المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لقاءٌ .. ليلي



أحمد عيسى
11-11-2012, 07:44 PM
لقاءٌ ... ليلي


قالت لي :

يا لهؤلاء الرجال ..
هل تشعرون بالأنثى ؟
غربتها وضياعها والغرق الناجم عن فقدان البوصلة واللهاث عبر الأماكن المنسية عن المادة وحسب
فكتبت لها :
لقاءٌ ليلي
وأهديته لها
والى كل أنثى ...


الى العزيزة : مها

نعم .. أنا على الموعد
مساءً ، حين يعلن القمر الفضي عن بلوغه منتهاه ، سأكون أنا وأنتَ ، نتمرن على رقصتنا الأولى منذ تركتك ، أم تركتني أنتَ ؟ لا فرق ، فالدهشة من افتراقنا كانت وحدها كفيلة بازاحة التساؤلات كلها لصالحها وحدها – الدهشة وحسب .
هذا الحب الذي أضحى رهين المدن المنسية ، يحتمي اليوم خلف أشياء لم تزل في قلبي ، لم تمت ولم تضعف رغم الغربة التي عايشتها وقضت على بعض احساسي .
عندما يعود زوجي كل ليلة منهكاً ، أتعذر به ، وأهرب منه اليه ، تكبلني حواجز تبدأ من كياناتي الصغيرة ، التي تتشبث بي في قوة كأنهم يخافون سقوطي أو اقلاعي بعيداً ، ولا تنتهي الا بهم .
هؤلاء الأطفال الثلاثة ، كم أحبهم ، وتزهر روحي بوجودهم ، ما أجمل البكاء حين يكون مقترناً بهكذا حب ! لكن البهجة ستختلف ، حين يكون الحب حائراً ، لأنه يكبلك ..
لماذا يسعدني البكاء ؟ ويصبح خير سفير لي ؟ عندما أجد الطرق كلها مقفلة ، والموانئ كلها فارغة لأن كل سفينة تحمل قلبي غادرتني ، وكل موجةٍ تحفظني عادت دوني ، يا لهذا المساء الذي لا يريد أن يأتي ..
أمام كل هذا الوجع ، مجبرةٌ أنا على تذكر التفاصيل ، وحدها تجعل الأيام تختلف ، أم تراني أهذي ، أخدع نفسي وحسب ..
بالأمس عاد زوجي قبل موعده بدقيقتين ، وهو لعمري أمر نادر الحدوث ..
كنت أنتظره ، فلم أنجح كعادتي في الوصول الى باب المنزل لاستقباله ، لأنهم مرة أخرى .. كبلوني .. طلب الأول أن أحمله ، والثانية أن أصنع لها وجبة ساخنة ، وتعثر الثالث أمامي ، ليصنع من جسده الصغير حاجزاً يمنعني من بلوغ هدفي ..
التفاصيل وحدها ، تجعل مني أختلف .. لهذا غيرت تسريحة شعري مراراً ، دون أن يراها أحد ، او يبدي اعجابه بها أحد ، حتى أني كنت أصنعها وأنساها ، فلا تسعفني المرآة في تذكرها ، أو تذكر نفسي ..
لكنها تستفزني .. هذه المرآة ، وصورتي التي تبدو مموجة فيها ، تروق لي كل التفاصيل الا هي ، نعم أعشق كل شيء على حدة ، أحب شوارع هذه المدينة المتحضرة ، أحب زوجي الطيب ، وأدمن أولادي وشقاوتهم ، لكن الصورة مركبة تبدو غريبة علي ، هل هذه أنا حقاً ؟
أمد يدي لألمسها – هذه المرآة – آملاً أن أنجح في اختراقها ، ، لأجد نفسي هناك ، حيث أردت أن أكون ..
هل يمكن لجدار المادة أن يضع حاجزاً أمام القلوب العاشقة ؟ أن يعطل مشاعرنا فتصبح باردةً غريبةً ، تشبه كل شيء نلمسه هنا .. ؟
وحدك أنت تختلف ، في لقائنا معانٍ أخرى كنت قد نسيتها ، ورحلات مجنونة أكون أنا بطلتها ، وحدك تعرف كيف تقودني وأقودك ، تشتعل مع رغباتي ، وتنتفض مع غزواتي ، وتصير فارسي الأوحد ، أقودك عبر دروب كنت أحفظها ، فلا أخشى أن أتوه ، لأنك وحدك تستطيع اخراجي ، والعودة بي ، لا تهمك الغربة ، ولا تقف أمامك الحواجز وجوازات السفر ، وحدك تتخطى الأزمنة والأمكنة ، وتجعل المستحيل ممكناً .
لموعدنا هذا كانت تلزمنا جرأة وقدرة على التمرد ، ومساحة عميقة من التجرد ، بعيداً عن التفاصيل والذاكرة ، فلماذا نلتقي اليوم خائفين تطاردنا ارتعاشة اللحظة الأولى .. كأني بك لا تعرفني ، وكأني بي لا أعرفك ، وأنا التي حفظتك وخاضت معك دروباً تبدأ هناك ، حين كان اللقاء الأول ، ولا تنتهي أبداً ، لأن الخيال لا يحده المكان .
اليوم أعانقك ، حين أجهز اللقاء الذي طال انتظاره ، أضع أحبتي الصغار في أسرتهم ،
أرسم قبلة صغيرة على ثغر زوجي المتعب ، أتسلل الى مكتبه ، أبحث عنك بين أدراجه ،
تختلج مشاعري وأنا أحتضنك مرة أخرى ، لتعانق أوراقي من جديد ،
فتسافر بي رغم القيود ...
الى الوطن .

