تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بين الموت والحياة



د هاني ابوالفتوح
05-11-2012, 08:21 PM
بين الموت والحياة !
نعيش في الدنيا ونعلم أننا يقينا راحلون ورغم ذلك نهرب جميعا من لحظة الرحيل ولا نفكر فيها وكيف ستكون وكيف نقابلها وهي واقع لا محال فيه , نمر في حياتنا بعبر كثيرة وحكم للخالق جل وعلا ولا نعتبر , نعيش بين غفلة ورغبة ونهرب من صحوة ورهبة , حتى الموت لم يعد لنا فيه عبرة فكم قريب وغريب علمنا بموته ونسينا الموت وسكراته ,
ولكن كيف حالك لو رأيت الموت بعينيك وعلمت أن ما يفصل بينك وبينه ما هي إلا لحظات وثوان فماذا عساك أن تفعل في تلك اللحظات التي تمر عليك كالبرق تريد أن تفعل فيها كل شيء قبل أن ينفذ فيك قدر الله ,
ومنذ أيام مضت كنت بين الموت والحياة وهاأنا اليوم قد نجوت برحمة الله وكأنما قدر الله لي أن أعيش لحظات موتي أمام عيني وأقسى ما يمر عليك أن ترى أثر لحظات موتك في عيون أبنائك وأهلك بين صراخهم وصيحاتهم وتضرعهم للخالق سبحانه ,
ما أقساها من لحظات تريدها أن تطول وأنت على يقين أنها العدم وما أقسى أن تنظر النظرة الأخيرة لصغار تتركهم في الدنيا لبارئهم وقلبك يعتصر ألما وحزنا أنك لم تشبع منهم بعد وتريد أن تراهم أكثر حين يشخص بصرك بين يدي الله وتعجز الكلمات وتفقد الحراك وأنت مشتت بين الإستعداد للقاء الله بين التشهد والإستغفار وبين الخوف على مصير هؤلاء ومستقبلهم وهم في غربة عن الوطن والأهل فتسرع بالإتصال بأقرب أصدقائك لتوصيهم بهم وكأنك تسابق الزمن لتلحق بمن يمد لهم يد العون والمساعدة من بعدك وفاءا لك ولذكراك , وحين تقف مقلتيك محدقتين أمام طفلتك الصغرى ذات العشر سنوات وهي تصرخ لالالا وتتساءل في نفسك من ذا الذي سيحن عليها مثلك بعد موتك , وحين تنظر بشفقة وألم لإبنك الوحيد ذو الإثني عشر عاما وأنت توصيه بأمه وإخوته خيراً وتطلب منه أن يتحمل الموقف بثبات وهو ينهار أمامك , وماذا عساك أن ترى مرارة بطعم العلقم وأمامك زوجتك تنظر إليك نظرة وداع في عينيها وتطلب منها أن تكون الأب والأم وهي من تتكيء عليك فتلقي عليها بكاهل الأسرة جميعا في لحظة واحدة لم تخترها ولم تستعد لها ,
هي لحظات بين الموت والحياة تتمناها ألا تمر وتقع أمام عينيك ثم تسرع بعد ذلك في سجدة لله وأنت ترجوه الرحمة بك والمغفرة لك ,
وأي حظ عاثر وابنتك الوسطى تطالبك ألا تموت وأنت لا تملك لنفسك من أمرك شيئا وأن يكون صوت ندائها آخر ما تسمعه وأنت منقول على سرير في سيارة إسعاف ,
أي لحظات ألم وعذاب وحزن ومرارة تلك وهي الحقيقة سواءا تأجلت إلى حين أو نفذت حينها وأي طعم للحياة بعد الموت وأي رغبة في كل فتن الدنيا وشهوتها بعد أن تسمرت قدماك وعجزتا عن الحراك وفقدتا الإحساس والدفء وبعد أن زاغ بصرك وصعدت روحك للحلقوم والدموع تملأ عينيك بحراً وأنت تفارق الدنيا وكنت تعتقد أنك لازلت بعد شابا يافعا , كم تدفع في تلك اللحظة لمن يهب لك لحظة حياة أخرى بعد موتك وماذا عساك أن تفعل إذا منحك الله فرصة لتعلم كيف تكون رحمة الله بعباده وماذا ينفعك في دنياك غير آخرتك , وبماذا تدعو الله تعالى الآن وقد وهبك عمراً آخر رحمة وكرماً وعطاءاً من غير حساب من الخالق الوهاب , وبأي المحامد والشكر ستشكر رب النعم ذو الفضل السميع العليم ,
قصتي أحكيها عبرة لنفسي ولغيري فسبحان من بيده ملكوت السماوات والأرض من جعل لكل أجل كتاب فإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستئخرون ,
اللهم إنك أريتني الموت رؤيا العين ووهبتني الحياة من رحم الممات فكيف لا أكون من الشاكرين الذاكرين الأوابين فاللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ويسر لي عند الفراق وعبراته والموت وسكراته ولا تجعل الدنيا في قلبي وإجعل لي في الآخرة حظا أوفر من دنياي وإغفر لي إني كنت من الظالمين .

عبد السلام هلالي
05-11-2012, 09:06 PM
خاطرة من فيض الواقع فيها من العظة والعبر ما نحن في أمس الحاجة له.
نسأل الله أن يلين قلوبنا للحق ويهدينا إلى ما نحبه ونرضاه.
أثابك الله بكل حرف حسنة ، وآتاك أجر من قرأها وأجر من اتعظ بها.
تحيتي وتقديري.

مرمر القاسم
07-11-2012, 04:09 PM
يصدف ألا يمر المرء بالموت ويعود إلى الحياة في بلاد تكرم الإنسان،
ولكن في بلداننا نمر به كل حين،وربما أكثر مما يتصور القارئ، كأننا نستعذب الكرّة،

حمدا لله على سلامتك،
زهر زهر،،

كاملة بدارنه
07-11-2012, 05:29 PM
حمدا لله على سلامتك دكتور هاني
وصفت بدقّة شعور المفارق لهذه الدّنيا وما يعتريه من قلق لحظة يشعر أنّ النّهاية قد أزفت
سبحان الله! مع يقيننا أنّ العودة إلى يدي الرّحمن خير من البقاء على وجه الأرض الفانية، إلّا أنّ الخوف من المجهول يبقينا متعلّقين بحبال الدّنيا، ويصعب علينا إفلاتها قلقا على من نحبّ...
عشت مثل هذه المشاعر مع أفراد كنت برفقتهم أثناء لحظاتهم الأخيرة في الحياة
أطال الله في عمرك
تقديري وتحيّتي

آمال المصري
10-11-2012, 07:09 PM
حمدا لله على سلامتك أخي الفاضل
ربما لايشعر الكثيرون بهذا الصراع النفسي الذي انتابك إلا من كان يوما على شفا هلاك أو موت فتتزاحم كل الحقائق المؤلمة في آن واحد رغم فقد الكثير من الحواس وقتها
حرف مليء بالعبر والعظات لمن يتعظ
دام ألقك شاعرنا
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

فاطمه عبد القادر
11-11-2012, 12:23 AM
قصتي أحكيها عبرة لنفسي ولغيري فسبحان من بيده ملكوت السماوات والأرض من جعل لكل أجل كتاب فإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستئخرون ,
اللهم إنك أريتني الموت رؤيا العين ووهبتني الحياة من رحم الممات فكيف لا أكون من الشاكرين الذاكرين الأوابين فاللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ويسر لي عند الفراق وعبراته والموت وسكراته ولا تجعل الدنيا في قلبي وإجعل لي في الآخرة حظا أوفر من دنياي وإغفر لي إني كنت من الظالمين .

السلام عليكم
شعرت بكل حرف كتبته عن هذة التجربة أخي العزيز
لأنها قد حصلت معي بكل مشاعرها ,ولم تكن لحظات عابرة ,بل كانت تجربتي شهورا طويلة,
تعايشت فيها مع الموت بكل أبعاده النفسية ,أحسست به يدور حولي ,ويلامس أطرافي ,ووجهي ,,ويدخل مع أنفاسي ,ويتسلل لحلقي .
تجربة صعبة حقا ,وأصعب ما فيها هو فراق من تحبهم ,,وهم يحتاجونك بعد
صعبة جدا ,,ولكنها تترك خلفها أفكارا جديدة ,ومفهومات جديدة ,وإيمان بالله لا حدود له
سلامتك من كل شر أيها العزيز
لكل أجل كتاب
سبحان الذي بيده الملك, يحيي من يشاء,, ويميت من يشاء
نثر جميل
شكرا لك
ماسة

سامية الحربي
11-11-2012, 01:26 PM
(فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ *وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ)
بين الموت والحياة دروس وعظات ليست للأموات بل لأولئك الذين مازالوا في فسحة من أمرهم . كفى بالموت واعظًا وقد رسمت بحرف شفيف ملامح تلك اللحظات . بوركت . كل التحايا.

ربيحة الرفاعي
14-11-2012, 12:32 AM
بمهارة معايش صادق ودقة في الوصف ملفتة صورت لنا لحظات في استذكرها عظة والحديث فيها ذكر
شكر الله لك روعة ما أفضت من حس بنصك الجميل هذا

وأهلا بك في واحتك

تحاياي

نداء غريب صبري
24-11-2012, 03:39 PM
وما أقسى أن تنظر النظرة الأخيرة لصغار تتركهم في الدنيا لبارئهم وقلبك يعتصر ألما وحزنا أنك لم تشبع منهم بعد وتريد أن تراهم أكثر حين يشخص بصرك بين يدي الله وتعجز الكلمات وتفقد الحراك وأنت مشتت بين الإستعداد للقاء الله بين التشهد والإستغفار وبين الخوف على مصير هؤلاء ومستقبلهم وهم في غربة عن الوطن والأهل فتسرع بالإتصال بأقرب أصدقائك لتوصيهم بهم وكأنك تسابق الزمن لتلحق بمن يمد لهم يد العون والمساعدة من بعدك وفاءا لك ولذكراك

آخر ما يفكر به المرء في ساعة الرحيل هو من يتركهم في الدنيا وراءه
والذي يستولي على تفكيره هو القادم، لقاء الله والحساب وما قدم

النص جميل وفيه وعظ

شكرا لك أخي

بوركت

ناديه محمد الجابي
22-03-2020, 10:35 AM
كفى بالموت واعظا ـ وهو الواعظ الصامت يأخذ بدون استئذان
قال الله - جل وعلا - : (( وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الغُرُورِ)).
فمهما طال العمر فلابد أن يأتي ذلك اليوم والعبد لا حراك
جفت منه العبرة، وثقل منه اللسان، واشتدت به الأحزان
ينظر إلى من حوله من الأبناء .. وتتسابق الزفرات، وتعقبها السكرات والحسرات
فتخرج الروح وتبقى السيئات والحسنات..
فلنعمل لهذا اليوم فاليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل.
موضوعك رائع بما فيه من تذكرة وعبرة وعظة
أطال الله عمرك في طاعته ورضاه وملأه بالإيمان ورضى الرحمن.
تحياتي وتقديري.
:tree::001::tree: