مشاهدة النسخة كاملة : الحاكم العادل
الجامعي بوشتى
26-11-2012, 05:47 PM
قال لحاجبه والقلعة شاهقة وحصينة :
-اذهب الى المدينة وتحسس لي اخبار الناس ،فاننا مسؤولون عنهم يوم لا ظل الا ظله.
صعد الحاجب الى اعلى برج في القلعة ،واطال النظر اتجاه المدينة ، كانت هادئة وساكنة وكانت الشمس ترسل اشعتها الذهبية الحارقة.وحيين غرقت المدينة في ليلها الكئيب اشرقت عيونها السود بوميض خاطف،دخل الحاجب على سيده وقال بلباقة:
- ادام الله عزكم سيدي فانتم ظل الله في الكون عم فضلكم الداني والقاصي ،وقد شغلت الناس افراحهم ، وارتفعت السنتهم بالدعاء بطول العمر لراعيهم
غمرت الدعةالحاكم وداعبته لذة النعاس ، واستسلم لخدراحلام جميلة ،رأى انه يطير فوق المدينة بجناحين من لهب
وكلما حلق في فضائها تناثرت شرارات اشعلت اطرافها، راقه ذلك فحلق عاليا فتحولت المدينة الى رماد.
وانصرم المصيف وامتدت يد الخريف تجرد الحقول من نضارتها ورونق بهائها ،وهب نسيم بارد يداعب الاشجار
الجرداء،نظر الحاكم الى السماء ،رأى سحبا شاردة تكنسها الرياحوقال لحاجبه :
-اذهب وانظر هل تغيرت المدينة واحوال الناس؟
راغ الحاجب الى شرفة برجه وتامل المدينة ،راى بيوتها الواطئة تتاجج ببريق خاطف ورأى الساحةوقد نصب فيها
الساسة واللصوص المشانق واقبل على سيده بوجه متهلل وخاطبه :
-ايها المنصف العادل انت يد الله التى تصون الميزان،هذه مدينتكم تستظل بظل السلام وتنعم بالاستقرار، فامور الناس في رواج
انبسطت اسارير الحاكم،فتجشا شبعا واوما الى الجواري، فرقصن على انسياب الحان عذبة، فداعب جمالهن فحولته
الغاربة،واخدته سنة من لذة الحلم راى فينقا ينبعث من رماد المدينة يحلق عاليا ،طارده كالسهم المارق.
بكت السماء بدمع وابل ضمد جراح المدينة وكفنت الثلوج احزانها، واوصد الحاكم ابواب قلعته ،ودخل في بيات شتوي
و لما صحا قال لحاجبه:
-انظر الى المدينةهل تغيرت احوالها ؟
تسلل الحاجب خلسة الى برجه ثم عاد الى سيده الذي يقبع امام دفئ نار هادئة وخاطبه في شكل تراتيل:
-أيها الحليم الامين انت عين الله التي لا تنام ، عطفك شامل و عطاؤك نائل ،فقر عينا واهنا بنعيم دائم
وداعب الكرى عينيه وراى في احلامه انه يهوي من شاهق السماء تتلقفه صغار الطير فيتطاير ريش جناحيه.
ولما اينعت الاشجار واخضرت المروج خرج الحاكم الى المدينة ، وما أن اقتحم الساحة حتى عصف به سيل هادر
من الارجل ، جرفه السيل بعيدا عن المدينة المشتعلة ، وحين استفاق زكمت انفه نتانة الازبال المتراكمة فوق جسده العاري
مصطفى حمزة
27-11-2012, 05:49 AM
أخي الأكرم ، الأستاذ الجامعي
أسعد الله أوقاتك
نصّ يقرأ المقروءَ والمُشاهَد من مصير المستبدّ القابع على صدور رعيّته !
يعيشُ في برجه العاجيّ متفضّلاً على رعيّته أنه تركهم يتنفّسون ، وحوله الملأ الذين يفرعنونه ساعة بعد ساعة على حين يمتصون
خيرات البلاد ويُذبّحون كرامتهم ويعكرون عيشهم !