مصطفى حمزة
11-11-2012, 08:14 PM
أخي العزيز ، الأستاذ أحمد
أسعد الله أوقاتك
جوابٌ على عتابها ...فيه قصّة
قصّة حبٍ قديم بينهما ، مسرحها الوطن ، وزمانها قديم ...يومي إليه عدد أطفالها
قصّة حبٍ انتهت بزواجها من غيره وسفرها ، ولم تنته في قلبها وذاكرتها ..وقلبه وذاكرته .. فها هو يكتبها هنا ...بعد حين
استطعتِ أخي أحمد بمهارة عالية ، وصدقٍ فني بارع ؛ تقمص شخصيّة تلك الحبيبة القديمة المقيمة بالقلب ، ورسم ملامحها
النفسية والعاطفية بتقنية الحديث الداخلي ( المنولوج ) ... ومن خلاله أيضاً استطعت بمهنية عالية تقديم كل ما تضمنته القصّة
من عناصر ، وصراع وجدانيّ
أمتعتنا بهذا النصّ الفذّ الجميل المؤثّر
تحياتي وتقديري

ياسر ميمو
12-11-2012, 12:17 AM
السلام عليكم


ما شاء الله وتبارك الرحمن


من أجمل ما قرأت في الآونة الأخيرة

نص يستحق كل الحفاوة والتكريم

أهنئك أستاذ .... أحمد


أيامك رضا وسعادة

كاملة بدارنه
12-11-2012, 07:29 AM
هي الصراعات ما بين الزوج والعشيق ...
قوية الحبكة وجميلة السرد
بوركت
تقديري وتحيتي

مازن لبابيدي
12-11-2012, 08:12 AM
كاتب مبدع كبير أنت يا أحمد عيسى
ولجت بقارئك في عالم قلبي تغمره المشاعر ليتعرض لبوح مباشر يسبق القول ربما .
أرى إسقاطا تبينت ملامحه لي في الخاتمة بأن بطلتك كانت تناجي في داخلها وطنا بعيدا غادرته وتشظت بعده بين حبه القديم الراسخ في قاع الروح والنفس وحب أحدث قوامه الزوج والأولاد .
فهي أبدا بين هذا وذاك ، هذا يشدها ويحيط بها ويملأ حياتها ، وذاك يجذبها من بعيد ويؤجج شوقها وذكرياتها ، وربما تغلب على ضعفها أمامه ففرت إليه بشطرها من شطرها الآخر .
حوار ذاتي رائع كما ذكر أخي مصطفى ، تغلب على السرد واحتواه .

تقديري وتحيتى أخي الحبيب أحمد

أحمد عيسى
12-11-2012, 12:07 PM
أخي العزيز ، الأستاذ أحمد
أسعد الله أوقاتك
جوابٌ على عتابها ...فيه قصّة
قصّة حبٍ قديم بينهما ، مسرحها الوطن ، وزمانها قديم ...يومي إليه عدد أطفالها
قصّة حبٍ انتهت بزواجها من غيره وسفرها ، ولم تنته في قلبها وذاكرتها ..وقلبه وذاكرته .. فها هو يكتبها هنا ...بعد حين
استطعتِ أخي أحمد بمهارة عالية ، وصدقٍ فني بارع ؛ تقمص شخصيّة تلك الحبيبة القديمة المقيمة بالقلب ، ورسم ملامحها
النفسية والعاطفية بتقنية الحديث الداخلي ( المنولوج ) ... ومن خلاله أيضاً استطعت بمهنية عالية تقديم كل ما تضمنته القصّة
من عناصر ، وصراع وجدانيّ
أمتعتنا بهذا النصّ الفذّ الجميل المؤثّر
تحياتي وتقديري

الأستاذ القدير : مصطفى حمزة

هي قصة حب ولا شك ، لكن الحب ليس دائماً حب العشيق
بل أن الأنثى تعشق أحياناً تلك الأداة السحرية التي تسافر بها عبر الأماكن والأزمنة
وحدها أداتها تلك ، تعطيها القدرة على الحياة والخروج عن المألوف حين يحاصرها المألوف والمتكرر في كل مكان
لعلي لم أقصد العشيق بالتأكيد
ولعلي أيضاً أكون طامعاً في قراءة أخرى

تقديري أستاذي

ربيحة الرفاعي
18-11-2012, 07:17 PM
[CENTER]
هل يمكن لجدار المادة أن يضع حاجزاً أمام القلوب العاشقة ؟ أن يعطل مشاعرنا فتصبح باردةً غريبةً ، تشبه كل شيء نلمسه هنا .. ؟
وحدك أنت تختلف ، في لقائنا معانٍ أخرى كنت قد نسيتها ، ورحلات مجنونة أكون أنا بطلتها ، وحدك تعرف كيف تقودني وأقودك ، تشتعل مع رغباتي ، وتنتفض مع غزواتي ، وتصير فارسي الأوحد ، أقودك عبر دروب كنت أحفظها ، فلا أخشى أن أتوه ، لأنك وحدك تستطيع اخراجي ، والعودة بي ، لا تهمك الغربة ، ولا تقف أمامك الحواجز وجوازات السفر ، وحدك تتخطى الأزمنة والأمكنة ، وتجعل المستحيل ممكناً .[/FONT][/COLOR]
لا شئ يشبه القلم عندما ينطلق على وجه صفحات البوح معلنا انفلات مشاعرنا خارج حدود الصمت، ولا حرف يشبه ذلك الذي يناجي وطنا بعيدا قامت دونه حدود الواقع بهجرة اختيارية أو قسرية ، فنحن لا نهجر اوطاننا مختارين حين نعدو خلف أرزاقنا الهاربة

حوار داخلي بديع رسم حدود الوجع بمهارة وأوصل معانيه بحرفية القول وذكاء الصياغة توجه فهم القارئ إلى حيث يريد الكاتب

جميل ما قرأت هنا قصا وحسا

أهلا بك أديبنا الكريم في واحتك

تحاياي

أحمد عيسى
18-11-2012, 09:26 PM
السلام عليكم


ما شاء الله وتبارك الرحمن


من أجمل ما قرأت في الآونة الأخيرة

نص يستحق كل الحفاوة والتكريم

أهنئك أستاذ .... أحمد


أيامك رضا وسعادة



الزميل المبدع : ياسر ميمو

أشكرك لمرورك الرقيق ، وسعدت أن النص أعجبك

تقبل تقديري على الدوام

نداء غريب صبري
20-11-2012, 05:02 PM
فهمتها جيدا
أنا انزوي لكل ليلة مع صوره وذكرياته أبثه شوقي منذ ألقاني بطش الطافية خارجه
لا حب يشبه حب الوطن

شكرا لكك اخي

بوركت

براءة الجودي
02-02-2013, 07:41 AM
أخي أحمد عيسى لك مهارة عالية في فن السرد القصصي وإحداث المتعة فعشنا مع أجواء هذه المرأة وخبها وذكرياتها
ألفاظك قوية وبهية هنا , شكرا لك

ناديه محمد الجابي
10-05-2017, 06:48 PM
أرسم قبلة صغيرة على ثغر زوجي المتعب ، أتسلل الى مكتبه ، أبحث عنك بين أدراجه ،
تختلج مشاعري وأنا أحتضنك مرة أخرى ، لتعانق أوراقي من جديد ،
فتسافر بي رغم القيود ...
الى الوطن .

هو عشق حقيقي .. للقلم الذي تعانق به الأوراق ، وتسافر به
لا تحده ولا تمنعه حواجز أو جوازات سفر ـ تتحدى به الأزمنة والأمكنة
وتسافر به ومعه إلى الوطن ..

كعهدي بكل كتاباتك التي تأسرني ، وتتركني مترعة بالجمال والدهشة..
هذا حرف أديب ، وأسلوب متمكن، وأداء مبدع
حرف منسوج بمهارة، ولغة راقية زاخرة بالحس والمشاعر
كم أتمنى أن أقرأ جديدك
ولك تحياتي وتقديري وكل ودي.
:os::os:

د. سمير العمري
04-07-2019, 04:06 PM
في منهج التطرف السلوكي تتقاذف ألأمة موجات الإفراط والتفريط ، ومن بين هذا ما يصيب الأمثى في واقعنا من جور عليها وتنكر لحقوقها ومشاعرها ، ويقابله تسلط الأنثى وإفراطها في الانتفاض ضد هذا الظلم بظلم يقابله بل وتعد بات يرسم ملامح أنثى هذا الزمان.

نصك رائع أدبيا ومميز في أسلوب طرحه بأسلوب المنولوج الذي يرصد ويصف القصة ليوصلها متكاملة إلى ذهن المتلقى.

تقديري