المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هنا الآخرة - محمود موسى



محمود موسى
17-12-2012, 01:12 PM
هنا الآخرة
إذاعةُ شمسِ الحقيقةِ تأتي إليكم
بأنبائِها العامرة
ونبدأُها بالعناوينِ:
تَمَّ العثورُ على مَن كفَّنَتْهُ يدُ الموتِ
في بطنِ سبعٍ
وفي قلب نهرٍ
وفي بئرِ أحلامِهِ السّاحرة..
هنا الآخرة..
سُكارَى –وليسوا سكارى-
يشُقّون أجداثهُم تحتَ أرضٍ
تقِيءُ الرؤوسَ وتَبْصُقُ أجسادَها
مِن مراقِدِها الحائرة..
هنا الآخرة..
جبالٌ كأسْطُورةٍ للعماليقِ تزحَفُ
منذرةً باجتياحِ الصُّفوفِ
لئِنْ فارقَتْ سيرَها ستبَعثِرُ في كلِّ صَفٍّ
وتجعَلُ أوَّلَهُ آخرهْ..
زحامٌ تَلَفَّعَ بالحَرِّ
والواقفونَ على دهشةِ الملتقى
يُقْسِمونَ على الغيبِ ما لَبِثوا غيرَ ساعة..
وإنَّ السَّماءَ دوائرُ مفْرَغَةٌ حينَ شَقَّقَها الهَوْلُ
يَنْزِلُ مَشْهَدُها بالعيونِ
فيَأتِي على كُلِّ فرْدٍ تناسَى لكَيْ يُنْعِشَ الذَّاكرة..
هنا –سادَتي سيّداتي- على موجةِ الحَشْرِ
ننقُلُ ما يُسْتَجَدُّ لنا حيثُ أرضٌ تُبَدَّلُ
نتركُكُم..
فاصلٌ.. ونزيد!
***
وعُدْنا إليكُم..
وقَدْ أحضِرَ الموتُ كَبشًا سيُذْبَحُ
بين الجِنان..
ونارٍ ستُفتَحُ عند الأوان..
ومِنْ قَبْلِ هذا نُتَابعُ
هذا مُراسِلُنا..
-أيُّها الفزعُ المتجَذِّرُ.. صِفْ ما تراه
-أرى الآنَ في أوجُهِ الواقفينَ حياةً
كنِصْفِ حياه..
أرى كلَّ نفسٍ تجادِلُ عن نفْسِها لا تُغالي..
لِجامٌ هو العَرَقُ المتثاقلُ فوق الجباه..
وثَلْجٌ هو الأبيضُ المترقرقُ دَمْعًا
بعينِ فتاةْ..
وهَمْسٌ حَدِيثُ القريبينَ مِنْ مُذنبٍ
سيَطُولُ بُكاه..
وهذا جِواري فتًى قد تعَلَّقَ في عُنْقِهِ كأسُ......
معذرةً..
إنَّني الآنَ ألمحُ تلكَ الصُّفوفَ قد اضطَرَبَتْ
حيثُ يَبْدُو بأنَّ المِشاهِدَ تقفزُ
خارقةً حاجزَ الوقتِ
إنّي أرى مِن مكاني ملائكةً
-كَم هو العدَدُ الآنَ؟
-العددُ الآنَ لَمْ يَتَّضِحْ بعدُ
دَعْني أشُقَّ الجموع..
أرى ما يُقاربُ سبعينَ ألف زمامٍ
كما سِدْرةٌ تحتويها فروع..
بكُلِّ زمامٍ على البُعْدِ يَقْبِضُ سبعونَ ألفًا
يَجُرُّونَ أمَّ العِقابِ (جَهَنَّمَ)
جاؤوا بها في خشوع..
ولكنْ... أتَسْمَعُ؟
ياللهزيم!
لقد آن لي الآن أفهمُ مَنْ قالَ فينا اتقوا يا مساكينُ
شَرَّ الحليم!
جَهَنَّمُ .. إني أراها تُوَزِّعُ بعضَ النداءاتِ
قائلةً: يا فلانُ هلُمَّ إليَّ فإنَّكَ مِنْ أهلِ هذا الجَحِيم!
كأنَّ المحاماةَ تُعْلِنُ إفلاسَها
والقضايا تغِيم..
وقد حان للحاضِرينَ بساحةِ مَوْلاهُمو
موعِدُ النُّطقِ بالحُكْمِ
والصَّمْتُ مستغرِقٌ كالسَّدِيم..
كأنِّي......
-ويبدو بأنَّ هنالكَ مشكلةً في الخطوط
يُخَيَّلُ لي أنَّ صوتَكَ بين اهتزازٍ وضَعْفٍ
تُرَى هل نُعيدُ اتصالاً بلاحِقِ وقتكَ أم....
-لا.. ولكنْ هي الشَّمسُ دانيةٌ والسَّماءُ انشقاقٌ
يَلِيها انشقاق..
ورُعْبُ المُحِيطِينَ
يَقْطَعُ مَوْجاتِ هذا الأثيرِ جِواري..
وَتلتَفُّ ساقٌ بساق..
ويخطفني ما بدا في الوجوهِ
إذا نطقَتْ دُون أدْنَى نفاق..
لهذا فلِلصَوْتِ.... مهلا!
جموعُ المحيطينَ قد هرولَتْ، لستُ أدري إلى أينَ،
هذا الذي يقفُ الآنَ عِنْدَ اليمينِ
ويُشْبهُ طينَ الحياةِ
يقولون......
آدمَ !!
يلتمِسونَ الشَّفاعةَ.. بل ويعيدونَ......
عذرًا؛ سأقتربُ الآنَ أكثرَ
ياللمهابةِ
إني أشاهد من لا يقلُّ عن الواقفين انهيارًا
كما أتوقَّعُ
ليسَ بيومِ المنَصَّاتِ هذا
وليسَ بيومِ الهُتافاتِ.. كَلاَّ
وليسَ بيومِ الزَّعاماتِ قَطْعًا
ولا الحركاتِ ولا الالتحاماتِ
ليسَ بيومِ الجِمالِ ويومِ الخِيامِ
ولا "المليونياتِ"،
ليسَ بيومِ رحيلِ النظامِ
وكسرِ العِظامِ
ولكنَّهُ يومُ حَشْرِ الوحوشِ
وطمسِ الجيوشِ و.....
دعْني أفَصِّل..
فآدمُ يسْمَعُهُم إذ يستغيثون:
فاشْفع لنا؛ طال فينا انتظارٌ لبَدْءِ الحسابِ
وإنَّا مِن العطشِ المتَحَجِّرِ كدْنا لَنَدْعو
بأنْ نُصْرَفَ الآن لو لجَهَنَّم..
وآدمُ قد بدأ الآن يَفْهَم..
يقول: لقد غضِبَ الله غضْبَتَهُ اليومَ
لمّا يكُن غاضبًا مثلَ هذا
على جَمعِنا قبلَ هذا..
ولن يتكَرَّرَ مِنْ بعدِ هذا..
وإنِّي لَيُثقِلُني الذنبُ فلْتَذهَبوا حيثُ "نوحٌ"
فَمُحتَمَلٌ أن يحوزَ الشَّفاعةَ أمَّا أنا
فنفسيَ.. نفسي
ونوحٌ يمُدُّ الخُطَى للخليل..
ونَفسيَ نفسي
يقول: أنا الشافعُ المستحيل..
على البُعْدِ "موسى" لعلَّ بموسى يكون البديل..
ونفسيَ نفسي
يقولُ الكليمُ على البُعْدِ يبدو المسيح..
فإنِّي لأسْمعُ ذنبي يصيح..
ولكنَّ عيسَى كمَنْ سبقوهُ هو المستجارُ الصريح..
يقول اذهبوا لمُحَمَّد..
ولا تَحْسَبوا أنَّ غوثَ المُريدينَ
يكفيهِ صوتُ المديح..
محمَّدٌ المصطفى سيُهَنْدِسُ آمالَكُم في قصورِِ النَّعيمِ
ينادي على كلِّ مَنْ آمنوا: "أمَّتي .. أمَّتي" حين يأتي
وإنِّي مرَرْتُ عليه بذاكَ المكانِ وأبْصَرْتُهُ ساجدًا
بانتظارِ المساكينِ بالمَيْمَنة..
***
إذاعةُ شمسِ الحقيقةِ تأتي إليكم
وتغطيةٌ تستَمِرُّ وتَقفزُ فوق الأماكنِ
والأزمِنة..
ولا ظُلمَ يا صاحِبِي اليومَ، فاليوم يُختَمُ
فوقَ الأقاويلِ والألسنة..
يحاسَبُ فيه الجميعِ ويُقتَصُّ
للشاةِ والطيرِ والعَبْدِ والمُحْصَنَة..
نتابعُكُم في مدارِ القيامةِ ننقُلُ ما يُسْتَجَدُّ
ولكنَّ يومًا طويلاً هنا بانتظاري
سيَمْتَدُّ خمسين ألفَ سنة!

17/12/2012

سهى رشدان
17-12-2012, 06:20 PM
يا الله
كم طاب لي المكوث هنا
أحييك
باقا نرجس

محمود موسى
17-12-2012, 10:16 PM
يا الله
كم طاب لي المكوث هنا
أحييك
باقا نرجس

أضأتِ هنا سهى
كل التقدير :)

ربيحة الرفاعي
28-12-2012, 10:20 AM
الشعر جميل ماتع
لكن الموضوع أرهبني بصوره .... وفكرته ... ومدى جواز هذا التصوير وبهذه الكيفية

قرأتها مرارا
وعاودتني ذات التساؤلات في كل مرة

دمت بألق شاعرنا
وأهلا بك في واحتك

تحاياي

جلال طه الجميلي
29-12-2012, 01:26 AM
أسقاطات مشاهد الاخرة بطريقة شعرية متهكمة حينا
وخيالية حينا اخر..كأنه يخدش هيبتها ويوهي جلالها
ورغم ذلك فالقصيدة أشاغت في النفس جوا من الرهبة
وأحساسا عنيفا لمدى ضعفنا أمام الخالق العظيم.
دمت بخير

محمود موسى
30-12-2012, 06:14 PM
الشعر جميل ماتع
لكن الموضوع أرهبني بصوره .... وفكرته ... ومدى جواز هذا التصوير وبهذه الكيفية

قرأتها مرارا
وعاودتني ذات التساؤلات في كل مرة

دمت بألق شاعرنا
وأهلا بك في واحتك

تحاياي

أشكرك ربيحة
المشكلة أن العنوان -كسائر الاقتباسات- يرن في أذني منذ سنين وأنا أحلم أن أنسج منه قصيدة.. وكلما تذكّرته كتبت بعضه حتى فرغت بالتاريخ المذكور :)

سهى رشدان
31-12-2012, 03:34 AM
كنت أول المارين على نصّك
ولكنّي لم أعطيه الرّد ْ المناسب
سيّدي
نصك هذا
أسرني كلّ مقطع فيه
خفت ُ مرة وفرحت لانتهاء الدنيا مرة اخرى
هنا الآخرة
كم راق لي المكوث هنا
أبدعت

آمال المصري
31-12-2012, 04:02 AM
أرهبتني واعتشت معها في جو مختلف يرسم يوم مهيب
شاعرنا الرائع ...
اعتدناك شعرا متجددا دائما
دامت اليراع التي نسجت
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

محمد كمال الدين
31-12-2012, 06:28 AM
لن أقول لك أبدعت
فربما أنت صدقت

أيها الشاعر شكرا للطرح

ولك خالص التحية

محمد ذيب سليمان
31-12-2012, 05:16 PM
ملكت النفوس واجبرتها على المتابعة حتى النفس الأخير

شكرا لك

محمود موسى
01-01-2013, 01:54 AM
أسقاطات مشاهد الاخرة بطريقة شعرية متهكمة حينا
وخيالية حينا اخر..كأنه يخدش هيبتها ويوهي جلالها
ورغم ذلك فالقصيدة أشاغت في النفس جوا من الرهبة
وأحساسا عنيفا لمدى ضعفنا أمام الخالق العظيم.
دمت بخير

أشكرك يا صديقي سعدت بمرورك .. ولكن للمعلومة : حاشاي أن أتهكم على مشاهد القيامة

ماهر يونس
01-01-2013, 02:36 AM
تصوير ذكي ومنفرد لمشاهد وأهوال ما سيأتي دون أي شك..شعرت بحزنك وألمك في كل السطور..
أدمنت حرفك من هذه اللحظة وسأقرأ لك كل جديد أديبنا محمود
دمت مبدعا

نهلة عبد العزيز
01-01-2013, 05:19 AM
كلمات داعبت خيالى

وحركت بداخلى احساسى

ابدعتَ فى رسم حروفها واختيار عنوانها

فاخرجتَ لنا لوحة مثيره أرهبتني

هل انت مروض للقلم أم للقلوب؟

رائع بحق اخي محمود

محمود موسى
02-01-2013, 07:43 AM
كنت أول المارين على نصّك
ولكنّي لم أعطيه الرّد ْ المناسب
سيّدي
نصك هذا
أسرني كلّ مقطع فيه
خفت ُ مرة وفرحت لانتهاء الدنيا مرة اخرى
هنا الآخرة
كم راق لي المكوث هنا
أبدعت

يروق لي مكوثك أكثر مما يروق لك
شكرا جزيلا :)

محمود موسى
04-01-2013, 07:45 AM
أرهبتني واعتشت معها في جو مختلف يرسم يوم مهيب
شاعرنا الرائع ...
اعتدناك شعرا متجددا دائما
دامت اليراع التي نسجت
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

وأنا اعتدتُ كرَمًا في مرورك آمال
سعدتُ بك

جلال طه الجميلي
04-01-2013, 09:03 PM
الاخ الشاعر المجيد محمود موسى....وانا اقول حاشاك ان تتهكم ولا ادري كيف ندّت مني هذه الكلمة
واني اسجل هنا بان القصيدة( وثبة..في عالم الصورة الشعرية)
دمت متالقا

محمود موسى
05-01-2013, 08:05 PM
الاخ الشاعر المجيد محمود موسى....وانا اقول حاشاك ان تتهكم ولا ادري كيف ندّت مني هذه الكلمة
واني اسجل هنا بان القصيدة( وثبة..في عالم الصورة الشعرية)
دمت متالقا

حفظك الله يا صديقي
شهادة أعتز بها من جميل مثلك

د. سمير العمري
07-02-2013, 11:07 PM
لك شاعرية أعرفها ، وهنا كان للشعر نكهة الرهبة بالتذكير بحال العباد يوم الحساب.

ولكن أصارحك بأن في النفس شيء من ربط مشهد هول يوم عظيم بما نراه من أهوال الدنيا فثمة ما أجده لا يليق هنا من الناحية العقائدية والشرعية دون طعن في نيتك أو تقاك!

تقديري