أعجبني النصّ بسرده الجميل المتكئ على الحوار الخارجيّ البليغ ، وبخاتمته المريحة للقلب ، والصدر ، والعين ...
تحياتي وتقديري أيها النبيل
دمتَ بالف خير
الجامعي بوشتى
27-11-2012, 09:15 AM
اشكر قراءتك الدافئة للنص الاستاذ حمزة
فمقاربتك ابرزت دلالات المحكي
تحياتي
الفرحان بوعزة
27-11-2012, 02:42 PM
الأخ المبدع المتألق .. الجامعي بوشتى .. تحية طيبة ..
جميل أن تبدأ القصة بالجملة السردية التالية / جملة خاطفة وسريعة أسست أرضية مشتركة بين السارد والمتلقي .. وهو نوع من التشويق واستدراج القارئ على المتابعة ..
يتبين من خلال سلوك الحاجب أنه أعلم من الحاكم بأحوال الناس والبلاد ، ولكنه لا ينقل الواقع بأمانة للحاكم الذي يثق بروايته الشفوية التي ترفع إل الحاكم بين الحين والآخر .. حاجب غير موثوق به لأنه يقلب الحقائق ويزيفها ، هو يعرف جيداً كل المشاكل التي تتخبط فيها المدينة ولكنه يتغاضى عنها ليفسح المجال لانتشار الفساد والظلم .. حاجب لم ينزل ولو مرة إلى أحياء المدينة ، بل يرابض إما في قلعة البرج أو غرفته .. فهو يضلل الحاكم بأخباره الملفقة ..
قد نتخيل أن النص بسيط في حكايته ، وقد نجعله ينتمي إلى سالف الأزمان .. والواقع أنه منتزع من الحاضر ..
نص يكشف عن الخلل الموجود في التدبير والتسيير والمراقبة .. وليس كل من يتقلد المسؤولية أن يثق كل الثقة في من حوله ، وليس كل التقارير التي تصله حول وضعية البلاد كلها سليمة .. بعضها منسوجة للتضخيم وإخفاء الحقيقة ..
إنها رسالة قوية لكل من يتقلد المسؤولية بما فيهم الحاكم أن ينزل إلى الواقع ،يعاين ،يشاهد ، يرصد ، يسجل ،يرشد ، يتتبع الخلل ، ويحاسب من أخل بمسؤوليته ..
نص جميل ، كبير ومنيع ، كتب برمزية عالية ، رصد في عمقه ركائز هامة لبناء مجتمع سليم البنية : المسؤولية / الضمير / الإنسانية / وما يتفرع عنهما من إجراءات كالمعاينة والتدقيق والتحري الشفاف .. بعيداً عن المزايدة في التشخيص والرؤية من فوق .. وبذلك يمكن أن يتحقق السلم والأمان للبلاد والعباد ..
جميل ما كتبت أخي الجامعي ..
تقديري واحترامي ..
الفرحان بوعزة ..
عبد السلام هلالي
27-11-2012, 05:42 PM
نص جميل أخي بحواره وبسرد مشوق ونبض متسارع وقفلة مقتدة من واقع أمتنا مع حكامها.
المشكلة أخي أن الحكام ليسوا ضحية زبانيتهم ومستشاريهم وحوارييهم كما قد نعتقد لأنهم يعلمون كل كبيرة وصغيرة تجري في بلدانهم ، لكنهم يتجاهلون ذلك لأنهم استحبوا العرش على العدل وتمتعوا بالجزء الأكبر من الكعكة وأسلموا الوطن لأعداء الخارج قبل الداخل إما خوفا أو طمعا.....
دمت بخير .
الجامعي بوشتى
27-11-2012, 05:49 PM
نص جميل أخي بحواره وبسرد مشوق ونبض متسارع وقفلة مقتدة من واقع أمتنا مع حكامها.
المشكلة أخي أن الحكام ليسوا ضحية زبانيتهم ومستشاريهم وحوارييهم كما قد نعتقد لأنهم يعلمون كل كبيرة وصغيرة تجري في بلدانهم ، لكنهم يتجاهلون ذلك لأنهم استحبوا العرش على العدل وتمتعوا بالجزء الأكبر من الكعكة وأسلموا الوطن لأعداء الخارج قبل الداخل إما خوفا أو طمعا.....
