خلود محمد جمعة
17-12-2013, 09:05 PM
الثمن
لايقدر ما يراق من كرامة واحترام الذات بكل اموال العالم
لكن
قلة الحيلة وضيق الحال أرغمته ان يعتصر قلمه وروحه معا
قصة مائزة
دمت بخير
مودتي وتقديري
سامية الحربي
01-01-2014, 08:17 PM
قصة " الثمن " للأديبة المُميزة غصْن الحَرْبى تلقى الضوء الكثيف على نموذج إنساني مهم جداً ومؤثر جداً في حياتنا .. ونعولُ عليه جميعاً على طريق التغيير والتطوير والتحديث وعصمة الجموع والأمة من الزلل والانحراف والشطط .. ويا لضياع الأمة ويا لضياع الشعب إذا زلتْ قدمُ هذا النموذج في مستنقع التبعية للجموع والعامة خوفَ الشماتة أو الازدراء أو الاتهام بالجبن والتراجع والتولي يوم المعمعة .. الخ .
أو أن يزلَ ويضيع في متاهات الشهرة والأضواء.. أو أن يقعَ فريسة المال وتجار الأفكار والمواهب .
هذا النموذج الذي تتناوله هذه القصة الهامة جداً هو المفكر والموهوب والكاتب .
وفى استهلال القصة كان بطلها يُلقى كلمة أمام تياره الفكري والسياسي ومريديه وأصدقائه وأتباعه.. وهو في ذلك المَحْفل حريص فقط على نيل الإعجاب وتلقى هدير التصفيق ليشعر بعدها بخدر تلك اللذة الوهمية التي تعطيه نشوة الشعور بالتفوق والأهمية.. ولو على حساب الحقيقة ومواجهة رفاقه بالأخطاء ومواطن الضعف والزلل .
هم لا يريدون من يبصرهم بالخطأ ومن يقول لهم تراجعوا أو قفوا مع أنفسكم وقفة نقد ومحاسبة أو من يقول لهم تعالوا نصحح مواقفنا ونعتذر للناس إن كنا أخطأنا ونبدأ من جديد البدايات الصحيحة .
....
انه الجزاء من جنس العمل والنهاية الجديرة به عندما أعطى رفاقه ما يريدون فيعطونه المقابل الذي يريد .. وهاهو يعطى رجل الأعمال والمستثمر ما يريد من بنات أفكاره مقابل الثمن الذي يحتاج إليه اليوم في حال فقره وحاجته وعوزه .
الأستاذ الأديب هشام النجار سعدت جدًا بهذه القراءة العميقة للنص .شكرًا جزيلاً لك و لوقتك .دمت بألق و توفيق. تحياتي دومًا.
سامية الحربي
01-01-2014, 08:20 PM
الأخت الأديبة غصن
الفكر والابداع عصارة القلب ..لكنّ هذا الأديب لم يجد ما ينصف قلمه في زمنٍ توارى فيه الإبداع خلف ستائر الشهرة والمصلحة مما اضطر صاحبنا لبيع النفيس من أجل لقمة العيش.
لفتَ انتباهي في المقدّمة أن الأديب كان جالساً ومشدوداً للالقاء.. انها الرابطة بينه وبين ما كتبه لا تتفكّ عراها.
بوركتـم.
صدقت أديبنا الكريم ربما بسبب الإنفجار المعرفي وربما لإنحطاط أذواق كثير من الناس وسطحيتها و انبهارهم بالإسم دون الرسم. شكرًا على هذا المرور العبق .دمت بخير وعافية . تحياتي وتقديري.
عباس العكري
24-07-2016, 11:06 AM
https://3.bp.blogspot.com/-kS8UH3wJUCs/V5SFBU2ZwOI/AAAAAAAAD50/QJzmfGGm3bMMYA0BX082g-LDcPvjp09cACLcB/s1600/%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AB%25D9%2585%25D9%2586 .png
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir