تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : نَزيف منْ خَاصرة الغياب



نسرين بن لكحل
22-11-2012, 02:26 PM
يا أنتَ يفعل بي غِيَابُكَ كَثيرًا مِنَ الأشْياء التّي تُفْقدني عقْلي و صَوَابي ، تسْرقُني منْ أهْلي ، رفَاقي و كلّ العُيون .
أظنهم مَا حدّثوك، و أظنّك مثلَهم جاهلا بما يَفعَلُه الغيَابُ بي .
سأحدّثك فألق السّمع و استمع،و كنْ مستعدا بما يكفي، قدْ تَسمع مَا يُرضيك ، و قدْ تسْمعُ ما لا تَشتهيهِ.فجلْجَلة أجْراس الغِيَاب مُزْعِجة يضِجّ مِنها السّامعُون ،
أمَا حدّثوك عن قلْب هَارب مِنْ صَاحبه . مُتباينة نبضَاته ،متثاقلة أنْفَاسه ،قاتمة سماؤه ،فالضّباب بّسّط رداءه عليها ،جدبَاء أرْضه فالغيم عاَنق بعْضه عِنَاقا عقيما ،شقية أوجَاعُه ،حينا هادئة
و حين تتسرب من سَمّ الفرح العَابر ِفيه ، تلْدغ خدّه ،فتمتصّ غمّازته نكَداً ،
و تَسْتحيل بَسْمته دمعًا . غريبةٌ هي أطواره ،و غَريب أنّك لم ترَ الحياة تسْري فِيه حين مجِيئك . تنقشِع غَشَاوة العتاب عَن عيني،فأبْصرك كَما لوْ أني أراك أول مَرة ،كأنك وربّي قَميص يوسف ،رَددت للرّوح بَصرها بعد أنْ كانَت ضريرة .
أما حدّثوك عني حين أتلوّى مِن شِدّة الوَجد ،فَيُسْرج الشغف جمراته ، و يُضرم نَاره في قُصَاصة دَمي . يَفُور الحنينُ في مَسَامَات جلْدي ، أتكوّر علَى ذاتي ،تصْطَك فَرائِسي .غَليان في وريدي ، بَرْدً يعْصِفُ بأوْصَالي، كالمحْموم ،تدثّرني بعْض ذكرياتنا ،غيْر أنّ ريح الغِياب تصْفعني بكفّها .
و تنزَع عنّي غطائي .تصْرَخُ فيّ روحي هاتفةً :أيْنك لتزمّلني ؟فقد جمّد البعْد دَمي .
ما حدّثوكَ عَنْ فراغ يَضيقُ في غِيابَك، تملأ تَجَاويفه زفَرات رُوح متَصَاعدة كَدخان في سَماء الوجْد.تبسط سحابها الرّمادي غِشَاوة عَلى عَيني .تحْجبني عَن رؤية سِواك . فلا أرَى في كَبد السّماء شمْسا إلاك ، أسمع اسمْك في أحَاديث العَابرين ، و ألمحُ طيفك بيْن ثنايا المارين.
يا أنت ،يَلُوكني الغِيابُ ، و يطْرحني عَلى كَفّي الوجع ،يفْركني الأنين ،و تتبعْثر حَواسي شَريدة في انتَظار لحْظة تطلّ فيها عليّ ليلتَم شملي ،و يَسْري الدم في دمِي .و تنهضَ الرّوح في جَسَد تَثاقل دَبيبُ الحَياة فِيه منْ فَرط الحَنين .
يا أنتَ في غيابك أتحسّس قَلبي في صَدري .هَل هُو باق فِيه أم غَادرهُ معَك ؟
فمُذْ أحْببتك صِرتَ صَاحبه بعْدي ، فلمّا احترفتَ الرّحيل خِلتُه قفز مِن بين ضُلوعي ليَخْتبئ في جيْب سترتِكَ ..
يا أنت حُضورك يُبعثرني أمّا غِيابك فيفقدني كَينُونَتي ..
بالأمْسِ كَان يمْلؤني حُضُورك ،أمّا اليَوم فَضَاق فُؤادي بأنْفَاس الغِياب.و مَا عَاد للقَلْب صَبْر.فقد أثقلَتْ كاهِلَهُ صَنَاديق أشْواق عجّت بمَا فيها.و لم تأتِ أنتَ لتفْرغَها فِي كفّيكَ بَوْحًا و شَغَفًا
و روحًا تَرْتبَكُ بَينَ يَدَيك .تنْثُر زهْر اللّوز عَلى رَاحَتيْك ،و ودّت لو تسْكُب في روحِك مِنْ رُوحِهَا مَا يَضيفك أعْمَارا الى عُمْرِك لَو اسْتطاعَت إلى هَذا سبيلا . لَكنّك اتّخذت الغيابَ خَليلا، مَا ملّ أحَدكُمَا صَاحِبهُ ،
و مَا استْطعت أَنا على هجْرك صَبْرًا ،فضَاقَتْ عَبَاءة الصّبْر عليّ حَتىّ تَفَتّقَت ،فَبَدَتْ من الثّقُوب عَنَاكبُ الحَسَرات، و قَدْ نَسَجت بِيِوتهَا لَوْعَات الأسَى ،و أبْلاها سَيْل عَرِم فَاضَ منْ مُقْلَتي.
ماعَاد للقلْب صَبر يَرْتديه حبن البأس،و لا أمَل فيك يتّخذه وشَاحا يقيه صَفعَاتِ الظّنون .كمْ انتظرتك علَى قارعة الذّكريات ؟لتكسر حَاجز اللاّمدى و تعود اليّ كمَا عهَدتك قبْلا ، لكِن هَيْهَات، هَيهاتَ يَلْتئم جُرح غَائر في صَدر المرآة .
و تأتيني مثقلا بكل شيء .فارغة روحك من حفنات الشوق ،تبتغي مني جرعات عشق ،
أ نسيتَ أن في العشق كما تعطي تنال ؟ لكنك ترفض قولي و تصرخ في وجه الحقيقة هاتفا ، مَلعُون مَنْ نزَغ بَيْني و بينَك ، آثم مَشّاء بالنميم ،
يا أنتَ ،بَريئة مِنْ عِشْقنا المهْدور ألْسِنةُ الوشَاية ، بَرَاءة الذّئب مِنْ دم يُوسف ..وحْدَك المُذْنِبُ الآثم ، تجرَّعْتَ الغِياب حَتّى أدْمَنْتـَه .فَلا تُلْق بِذَنْبك عَلَى من سواك .. هَذا الغَِيَاب قَصَمَ ظَهر الصَّبر المُنْهَك في ضُلُوعي ، وَهَنَتْ قِوَاي،و هَرمَتْ قصّتنا قَبْل الأوَان.فساعدُ العشْق تَآكَلَتْ عِظامه حِين نَخرتْهُ سُوسَة مُبرّراتك الوَاهية و أكَاذيبك الزّائِفة .
فاحمِْل زُورَكَ وَ عُدْ منْ حَيثُ أتَيْت ،فَبعْد أن ْكَان الغيابُ يجْعَلُني مُكْتَظّة بحَنين يَضِيقُ منهُ الفَضَاء ،أضْحى حُضُورك مكْتضا بِعتَاب
و هَوَاجس ضَاق بها فِضَاء الغَرَام.فانظر ما فعَل الغِياب ،أغْرقَ ذاكِرتي فِيك حدّ الامتلاء، أفْرَغَ رُوحِي منْكَ حدّ اتّسَاعَ الفضاء .

كاملة بدارنه
22-11-2012, 03:39 PM
هو نزيف من شهد الكلام صبّ على الجروح كي يساعد في التئامها...
بوح رائع وعتاب هزّ الصّفحات إعجابا... وتمنّيت لو راجعت هذا الجمال جيّدا قبل النّشر
بوركت
تقديري وتحيّتي
(همسة: جاهلا - مزعجةٌ -رداءه - بردٌ - ليختبئ - صبرٌ - سترتِكَ - عناكبُ - صقعاتِ - مكتظا )

نسرين بن لكحل
22-11-2012, 03:59 PM
هو نزيف من شهد الكلام صبّ على الجروح كي يساعد في التئامها...
بوح رائع وعتاب هزّ الصّفحات إعجابا... وتمنّيت لو راجعت هذا الجمال جيّدا قبل النّشر
بوركت
تقديري وتحيّتي
(همسة: جاهلا - مزعجةٌ -رداءه - بردٌ - ليختبئ - صبرٌ - سترتِكَ - عناكبُ - صقعاتِ - مكتظا )


أستاذتي الفاضلة كاملة بدرانه
يسعدني حضورك دائما ، و يشرفني رأيك ، أنتظرك دائما ،و أعتز باعجابك .
أشكرك على التصويبات ،ربما هذا راجع لسرعتي في شكل الكلمات، مع هذا يخجلني حقا أن تحوي نصوصي مثل هذه الهنات ... فجمال النص في دقته التي تضفي لمسة أدبية على محتواه .سأحاول تعديلها الآن .
شكرا من الأعماق لك أستاذتي
:0014::0014::0014:

عبد السلام هلالي
22-11-2012, 04:20 PM
وجدت هنا موجا متلاطما من الجمال، طاب لي الغوص في بحره. كلمة تسلمني لأخرى وسطر يرمين لسطر، وبعد انتهاء الغوص أجد العطش مازال متربصا بي لأعاود الغوص.
كل متجانس من الجمال لم أستطع فيه الفصل بين لغة وأسلوب وصور إحساس. عتاب رائع ونهاية جميلة كرمز للانعتاق.
دمت مبدعة ودام لك الهناء.

سهى رشدان
22-11-2012, 09:29 PM
أيتها الرائعة
ماهذا الحرف السامق؟
الله
كم استمتعتُ هنا
وكم طاب لي المكوث مع هذا النص الجميل
دمتي متألقة
وكل تقديري

نسرين بن لكحل
23-11-2012, 12:39 PM
وجدت هنا موجا متلاطما من الجمال، طاب لي الغوص في بحره. كلمة تسلمني لأخرى وسطر يرمين لسطر، وبعد انتهاء الغوص أجد العطش مازال متربصا بي لأعاود الغوص.
كل متجانس من الجمال لم أستطع فيه الفصل بين لغة وأسلوب وصور إحساس. عتاب رائع ونهاية جميلة كرمز للانعتاق.
دمت مبدعة ودام لك الهناء.



تزينت الحروف بمرورك الجميل أخي الكريم عبد السلام
يسعدني أن أرى منك ثناء على حروفي .
تشكرك الحروف لمرورك عليها .
و أشكرك أنا أكثر
دمت بخير دائما
خالص تحيتي
:0014::0014::0014:

لانا عبد الستار
23-11-2012, 06:49 PM
ما أجمل هذا العتاب الرقيق الجريح
أثرت بي كلماتك
أشكرك

ربيحة الرفاعي
25-11-2012, 11:46 PM
[فمُذْ أحْببتك صِرتَ صَاحبه بعْدي ، فلمّا احترفتَ الرّحيل خِلتُه قفز مِن بين ضُلوعي ليَخْتبئ في جيْب سترتِكَ .
يا أنت ،يَلُوكني الغِيابُ ، و يطْرحني عَلى كَفّي الوجع ،يفْركني الأنين ،و تتبعْثر حَواسي شَريدة في انتَظار لحْظة تطلّ فيها عليّ ليلتَم شملي ،و يَسْري الدم في دمِي .و تنهضَ الرّوح في جَسَد تَثاقل دَبيبُ الحَياة فِيه منْ فَرط الحَنين .
يا أنتَ في غيابك أتحسّس قَلبي في صَدري .هَل هُو باق فِيه أم غَادرهُ معَك

بوح تدفق على عطش الروح غيثا فروى، لتهتز وتربو جنائن خضراء، للهوى فيها معان لها الحروف ترق وللنوى على وجدان التلقي معنى يوجع ويشق..
شاعرية حرف ورقة شعور وألق حضور
لا حرمك البهاء

وأهلا بك أ ديبتنا ف يواحتك

تحاياي

سامية الحربي
26-11-2012, 12:50 PM
"يا أنت ،يَلُوكني الغِيابُ ، و يطْرحني عَلى كَفّي الوجع ،يفْركني الأنين ،و تتبعْثر حَواسي شَريدة في انتَظار لحْظة تطلّ فيها عليّ ليلتَم شملي ،و يَسْري الدم في دمِي .و تنهضَ الرّوح في جَسَد تَثاقل دَبيبُ الحَياة فِيه منْ فَرط الحَنين "

الأديبة نسرين بن لكحل نزفتِ هنا جذوة تصرخ في وجه الغياب باقتدار وحده الغياب هو من يبعثرنا و أي غياب ؟ بوركتِ خالص تقديري.

نداء غريب صبري
07-12-2012, 09:20 PM
نثر جميل نزفت المشاعر حروفه ونزفنا معه

شكرا لك أختي

بوركت

نسرين بن لكحل
15-02-2013, 08:20 PM
أيتها الرائعة
ماهذا الحرف السامق؟
الله
كم استمتعتُ هنا
وكم طاب لي المكوث مع هذا النص الجميل
دمتي متألقة
وكل تقديري

الكريمة سهى أهلا بك دائما في القلب قبل النص .
أفتقد اطلالتك البهية المشرقة .
كوني بخير أخيتي الرائعة .
محبتي .

نسرين بن لكحل
15-02-2013, 08:23 PM
ما أجمل هذا العتاب الرقيق الجريح
أثرت بي كلماتك
أشكرك

العزيزة لانا
أشكرك من القلب على متابعتك الدائمة .
تحياتي لك أيتها النقيّة.
محبتي .

فاطمه عبد القادر
16-02-2013, 02:32 AM
هَذا الغَِيَاب قَصَمَ ظَهر الصَّبر المُنْهَك في ضُلُوعي ، وَهَنَتْ قِوَاي،و هَرمَتْ قصّتنا قَبْل الأوَان.فساعدُ العشْق تَآكَلَتْ عِظامه حِين نَخرتْهُ سُوسَة مُبرّراتك الوَاهية و أكَاذيبك الزّائِفة .

السلام عليكم
كان النص نزيفا من خاصرة الغياب فعلا
كم هو جميل هذا البوح ,أحاسيس متعبة في قالب من جمال وروعة النثر
رائعة يا نسرين
شكرا لك
ماسة

خليل حلاوجي
16-02-2013, 03:27 AM
نكتب لنؤثث هذا الكون الحزين ببعض المسرة ...


هنا وجدت الجمال .. حروفاً.

فاتن دراوشة
16-02-2013, 04:13 AM
أخيّتي الغالية نسرين

يسافر صدى نبضك في أوردة الغياب

فيرتشف منها بعض غبار الألم

تصنعين به عسلأ مرير الطّعم

يالروعة حرفك غاليتي

محبّتي

فاتن

ناديه محمد الجابي
24-07-2020, 12:54 PM
غياب الحبيب مؤلم كسهام تنغرس بالقلب، ويجتاحنا سؤال..
ما قيمة الحب إذا ضاع العمر في الإنتظار؟
نفتح دفاتر الذكريات ، ونزينها بألوان الحنين، وتنهمر سيول من الدموع
شوقا لهم .. ونشعر بهم يعبثون بأضلاعنا، يبعثرون ترتيب نبضاتنا
وتحلق الروح وحيدة بعيدة عن مرافئ الحنان والأمان.

ما أجمل ما قرأت هنا ـ بوح شاعري متبل بمشاعر العتاب والحب والاشتياق
في حروف تعالت في سماء الإبداع.
تقديري لجمال بوحك ـ فتنني حرفك.
:001::nj::0014:

أسيل أحمد
24-07-2020, 06:53 PM
عتب شفيف لا يصدر إلا من قلب محب
وألم من غياب في معزوفة مرصعة بجمال الحرف تثمل القلب من فيوض البوح الجميل
تقديري لنبضك الرقيق وحرفك الراقي.

عبدالحكم مندور
24-07-2020, 11:33 PM
هذا الفيض المتوارد من المشاعر والأحسيس المتدفقة والصور المتلاحقة تقدم لنا كاتبة لها إمكانيات متميزة ..خالص الشكر والتقدير

سحر أحمد سمير
25-07-2020, 11:00 AM
نثرية راقية الاحساس و الشّعور ..

بوركتِ أستاذة نسرين ؛

تحيّتي و احترامي