دمت بخير .
اصبت اخي عبدالسلام
قراءة هادفة ومرور جميل
تحياتي
لانا عبد الستار
28-11-2012, 02:26 AM
كأني أقرأ في كتاب ألف ليلة وليلة
حاكم وحاجب ورسائل من السماء في الحلم
قصة واقعية يتبعها ربيع الشعوب
الأستاذ الجامعي بوشتي
أشكرك
الجامعي بوشتى
29-11-2012, 11:27 AM
كأني أقرأ في كتاب ألف ليلة وليلة
حاكم وحاجب ورسائل من السماء في الحلم
قصة واقعية يتبعها ربيع الشعوب
الأستاذ الجامعي بوشتي
أشكرك
شكرا اختي لانا على قراءتك الهادفة
ومرورك الجميل
تحياتي
ربيحة الرفاعي
03-12-2012, 12:42 AM
لقد حاول ذلك الأحمق أن يكون حاكما عادلا لكن بطانته غدرت به وزيفت الواقع
ربما كان هذا ممكنا في زمان مضى، لكنه اليوم حجة يحتجون بها كاذبين إذ يسقطون
ما عاد من خفي على حاكم ولا أقل، ولا عاد من فرصة للتغابي وقد دخل الإعلام بيوت الرعية وجال في صدور العوام قبل الخاصة يستجلي نبضهم وما يعانون ...
حكائية جميلة الفكرة حلوة التسديد
أهلا بك أيها الكريم في واحتك
تحاياي
نداء غريب صبري
10-05-2013, 02:54 AM
قصة سياسية مستلهمة من الربيع العربي
وفيها وصف لأكاذيبهم المكشوفة
وحوار جميل وممتع
شكرا لك أخي
بوركت
آمال المصري
13-05-2013, 01:38 AM
وكأني أقرأ أسطورة تاريخية أدبية بأسلوبها الرائع ورمزيتها العالية وسرديتها المبهرة
قص من واقع الشعوب تألقت فيه أديبنا الفاضل
ولكن سقطت منك الهمزات في مواضعها فاستوجبت المراجعة قبل النشر ليكتمل الألق
بوركت واليراع
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي
كاملة بدارنه
29-08-2013, 06:09 PM
قصّة رمزيّة هادفة ...
الحاكم العادل لابدّ وأن ينصره الله، وإن اجتمع عليه أعوانه، أمّا الظّالم المستبدّ فسيصلى سعيرا في الدّنيا والآخرة
حبّذا الانتباه للهمزة
بوركت
تقديري وتحيّتي
ناديه محمد الجابي
29-08-2013, 10:34 PM
قصة حكت الواقع والحادث في كل البلاد
وكيف ان البطانة السيئة هي التي تجعل من
الحاكم إنينا مغيبا يعيش في بحر من الوهام
لاهيا عن حقيقة ما يدور حوله غارقا في ملذاته
وإشباع أهواءه عن شعبه ومطالبه ومشاكله.
وكانها قصة من ألف ليلة في أشخاصها وطريقة سردها
ولكنها قصة الحكم والحاكم في كل مكان وكل زمان
سلمت يداك.
د. سمير العمري
17-05-2014, 04:11 PM
فأنت ترجع فساد الحاكم إلى بطانة السوء وهذا أمر مقبول ولكنه لا يعفي مسؤولية الحاكم على كل ما يجري وفي نصك الجميل دليل على أن الحاكم مسؤول عن الحرق وعن القمع حين يحلق بجناحيه فوق المدينة.
هو نص قصصي اعتمد أسلوبا مقبولا في الإسقاط وتأكيد الفكرة ، وكان جذابا للمتابع ولكن شابه بعض هنات قليلة في اللغة.
تقديري
محمد الشرادي
17-05-2014, 04:29 PM
قال لحاجبه والقلعة شاهقة وحصينة :
-اذهب الى المدينة وتحسس لي اخبار الناس ،فاننا مسؤولون عنهم يوم لا ظل الا ظله.
صعد الحاجب الى اعلى برج في القلعة ،واطال النظر اتجاه المدينة ، كانت هادئة وساكنة وكانت الشمس ترسل اشعتها الذهبية الحارقة.وحيين غرقت المدينة في ليلها الكئيب اشرقت عيونها السود بوميض خاطف،دخل الحاجب على سيده وقال بلباقة:
- ادام الله عزكم سيدي فانتم ظل الله في الكون عم فضلكم الداني والقاصي ،وقد شغلت الناس افراحهم ، وارتفعت السنتهم بالدعاء بطول العمر لراعيهم
غمرت الدعةالحاكم وداعبته لذة النعاس ، واستسلم لخدراحلام جميلة ،رأى انه يطير فوق المدينة بجناحين من لهب
وكلما حلق في فضائها تناثرت شرارات اشعلت اطرافها، راقه ذلك فحلق عاليا فتحولت المدينة الى رماد.
وانصرم المصيف وامتدت يد الخريف تجرد الحقول من نضارتها ورونق بهائها ،وهب نسيم بارد يداعب الاشجار
الجرداء،نظر الحاكم الى السماء ،رأى سحبا شاردة تكنسها الرياحوقال لحاجبه :
-اذهب وانظر هل تغيرت المدينة واحوال الناس؟
راغ الحاجب الى شرفة برجه وتامل المدينة ،راى بيوتها الواطئة تتاجج ببريق خاطف ورأى الساحةوقد نصب فيها
الساسة واللصوص المشانق واقبل على سيده بوجه متهلل وخاطبه :
-ايها المنصف العادل انت يد الله التى تصون الميزان،هذه مدينتكم تستظل بظل السلام وتنعم بالاستقرار، فامور الناس في رواج
انبسطت اسارير الحاكم،فتجشا شبعا واوما الى الجواري، فرقصن على انسياب الحان عذبة، فداعب جمالهن فحولته
الغاربة،واخدته سنة من لذة الحلم راى فينقا ينبعث من رماد المدينة يحلق عاليا ،طارده كالسهم المارق.
بكت السماء بدمع وابل ضمد جراح المدينة وكفنت الثلوج احزانها، واوصد الحاكم ابواب قلعته ،ودخل في بيات شتوي
و لما صحا قال لحاجبه:
-انظر الى المدينةهل تغيرت احوالها ؟
تسلل الحاجب خلسة الى برجه ثم عاد الى سيده الذي يقبع امام دفئ نار هادئة وخاطبه في شكل تراتيل:
-أيها الحليم الامين انت عين الله التي لا تنام ، عطفك شامل و عطاؤك نائل ،فقر عينا واهنا بنعيم دائم
وداعب الكرى عينيه وراى في احلامه انه يهوي من شاهق السماء تتلقفه صغار الطير فيتطاير ريش جناحيه.
ولما اينعت الاشجار واخضرت المروج خرج الحاكم الى المدينة ، وما أن اقتحم الساحة حتى عصف به سيل هادر
من الارجل ، جرفه السيل بعيدا عن المدينة المشتعلة ، وحين استفاق زكمت انفه نتانة الازبال المتراكمة فوق جسده العاري
أهلا اخي بوشتى
قذفته الأرجل إلى مزبلة التاريخ، غير مأسوف عليه. ذاك مصير كل مستبد ساه عن آلام شعبه...كل حاكم احاط نفسه ببطانة السوء...كل حاكم اوكل مهمته الأولى في رعاية الناس إلى من ليسوا أهلا لتلك المهمة.
مازلت اخي تكرع من التراث لإتحافنا بنصوصك المتألق...المشعة حكمة و موعظة.
دام لك المن و السلامة.
تحياتي
خلود محمد جمعة
19-05-2014, 09:17 AM
ليس الحكم للتشريف فقط بل هو تكليف لإصحاب الضمائر الحية
اولى مهامه الى شيطان من شياطين الانس وهو يعلم في قرارة نفسه ما يحدث لذا كانت تراوده تلك الاحلام
نهاية عادلة
سرد سلس بأسلوب مشوق من البداية حتى النهاية العادلة
اسجل اعجابي
مودتي وتقديري
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir